عباس الابيض
10-01-2011, 11:32 AM
[3/3]
يتطرق رجب الى المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب، ككريم فخراوي، الذي مات جوعاً لأنه فقد قدرته على البلع جرّاء التعذيب، يضيف إنه كان يصرخ قبل موته «أريد روب (لبن)».
http://www.al-akhbar.com/system/files/imagecache/465img/p24_20110923_pic1.jpg
معارض بحريني خلال تظاهرة جرت قبل أسبوعين (حسن جمالي ــ أ ب)
التعذيب ليس ظاهرة غريبة على الأجهزة الأمنية في البحرين، وخلال الأزمة الأخيرة تفنن «أصحاب القلوب الميتة» في استنباط وسائل مقزّزة فريدة من نوعها. والمؤسف أيضاً كان تحول المملكة الى «ساحة حرب»، فلُحظت مفردات كـ«التطهير والتمشيط والعدو»، فضلاً عن تصنيف الناس بين «عملاء وشرفاء». وبما أنّه في الحرب غالباً ما تسقط المحرمات، فقد سُجلت حالات اعتداء جنسي عديدة نالت من النساء والرجال معاً.
ومن بين القصص المأساوية للانتفاضة تبرز قصة الشيخ حسن مشيمع، أحد أبرز قادة المعارضة؛ فرغم كبر سنّه وحاجته إلى إكمال العلاج من ورم سرطاني، كان عرضة كغيره للتعذيب والإهانة
شهيرة سلّوم
تحرشات جنسية، اغتصاب، فصل جماعي من العمل، هدم مساجد، تلك أمور كانت عادية بالنسبة إلى المواطن البحريني خلال أيام الانتفاضة. «فليعلم الملك أنّ هذا الأسلوب خوّف شعبه ولجمه الى حين، وحفظ له السلطة، لكنه خسر حب الشعب»، هكذا تصف إحدى الناشطات البحرينيات ما جرى، «وهذا لا يضاهيه شيء».
التحرشات الجنسية عديدة، يذكر منها الناشط الحقوقي نبيل رجب حالتين، لم تصلا الى مرحلة الاغتصاب، المعتدي الأول مجنّس والثاني بحريني أصيل (كما يعبر السكان المحليون)، ورفعتها الجمعيات الحقوقية الى الجهات الأمنية المختصة التي لم تقم بواجبها بعد في هذا المجال.
في الحالة الأولى، اعتدى عناصر أمنيون على فتاة داخل منزلها وبوجود أسرتها بعدما دهموا منزلهم، لكن الفتاة أصيبت بانهيار نفسي، وهو ما دفع المعتدي الى التراجع. أما الحالة الثانية، فالدورة الشهرية أنقذت الفتاة من الاغتصاب.
التحرش لم يكن ضد النساء وحدهن، فالرجال نالوا نصيبهم، وبينهم نبيل رجب. يتحدث عن تجربة اختطافه لساعات ونقله الى مكان غير معروف، والتحقيق معه وضربه وتهديده وهو معصوب العينين، قبل التحرش جنسياً به عبر محاولة ملامسة الأعضاء الحساسة. وبطبيعة عمله، رصد رجب العديد من حالات الاعتداء والتعذيب أثناء التحقيق. ويشير الى أساليب مستحدثة في التعذيب، كالصعق الكهربائي في الأعضاء التناسلية أو إدخال قضيب في المؤخرة، أو البصق داخل فم المعتقل وإجباره على بلعه.
ويتطرق رجب الى المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب، ككريم فخراوي، الذي مات جوعاً لأنه فقد قدرته على البلع جرّاء التعذيب، يضيف إنه كان يصرخ قبل موته «أريد روب (لبن)».
وزكريا العشيري الذي لم يكف عن قول الحمد الله أثناء التحقيق معه وتعذيبه، ما دفع المحققين، وكانوا من أصل باكستاني، الى حشو فمه بالورق لإخراسه. ولا يستغرب رجب هذه الأساليب الوحشية في التحقيق لأن ثقافة التعذيب معروفة لدى الأجهزة الأمنية البحرينية.
ويقول رجب إن هذه الأساليب القمعية «تدفع الشعب نحو التطرّف للأسف، وخصوصاً عندما يكون هذا الشعب قد تُرك وحده لأسباب سياسية وطائفية».
