الشيخ الحجاري
09-25-2011, 07:35 PM
http://www.shy22.com/giffile/i1406828.gif
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/ouuoo_11.jpg
سُورَةُ آل عمْران الجزءُ الثالِث
مِنَ القُرآن تَفسِير آيَة المُباهَلة
http://i1106.photobucket.com/albums/h376/HohoSaid/Basm%20Allh%20001/Basm%20Allh%20002/0050.png
فَمَنْ حَاجَّـكَ فِيـهِ مِـنْ بَعْـدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْـمِ فَقـُلْ تَعَالـُوْا
نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَـا مِنْ إِلَـهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُـوَ الْعَزِيـزُ
الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّـوْا فَإِنَّ اللـَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) الهاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلْ مِنْ كَلِمَة ( فِيهِ ) عائِدَةٌ عَلى
ذِكْرِ عِيسى بنُ مَريَـم: فَمَّنْ جادَلَكَ يا مُحَمَد فِي عِيسى مِنْ وَفـْدِ نَصارى
نَجْران وَهُـم المَسِيحِيُونَ: مِنهُم الكَاهِـنُ وَالسَيِّد وَمَـنْ مَعَهُما مِـنْ كِـبارِ
القـَوْمِ, وَكانَ عَلى رَأسِـهِم أبُـو الحارثُ أَسْقَف: فَقـُلْ لِهؤلاءِ ( مِنْ بَعْـدِ
مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) لِتَخْبِرَهُم بالحَـقِّ النازِلُ إلَيكَ عَـنْ عِـيسى, فإنْ لـَمْ
يَسْتَجِيبُوا لأُنْزِلَ عَليْهِم اسْتِحقاق غَضَبِي مِنْ حَيثُ لاّ تُفارقََهُم اللَّعنَة وَلاَّ
يُخَفَف عَنهُم العَذاب وَلاّ هُم يُمْهَلُونَ,,
وَفِي ثَمَةِ يَـومٍ قالَ: أبُـو الحارث إلى خازِنِ أسْرارِهِ دَعوتـُكَ يا شُرحَبيلُ
لأمْرٍ قَدْ أراعَنِي وَأفزَعَنِي أرَقاً مّا اسْتَطَعتُ أنْ أنفَردَ بِهِ أوْ أسْتَقِلَ برَأيِّ
فِيهِ فَجاءَنِي اليَوْم كِتابٌ مِنْ مُحَمدٍ أبْنُ عَبد اللهِ يَدعُوَّنِي فِيهِ لِدِينِ يُسَّمِهُ
الإسْلام,, ثـُمَ خَيْرَنِي فِيـهِ بَـيْنَ اثـنتَيْنِ أنْ أُبَـيْتُ بَـيْنَ الجِزَيَـةِ أوْ الحَربِ
فَذُعِرْتُ مِمّا تَوَعَدَنِي وَلاّ أدري مّاذا أفَعَـل بـِرَّدِ كِتابِهِ: فَقالَ لـَهُ شُرحَبيل
إنِي قَََدْ عَلِمْتُ مّا وَعَدَ اللهُ بِمُحَمدٍ مِنْ النبُوَّةِ في ذِريَةِ إسْماعِيلَ فإنَهُ أمْرٌ
سَماوِّيٌ فَلِمّا لاّ تـُؤمِن إنَهُ الخاتَمُ للنُبُوَةِ أنْ تَتَبِعَهُ, أوْ يَكُونَ بِخِلافِهِ دَفع
الجِزيَة أمْ الحَرب, فَرَمى عَنْ قََوْسِ كَلامِهِ وَصَرَفَهُ,,
ثـُمَ دَعا إليهِ آخَرٌ يُريد الاسْتِعانَةَ بـِهِ فَمّا زادَ في كَلامِهِ حَتى أَجابَ مِثلَمّا
قالَ لَهُ شُرحَبيل: ثمَ دَعا إليهِ ثالِثاً مِنْ كِبارِ قَوْمِهِ فقالَ هكَذا ما وَعَـدَ اللهُ
بِنُبُوَةِ مُحَمدٍ ابْنُ عَـبدِ الله, فَلَّمّا رآهُم قَـَدْ اسْتَقامُوا فِي رَأيهِم بأنَ مُحَمَداً
هُـوَ الخاتَمُ للنُبُوَةِ دَعاهُ وَقوْمَهُ لِلإسْلام: أمَـرَ بالنَواقِيسِ أنْ تـُدَقَ إيـذاناً
بالدَعوَةِ وَإعلانَاً لِلإتـِمارِ عَلى أنْ يَذهَـبَ وَفـْدٌ مِـنْ الكَهَنِةِ وَالأحـْبارِ إلى
لِقاءِ مُحَمَدٍ يُحاجُـوه وَيُجادِلـُوه فِي دِينِهِ بَعدَمّا أعلَنَهُم بِكِتابِهِ وَفاوَضَهُم
فِيمّا يَفعَل فبَّيَنَ لَهُم وجُوه الأمْرِ بأنْ لاّ يَذعَنُوا إلاّ لِمَنَ تَبَعَ دِينَهُم خِشْيَةً
أنْ يُدعى مُحَمدٌ أنَهُ أُوتى مِنْ رَبـِهِ مِثلَمّا هُـوَ عِندَهُم فِي دِينِ المَسِيح،,
