المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا خسر الملك حب شعبه ... فصول من المأساة المنسية في مملكة البحرين



عباس الابيض
10-01-2011, 11:32 AM
[3/3]

يتطرق رجب الى المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب، ككريم فخراوي، الذي مات جوعاً لأنه فقد قدرته على البلع جرّاء التعذيب، يضيف إنه كان يصرخ قبل موته «أريد روب (لبن)».



http://www.al-akhbar.com/system/files/imagecache/465img/p24_20110923_pic1.jpg


معارض بحريني خلال تظاهرة جرت قبل أسبوعين (حسن جمالي ــ أ ب)



التعذيب ليس ظاهرة غريبة على الأجهزة الأمنية في البحرين، وخلال الأزمة الأخيرة تفنن «أصحاب القلوب الميتة» في استنباط وسائل مقزّزة فريدة من نوعها. والمؤسف أيضاً كان تحول المملكة الى «ساحة حرب»، فلُحظت مفردات كـ«التطهير والتمشيط والعدو»، فضلاً عن تصنيف الناس بين «عملاء وشرفاء». وبما أنّه في الحرب غالباً ما تسقط المحرمات، فقد سُجلت حالات اعتداء جنسي عديدة نالت من النساء والرجال معاً.

ومن بين القصص المأساوية للانتفاضة تبرز قصة الشيخ حسن مشيمع، أحد أبرز قادة المعارضة؛ فرغم كبر سنّه وحاجته إلى إكمال العلاج من ورم سرطاني، كان عرضة كغيره للتعذيب والإهانة


شهيرة سلّوم


تحرشات جنسية، اغتصاب، فصل جماعي من العمل، هدم مساجد، تلك أمور كانت عادية بالنسبة إلى المواطن البحريني خلال أيام الانتفاضة. «فليعلم الملك أنّ هذا الأسلوب خوّف شعبه ولجمه الى حين، وحفظ له السلطة، لكنه خسر حب الشعب»، هكذا تصف إحدى الناشطات البحرينيات ما جرى، «وهذا لا يضاهيه شيء».

التحرشات الجنسية عديدة، يذكر منها الناشط الحقوقي نبيل رجب حالتين، لم تصلا الى مرحلة الاغتصاب، المعتدي الأول مجنّس والثاني بحريني أصيل (كما يعبر السكان المحليون)، ورفعتها الجمعيات الحقوقية الى الجهات الأمنية المختصة التي لم تقم بواجبها بعد في هذا المجال.

في الحالة الأولى، اعتدى عناصر أمنيون على فتاة داخل منزلها وبوجود أسرتها بعدما دهموا منزلهم، لكن الفتاة أصيبت بانهيار نفسي، وهو ما دفع المعتدي الى التراجع. أما الحالة الثانية، فالدورة الشهرية أنقذت الفتاة من الاغتصاب.

التحرش لم يكن ضد النساء وحدهن، فالرجال نالوا نصيبهم، وبينهم نبيل رجب. يتحدث عن تجربة اختطافه لساعات ونقله الى مكان غير معروف، والتحقيق معه وضربه وتهديده وهو معصوب العينين، قبل التحرش جنسياً به عبر محاولة ملامسة الأعضاء الحساسة. وبطبيعة عمله، رصد رجب العديد من حالات الاعتداء والتعذيب أثناء التحقيق. ويشير الى أساليب مستحدثة في التعذيب، كالصعق الكهربائي في الأعضاء التناسلية أو إدخال قضيب في المؤخرة، أو البصق داخل فم المعتقل وإجباره على بلعه.

ويتطرق رجب الى المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب، ككريم فخراوي، الذي مات جوعاً لأنه فقد قدرته على البلع جرّاء التعذيب، يضيف إنه كان يصرخ قبل موته «أريد روب (لبن)».