ويتطرق الى أسلوب المخبرين الذي اعتُمد للتجسس على الشعب ومعاقبة المعارضين داخل المدارس والجامعات والمؤسسات الخاصة والرسمية، وهو ما أحدث شقاً أهلياً ومذهبياً، إذ كانت الأجهزة تحرض الموالين لها على التجسس على زملائهم المعارضين في العمل والإخبار عنهم، وهو ما خلق نقمة عند المعاقبين بالفصل، على زملائهم المخبرين.
إضافة الى ذلك، هناك حالة الشيخ حسن مشيمع، أحد أبرز قادة المعارضة، المعتقل منذ بداية الحملة الأمنية. الشيخ حسن كان لتوّه قد عولج من إصابته بالورم السرطاني في منطقة النخاع والرقبة، حين قرر العودة الى البلاد بعد الانتفاضة، وشفاؤه من المرض يتطلب جرعات متعاقبة لمدة عامين كي لا تعاود الخلايا السرطانية التفريخ، هذا بحسب تشخيص الطبيب الذي رافق علاجه في بريطانيا.
العائلة قلقة جداً حالياً على الوضع الصحي للأب. فقد نُقل الى المستشفى مرّتين خلال الاعتقال، وأُعطي جرعتين لا تعرف العائلة ما هي طبيعتهما. وبما أنها لا تثق بالنظام وأجهزته الأمنية، فهي تخشى أن لا تكون هاتين الجرعتين مناسبتين لمرضه. وتتحدث عن تعرضه للتعذيب عبر سجنه انفرادياً وسكب الماء البارد عليه رغم مرضه، وإلقائه أرضاً وركله.
ونقل مشيمع حالته الصحية الى اللجنة الدولية، فأجروا فحوصاً له، وحتى الآن ترفض الجهات الحكومية إعطاء عائلته نتيجة هذه الفحوص لنقلها إلى الطبيب المعالج في لندن، وهو ما يزيد القلق، لأن طبيعة مرضه ليس لها آثار ظاهرية. ويروي ابنه علي بعض فصول معاناة والده مع المرض.
ويقول إنه في الفترة التي أعلنت فيها السلطة كشف مؤامرة لقلب النظام أعدتها ما سمتها خلية التنظيم الإرهابي (صيف 2010)، جاءهم شخص من السفارة البحرينية في لندن، وقال للشيخ حسن «الملك ينقل إليك تحياته ويتمنى لك الشفاء العاجل، وهو يتابع أمورك جيداً»، وكان هذا الشخص، بحسب علي، يحمل كيساً أنيقاً قدّمه اليه قائلاً «هذه هدية بسيطة من عند الملك».
سأله الوالد «ما هذا»، فأجاب الضيف «إنه مبلغ متواضع من المال»، فغضب مشيمع وقال «أتريد أن تشتريني في أواخر عمري». كان هذا قبل أسبوعين من اعتقال أعضاء المجموعة. ومن أجل مزيد من الضغط عليه، أرسلت السلطة رسالة الى السفارة البحرينية وطلبت وقف علاج مشيمع؛ فوزارة الصحة البحرينية تتكلف عادة بمعالجة مواطنيها الذين يعانون أمراضاً مستعصية على نفقتها في الخارج. وبعد بعض الوقت، اعتقلت السلطات ابنه محمد، والتهمة حيازة «فلتيات» (مقلاع) وتوزيعها على الشباب وبث أخبار شائعة، ومنعت عنه الزيارة 5 أشهر، قبل أن تفرج عنه قبل أسبوع.
«ساحة حرب»
ويشير رجب الى أنّه بسبب شراسة الحملة الأمنية تحولت الانتفاضة من انتفاضة ورود الى انتفاضة مواجهة ودفاع وهجوم. ويروي محتجون مواجهاتهم مع الشرطة. ويقولون إنهم كانوا يحاصرون أحياناً عدداً معيناً من عناصر الأمن ويبدأون بإمطارهم بالحجارة والطماطم والبيض، أو ينصبون لهم فخاً ويستدرجونهم الى داخل القرية ويضعون في الشوارع مسامير ما إن تمرّ سيارات الشرطة عليها حتى تُثقب إطاراتها.
وبسبب التضييق الإعلامي، كان لا بد من وسيلة لإيصال الصوت؛ فبدأ المحتجون بالكتابة والرسم على الجدران للتعبير عن احتجاجهم. واستخدموا في رواياتهم تعابير «كالعدو، وساحة حرب»، وهو ما يعكس حجم المأساة التي تعيشها المملكة، كأنها على حافة الانزلاق الى حرب أهلية.