فَتَجَمَعَ لَفِيفَهُم عَلى قِداحِ الرَّأي الواحِد في رَدِّ كِتابِ النَبِّي وَإبعادَهُ عَنهُم
دُونَ الجِزيَـةِ أوْ الحَرب, وَمّا انتَهُوا إلى أنْ يَذهَـبَ وَفـدٌ مِنهُم إلى لِـقاءِ
مُحَمَدٍ لِيُحاجُوه فِي عِيسى عَليهِ السَلام,,
فَلَمّا دَخَلُوا مَسْجَد رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ, قالَ شُرحَبيل صاحِب
كَلِمَتَهُم: يا مُحَمَد لَقـَدْ عَلِمْتَ إنَنا نَصارى بَنِـي نَجْران: وَلكِنْ نَسألُكَ إنْ
كُنتَ نَبِّياً لِلأمَةِ جَمْعاء أنْ نَسْمَعَ مِنكَ ما تَقول: فَهَلْ رَأيْتَ وَلَداً مِنْ غَيْرِ
ذِكِرٍ وُلِدَ: فقالَ صَلى اللـَّهُ عَليهِ وَآلِهِ: لَيْسَ عِندِي مِنْ شَيءٍ أخْبِرَكُم بـِهِ
عَـنْ عِيسى فأقِيمُوا عِندِي هذِهِ اللَّيْلَةَ حَتى أخْبِرُكُم بِمّا يَقُول الوَحِي فِي
عِيسى,, وَبَينَمّا هُـم كَذلِكَ, فنزَلتْ عَليهِ بِحَقِّ عِيسى آيَـة: وَقوْلـَهُ تَعالى
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
فقرَأُها النَبّـِيُ الأكْـرَم عَليهِم: وَالمَعنى إنَها نَزَلَـت رَداً عَلى بَنِّـي نَجْـران
حِينَ اتَهَمُوا عِيسى إلهاً لَهُم مِنْ دُونِ اللـَّهِ وَهِيَّ تَذكِرَةٌ بأنَ المَسِيحَ بـنُ
مَريـَمَ هُـوَ إنسانٌ وُلِـدَ وَعاشَ كَبقِيةِ الناسِ وَلاّ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ إلهاً لَهُم
فَسْتَدَلَ بَنُو نَجْران بِشَأنِ إلُوهِيَةِ عِيسى رَبَّهُم, وَالبَعضُ قالَ إنَهُ ابْنُ الله
وُلِدَ مِنْ غَيرِ أبٍ فَضَربَ اللهُ مثَل عِيسى بخَلْقِ آدَم بصُورةٍ أعَجَب لَعَلَهُم
يَهتَدُون, وَكانَ أمْرُهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ أنْ يَقولَ لَهُم: أنَ شأنَ عِيسى
فِي خَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أبٍ كَشَأنِ آدَم فِي خَلْقِهِ مِنْ تُرابٍ مِنْ غـَيْرٍ أُمٍ وَلاّ أَبٍ
فقَد صَوَّرَهُ الله وَأرادَهُ أنْ يَكُونَ نَبِِّياً فكانَ بَشَراً سَوِّياً,, فَكَيْفَ تَزْعَمُونَ
أنَ عِيسى ابْـنُ اللـَّه مِمّا يََسْتَدعِي العَجَب بَينَكُم عَكْـسُ ما تَتَذكِرُونَ آدَم
خُلِقَ مِنْ تُرابٍ, أفلا تَنظِرُونَ إلى المَيْسُورِ وَالمَعسُورِ وَالعَقـِيمِ وَالسَلِيم
إنَهُم لاّ يَتَحَقَقُونَ إلاّ عَلى إرادَةِ اللهِ تَعالى وَقولَهُ (إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يّس:82) وَبِهذا أرادَ اللهُ سُبْحانَهُ تَعالى أنْ يَخْلُقَ عِيسى
بِكَلِمَةٍ مِنهُ (قَالَ لَـهُ كُـنْ فَيَكُونُ)(59) يَعنِى: مَنْ كانَتْ قدرَتَهُ مُطلَقَةٌٌ في
التَخْلِيقِ فلاّ مَفهُومٌ لِلصَعبِ وَالسَهْلِ بالنسْبَةِ إلى اللـَّهِ أنْ يَخْلـُقَ عِيسى
مِـنْ عَـذراءٍ تَحمِلُ وَتَلـِدُ مِـنْ دُونِ الاتِصالِ الجِنسِي وَنفـُوذِ الحَيْمَن فِي
البُوَيْضَةِ (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ)
وَالمُرادُ: مِـنْ خَلْقِ عِيسى كَمَثَلِ آدَم مِنْ تـُرابٍ: فإنَ تـُرْبَةَ الإِنسانُ هِيَّ
رَمْـسُهُ, وَتـُربَةُ الأَرض ظاهِرُها, وَرَمَسْتُ المَـيْت دفنتـُهُ فهُوَ مَرْمُوسٌ
بِقبْـرِهِ مُسْـتوِّياً مَعَ وَجْـهِ الأَرضِ، كَـمّا وَردَ ذلِكَ قـُرآناً فِي قَوْلِـهِ تَـعالى
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)(طه55) فَهذا
هُوَ (الْحَقُّ) يا مُحَمَد (مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الخِطابُ لاّ يُعتَبَر
