الشيخ الحجاري
09-25-2011, 08:42 PM
http://www.shy22.com/giffile/i1406828.gif
(إعـْلانٌ لِمَنْ لـَمْ يَـدرِكُنا وَلاّ يَفهَمُنا)
أقصِد بِهِ أنَ بَعضَ المَواقِعُ لَنْ تَتَقبَل
نَشْراً لِتَفاسِيرِنا فَمّا هِيَّ العِلَةُ بِذلِك؟
فـَلاّ تَنسى الرابـِط الـذِي يَظْهَـرُ بـِهِ فَتـْح
مَوقِعِكَ وَالتَفسِيرُ غـَيْرَ مَوجُودٍ لأعضائِكَ
فَماذا تَقول إنْ وُجِـدَ التَفسِيرُ عِندَ غـَيْركَ
وَالرِدُود تَجِيبُها بِأحسَنِ حالٍ ,,,, وَأقول
فَلَـوْلاّ الأقـلامُ لَّمّا أعطَّـتْ العِلـُومَ مَواقِـفَ مَنازِلِها, وَلاّ اتَضَحَـت صِنـُوفَ
مَراتِبِها, أوْ كَشَفَت عَـنْ صُـوَرِ مَكْنـُونِ جَواهِرِها, وَنَضَجَت ألـْوان قِـداحِ
ثَمَرِها, وَاسْتَدَلَت عَلى سَـرادِقِي سَرائِرِها, وَوَقَفَـت عَلى قَـَوائِـمِ أرْجائِها
وَبَـرَزَتْ بِمَكْنُونِ ضَمائِرها, وَأوْقَدَت أسْراجاً مِنْ أنْوارِها, وَبِها أَبانَ اللهُ
الإنْسانَ مِنَ الحَيْوانِ وَنَبَّهَ بِها عِظَمَ الامْتِنانِ سُبْحانَهُ عَـزَّ مَنْ قال (عَلَّمَ)
الإنْسانَ (بِالْقَلَمِ)(عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)
فَلَوْلاَ الأقلامُ لـَمْ تَكُـن لِتَتَغَذى قَوائِمَ العِلْمِ صاحِبُها, فَلَـوْ صَحَّ مِـنَ العاقِلِ
أنْ يُمِيتَ أزاهِـيرُ العَقلِ كَمائِمَهُ, لَتَعطَّلَت قِـوَى الأفكارِ مِـنْ مَعانِيْها, وَلاَ
الخَواطِرَ تَجْـبُر مِنْ هَـواجِسِ مَعاقِلِها, وَلَسَيْطَـرَت عَليْهـا الأوْهامُ بِمَآقِ
أضالِيلِها, وَلَتَوَقَفـَت الأذهـان عَـنْ سُـلْطانِ مَعرِفـَةِ أحاسِيسِها, وَلَبَقِـيَت
القِلُوب تَتَحَكَمُ بإقفالِ وَدائِعِها, وَلَتَصَرَفت الوَدائِع فِي سِجْـنِ مَواضِيعِها
وَالقـَرائِحِ عاطِـشََةً عَـنْ تَصَـرُفِ سَوَاقِيها, فَلَـنْ يَبْـقَ لِلأخْـلاقِ باعتِدالِ
عَظائِمهَا, فَلَوْلاّها لَّمّا عُرفَ الإحسانُ مِنَ الإساءَةِ بِمَعقـَدِها, وَبالعَكْسِ؟
لاَ فَرقَ بَيْنَها وَالبَهائِمِ بالأكْلِّ بَوادِيها,,
وَمِنْ هذا قَـَد جِئتَكُم بِتَفسِيرِ القُرآنَ بالقُرآنِ وَهُوَ أقدَمُ المَناهِجَ التَفسِيريَّة
وَأرفعُها شَأناً إذا ظَهَـرَ المَعنى آيَـةً بآيَـةٍ أخْـرى، وَلكنَنِي قَلِيلاً مّا أعتَمِـدُ
بالدَلائِلِ وَالقَواعِـدِ وَالقـَرائِـنِ العَقلِيَّـةِ دُونَ مّا أعتَمِدُ عَلى الأدلَّـةِ النَقلِيَّـةِ
التِي لَيْسَ لَها دَلِيلٌ فِي الحَدِيثِ الشَريف، وَتَارَةً أعتَمِدُ عَلى القَيْدِ القَطْعِي
وَهُوَ الأساسِيُ المَرهُونُ عَقلاً كَي يَدخُل مَنهَج تَفسِيرُنا فِي دائِرَةِ التَفسِير
بالـرَأيِّ الاصْطلاحِي المَقبُـول لاَ المَمْقـُوتَ عَـقلاً وَالمَمْنُوع شَـرْعـاً, كَيْ
لاَ يَكُونَ مَحفُوفاً بالمَخاطِر وَالزَلَلِ وَالبِدَعِ وَالإضْلالِ بسِقـُوطِه,,
وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ وَالصَلاةٌ وَالسَلامُ عَلى أشْرفِ الخَلْقِ
وَأسْمَّى البَشَرِ مُحَمَدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ الطَيِّبِينَ الطاهِرين
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/ouuoo_11.jpg
(سُورَةُ البَقرَة تَفسِير آيَة السِحر بِهارُوتَ وَمارُوت)
http://i1106.photobucket.com/albums/h376/HohoSaid/Basm%20Allh%20001/Basm%20Allh%20002/0050.png
(وَاتَّبَعُـوا مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفـَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِـنَّ
الشَّيَاطِينَ كَفَـرُوا يُعَلِّمُـونَ الـنَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنـْزِلَ عَلَى الْمَلَكَـيْنِ بِبَابـِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بـِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُـمْ بِضَارِّينَ بـِهِ
مِنْ أَحَـدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقـَدْ عَلِمُوا لَمَنِ
اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بـِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ) (البقرة:102)
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
تَفسِـيرُ (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ) مِـنْ هُـنا قََـد اختَلفَ بَعـض عُلمـاءِ
المُسْلِمِينَ سُنَةً وَشِيعَةً فِي مَعنى الآيَـة اختِلافاً واسِعاً لا يُكادُ يُوجَد مَثِلَُهُ
فِي آيَةٍ مِنْ آياتِ القُرآن مِمّا يُقارب عَشَراتِ المِئاتِ مِنَ الاحتِمالاتِ التِي
لاّ يَثبِت دَلِيلـُها, وَكانَ اخْتِلافَهُم فِـي قوْلِـهِ (وَاتَّبَعُـوا مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ)
قالَ المُفسِرُونَ: فَمَنْ هُم الذِينَ اتَبَعُوا, هَّلْ هُم اليَهُود فِي عَهْدِ سُليْمان أمْ
اليَهُود فِي عَهْدِ النبِّي مُحَمَدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وآلِهِ,,
وَلِبَيان الآيَـةِ أقـُول لِلمُفَسِرينَ: إنَ الشَياطِينَ مِـنَ الجِّـنَةِ كانَت فِـي عَهْـدِ
سُلَيْمانَ تَسْتَرِقُ السَمْعَ مِنَ السَماءِ فتَقعد مِنها مَقاعِدٌ لِلسَرِقََةِ فتَسْمَع مِنْ
كَـلامِ المَلائَكَةِ فِيْمّا يَحـدِثُ عَلى الناسِ مِـنْ مَـوْتٍ, أوْ غـَيْثٍ, أوْ أمْـرٍ, أوْ
عِـقابٍ فَيَأتـُونَ الكَهَنَةُ المُنَجِمُونَ فَيَخْبِرُونَهُم، فتـُحَدَث الكَهنَة بـِهِ الـناس
مِـنْ كُـلِّ كِلْمَةٍ كُذِبـاتٍ؟؟ فَعَلِـمَ الناسُ مِـنْ كَهَنَتِهِـم بأنَ الجِّـنَ تَعلَـمُ الغَـيْب
فيَجِدُونَهُ غَيْباً إذا أمَنَتهُم الكَهَنة كَذبُوا لَهُم فِي غَيْرِهِ فَجَعَلُوا مِنْ أكاذِيبهِم
وَطِيداً لِلسِحرِ فأشْرَبَتها قِلـُوب الناس وَاتَخَذُوا مِنْ أحادِيثِهِم مَجالِساً لَهُم
يَتَسامَرُونَ بِها وَكُتِبَت فِي كُتبِهِم أساطِـيرٌ, وَفشَتْ فِي بنِّي إسْرائِيلَ عَلى
أنَ الجِّنَ تَعلَمُ الغَيْب,,
وَفِي الرِوايَـةِ: بَعثَ سُليْمانُ فِي الناسِ فَجَمَعَ تَلْكَ الكتُبِ مِـنَ السَحَرَِةِ فِي
صَندُوقٍ ثمَ دَفنَها تَحتَ كرسِيهِ، وَلَمْ يَكُن أحَدٌ مِنَ الكَهنَةِ يَسْتَطِيع أنَ يَدنُو
مِـنَ كُرسِي سُليْمانَ إلاّ احتَرَقَ,, فلَّمّا مـاتَ سُليْمان (عَلـيهِ السَلام) جـاءَ
شـيْطانٌ إلـى نَفـرٍ مِـنْ بنِّـي إسْرائِيلَ فـَدَلَهَُم عَلـى الكـُتبِ وَقالَ: إنَـمّا كانَ
سُلَيْمان يَضْبِط أمْـرَ الخَلْق بهـذِهِ الكُـتب فأخْرَجُوها, ففَـشا فِي الناسِ أنَ
سُلَيْمانَ كانَ ساحِراً فَوَطَدَ لَهُ المُلْك,,
وَقالُوا هذا عِلْمٌ كانَ سُلَيْمان يَكْتِمَهُ وَلاّ يُظهِرُهُ لِلناسِ حَسَداً مِنهُ فأَخْبَرَهُم
النَبّيُ مُحَمَد صَلى الله ُعَليه وَآلِـهِ بهذا الحَدِيث فرَجَعُوا مِنْ عِندِهِ خائِبينَ
بِمّا أبْطَلَ اللهُ حِجَتَهُم,,
وَالدَلِيلُ عَلى تَفسِيرِنا لِهـذِهِ الآيَـة: هُوَ المُرادُ إتِـباعِ السِحِر الذِي تَوَغـَلَ
الناسُ بـِهِ, وَالتَمَحِضُ فِيهِ, وَالإقبالُ عَلَيهِ فِي عَهْـدِ سُلَيْمانَ تَعَلَمُوهُ مِـنَ