يتطرق رجب الى المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب، ككريم فخراوي، الذي مات جوعاً لأنه فقد قدرته على البلع جرّاء التعذيب، يضيف إنه كان يصرخ قبل موته «أريد روب (لبن)».
http://www.al-akhbar.com/system/files/imagecache/465img/p24_20110923_pic1.jpg
معارض بحريني خلال تظاهرة جرت قبل أسبوعين (حسن جمالي ــ أ ب)
التعذيب ليس ظاهرة غريبة على الأجهزة الأمنية في البحرين، وخلال الأزمة الأخيرة تفنن «أصحاب القلوب الميتة» في استنباط وسائل مقزّزة فريدة من نوعها. والمؤسف أيضاً كان تحول المملكة الى «ساحة حرب»، فلُحظت مفردات كـ«التطهير والتمشيط والعدو»، فضلاً عن تصنيف الناس بين «عملاء وشرفاء». وبما أنّه في الحرب غالباً ما تسقط المحرمات، فقد سُجلت حالات اعتداء جنسي عديدة نالت من النساء والرجال معاً.
ومن بين القصص المأساوية للانتفاضة تبرز قصة الشيخ حسن مشيمع، أحد أبرز قادة المعارضة؛ فرغم كبر سنّه وحاجته إلى إكمال العلاج من ورم سرطاني، كان عرضة كغيره للتعذيب والإهانة
شهيرة سلّوم
تحرشات جنسية، اغتصاب، فصل جماعي من العمل، هدم مساجد، تلك أمور كانت عادية بالنسبة إلى المواطن البحريني خلال أيام الانتفاضة. «فليعلم الملك أنّ هذا الأسلوب خوّف شعبه ولجمه الى حين، وحفظ له السلطة، لكنه خسر حب الشعب»، هكذا تصف إحدى الناشطات البحرينيات ما جرى، «وهذا لا يضاهيه شيء».
التحرشات الجنسية عديدة، يذكر منها الناشط الحقوقي نبيل رجب حالتين، لم تصلا الى مرحلة الاغتصاب، المعتدي الأول مجنّس والثاني بحريني أصيل (كما يعبر السكان المحليون)، ورفعتها الجمعيات الحقوقية الى الجهات الأمنية المختصة التي لم تقم بواجبها بعد في هذا المجال.
في الحالة الأولى، اعتدى عناصر أمنيون على فتاة داخل منزلها وبوجود أسرتها بعدما دهموا منزلهم، لكن الفتاة أصيبت بانهيار نفسي، وهو ما دفع المعتدي الى التراجع. أما الحالة الثانية، فالدورة الشهرية أنقذت الفتاة من الاغتصاب.
التحرش لم يكن ضد النساء وحدهن، فالرجال نالوا نصيبهم، وبينهم نبيل رجب. يتحدث عن تجربة اختطافه لساعات ونقله الى مكان غير معروف، والتحقيق معه وضربه وتهديده وهو معصوب العينين، قبل التحرش جنسياً به عبر محاولة ملامسة الأعضاء الحساسة. وبطبيعة عمله، رصد رجب العديد من حالات الاعتداء والتعذيب أثناء التحقيق. ويشير الى أساليب مستحدثة في التعذيب، كالصعق الكهربائي في الأعضاء التناسلية أو إدخال قضيب في المؤخرة، أو البصق داخل فم المعتقل وإجباره على بلعه.
ويتطرق رجب الى المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب، ككريم فخراوي، الذي مات جوعاً لأنه فقد قدرته على البلع جرّاء التعذيب، يضيف إنه كان يصرخ قبل موته «أريد روب (لبن)».
وزكريا العشيري الذي لم يكف عن قول الحمد الله أثناء التحقيق معه وتعذيبه، ما دفع المحققين، وكانوا من أصل باكستاني، الى حشو فمه بالورق لإخراسه. ولا يستغرب رجب هذه الأساليب الوحشية في التحقيق لأن ثقافة التعذيب معروفة لدى الأجهزة الأمنية البحرينية.
ويقول رجب إن هذه الأساليب القمعية «تدفع الشعب نحو التطرّف للأسف، وخصوصاً عندما يكون هذا الشعب قد تُرك وحده لأسباب سياسية وطائفية».