وزكريا العشيري الذي لم يكف عن قول الحمد الله أثناء التحقيق معه وتعذيبه، ما دفع المحققين، وكانوا من أصل باكستاني، الى حشو فمه بالورق لإخراسه. ولا يستغرب رجب هذه الأساليب الوحشية في التحقيق لأن ثقافة التعذيب معروفة لدى الأجهزة الأمنية البحرينية.

ويقول رجب إن هذه الأساليب القمعية «تدفع الشعب نحو التطرّف للأسف، وخصوصاً عندما يكون هذا الشعب قد تُرك وحده لأسباب سياسية وطائفية».

ويتطرق الى أسلوب المخبرين الذي اعتُمد للتجسس على الشعب ومعاقبة المعارضين داخل المدارس والجامعات والمؤسسات الخاصة والرسمية، وهو ما أحدث شقاً أهلياً ومذهبياً، إذ كانت الأجهزة تحرض الموالين لها على التجسس على زملائهم المعارضين في العمل والإخبار عنهم، وهو ما خلق نقمة عند المعاقبين بالفصل، على زملائهم المخبرين.

إضافة الى ذلك، هناك حالة الشيخ حسن مشيمع، أحد أبرز قادة المعارضة، المعتقل منذ بداية الحملة الأمنية. الشيخ حسن كان لتوّه قد عولج من إصابته بالورم السرطاني في منطقة النخاع والرقبة، حين قرر العودة الى البلاد بعد الانتفاضة، وشفاؤه من المرض يتطلب جرعات متعاقبة لمدة عامين كي لا تعاود الخلايا السرطانية التفريخ، هذا بحسب تشخيص الطبيب الذي رافق علاجه في بريطانيا.

العائلة قلقة جداً حالياً على الوضع الصحي للأب. فقد نُقل الى المستشفى مرّتين خلال الاعتقال، وأُعطي جرعتين لا تعرف العائلة ما هي طبيعتهما. وبما أنها لا تثق بالنظام وأجهزته الأمنية، فهي تخشى أن لا تكون هاتين الجرعتين مناسبتين لمرضه. وتتحدث عن تعرضه للتعذيب عبر سجنه انفرادياً وسكب الماء البارد عليه رغم مرضه، وإلقائه أرضاً وركله.

ونقل مشيمع حالته الصحية الى اللجنة الدولية، فأجروا فحوصاً له، وحتى الآن ترفض الجهات الحكومية إعطاء عائلته نتيجة هذه الفحوص لنقلها إلى الطبيب المعالج في لندن، وهو ما يزيد القلق، لأن طبيعة مرضه ليس لها آثار ظاهرية. ويروي ابنه علي بعض فصول معاناة والده مع المرض.

ويقول إنه في الفترة التي أعلنت فيها السلطة كشف مؤامرة لقلب النظام أعدتها ما سمتها خلية التنظيم الإرهابي (صيف 2010)، جاءهم شخص من السفارة البحرينية في لندن، وقال للشيخ حسن «الملك ينقل إليك تحياته ويتمنى لك الشفاء العاجل، وهو يتابع أمورك جيداً»، وكان هذا الشخص، بحسب علي، يحمل كيساً أنيقاً قدّمه اليه قائلاً «هذه هدية بسيطة من عند الملك».

سأله الوالد «ما هذا»، فأجاب الضيف «إنه مبلغ متواضع من المال»، فغضب مشيمع وقال «أتريد أن تشتريني في أواخر عمري». كان هذا قبل أسبوعين من اعتقال أعضاء المجموعة. ومن أجل مزيد من الضغط عليه، أرسلت السلطة رسالة الى السفارة البحرينية وطلبت وقف علاج مشيمع؛ فوزارة الصحة البحرينية تتكلف عادة بمعالجة مواطنيها الذين يعانون أمراضاً مستعصية على نفقتها في الخارج. وبعد بعض الوقت، اعتقلت السلطات ابنه محمد، والتهمة حيازة «فلتيات» (مقلاع) وتوزيعها على الشباب وبث أخبار شائعة، ومنعت عنه الزيارة 5 أشهر، قبل أن تفرج عنه قبل أسبوع.