تَهْديدٌ لِلنَبِّي, إمّا أنْ يَكُونَ مِنْ بابِ تَذكِرَةً لِزيادَةِ الثَباتِ لَـهُ عَلى هؤلاءِ
المُمْتَرين, لأنَهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ مَعصُومٌ مِنَ الامْتِراءِ وَالمَعنى فِيهِ
إنـَهُ مُتَوجِهٌ كَمّا فِي نَظائِـر قَوْلِـهِ تَعالى إلى أُمَتِي مُحَمدٍ فِي النَهِي عَـنْ
الشَـكِ وَالارتِـيابِ أنْ لاّ يَتَبِعُــوا أهْـواءَ الذِيـنَ كَفـَرُوا مِـنْ أهْـلِ الكِـتابِ
وَالمُشْركِينَ المُتَمَردِينَ فِي كِتمانِهِم الحَقِّ مَعَ العِلْمِ بـِهِ مِنَ الامْتِراءِ فِي
دافِعِ اليَقين,,
وَالمُرادُ مِن جَوْهَرِ مَعنى الآيَة أنْ لاّ يَكُونَ المُسْلِمُ مِنْ أمَةِ مُحَمَدِ كَصِفَةِ
المُمْتَري الكافِـر وَهُـوَ الشاكُ بِدافِـعِ اليَقِيـن المُجادِل لِيَسْتَخرِجَ مّـا عِـندَ
خَصْمِهِ مِنَ القوْلِ وَالبَينَةِ فِي إبطالِها, وَقَدْ تَصَلَبَ بَنِي نَجْران فِي العَنادِ
عَلى بـطْلانِ بَراهِـينِ النبيِّ مُحِمَدٍ بعدَمّا أقـامَ عَليْهِم الحِجَةَ بِأنَ عِـيسى
عَبْدٌ للهِ وَرَسُولِهِ المُبَلِغ لِرسالَتِهِ السَماوِّيَةِ كَسائِرِ غَيْرِهِ مِنَ الأنبياءِ,,
وَالآيَة نَزَلَت تِأكِيداً لِرَدعِهِم فِي شِرْكِهِم باللهِ تَعالى (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ العَزيزُ
الحَكِيـم) أَيْ: لاّ أحَـدٌ يُعادِلـُهُ وَيُساوِّيـه فِـي القـُدرَةِ وَالحِكْمَـةِ والإعـْجاز
لِيُشاركُهُ فِي الألُوهِيَةِ,,
وَنـُقِلَ عَنْ بَعضِ عُلماءِ الرُوم فقالَ يا بَنـُو نَجْران: لِمَ تَعبِدُونَ عِيسى؟؟
قالُوا لأنـَهُ لاّ أَبٌ لَـهُ: قالَ فآدَمُ أوْلى لأنَهُ لاّ أبَوَّين لَـهُ, قالـُوا كانَ يُحيِّي
المَوْتى, قالَ فَحزقِيلُ أوْلى لأنَ عِيسى أحـْيَّا أرَبَعَةَ نَفـرٍ, وَحزقِيل ثَمانيَةَ
آلافٍ, فَقالُوا كانَ يُبْرئ الأكْمَه وَالأبْرَص, قالَ فَجُرْجِيسُ أوْلى لأنَهُ طُبِخَ
وَأُحرِقَ ثُمَ قامَ سالِماً,,
ثـُمَ أمَرَ اللـَّهُ تَعالى رَسَولَهُ مُحَمَدٍ بتَوْبِيخِهِم عَلى اسْتِمْرارهِم عَلى الكُفْرِ
وَالضَّلالِ وَالتَضْلِيلِ: وَقالَ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) ثُمَ أكَـدَ
لَهُم النَبِّـيُ الأكْـرَم ظلْمَهُم بالصُورَةِ الأعجَب مَثَلُ عِيسى خُـلِقَ كَآدَمٍ مِـنْ
تُرابٍ, فَوَضَعَ لَهُم المَظْهَر مَوْضِع المُضْمِر وَقالَ سَوَفَ يُنزِل الله تَعالى
بِكُم العَذابَّيْنِ وَأنتُم تَعرفُونَ أنَ عِقابَ الله فِي الدُنيا عَلى مِثْلِ هذا الفَسادِ
عَظِيم إذا مَا لَمْ تَأتـُوا إلى كَلِمَةٍ عادِلَةٍ سَـواءٍ,, وَمِـنْ ثـُمَ يُؤتِكُم العَـذابُ
العَظِيم بِسَبَبِ كُفرِكُم بآياتِ اللـَّهِ فِي اليَوْمِ الذِي تَسْوَّدُ بالحُزنِ وجُوهِكُم
وَتَبْيَضُ بالسِرُورِ فِيهِ وجُوه المُؤمِنِينَ وَلَهُم الجَنَةَ التِي وَعَدَهُم اللهُ بِها
هُم فِيها خالِدُون,,
فَأعرَضُوا عَـنْ النبِّي بَعـدَ أنْ تـَلاّ عَليهِم البَراهِينُ المُؤكَدَة طالِبينَ دِيـناً
غَيْر دِين مُحَمَدٍ لِيَزدادُوا جِحُوداً وَفَساداً وَإيذاءً لِلمُؤمِنِينَ,,
ثَمَ أخبْرَ اللـَّهُ رَسُولَهُ أنْ يُباهُلَ أهْـلُ نَصارى نَجْران: وَقالَ (فَقـُلْ تَعَالَوْا
نـَدْعُ أَبْنَاءَنَـا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَـا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفـُسَنَا وَأَنْفـُسَكُمْ ثـُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)