ويتطرق الى أسلوب المخبرين الذي اعتُمد للتجسس على الشعب ومعاقبة المعارضين داخل المدارس والجامعات والمؤسسات الخاصة والرسمية، وهو ما أحدث شقاً أهلياً ومذهبياً، إذ كانت الأجهزة تحرض الموالين لها على التجسس على زملائهم المعارضين في العمل والإخبار عنهم، وهو ما خلق نقمة عند المعاقبين بالفصل، على زملائهم المخبرين.
إضافة الى ذلك، هناك حالة الشيخ حسن مشيمع، أحد أبرز قادة المعارضة، المعتقل منذ بداية الحملة الأمنية. الشيخ حسن كان لتوّه قد عولج من إصابته بالورم السرطاني في منطقة النخاع والرقبة، حين قرر العودة الى البلاد بعد الانتفاضة، وشفاؤه من المرض يتطلب جرعات متعاقبة لمدة عامين كي لا تعاود الخلايا السرطانية التفريخ، هذا بحسب تشخيص الطبيب الذي رافق علاجه في بريطانيا.
العائلة قلقة جداً حالياً على الوضع الصحي للأب. فقد نُقل الى المستشفى مرّتين خلال الاعتقال، وأُعطي جرعتين لا تعرف العائلة ما هي طبيعتهما. وبما أنها لا تثق بالنظام وأجهزته الأمنية، فهي تخشى أن لا تكون هاتين الجرعتين مناسبتين لمرضه. وتتحدث عن تعرضه للتعذيب عبر سجنه انفرادياً وسكب الماء البارد عليه رغم مرضه، وإلقائه أرضاً وركله.
ونقل مشيمع حالته الصحية الى اللجنة الدولية، فأجروا فحوصاً له، وحتى الآن ترفض الجهات الحكومية إعطاء عائلته نتيجة هذه الفحوص لنقلها إلى الطبيب المعالج في لندن، وهو ما يزيد القلق، لأن طبيعة مرضه ليس لها آثار ظاهرية. ويروي ابنه علي بعض فصول معاناة والده مع المرض.
ويقول إنه في الفترة التي أعلنت فيها السلطة كشف مؤامرة لقلب النظام أعدتها ما سمتها خلية التنظيم الإرهابي (صيف 2010)، جاءهم شخص من السفارة البحرينية في لندن، وقال للشيخ حسن «الملك ينقل إليك تحياته ويتمنى لك الشفاء العاجل، وهو يتابع أمورك جيداً»، وكان هذا الشخص، بحسب علي، يحمل كيساً أنيقاً قدّمه اليه قائلاً «هذه هدية بسيطة من عند الملك».
سأله الوالد «ما هذا»، فأجاب الضيف «إنه مبلغ متواضع من المال»، فغضب مشيمع وقال «أتريد أن تشتريني في أواخر عمري». كان هذا قبل أسبوعين من اعتقال أعضاء المجموعة. ومن أجل مزيد من الضغط عليه، أرسلت السلطة رسالة الى السفارة البحرينية وطلبت وقف علاج مشيمع؛ فوزارة الصحة البحرينية تتكلف عادة بمعالجة مواطنيها الذين يعانون أمراضاً مستعصية على نفقتها في الخارج. وبعد بعض الوقت، اعتقلت السلطات ابنه محمد، والتهمة حيازة «فلتيات» (مقلاع) وتوزيعها على الشباب وبث أخبار شائعة، ومنعت عنه الزيارة 5 أشهر، قبل أن تفرج عنه قبل أسبوع.
«ساحة حرب»
ويشير رجب الى أنّه بسبب شراسة الحملة الأمنية تحولت الانتفاضة من انتفاضة ورود الى انتفاضة مواجهة ودفاع وهجوم. ويروي محتجون مواجهاتهم مع الشرطة. ويقولون إنهم كانوا يحاصرون أحياناً عدداً معيناً من عناصر الأمن ويبدأون بإمطارهم بالحجارة والطماطم والبيض، أو ينصبون لهم فخاً ويستدرجونهم الى داخل القرية ويضعون في الشوارع مسامير ما إن تمرّ سيارات الشرطة عليها حتى تُثقب إطاراتها.
وبسبب التضييق الإعلامي، كان لا بد من وسيلة لإيصال الصوت؛ فبدأ المحتجون بالكتابة والرسم على الجدران للتعبير عن احتجاجهم. واستخدموا في رواياتهم تعابير «كالعدو، وساحة حرب»، وهو ما يعكس حجم المأساة التي تعيشها المملكة، كأنها على حافة الانزلاق الى حرب أهلية.