«ساحة حرب»

ويشير رجب الى أنّه بسبب شراسة الحملة الأمنية تحولت الانتفاضة من انتفاضة ورود الى انتفاضة مواجهة ودفاع وهجوم. ويروي محتجون مواجهاتهم مع الشرطة. ويقولون إنهم كانوا يحاصرون أحياناً عدداً معيناً من عناصر الأمن ويبدأون بإمطارهم بالحجارة والطماطم والبيض، أو ينصبون لهم فخاً ويستدرجونهم الى داخل القرية ويضعون في الشوارع مسامير ما إن تمرّ سيارات الشرطة عليها حتى تُثقب إطاراتها.

وبسبب التضييق الإعلامي، كان لا بد من وسيلة لإيصال الصوت؛ فبدأ المحتجون بالكتابة والرسم على الجدران للتعبير عن احتجاجهم. واستخدموا في رواياتهم تعابير «كالعدو، وساحة حرب»، وهو ما يعكس حجم المأساة التي تعيشها المملكة، كأنها على حافة الانزلاق الى حرب أهلية.

عباس الابيض
10-01-2011, 11:42 AM
التهمة... شيعي وصهر معارض

فصول من المأساة المنسيّة في مملكة البحرين [2/3]

http://www.al-akhbar.com/system/files/imagecache/465img/image-mod.jpg


غازي برفقة ابن الملك ناصر (الأخبار)

كانت الحملة الأمنية التي استهدفت المعارضة شاملة، ولم يسبق أن لامست هذا المستوى من الحدّة طوال عقود من الاحتجاجات، واتخذت طابعاً طائفياً، وبات كل شيعي على «اللائحة السوداء» للحكومة، والهدف إظهار أن الانتفاضة شيعية وليست وطنية



شهيرة سلّوم

كان ناصر الرضيع قد تعلم للتوّ أن ينطق «بابا» حين اعتقلوا والده. ومنذ ذلك الحين لم يعد ينطقها. لم ير غازي ابنه وهو يحبو، ولم يواكب خطواته الأولى، ولم يتحسّس نموّ أسنانه. ناصر، الذي يحمل اسم ابن الملك، احتفل بميلاده الأول، فيما يقبع أبوه في السجن منذ أكثر من 6 أشهر. الغريب أن غازي ليس معارضاً أو ناشطاً سياسياً. لم يشارك في الاحتجاجات أو يذهب إلى دوار اللؤلؤة،

كل ما فعله كان كتابة جملة تدعو إلى الحرية في صفحته على «فايسبوك».

هو رجل أعمال معروف في البحرين وله علاقات مع شيوخ آل خليفة. كان يدعوهم لرعاية الأنشطة الخيرية التي كان يقيمها. يفكر بعقلية رجل الأعمال، ليس متديناً ولا يحب السياسية ولا يدعو إلى إسقاط النظام. فما الذي أودع غازي السجن إذاً؟ بالنسبة إلى النظام، لديه ما يكفي حتى يُزجّ في السجن. فهو شيعيٌ أولاً، وصهر سعيد الشهابي، أحد أبرز قادة المعارضة في الخارج، الذي رفض دعوة شخصية للملك للعودة إلى البلاد من دون تحقيق مطالب الشعب التاريخية في الإصلاح. حتى إن من اعتقلوه، تقول زوجته آلاء، أخبروه «نريد أن نحرق قلب عمّك عليك».

هذه كانت تهم غازي.


تتحدث آلاء عن كيفية اختطاف زوجها واقتياده إلى السجن من قبل 8 رجال ملثمين بثياب مدنية داخل موقف للسيارات. وتقول إنها تلقّت الخبر على «تويتر»، حيث ينشط المخبرون. تشير إلى أن زوجها في ذاك اليوم تناول الغداء ولعب مع ناصر، ثم عاد إلى عمله.