المُباهَلَةُ هِيَّ المُلاعَنَةُ, وَاللَّعنَةُ هِيَّ الإبْعادُ عَـنْ رَحمَةِ اللهِ, وَالمَقصُودُ
مِنْها أنْ يَجْتَمِعَ القـَوْمُ إذا اختَلفـُوا فِي شَيءٍ فيَقولـُونَ لَعنَتَ اللـَّهِ عَلى
الظالِمِ مِنّا,,
وَكانَ سَبَبُ نِزُولَ هِذِه الآيَـة: أنَ وَفـدَ نَصارى نَجْران حِينَ قدِمُوا مَدِينَة
رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ: جَعَلـُوا يُجادِلُونَ الرَسُول فِي نَبِيِّ اللـَّهِ
عِيسى عَليهِ السَلام وَيَزعَمُونَ فِيهِ ما يَزعَمُونَ فِي إلُوهِيَتِهِ إنَهُ رَبٌ لَهُم
فَدَعا النَبِّيُ العاقِب وَالطَّيْب إلى الإسْلام فقالا أسْلَمْنا يامُحَمَد قبْلَ دَعوَتِكَ
التِي دَعَوْتَنا بِها لِلإسْلامِ قالَ النَبِّيُ الأكرَم كَذَبْتُما إنْ شِئتُمّا أخْبَرتَكُمّا بِمّا
يَمْنَعكُمّا مِـنَ الإسْلام, قـالا هات يا مُحَمَد مّا عِندَكَ: قالَ فِـي دِينِكُـم حُـبِّ
الصَلِيبِ: وَشرْبِ الخَمْر: وَأكْـلِ الخِنزير, فَسَكَتا عَـنْ الإجابَـةِ,, فَدَعاهُم
الرَسُول وَأعلَنَهُم فِيمّا جاءَ الفَصْلُ فِي أمْرِهِم قـُرآناً, فإنْ لَمْ يَذعَنُوا وَلَمْ
يَعتَقِدُوا بِمّا جاءَ بِهِ النَبِّيُ مَنَ الحَقِّ فَليَجْمَعَ النَبِّيُ المُسْلِمُونَ مِنْ قرَيشٍ
وَالمُحاجُونَ مِـنْ أهْـلِ الكِتابِ فِي صَعِيدٍ واحِـدٍ رجالاً وَنِساءً وَأطفالاً ثـُمَ
يَبتَهِلُوا الطَرفان وَيُنزلُوا لَعنَتَ اللهِ عَلى مَنْ كانَ مِنهُمّا كاذِباً وَكانَ أمْرُهُ
صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ أنْ يَقـُولَ لِوَفـْدِ نَجْران: إنِي سَأدعُو أبْنائِي, وَأنْتـُم
ادعُـوا أبْناءَكُـم, وَأدعُـو نِسائِي, وَأنتـُم ادعُـوا نِساءَكُم، وأدعُـو نَفـسِي
وَتَدعُونَ أنتُم أنفُسَكُم, فِعندَها نَدعُوا الله تَعالى بَيْنَنا أنْ يُنْزِّلَ لَعنَتَهُ عَلى
الكاذِبِ مِنّا,,
فَقالَ الأسْقفُ: دَعنا يا مُحمَد نَتَشاوَر بَينَنا, ثـُمَ نَفضِي إليكَ بِمّا اشتَرطْنا
فِي رَأيِِّنا بانتِهائِهِ, فَجاءَ شُرحَبيل إلى النَبي وَقالَ: إني رَأيتُ خَـيْراً مِـنْ
مُلاعَنَتِكَ قالَ النَبِّيُ وَمّا هُوَ: قالَ حُكْمُكَ اليَوْم إلى اللَّيْلِ وَلَيْتـُكَ خَبَرَهُ إلى
الصَباحِ فمّا حَكَمْتَ فِينا فَهُوَ جائزٌ عِندَنا, قالَ رَسُولُ الله ياشُرحَبيلُ لَعَلَ
وَراءَكَ أحَداً يَلـُومَكَ بِذلِك: قالَ سَـلْ أصْحابي فإنَ الوادِي كَبيرُنا ما يَـرِّد
لِي أمْراً وَمّا يُصْدِر قََـَوْلاً إلاّ عَنْ رَأيِّي,, قالَ النَبِّيُ اذهَبُوا الآن عَلى أنْ
تَعُودُوا غـَداً لِلمُباهَلَةِ, فواعَدُوه أنْ يَغدُوا بالغَدوَةِ, فلَمّا تَخالـُوا بأمْرِهِم
التَجَئُوا إلى العاقِبِ الكاهِنِ وَكانَ ذا سَـدادٍ فِي عِلْـمِ دِينِهِم: قالـُوا يا عَبدُ
المَسِيح مّا تَرى فِي مُحَمَدٍ بأمْرِ المُباهَلَة؟؟
قالَ وَاللهِ لَقدْ عِرفتُم يا مَعشَرَ النَصارى أنَ مُحَمَداً نَبِّيُ رُسُلٍ وَلَقدْ جاءَكُم
بالفَضْلِ مِنْ أمْـرِ عِيسى إنجِيلاً إنـَهُ النَبِّيُ المُبَشرُ مِنْ بَعدِهِ: فَلا تُباهِلُوه
فِي دِينِهِ وَأهْل بَيتِهِ الذِينَ مَعَهُ, وَاللهِ مّا باهَلَ قوْمٌ نَبِّياً قَطْ فعاشَ كَبيرَهُم
وَلاّ نَبَتَ صَغيرَهُم وَلَئِنْ فَعلْتُم لَتَهْلُكَنَ: وَإنْ أبَيْتُم إلاّ ألف دِينَكُم وَالإقامَة
عَلى مّا أنتـُم عَلَيه, فوادِعُوا مُحَمَد أبنُ عـَبد اللـَّهِ بِخَيرٍ وَانصَرِفـُوا إلى