كَهَنَةِ اليَهُود لَمّا نَبَذُوا التَوْراةَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ تَجاهُلاً مِنْهُم, وَكَفَرُوا بمّا
جاءَهُم بِهِ النَبِيُ مُحَمَدٍ وَهُم عالِمُونَ بهِ قُرآناً أنَهُ الحَقَّ, وَهُم (الشَّيَاطِينُ
عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) أيْ: شَياطِينُ الجِّـن الذِينَ يُعَلِّمُـونَ الكَهَنَةَ المُتَمَردِينَ
مِنْ بَنِّي إسْرائِيلَ فِي عَهْـدِ سُليْمانَ السِحرَ, ثـُمَ يَتلـُوهُ عَلى النَّاسِ سَواءٌ
كانـُوا فِي عَهْدِ مُوسى أوْ فِي عَهْدِ سُليْمان, أوْ فِي عَهْدِ رسُولِ اللهِ صَلى
اللهُ عَليهِ وَآلهِ,,
وَلقـَد صَدَّقَ الناسُ ما تَتَقَوَّلَهُ شَياطِينَهُم عَلى مُلْكِ سُليْمان, فَزَعَمُوا عَلى
ذلِك أنَ سُلَيْمانَ لـَمْ يَكُنْ نَبِّياً وَلاَ رَسُولاً يَنْزِلُ عَليهِ وَحياً مِنَ اللهِ، بَلْ كانَ
ساحِـراً يَسْتَمِدُ العَـوْنَ مِـنَ السَحَرَةِ, وَإنَ سِحـْرَهُ وَطَّـدَ لـَهُ المُلْك وَجَعَلَـهُ
يُسَيْطِر عَلى الجِّنِ وَالطَيْر وَتَسْخِيرِ الرِياح, فإنَهُم لاّ يُمَيِزُونَ بَـيْنَ النافِعِ
وَالضّار فَنَسَّبُوا بِذلِكَ الإفتِراء الكُفْرَ لِسُلَيْمان, فَأكذبَهُم اللهُ وَأبْرَأَ سُليْمانَ
مِنَ السِحرِ, وَأنزَلَ بَيانـَهُ فِي عُـذرٍ قـُرآنِيِّ عَلى نَبيِّـهِ وَقالَ: قـُلْ يا مُحَمد
لِليَهُودِ (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) باسْتِعمالِ السِحرِ وَبِمّا
(يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) يَقصِدُونَ بـهِ إغْواءَهُم وَإضْلالَهُم كَي لاّ يَتَبِعُـوا
سُلَيْمانَ بالحَقِّ,,
وَسَبَب نِزُول الآيَة فِيها قَوْلان: أحَدَهُما أنَ اليَهُودَ كانُوا لاّ يَسْألُونَ النَبِّيّ
مُحَمَد عَـنْ شَيءٍ مِـنَ التَوراةِ إلاّ أجابَهُم، فسَألُوه عَنْ السِحرِ وَخاصَمُوهُ
فِيهِ كَوْنَهُ قالَ لَهُم أنَ سُليْمانَ كانَ نَبِّياً,, وَقالـُوا إنـَهُ كانَ ساحِراً, فنَزَلَت
هـذِهِ الآيَة تُبَلِغ بَراءَة سُليْمانَ مِـنَ السِحرِ وَهِيَّ شِمُولِيَة وَيَقـَعُ ضَمِيرُها
(مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ) باسْتِعمالِ السِحر وَتَعلِيمَهُ لِلناسِ,, وَالآيَـة عُطِفـَت
عَلى جُمْلةِ الشَرطِ مِنَ الخَبَرِ الذِي مَا قبْلُها وَجَوابَهُ فِي قوْلِهِ تَعالى (وَلَمَّا
جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِـنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتـُوا
الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ)(البقرة:101)
فاختَلفَ العُلَماءُ فِي (كِتَابَ اللَّهِ) فَتَواتَرَت عَنهُ التَفاسِيرُ إنهُ التَوراة,,
وَلَقد أَخْطأَ المُفَسِرُونَ: وَأقول إنَهُ القُرآن وَالمَعنى فِيهِ, لَمّا دَخَلُوا اليَهُود
عَلى رَسُولِ اللهِ, فَجاءَهُم النَبِّيُ بالخَبَرٍ مُصَّدَقاً مِنْ عِـندِ اللهِ لِّمَا مَعَهُم فِي
التَوراةِ فَنَبَذُوا القُرآنَ (وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) بِعِلَةٍ أنَهُم مُتَمَسِكُونَ بالتَوراةِ فَلاّ
يَتَبِعُونَ مُحَمَدٍ مّا خالَفَ أحكامُها كَوْنِها مُحَرَفَةَ بأيْدِيهِم (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلـُوا
الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) كَذلِكَ هُمْ مُخالِفِينَ لِلتَوراة, لأنَها تَنْهى عَنْ
السِحر وَالشِركِ باللهِ,,
السِّحْرُ هُوَ عَمَلٌ تُقَرِّبَ فِيهِ الشياطِينُ إلى الناسِ, لأَنَهُ تُسْتَمالُ بهِ القِلُوب