وفي المركز الذي اعتقل فيه، كان غازي يعرف الأمنيين، وكان عمّه شرطياً في المركز نفسه. تقول آلاء إنه يعرف أيضاً، شخصياً، الجلاد الذي عذّبه.

فهو لم يُعتقل فقط، بل نال نصيبه من التعذيب، شأنه شأن بقية المحتجين المعتقلين. فقد تعرض لتعذيب متواصل وضرب وحرمان من النوم.

وُجّهت إليه تهم بالتجمهر وبثّ شائعات كاذبة. ويشير محضر الاتهام الى تلك الجملة التي كتبها على فايسبوك «الناس تطالب بالحرية»، قبل أن يُحكم عليه بالسجن 3 سنوات، وهو أقصى حكم ممكن لمثل هذه التهم. أشهر مضت على الحكم وترفض المحكمة العسكرية حتى قبول الاستئناف.


رغم ذلك، كان غازي دوماً متفائلاً، وفي كل زيارة يقول لزوجته «إن شاء الله نكون معاً في شهر رمضان».

أتى شهر رمضان فقال لها «إن شاء الله في الفطر»، وهو الآن يأمل في عيد الأضحى. في المقابل، لم تُبد الأجهزة الأمنية أي رحمة تجاهه، ورفضوا طلبه لحضور جنازة ابنة خالته (25 عاماً).
وبما أن آلاء تحمل الجنسية البريطانية، سألها السفير البريطاني إن كانت تريد إخراج زوجها، فسيسعى لاستصدار عفو ملكي من أجله.

وتتحدث آلاء عن مساعيها لفكّ «ضيقة» زوجها وما لقيته من رئيس لجنة تقصّي الحقائق شريف بسيوني، لتعطي بذلك عيّنة عن طريقة عمل لجنة تقصّي الحقائق وتوجّهات رئيسها. تقول إنها حضرت أول مؤتمر صحافي عقده بسيوني في المنامة، قبل مباشرة اللجنة عملها، وطلبت لقاءه.

وعند ذهابها إلى اللقاء في الفندق الذي ينزل فيه، استقبلها محام يعمل في الديوان الملكي. وبعدها اجتمعت ببسيوني، وأول شيء قاله لها كان «أخبرت الملك أني سأراك، وأخبرني أنه التقى بوالدك في 2008 وطلب منه العودة، وحكموا عليه بالسجن المؤبّد».

فاستغربت آلاء ما قاله، وكيف سمح لنفسه بأن يُطلع الملك على اللقاء.

وعندها تساءلت عن حيادية عمل هذه اللجنة التي تتابع مع الملك أدقّ التفاصيل، وتقف على رأيه، وأجابته «لا أريد أن أناقش قضية والدي أو المعارضة، بل جئت من أجل زوجي». عندها سألها بسيوني عن قصة زوجها، وطلب من شخص أن يدوّن ما تقول، فاستغربت «أهي إفادة بأقوالي وأنتم لم تبدأوا العمل بعد»، فأجابها «أريد أن أرفع تقريراً بما يجري للملك».

تشير آلاء إلى أنها لمست دفاعاً من قبل بسيوني عن الملك، وقال لها إن «الملك لا يدري ماذا يجري في البلاد، ويريد أن يعرف كل التفاصيل والانتهاكات».

وتتساءل «أيُعقل، كل هذا القمع والاعتقالات والملك لا يدري؟!». وتابع بسيوني «الملك لبق ولطيف»، فأجابته «عندما التقاه والدي قال عنه الكلام نفسه. نحن لا نتكلم عن خصال الأشخاص، بل عن الخيارات السياسية».