بلادِكُم تَسْلَمُونَ,,
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
إنزِل تَحَت وَأكْمِل قِراءَة التَفسِير
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/ouuoo_11.jpg
سُورَةُ آل عمْران الجزءُ الثالِث
مِنَ القُرآن تَفسِير آيَة المُباهَلة
http://i1106.photobucket.com/albums/h376/HohoSaid/Basm%20Allh%20001/Basm%20Allh%20002/0050.png
فَمَنْ حَاجَّـكَ فِيـهِ مِـنْ بَعْـدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْـمِ فَقـُلْ تَعَالـُوْا
نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَـا مِنْ إِلَـهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُـوَ الْعَزِيـزُ
الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّـوْا فَإِنَّ اللـَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) الهاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلْ مِنْ كَلِمَة ( فِيهِ ) عائِدَةٌ عَلى
ذِكْرِ عِيسى بنُ مَريَـم: فَمَّنْ جادَلَكَ يا مُحَمَد فِي عِيسى مِنْ وَفـْدِ نَصارى
نَجْران وَهُـم المَسِيحِيُونَ: مِنهُم الكَاهِـنُ وَالسَيِّد وَمَـنْ مَعَهُما مِـنْ كِـبارِ
القـَوْمِ, وَكانَ عَلى رَأسِـهِم أبُـو الحارثُ أَسْقَف: فَقـُلْ لِهؤلاءِ ( مِنْ بَعْـدِ
مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) لِتَخْبِرَهُم بالحَـقِّ النازِلُ إلَيكَ عَـنْ عِـيسى, فإنْ لـَمْ
يَسْتَجِيبُوا لأُنْزِلَ عَليْهِم اسْتِحقاق غَضَبِي مِنْ حَيثُ لاّ تُفارقََهُم اللَّعنَة وَلاَّ
يُخَفَف عَنهُم العَذاب وَلاّ هُم يُمْهَلُونَ,,
وَفِي ثَمَةِ يَـومٍ قالَ: أبُـو الحارث إلى خازِنِ أسْرارِهِ دَعوتـُكَ يا شُرحَبيلُ
لأمْرٍ قَدْ أراعَنِي وَأفزَعَنِي أرَقاً مّا اسْتَطَعتُ أنْ أنفَردَ بِهِ أوْ أسْتَقِلَ برَأيِّ
فِيهِ فَجاءَنِي اليَوْم كِتابٌ مِنْ مُحَمدٍ أبْنُ عَبد اللهِ يَدعُوَّنِي فِيهِ لِدِينِ يُسَّمِهُ
الإسْلام,, ثـُمَ خَيْرَنِي فِيـهِ بَـيْنَ اثـنتَيْنِ أنْ أُبَـيْتُ بَـيْنَ الجِزَيَـةِ أوْ الحَربِ
فَذُعِرْتُ مِمّا تَوَعَدَنِي وَلاّ أدري مّاذا أفَعَـل بـِرَّدِ كِتابِهِ: فَقالَ لـَهُ شُرحَبيل
إنِي قَََدْ عَلِمْتُ مّا وَعَدَ اللهُ بِمُحَمدٍ مِنْ النبُوَّةِ في ذِريَةِ إسْماعِيلَ فإنَهُ أمْرٌ
سَماوِّيٌ فَلِمّا لاّ تـُؤمِن إنَهُ الخاتَمُ للنُبُوَةِ أنْ تَتَبِعَهُ, أوْ يَكُونَ بِخِلافِهِ دَفع
الجِزيَة أمْ الحَرب, فَرَمى عَنْ قََوْسِ كَلامِهِ وَصَرَفَهُ,,
ثـُمَ دَعا إليهِ آخَرٌ يُريد الاسْتِعانَةَ بـِهِ فَمّا زادَ في كَلامِهِ حَتى أَجابَ مِثلَمّا
قالَ لَهُ شُرحَبيل: ثمَ دَعا إليهِ ثالِثاً مِنْ كِبارِ قَوْمِهِ فقالَ هكَذا ما وَعَـدَ اللهُ
بِنُبُوَةِ مُحَمدٍ ابْنُ عَـبدِ الله, فَلَّمّا رآهُم قَـَدْ اسْتَقامُوا فِي رَأيهِم بأنَ مُحَمَداً
هُـوَ الخاتَمُ للنُبُوَةِ دَعاهُ وَقوْمَهُ لِلإسْلام: أمَـرَ بالنَواقِيسِ أنْ تـُدَقَ إيـذاناً
بالدَعوَةِ وَإعلانَاً لِلإتـِمارِ عَلى أنْ يَذهَـبَ وَفـْدٌ مِـنْ الكَهَنِةِ وَالأحـْبارِ إلى
لِقاءِ مُحَمَدٍ يُحاجُـوه وَيُجادِلـُوه فِي دِينِهِ بَعدَمّا أعلَنَهُم بِكِتابِهِ وَفاوَضَهُم
فِيمّا يَفعَل فبَّيَنَ لَهُم وجُوه الأمْرِ بأنْ لاّ يَذعَنُوا إلاّ لِمَنَ تَبَعَ دِينَهُم خِشْيَةً