وَيَرْضَى بهِ الساخِط, ويُسْتَنْزَلُ بهِ الصَّعْب, كُلُ ذلكَ الأَمـْرُ كَينُونَةٌ لِلسِحرِ
الذِي يَأْخُذَ العَيْنَ حَتى يَظنُّ الإنسانَ أَنَ الأَمْرَ كَمّا يُرَى وَليْسَ الأَصْل عَلى
ما يُرى فَيَكُونُ العَمَلَ مَسْحُوراً ذاهِبَ العَقلِ مُفْسِداً لِعَقِيدَةِ, وَالسِحرُ مَعناهُ
فِيهِ: وَهُوَ شَيءٌ يَلعَب بـِهِ شَياطِين الإِنس وَالجِّن إِذ مُـدَّ مِـنْ جانبٍ خَرَّجَ
عَلى لّـوْنٍ، وَإِذا مُـدَّ مِـنْ جانِبٍ آخَـر خرَجَ عَلى لَوْنٍ آخَـرٍ مُخالِفٍ,, وَكُلُ
ما أَشْبَه ذلِكَ هُوَ سِحْرٌ وَكانَ شائِعاً مَشْهُوراً فِي أهْلِ بابل مِنَ السِريانِيِّينَ
وَالكَلْدانِيِّينَ وَفِي أهْـلِ مِصْـرَ الفراعِنَة مِـنَ الأقـْباطِ, كَمّا أُنـْزِلَ فِـي قوْلِـهِ
تَعالى عَلى لِسانِ الفراعِنَةِ حِينَ قالُوا لِنَبِّيِ اللـَّهِ مُوسى (يَا أَيُّهَا السَّاحِـرُ
ادْعُ لَـنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ) (الزخرف49) بَـلْ: إنَ القِبْطَ
يَزْعَمُونَ أَنهُم مُهتَدُونَ كَوْنِهِم سَحَرَةً,,
يَعنِي بأنَ الساحِرَ كانَ عِندَهُم نَعتاً مَحمُوداً غَيرُ مَذمُوماً،وَالسِحرُ عِندَهُم
كانَ عِلْماً مَرغـُوباً فِـيهِ, وَلِهذا قالـُوا لِمُوسى يا أَيُها الساحِـرُ عَلى جِهَِـةِ
التَعظِيمِ لـَهُ، وَخاطبُوه بِمّا تَقـَدَمَ لـَهُ عِندَّهُم مِنْ التَسْمِيَةِ بالساحِرِ العَظِيم
إِذ جاءَهُم بالمُعْجِزاتِ التِي لَـمْ يَتعَهَدُوا بِمِثلِها مِنْ قَـَبْلِ،, فَزَعَمُوا لَـهُ أنَ
السِحرَ عِندَهُم لَيْسَ كُفراً وَلِذلِكَ قالُوا لهُ يا أَيُها الساحِرُ وَهُم لاّ يَشعِرُونَ
بأنَ السِحرَ مُلْحِقٌ فِي التَحريم لِمّا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ, فَمَنْ عَـدَّ السِحرَ فإنَهُ
كافِـرٌ كَمّا نَزَلَ فِي قوْلِـهِ تَعالى (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ وَمَا يُعَلِّمَانِ
مِنْ أَحَـدٍ)
هذِهِ الآيَة قََد اختَلفَ فِيها أهْلُ التَأوِّيل فِي اللّذِين عَنُّوا بقَوْلِهِم: فَقِيلَ (ما)
مَوصُولَة وَالعَطْفُ عَلى قوْلِهِ تَعالى (مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ) وَقِيلَ (ما) نافِيَةٌ
وَالواو اسْتِئنافِيَة, وَلَمْ يَنزِل عَلى المَلَكَينِ سِحرٌ كَمَا يَدَعِيهِ اليَهُود,,
وَاختَلَفوا أيْضاً فِي قوْلِهِ تَعالى (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) فَقِيلَ أنَهُم مَلَكان
ألقـُوا السِحْرَ عَلى الناسِ فَتَعَلَمُوه, وَقِـيلَ بَـلْ كانا إنسانَيِّينِ مَلَكَيْنِ بِكَسْرِ
اللام وَبَعضَهُم قالَ: إنَهُم دَّلُوا الناس عَلى اسْتِخْراجِ السِحْرِ وَكانَ مَدفُوناً
تَحتَ كُرسِي سُليْمان فاسْتَخرَجُوه وَتَعلَمُوه,,
وَفِي تَفسِرُنا أقول الآيَة فِيها قَوْلان: أحَدهُمَا مَعطُوفٌ عَلى (مَـا) فَتَقدِيرُهُ
(مَاتَتْلُوا الشَّيَاطِينُ) وَالثانِي فِْي قَوْلِهِ تَعالى (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ) إنَها مَعطـُوفَةٌ عَلى السِحر مِـنَ الآيَـةِ فِـي قَوْلِـهِ تَعالى
(فَيَتَعَلَّمُونَ) وَتَقدِيرُهُ (يُعَلِّمَانِ) المَلَكان هارُوتَ وَمارُوتَ بَلْ (يُعَلِّمَانِ مِنْ
أَحَـدٍ) مِـنَ الناسِ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا) فَوَقَـَعَ الضَمِيرُ (مِنْهُمَا) عَلى السِحرِ
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