وتقول الشهابي إن مستوى خطاب بسيوني وصل إلى درجة أنه نفى كل ادّعاءات التعذيب، وقال إنه حاول التوسط بين الملك والشارع لحل الأزمة، متسائلةً «فهل عملك تقصّي الحقائق أو الوساطة؟». وتضيف بغضب «فليذهب إلى أبي ويتفاوض وياه، لماذا يتفاوض على زوجي». وتشير إلى أن بسيوني يحاول تقديم نفسه «كمنقذ» هنا.

ولاحظت أن تعذيب زوجها ازداد بعد لقائها بسيوني. عندها رفعت إليه رسالة تخبره أن وساطته كانت سبباً مباشراً في تعذيب غازي، ونقله من زنزانه جماعية إلى زنزانه أخرى برفقة سجين مدان بالقتل. لكنه رفض هذا الافتراض. وتبادلت الرسائل معه، وفي إحداها وعد بزيارة زوجها، لكنه لم يفعل. وتقول آلاء إن «بسيوني منبهر بالملك، ويحاول تصوير أن هناك أطرافاً أقوى من الملك في السلطة، يريد أن يبرّئ السلطة والقول إن الخلاف الحقيقي بين أفراد الأسرة الحاكمة، وليس بين السلطة والمعارضة».

عباس الابيض
10-01-2011, 11:55 AM
حكايات التعذيب والقتل فتحت جرحاً لن يندمل


مواطن بحريني معتقل : «جاء المحقق الأردني وسألني، أقُلتَ بحرين حرة حرة يا مجنّس اطلع برّة... أجبته نعم فضربني بالهوز»


وصف رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، ما جرى خلال قمع الانتفاضة بأنّه «كربلاء».



فصول من المأساة المنسيّة في مملكة البحرين [1/3]


http://www.al-akhbar.com/system/files/imagecache/250img/p26_20110921_pic1.jpg

خلال تشييع جواد أحمد الذي قتل خلال تفريق
تظاهرة في سترة الأسبوع الماضي (حمد لمحمد ـ رويترز)



قد يظن النظام في البحرين أنّه مُحنّك ونجح في محاصرة انتفاضة الشعب عليه من خلال «القوة العمياء»؛ فالانتفاضة في النهاية لم تدفعه نحو التغيير، لكنّها خلّفت جرحاً عميقاً لدى مكوّن أساسي من شعبه لن يندمل بسهولة، ويحتاج إلى أكثر من إصلاحات لترميمه.

يُجمع البحرينيون على أنّ ما جرى لم يشاهدوه خلال عقود من الاحتجاجات، إذ خلق قمع النظام شرخاً أهلياً وزرع حقداً طائفياً غريباً على المملكة الصغيرة. لم تكن صدفة حين وصف رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، ما جرى خلال قمع الانتفاضة بأنّه «كربلاء».

تعرض «الأخبار» لمجموعة من القصص تعيد تسليط الضوء على المأساة المنسية لشعب المملكة، ولا سيما أن الأزمة مستمرة وهناك بوادر للانتفاض مجدداً

شهيرة سلّوم


لم يكن المرض يبدو على سعيد وهو يسرد مأساته ممدداً على سريره. بدا متحمساً ومؤمناً بقضيته، عارضاً لحقيقة الأزمة، مفنّداً أسبابها وتاريخها. كيف لا وهو ينتمي إلى جيل عاصر ثلاثة عقود من الاحتجاجات، في الثمانينيات والتسعينيات والانتفاضة الحالية.

يعود بالذاكرة إلى الاحتجاجات السابقة ويقول إن انتفاضة البحرين لم تكن صدى للثورات العربية، بل هي جزء من معاناة تاريخية لأبناء البحرين.

ويتحدث عن التجربة الأخيرة، مشيراً إلى أن كل شيء تغيّر بعد إعلان وليّ العهد أنه منفتح على الحوار على أساس النقاط السبع التي طرحتها المعارضة.