أنْ يُدعى مُحَمدٌ أنَهُ أُوتى مِنْ رَبـِهِ مِثلَمّا هُـوَ عِندَهُم فِي دِينِ المَسِيح،,
فَتَجَمَعَ لَفِيفَهُم عَلى قِداحِ الرَّأي الواحِد في رَدِّ كِتابِ النَبِّي وَإبعادَهُ عَنهُم
دُونَ الجِزيَـةِ أوْ الحَرب, وَمّا انتَهُوا إلى أنْ يَذهَـبَ وَفـدٌ مِنهُم إلى لِـقاءِ
مُحَمَدٍ لِيُحاجُوه فِي عِيسى عَليهِ السَلام,,
فَلَمّا دَخَلُوا مَسْجَد رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ, قالَ شُرحَبيل صاحِب
كَلِمَتَهُم: يا مُحَمَد لَقـَدْ عَلِمْتَ إنَنا نَصارى بَنِـي نَجْران: وَلكِنْ نَسألُكَ إنْ
كُنتَ نَبِّياً لِلأمَةِ جَمْعاء أنْ نَسْمَعَ مِنكَ ما تَقول: فَهَلْ رَأيْتَ وَلَداً مِنْ غَيْرِ
ذِكِرٍ وُلِدَ: فقالَ صَلى اللـَّهُ عَليهِ وَآلِهِ: لَيْسَ عِندِي مِنْ شَيءٍ أخْبِرَكُم بـِهِ
عَـنْ عِيسى فأقِيمُوا عِندِي هذِهِ اللَّيْلَةَ حَتى أخْبِرُكُم بِمّا يَقُول الوَحِي فِي
عِيسى,, وَبَينَمّا هُـم كَذلِكَ, فنزَلتْ عَليهِ بِحَقِّ عِيسى آيَـة: وَقوْلـَهُ تَعالى
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
فقرَأُها النَبّـِيُ الأكْـرَم عَليهِم: وَالمَعنى إنَها نَزَلَـت رَداً عَلى بَنِّـي نَجْـران
حِينَ اتَهَمُوا عِيسى إلهاً لَهُم مِنْ دُونِ اللـَّهِ وَهِيَّ تَذكِرَةٌ بأنَ المَسِيحَ بـنُ
مَريـَمَ هُـوَ إنسانٌ وُلِـدَ وَعاشَ كَبقِيةِ الناسِ وَلاّ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ إلهاً لَهُم
فَسْتَدَلَ بَنُو نَجْران بِشَأنِ إلُوهِيَةِ عِيسى رَبَّهُم, وَالبَعضُ قالَ إنَهُ ابْنُ الله
وُلِدَ مِنْ غَيرِ أبٍ فَضَربَ اللهُ مثَل عِيسى بخَلْقِ آدَم بصُورةٍ أعَجَب لَعَلَهُم
يَهتَدُون, وَكانَ أمْرُهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ أنْ يَقولَ لَهُم: أنَ شأنَ عِيسى
فِي خَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أبٍ كَشَأنِ آدَم فِي خَلْقِهِ مِنْ تُرابٍ مِنْ غـَيْرٍ أُمٍ وَلاّ أَبٍ
فقَد صَوَّرَهُ الله وَأرادَهُ أنْ يَكُونَ نَبِِّياً فكانَ بَشَراً سَوِّياً,, فَكَيْفَ تَزْعَمُونَ
أنَ عِيسى ابْـنُ اللـَّه مِمّا يََسْتَدعِي العَجَب بَينَكُم عَكْـسُ ما تَتَذكِرُونَ آدَم
خُلِقَ مِنْ تُرابٍ, أفلا تَنظِرُونَ إلى المَيْسُورِ وَالمَعسُورِ وَالعَقـِيمِ وَالسَلِيم
إنَهُم لاّ يَتَحَقَقُونَ إلاّ عَلى إرادَةِ اللهِ تَعالى وَقولَهُ (إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يّس:82) وَبِهذا أرادَ اللهُ سُبْحانَهُ تَعالى أنْ يَخْلُقَ عِيسى
بِكَلِمَةٍ مِنهُ (قَالَ لَـهُ كُـنْ فَيَكُونُ)(59) يَعنِى: مَنْ كانَتْ قدرَتَهُ مُطلَقَةٌٌ في
التَخْلِيقِ فلاّ مَفهُومٌ لِلصَعبِ وَالسَهْلِ بالنسْبَةِ إلى اللـَّهِ أنْ يَخْلـُقَ عِيسى
مِـنْ عَـذراءٍ تَحمِلُ وَتَلـِدُ مِـنْ دُونِ الاتِصالِ الجِنسِي وَنفـُوذِ الحَيْمَن فِي
البُوَيْضَةِ (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ)
وَالمُرادُ: مِـنْ خَلْقِ عِيسى كَمَثَلِ آدَم مِنْ تـُرابٍ: فإنَ تـُرْبَةَ الإِنسانُ هِيَّ
رَمْـسُهُ, وَتـُربَةُ الأَرض ظاهِرُها, وَرَمَسْتُ المَـيْت دفنتـُهُ فهُوَ مَرْمُوسٌ
بِقبْـرِهِ مُسْـتوِّياً مَعَ وَجْـهِ الأَرضِ، كَـمّا وَردَ ذلِكَ قـُرآناً فِي قَوْلِـهِ تَـعالى
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)(طه55) فَهذا