إنزِل تَحَت وَأكْمِل قِراءَة التَفسِير
(إعـْلانٌ لِمَنْ لـَمْ يَـدرِكُنا وَلاّ يَفهَمُنا)
أقصِد بِهِ أنَ بَعضَ المَواقِعُ لَنْ تَتَقبَل
نَشْراً لِتَفاسِيرِنا فَمّا هِيَّ العِلَةُ بِذلِك؟
فـَلاّ تَنسى الرابـِط الـذِي يَظْهَـرُ بـِهِ فَتـْح
مَوقِعِكَ وَالتَفسِيرُ غـَيْرَ مَوجُودٍ لأعضائِكَ
فَماذا تَقول إنْ وُجِـدَ التَفسِيرُ عِندَ غـَيْركَ
وَالرِدُود تَجِيبُها بِأحسَنِ حالٍ ,,,, وَأقول
فَلَـوْلاّ الأقـلامُ لَّمّا أعطَّـتْ العِلـُومَ مَواقِـفَ مَنازِلِها, وَلاّ اتَضَحَـت صِنـُوفَ
مَراتِبِها, أوْ كَشَفَت عَـنْ صُـوَرِ مَكْنـُونِ جَواهِرِها, وَنَضَجَت ألـْوان قِـداحِ
ثَمَرِها, وَاسْتَدَلَت عَلى سَـرادِقِي سَرائِرِها, وَوَقَفَـت عَلى قَـَوائِـمِ أرْجائِها
وَبَـرَزَتْ بِمَكْنُونِ ضَمائِرها, وَأوْقَدَت أسْراجاً مِنْ أنْوارِها, وَبِها أَبانَ اللهُ
الإنْسانَ مِنَ الحَيْوانِ وَنَبَّهَ بِها عِظَمَ الامْتِنانِ سُبْحانَهُ عَـزَّ مَنْ قال (عَلَّمَ)
الإنْسانَ (بِالْقَلَمِ)(عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)
فَلَوْلاَ الأقلامُ لـَمْ تَكُـن لِتَتَغَذى قَوائِمَ العِلْمِ صاحِبُها, فَلَـوْ صَحَّ مِـنَ العاقِلِ
أنْ يُمِيتَ أزاهِـيرُ العَقلِ كَمائِمَهُ, لَتَعطَّلَت قِـوَى الأفكارِ مِـنْ مَعانِيْها, وَلاَ
الخَواطِرَ تَجْـبُر مِنْ هَـواجِسِ مَعاقِلِها, وَلَسَيْطَـرَت عَليْهـا الأوْهامُ بِمَآقِ
أضالِيلِها, وَلَتَوَقَفـَت الأذهـان عَـنْ سُـلْطانِ مَعرِفـَةِ أحاسِيسِها, وَلَبَقِـيَت
القِلُوب تَتَحَكَمُ بإقفالِ وَدائِعِها, وَلَتَصَرَفت الوَدائِع فِي سِجْـنِ مَواضِيعِها
وَالقـَرائِحِ عاطِـشََةً عَـنْ تَصَـرُفِ سَوَاقِيها, فَلَـنْ يَبْـقَ لِلأخْـلاقِ باعتِدالِ
عَظائِمهَا, فَلَوْلاّها لَّمّا عُرفَ الإحسانُ مِنَ الإساءَةِ بِمَعقـَدِها, وَبالعَكْسِ؟
لاَ فَرقَ بَيْنَها وَالبَهائِمِ بالأكْلِّ بَوادِيها,,
وَمِنْ هذا قَـَد جِئتَكُم بِتَفسِيرِ القُرآنَ بالقُرآنِ وَهُوَ أقدَمُ المَناهِجَ التَفسِيريَّة
وَأرفعُها شَأناً إذا ظَهَـرَ المَعنى آيَـةً بآيَـةٍ أخْـرى، وَلكنَنِي قَلِيلاً مّا أعتَمِـدُ
بالدَلائِلِ وَالقَواعِـدِ وَالقـَرائِـنِ العَقلِيَّـةِ دُونَ مّا أعتَمِدُ عَلى الأدلَّـةِ النَقلِيَّـةِ
التِي لَيْسَ لَها دَلِيلٌ فِي الحَدِيثِ الشَريف، وَتَارَةً أعتَمِدُ عَلى القَيْدِ القَطْعِي
وَهُوَ الأساسِيُ المَرهُونُ عَقلاً كَي يَدخُل مَنهَج تَفسِيرُنا فِي دائِرَةِ التَفسِير
بالـرَأيِّ الاصْطلاحِي المَقبُـول لاَ المَمْقـُوتَ عَـقلاً وَالمَمْنُوع شَـرْعـاً, كَيْ
لاَ يَكُونَ مَحفُوفاً بالمَخاطِر وَالزَلَلِ وَالبِدَعِ وَالإضْلالِ بسِقـُوطِه,,
وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ وَالصَلاةٌ وَالسَلامُ عَلى أشْرفِ الخَلْقِ
وَأسْمَّى البَشَرِ مُحَمَدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ الطَيِّبِينَ الطاهِرين
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/ouuoo_11.jpg
(سُورَةُ البَقرَة تَفسِير آيَة السِحر بِهارُوتَ وَمارُوت)
http://i1106.photobucket.com/albums/h376/HohoSaid/Basm%20Allh%20001/Basm%20Allh%20002/0050.png
(وَاتَّبَعُـوا مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفـَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِـنَّ
الشَّيَاطِينَ كَفَـرُوا يُعَلِّمُـونَ الـنَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنـْزِلَ عَلَى الْمَلَكَـيْنِ بِبَابـِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بـِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُـمْ بِضَارِّينَ بـِهِ
مِنْ أَحَـدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقـَدْ عَلِمُوا لَمَنِ
اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بـِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ) (البقرة:102)
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
تَفسِـيرُ (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ) مِـنْ هُـنا قََـد اختَلفَ بَعـض عُلمـاءِ
المُسْلِمِينَ سُنَةً وَشِيعَةً فِي مَعنى الآيَـة اختِلافاً واسِعاً لا يُكادُ يُوجَد مَثِلَُهُ
فِي آيَةٍ مِنْ آياتِ القُرآن مِمّا يُقارب عَشَراتِ المِئاتِ مِنَ الاحتِمالاتِ التِي
لاّ يَثبِت دَلِيلـُها, وَكانَ اخْتِلافَهُم فِـي قوْلِـهِ (وَاتَّبَعُـوا مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ)
قالَ المُفسِرُونَ: فَمَنْ هُم الذِينَ اتَبَعُوا, هَّلْ هُم اليَهُود فِي عَهْدِ سُليْمان أمْ
اليَهُود فِي عَهْدِ النبِّي مُحَمَدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وآلِهِ,,
وَلِبَيان الآيَـةِ أقـُول لِلمُفَسِرينَ: إنَ الشَياطِينَ مِـنَ الجِّـنَةِ كانَت فِـي عَهْـدِ
سُلَيْمانَ تَسْتَرِقُ السَمْعَ مِنَ السَماءِ فتَقعد مِنها مَقاعِدٌ لِلسَرِقََةِ فتَسْمَع مِنْ
كَـلامِ المَلائَكَةِ فِيْمّا يَحـدِثُ عَلى الناسِ مِـنْ مَـوْتٍ, أوْ غـَيْثٍ, أوْ أمْـرٍ, أوْ
عِـقابٍ فَيَأتـُونَ الكَهَنَةُ المُنَجِمُونَ فَيَخْبِرُونَهُم، فتـُحَدَث الكَهنَة بـِهِ الـناس
مِـنْ كُـلِّ كِلْمَةٍ كُذِبـاتٍ؟؟ فَعَلِـمَ الناسُ مِـنْ كَهَنَتِهِـم بأنَ الجِّـنَ تَعلَـمُ الغَـيْب
فيَجِدُونَهُ غَيْباً إذا أمَنَتهُم الكَهَنة كَذبُوا لَهُم فِي غَيْرِهِ فَجَعَلُوا مِنْ أكاذِيبهِم
وَطِيداً لِلسِحرِ فأشْرَبَتها قِلـُوب الناس وَاتَخَذُوا مِنْ أحادِيثِهِم مَجالِساً لَهُم
يَتَسامَرُونَ بِها وَكُتِبَت فِي كُتبِهِم أساطِـيرٌ, وَفشَتْ فِي بنِّي إسْرائِيلَ عَلى
أنَ الجِّنَ تَعلَمُ الغَيْب,,
وَفِي الرِوايَـةِ: بَعثَ سُليْمانُ فِي الناسِ فَجَمَعَ تَلْكَ الكتُبِ مِـنَ السَحَرَِةِ فِي
صَندُوقٍ ثمَ دَفنَها تَحتَ كرسِيهِ، وَلَمْ يَكُن أحَدٌ مِنَ الكَهنَةِ يَسْتَطِيع أنَ يَدنُو
مِـنَ كُرسِي سُليْمانَ إلاّ احتَرَقَ,, فلَّمّا مـاتَ سُليْمان (عَلـيهِ السَلام) جـاءَ
شـيْطانٌ إلـى نَفـرٍ مِـنْ بنِّـي إسْرائِيلَ فـَدَلَهَُم عَلـى الكـُتبِ وَقالَ: إنَـمّا كانَ
سُلَيْمان يَضْبِط أمْـرَ الخَلْق بهـذِهِ الكُـتب فأخْرَجُوها, ففَـشا فِي الناسِ أنَ
سُلَيْمانَ كانَ ساحِراً فَوَطَدَ لَهُ المُلْك,,
وَقالُوا هذا عِلْمٌ كانَ سُلَيْمان يَكْتِمَهُ وَلاّ يُظهِرُهُ لِلناسِ حَسَداً مِنهُ فأَخْبَرَهُم
النَبّيُ مُحَمَد صَلى الله ُعَليه وَآلِـهِ بهذا الحَدِيث فرَجَعُوا مِنْ عِندِهِ خائِبينَ
بِمّا أبْطَلَ اللهُ حِجَتَهُم,,
وَالدَلِيلُ عَلى تَفسِيرِنا لِهـذِهِ الآيَـة: هُوَ المُرادُ إتِـباعِ السِحِر الذِي تَوَغـَلَ
الناسُ بـِهِ, وَالتَمَحِضُ فِيهِ, وَالإقبالُ عَلَيهِ فِي عَهْـدِ سُلَيْمانَ تَعَلَمُوهُ مِـنَ