في هذه اللحظة أحسّ الشباب بالنصر. كان هناك تصفيق وتهليل عند دوار اللؤلؤة. وعاد الكثير من الشباب إلى منازلهم، «لكنهم صحوا فجر ذاك اليوم المشؤوم على مجزرة» (الفجر الذي هاجمت فيه القوات الأمنية الدوار وأخلته). ويتساءل «هل كانت خدعة؟ هل أرادوا بثّ الطمأنينة قبل أن يعصفونا بإجرامهم؟».

وبعدها بدأت الحملة الأمنية الشاملة وحُظرت التجمعات.

ويروي سعيد حادثة مؤلمة جرت أمامه في أحد أيام الاحتجاجات. كانت هناك أمٌ تبحث عن صديق ابنها «تصرخ بيننا وتقول هل رأيتم لي عبدو؟»، فأجابها أحدهم «أتقصدين ذاك الشاب الذي حمل الشهيد جواد إلى المستشفى»، وجواد هو ابنها.

ويقول سعيد «ذهبنا نبحث عن عبدو، فوجدناه هو الآخر قد مات جرّاء إصابته برصاصة في بطنه بعدما أسعف صديقه».

أولى إصابات سعيد كانت رصاصة مطاطية في كتفه. حصل ذلك خلال الاحتفال بمولد أحد الأولياء. كان الناس يسيرون في الشارع احتفالاً بالمناسبة، فدخلت الشرطة إلى المنطقة لتفريقهم، مستخدمةً الرصاص المطاطي والقنابل الغازية، نُقل على أثرها إلى المستشفى للعلاج بمركز صحي، كانت قوات «درع الجزيرة» تحاصره.

يقول سعيد إنه كان يجلس على كرسي نقّال حين أتى إليه عنصر من القوات وسأله عن عمله، فأجابه صديق بأنه معوق، لكن ردّ فعل الجندي كان قاسياً وضربه على رأسه.

عاد إلى المنزل وهو ينزف، فاستدعوا له طبيباً مصرياً لمعالجة الجرح. لكن هذا الطبيب ما لبث أن فُصل من عمله، بعدما فُضح أمر إسعافه للمتظاهرين. تعب سعيد، فجسمه الضعيف لا يحتمل كل هذا. فأُسعف إلى مستشفى السلمانية الذي تحوّل إلى مستشفى عسكري. أجرى له الطبيب فحوصاً فتبيّن أنه مصاب بخلل في الدم، وحالته تستوجب الدخول إلى المستشفى. رفض بداية بسبب خوفه مما شاهده حوله من عناصر أمنية ملثّمة، لكنه عاد وقبل.

مكث يومين، وفي فجر اليوم الثالث دخل عليه جندي بلباس قوة الدفاع. أيقظه وطلب منه أن يقف. هنا بدأ صوت سعيد يخفت شيئاً فشيئاً وهو يحدثنا، وتحول ذاك الشاب المتحمّس إلى شخص آخر، يأخذ بين الكلمة والكلمة نفساً. يتحدث بروية ويعصر يديه. يتابع قصته ويقول إن الأمني سأله إن كان شارك في الأحداث، لكن سعيد نفى، فدفعه بسلاحه، ووضع المسدس في رأسه، وسأله ألست خائفاً، وصار يصرخ ويهين «الخوف دفعني لأتبوّل في ثيابي» يقول سعيد. فتركه عندها الشرطي وذهب وهو يسخر منه.

انتقل الأمني إلى مصاب آخر في المستشفى. كان فتى لا يتجاوز 17 عاماً من العمر مصاباً بالسكّري. سأله إن شارك في الأحداث، ثم جرّه إلى خارج الغرفة وضربه، دخل بعدها الشاب في غيبوبة... ومات. تعب سعيد في المستشفى لم يعد يحتمل. كان أشبه بمعسكر، ولم يكن فيه أكل أو دواء كاف.