هُوَ (الْحَقُّ) يا مُحَمَد (مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الخِطابُ لاّ يُعتَبَر
تَهْديدٌ لِلنَبِّي, إمّا أنْ يَكُونَ مِنْ بابِ تَذكِرَةً لِزيادَةِ الثَباتِ لَـهُ عَلى هؤلاءِ
المُمْتَرين, لأنَهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ مَعصُومٌ مِنَ الامْتِراءِ وَالمَعنى فِيهِ
إنـَهُ مُتَوجِهٌ كَمّا فِي نَظائِـر قَوْلِـهِ تَعالى إلى أُمَتِي مُحَمدٍ فِي النَهِي عَـنْ
الشَـكِ وَالارتِـيابِ أنْ لاّ يَتَبِعُــوا أهْـواءَ الذِيـنَ كَفـَرُوا مِـنْ أهْـلِ الكِـتابِ
وَالمُشْركِينَ المُتَمَردِينَ فِي كِتمانِهِم الحَقِّ مَعَ العِلْمِ بـِهِ مِنَ الامْتِراءِ فِي
دافِعِ اليَقين,,
وَالمُرادُ مِن جَوْهَرِ مَعنى الآيَة أنْ لاّ يَكُونَ المُسْلِمُ مِنْ أمَةِ مُحَمَدِ كَصِفَةِ
المُمْتَري الكافِـر وَهُـوَ الشاكُ بِدافِـعِ اليَقِيـن المُجادِل لِيَسْتَخرِجَ مّـا عِـندَ
خَصْمِهِ مِنَ القوْلِ وَالبَينَةِ فِي إبطالِها, وَقَدْ تَصَلَبَ بَنِي نَجْران فِي العَنادِ
عَلى بـطْلانِ بَراهِـينِ النبيِّ مُحِمَدٍ بعدَمّا أقـامَ عَليْهِم الحِجَةَ بِأنَ عِـيسى
عَبْدٌ للهِ وَرَسُولِهِ المُبَلِغ لِرسالَتِهِ السَماوِّيَةِ كَسائِرِ غَيْرِهِ مِنَ الأنبياءِ,,
وَالآيَة نَزَلَت تِأكِيداً لِرَدعِهِم فِي شِرْكِهِم باللهِ تَعالى (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ العَزيزُ
الحَكِيـم) أَيْ: لاّ أحَـدٌ يُعادِلـُهُ وَيُساوِّيـه فِـي القـُدرَةِ وَالحِكْمَـةِ والإعـْجاز
لِيُشاركُهُ فِي الألُوهِيَةِ,,
وَنـُقِلَ عَنْ بَعضِ عُلماءِ الرُوم فقالَ يا بَنـُو نَجْران: لِمَ تَعبِدُونَ عِيسى؟؟
قالُوا لأنـَهُ لاّ أَبٌ لَـهُ: قالَ فآدَمُ أوْلى لأنَهُ لاّ أبَوَّين لَـهُ, قالـُوا كانَ يُحيِّي
المَوْتى, قالَ فَحزقِيلُ أوْلى لأنَ عِيسى أحـْيَّا أرَبَعَةَ نَفـرٍ, وَحزقِيل ثَمانيَةَ
آلافٍ, فَقالُوا كانَ يُبْرئ الأكْمَه وَالأبْرَص, قالَ فَجُرْجِيسُ أوْلى لأنَهُ طُبِخَ
وَأُحرِقَ ثُمَ قامَ سالِماً,,
ثـُمَ أمَرَ اللـَّهُ تَعالى رَسَولَهُ مُحَمَدٍ بتَوْبِيخِهِم عَلى اسْتِمْرارهِم عَلى الكُفْرِ
وَالضَّلالِ وَالتَضْلِيلِ: وَقالَ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) ثُمَ أكَـدَ
لَهُم النَبِّـيُ الأكْـرَم ظلْمَهُم بالصُورَةِ الأعجَب مَثَلُ عِيسى خُـلِقَ كَآدَمٍ مِـنْ
تُرابٍ, فَوَضَعَ لَهُم المَظْهَر مَوْضِع المُضْمِر وَقالَ سَوَفَ يُنزِل الله تَعالى
بِكُم العَذابَّيْنِ وَأنتُم تَعرفُونَ أنَ عِقابَ الله فِي الدُنيا عَلى مِثْلِ هذا الفَسادِ
عَظِيم إذا مَا لَمْ تَأتـُوا إلى كَلِمَةٍ عادِلَةٍ سَـواءٍ,, وَمِـنْ ثـُمَ يُؤتِكُم العَـذابُ
العَظِيم بِسَبَبِ كُفرِكُم بآياتِ اللـَّهِ فِي اليَوْمِ الذِي تَسْوَّدُ بالحُزنِ وجُوهِكُم
وَتَبْيَضُ بالسِرُورِ فِيهِ وجُوه المُؤمِنِينَ وَلَهُم الجَنَةَ التِي وَعَدَهُم اللهُ بِها
هُم فِيها خالِدُون,,
فَأعرَضُوا عَـنْ النبِّي بَعـدَ أنْ تـَلاّ عَليهِم البَراهِينُ المُؤكَدَة طالِبينَ دِيـناً
غَيْر دِين مُحَمَدٍ لِيَزدادُوا جِحُوداً وَفَساداً وَإيذاءً لِلمُؤمِنِينَ,,
ثَمَ أخبْرَ اللـَّهُ رَسُولَهُ أنْ يُباهُلَ أهْـلُ نَصارى نَجْران: وَقالَ (فَقـُلْ تَعَالَوْا