كَهَنَةِ اليَهُود لَمّا نَبَذُوا التَوْراةَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ تَجاهُلاً مِنْهُم, وَكَفَرُوا بمّا
جاءَهُم بِهِ النَبِيُ مُحَمَدٍ وَهُم عالِمُونَ بهِ قُرآناً أنَهُ الحَقَّ, وَهُم (الشَّيَاطِينُ
عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) أيْ: شَياطِينُ الجِّـن الذِينَ يُعَلِّمُـونَ الكَهَنَةَ المُتَمَردِينَ
مِنْ بَنِّي إسْرائِيلَ فِي عَهْـدِ سُليْمانَ السِحرَ, ثـُمَ يَتلـُوهُ عَلى النَّاسِ سَواءٌ
كانـُوا فِي عَهْدِ مُوسى أوْ فِي عَهْدِ سُليْمان, أوْ فِي عَهْدِ رسُولِ اللهِ صَلى
اللهُ عَليهِ وَآلهِ,,
وَلقـَد صَدَّقَ الناسُ ما تَتَقَوَّلَهُ شَياطِينَهُم عَلى مُلْكِ سُليْمان, فَزَعَمُوا عَلى
ذلِك أنَ سُلَيْمانَ لـَمْ يَكُنْ نَبِّياً وَلاَ رَسُولاً يَنْزِلُ عَليهِ وَحياً مِنَ اللهِ، بَلْ كانَ
ساحِـراً يَسْتَمِدُ العَـوْنَ مِـنَ السَحَرَةِ, وَإنَ سِحـْرَهُ وَطَّـدَ لـَهُ المُلْك وَجَعَلَـهُ
يُسَيْطِر عَلى الجِّنِ وَالطَيْر وَتَسْخِيرِ الرِياح, فإنَهُم لاّ يُمَيِزُونَ بَـيْنَ النافِعِ
وَالضّار فَنَسَّبُوا بِذلِكَ الإفتِراء الكُفْرَ لِسُلَيْمان, فَأكذبَهُم اللهُ وَأبْرَأَ سُليْمانَ
مِنَ السِحرِ, وَأنزَلَ بَيانـَهُ فِي عُـذرٍ قـُرآنِيِّ عَلى نَبيِّـهِ وَقالَ: قـُلْ يا مُحَمد
لِليَهُودِ (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) باسْتِعمالِ السِحرِ وَبِمّا
(يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) يَقصِدُونَ بـهِ إغْواءَهُم وَإضْلالَهُم كَي لاّ يَتَبِعُـوا
سُلَيْمانَ بالحَقِّ,,
وَسَبَب نِزُول الآيَة فِيها قَوْلان: أحَدَهُما أنَ اليَهُودَ كانُوا لاّ يَسْألُونَ النَبِّيّ
مُحَمَد عَـنْ شَيءٍ مِـنَ التَوراةِ إلاّ أجابَهُم، فسَألُوه عَنْ السِحرِ وَخاصَمُوهُ
فِيهِ كَوْنَهُ قالَ لَهُم أنَ سُليْمانَ كانَ نَبِّياً,, وَقالـُوا إنـَهُ كانَ ساحِراً, فنَزَلَت
هـذِهِ الآيَة تُبَلِغ بَراءَة سُليْمانَ مِـنَ السِحرِ وَهِيَّ شِمُولِيَة وَيَقـَعُ ضَمِيرُها
(مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ) باسْتِعمالِ السِحر وَتَعلِيمَهُ لِلناسِ,, وَالآيَـة عُطِفـَت
عَلى جُمْلةِ الشَرطِ مِنَ الخَبَرِ الذِي مَا قبْلُها وَجَوابَهُ فِي قوْلِهِ تَعالى (وَلَمَّا
جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِـنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتـُوا
الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ)(البقرة:101)
فاختَلفَ العُلَماءُ فِي (كِتَابَ اللَّهِ) فَتَواتَرَت عَنهُ التَفاسِيرُ إنهُ التَوراة,,
وَلَقد أَخْطأَ المُفَسِرُونَ: وَأقول إنَهُ القُرآن وَالمَعنى فِيهِ, لَمّا دَخَلُوا اليَهُود
عَلى رَسُولِ اللهِ, فَجاءَهُم النَبِّيُ بالخَبَرٍ مُصَّدَقاً مِنْ عِـندِ اللهِ لِّمَا مَعَهُم فِي
التَوراةِ فَنَبَذُوا القُرآنَ (وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) بِعِلَةٍ أنَهُم مُتَمَسِكُونَ بالتَوراةِ فَلاّ
يَتَبِعُونَ مُحَمَدٍ مّا خالَفَ أحكامُها كَوْنِها مُحَرَفَةَ بأيْدِيهِم (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلـُوا
الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) كَذلِكَ هُمْ مُخالِفِينَ لِلتَوراة, لأنَها تَنْهى عَنْ
السِحر وَالشِركِ باللهِ,,
السِّحْرُ هُوَ عَمَلٌ تُقَرِّبَ فِيهِ الشياطِينُ إلى الناسِ, لأَنَهُ تُسْتَمالُ بهِ القِلُوب