خرج سعيد لكن مرضه لم يمنعه من مواصلة الاحتجاج. يقول إن الجميع أُصيبوا بحالة هستيرية ولم يعودوا يخشون الموت. كانوا يخرجون إلى الشارع ويرمون بأنفسهم في الأماكن الخطرة. بعد فترة أصبحت الحكومة تتساهل مع المسيرات، وفي إحدى المرات خرج سعيد مع رفاقه في مسيرة على كرسيه النقّال يهتف ضدّ النظام، فتصدّت لهم الشرطة لتفريقهم، فأُصيب برصاص حي في رجله اليسرى وظهره.

عالجوه في البيت، بسبب عسكرة المراكز الصحية.

أخذ يصرخ «لماذا لم أمت»، وأمه تلطمه على فمه لتسكته «ألا يكفيني أنك مريض، أتريد أن تقتلني؟». يقول سعيد كان الجميع يصرخ «إنها كربلاء... فزنا ورب الكعبة».

«إنها كربلاء» هي الصرخة التي ردّدها كل ضحايا القمع في المملكة. ردّدها أيضاً طاهر، وهو يروي تجربته. طاهر، وهو ابن الناشط السياسي إبراهيم المدهون، تعرّض هو وإخوته الثلاثة للاعتقال والتعذيب لأشهر، وحُكم على اثنين منهم بالسجن 15 عشر عاماً.

كان الوالد ينقل صوت المعارضة إلى وسائل الإعلام الخارجية خلال الاحتجاجات. ووقت الهجوم على دوار اللؤلؤة، كان في رحلة عمل إلى بيروت. الغرض من الحملة الأمنية على العائلة كان الضغط عليه، لكنه ظل مناضلاً في منفاه الإجباري. يصف طاهر (17 عاماً) معاناته منذ أن اقتحمت القوات الأمنية البحرينية منزله وقادته مع إخوته الثلاثة حامد (25 عاماً) وخليل (23 عاماً)، إضافة إلى القاصر جهاد (15 عاماً)، إلى السجن واعتدت بالضرب والشتائم على أمه وزوجة أبيه، قائلاً «جيش بأكمله يقتحم المنزل، أسلحة مستنفرة للهجوم على شباب عزّل».

ويضيف «عصبوا عيني بإحكام»، وانهالوا عليه ضرباً بعدما وجدوا هاتفاً له يحمل رسالة تهدّد أعمال الحكومة.

ضربوه حتى سالت دماؤه، ويداه مقيّدتان إلى الخلف.

يضيف «كان على يميني أحد المرتزقة سعودي اللهجة، سألني هل ذهبت إلى الدوار؟

فأجبته: نعم .

فلكمني وقال: لماذا ذهبت إلى الدوار؟

للمتعة أم ماذا؟ ولكمني».


ويتحدث طاهر عن التحقيقات المتتالية من قبل مجنّسين.

يقول «جاء المحقق الأردني وسألني، أقُلتَ بحرين حرة حرة يا مجنّس اطلع برّة... أجبته نعم.

فضربني بالهوز»، قبل أن يسألوه عن اختطاف شرطي في محاوله لتدبير تهمة له ولإخوته ولأبناء خالته. أسبوعان من التعذيب المتواصل، بالكهرباء والضرب بالهوز والهراوات، ظل واقفاً خلالها مغمض العينين لأربعة أيام ومُنع عنه الأكل ليومين.

يقول طاهر «كنت هائماً في ثلاث ظلمات، ظلمة العين المعصوبة، وظلمة ألم لَمْ أره من قبل، وظلمة شعب نشد الحرية»، ولم تدر أمه إن كان ميتاً أو حياً إلا بعد شهرين، لتبدأ بعدها المحاكمة.

الناصع الحسب
10-09-2011, 04:10 PM
لا بد للملك ان يدفع الثمن لكل الدماء التي تم سفكها