وَيَرْضَى بهِ الساخِط, ويُسْتَنْزَلُ بهِ الصَّعْب, كُلُ ذلكَ الأَمـْرُ كَينُونَةٌ لِلسِحرِ
الذِي يَأْخُذَ العَيْنَ حَتى يَظنُّ الإنسانَ أَنَ الأَمْرَ كَمّا يُرَى وَليْسَ الأَصْل عَلى
ما يُرى فَيَكُونُ العَمَلَ مَسْحُوراً ذاهِبَ العَقلِ مُفْسِداً لِعَقِيدَةِ, وَالسِحرُ مَعناهُ
فِيهِ: وَهُوَ شَيءٌ يَلعَب بـِهِ شَياطِين الإِنس وَالجِّن إِذ مُـدَّ مِـنْ جانبٍ خَرَّجَ
عَلى لّـوْنٍ، وَإِذا مُـدَّ مِـنْ جانِبٍ آخَـر خرَجَ عَلى لَوْنٍ آخَـرٍ مُخالِفٍ,, وَكُلُ
ما أَشْبَه ذلِكَ هُوَ سِحْرٌ وَكانَ شائِعاً مَشْهُوراً فِي أهْلِ بابل مِنَ السِريانِيِّينَ
وَالكَلْدانِيِّينَ وَفِي أهْـلِ مِصْـرَ الفراعِنَة مِـنَ الأقـْباطِ, كَمّا أُنـْزِلَ فِـي قوْلِـهِ
تَعالى عَلى لِسانِ الفراعِنَةِ حِينَ قالُوا لِنَبِّيِ اللـَّهِ مُوسى (يَا أَيُّهَا السَّاحِـرُ
ادْعُ لَـنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ) (الزخرف49) بَـلْ: إنَ القِبْطَ
يَزْعَمُونَ أَنهُم مُهتَدُونَ كَوْنِهِم سَحَرَةً,,
يَعنِي بأنَ الساحِرَ كانَ عِندَهُم نَعتاً مَحمُوداً غَيرُ مَذمُوماً،وَالسِحرُ عِندَهُم
كانَ عِلْماً مَرغـُوباً فِـيهِ, وَلِهذا قالـُوا لِمُوسى يا أَيُها الساحِـرُ عَلى جِهَِـةِ
التَعظِيمِ لـَهُ، وَخاطبُوه بِمّا تَقـَدَمَ لـَهُ عِندَّهُم مِنْ التَسْمِيَةِ بالساحِرِ العَظِيم
إِذ جاءَهُم بالمُعْجِزاتِ التِي لَـمْ يَتعَهَدُوا بِمِثلِها مِنْ قَـَبْلِ،, فَزَعَمُوا لَـهُ أنَ
السِحرَ عِندَهُم لَيْسَ كُفراً وَلِذلِكَ قالُوا لهُ يا أَيُها الساحِرُ وَهُم لاّ يَشعِرُونَ
بأنَ السِحرَ مُلْحِقٌ فِي التَحريم لِمّا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ, فَمَنْ عَـدَّ السِحرَ فإنَهُ
كافِـرٌ كَمّا نَزَلَ فِي قوْلِـهِ تَعالى (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ وَمَا يُعَلِّمَانِ
مِنْ أَحَـدٍ)
هذِهِ الآيَة قََد اختَلفَ فِيها أهْلُ التَأوِّيل فِي اللّذِين عَنُّوا بقَوْلِهِم: فَقِيلَ (ما)
مَوصُولَة وَالعَطْفُ عَلى قوْلِهِ تَعالى (مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ) وَقِيلَ (ما) نافِيَةٌ
وَالواو اسْتِئنافِيَة, وَلَمْ يَنزِل عَلى المَلَكَينِ سِحرٌ كَمَا يَدَعِيهِ اليَهُود,,
وَاختَلَفوا أيْضاً فِي قوْلِهِ تَعالى (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) فَقِيلَ أنَهُم مَلَكان
ألقـُوا السِحْرَ عَلى الناسِ فَتَعَلَمُوه, وَقِـيلَ بَـلْ كانا إنسانَيِّينِ مَلَكَيْنِ بِكَسْرِ
اللام وَبَعضَهُم قالَ: إنَهُم دَّلُوا الناس عَلى اسْتِخْراجِ السِحْرِ وَكانَ مَدفُوناً
تَحتَ كُرسِي سُليْمان فاسْتَخرَجُوه وَتَعلَمُوه,,
وَفِي تَفسِرُنا أقول الآيَة فِيها قَوْلان: أحَدهُمَا مَعطُوفٌ عَلى (مَـا) فَتَقدِيرُهُ
(مَاتَتْلُوا الشَّيَاطِينُ) وَالثانِي فِْي قَوْلِهِ تَعالى (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ) إنَها مَعطـُوفَةٌ عَلى السِحر مِـنَ الآيَـةِ فِـي قَوْلِـهِ تَعالى
(فَيَتَعَلَّمُونَ) وَتَقدِيرُهُ (يُعَلِّمَانِ) المَلَكان هارُوتَ وَمارُوتَ بَلْ (يُعَلِّمَانِ مِنْ
أَحَـدٍ) مِـنَ الناسِ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا) فَوَقَـَعَ الضَمِيرُ (مِنْهُمَا) عَلى السِحرِ
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
إنزِل تَحَت وَأكْمِل قِراءَة التَفسِير