نـَدْعُ أَبْنَاءَنَـا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَـا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفـُسَنَا وَأَنْفـُسَكُمْ ثـُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)
المُباهَلَةُ هِيَّ المُلاعَنَةُ, وَاللَّعنَةُ هِيَّ الإبْعادُ عَـنْ رَحمَةِ اللهِ, وَالمَقصُودُ
مِنْها أنْ يَجْتَمِعَ القـَوْمُ إذا اختَلفـُوا فِي شَيءٍ فيَقولـُونَ لَعنَتَ اللـَّهِ عَلى
الظالِمِ مِنّا,,
وَكانَ سَبَبُ نِزُولَ هِذِه الآيَـة: أنَ وَفـدَ نَصارى نَجْران حِينَ قدِمُوا مَدِينَة
رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ: جَعَلـُوا يُجادِلُونَ الرَسُول فِي نَبِيِّ اللـَّهِ
عِيسى عَليهِ السَلام وَيَزعَمُونَ فِيهِ ما يَزعَمُونَ فِي إلُوهِيَتِهِ إنَهُ رَبٌ لَهُم
فَدَعا النَبِّيُ العاقِب وَالطَّيْب إلى الإسْلام فقالا أسْلَمْنا يامُحَمَد قبْلَ دَعوَتِكَ
التِي دَعَوْتَنا بِها لِلإسْلامِ قالَ النَبِّيُ الأكرَم كَذَبْتُما إنْ شِئتُمّا أخْبَرتَكُمّا بِمّا
يَمْنَعكُمّا مِـنَ الإسْلام, قـالا هات يا مُحَمَد مّا عِندَكَ: قالَ فِـي دِينِكُـم حُـبِّ
الصَلِيبِ: وَشرْبِ الخَمْر: وَأكْـلِ الخِنزير, فَسَكَتا عَـنْ الإجابَـةِ,, فَدَعاهُم
الرَسُول وَأعلَنَهُم فِيمّا جاءَ الفَصْلُ فِي أمْرِهِم قـُرآناً, فإنْ لَمْ يَذعَنُوا وَلَمْ
يَعتَقِدُوا بِمّا جاءَ بِهِ النَبِّيُ مَنَ الحَقِّ فَليَجْمَعَ النَبِّيُ المُسْلِمُونَ مِنْ قرَيشٍ
وَالمُحاجُونَ مِـنْ أهْـلِ الكِتابِ فِي صَعِيدٍ واحِـدٍ رجالاً وَنِساءً وَأطفالاً ثـُمَ
يَبتَهِلُوا الطَرفان وَيُنزلُوا لَعنَتَ اللهِ عَلى مَنْ كانَ مِنهُمّا كاذِباً وَكانَ أمْرُهُ
صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ أنْ يَقـُولَ لِوَفـْدِ نَجْران: إنِي سَأدعُو أبْنائِي, وَأنْتـُم
ادعُـوا أبْناءَكُـم, وَأدعُـو نِسائِي, وَأنتـُم ادعُـوا نِساءَكُم، وأدعُـو نَفـسِي
وَتَدعُونَ أنتُم أنفُسَكُم, فِعندَها نَدعُوا الله تَعالى بَيْنَنا أنْ يُنْزِّلَ لَعنَتَهُ عَلى
الكاذِبِ مِنّا,,
فَقالَ الأسْقفُ: دَعنا يا مُحمَد نَتَشاوَر بَينَنا, ثـُمَ نَفضِي إليكَ بِمّا اشتَرطْنا
فِي رَأيِِّنا بانتِهائِهِ, فَجاءَ شُرحَبيل إلى النَبي وَقالَ: إني رَأيتُ خَـيْراً مِـنْ
مُلاعَنَتِكَ قالَ النَبِّيُ وَمّا هُوَ: قالَ حُكْمُكَ اليَوْم إلى اللَّيْلِ وَلَيْتـُكَ خَبَرَهُ إلى
الصَباحِ فمّا حَكَمْتَ فِينا فَهُوَ جائزٌ عِندَنا, قالَ رَسُولُ الله ياشُرحَبيلُ لَعَلَ
وَراءَكَ أحَداً يَلـُومَكَ بِذلِك: قالَ سَـلْ أصْحابي فإنَ الوادِي كَبيرُنا ما يَـرِّد
لِي أمْراً وَمّا يُصْدِر قََـَوْلاً إلاّ عَنْ رَأيِّي,, قالَ النَبِّيُ اذهَبُوا الآن عَلى أنْ
تَعُودُوا غـَداً لِلمُباهَلَةِ, فواعَدُوه أنْ يَغدُوا بالغَدوَةِ, فلَمّا تَخالـُوا بأمْرِهِم
التَجَئُوا إلى العاقِبِ الكاهِنِ وَكانَ ذا سَـدادٍ فِي عِلْـمِ دِينِهِم: قالـُوا يا عَبدُ
المَسِيح مّا تَرى فِي مُحَمَدٍ بأمْرِ المُباهَلَة؟؟
قالَ وَاللهِ لَقدْ عِرفتُم يا مَعشَرَ النَصارى أنَ مُحَمَداً نَبِّيُ رُسُلٍ وَلَقدْ جاءَكُم
بالفَضْلِ مِنْ أمْـرِ عِيسى إنجِيلاً إنـَهُ النَبِّيُ المُبَشرُ مِنْ بَعدِهِ: فَلا تُباهِلُوه
فِي دِينِهِ وَأهْل بَيتِهِ الذِينَ مَعَهُ, وَاللهِ مّا باهَلَ قوْمٌ نَبِّياً قَطْ فعاشَ كَبيرَهُم
وَلاّ نَبَتَ صَغيرَهُم وَلَئِنْ فَعلْتُم لَتَهْلُكَنَ: وَإنْ أبَيْتُم إلاّ ألف دِينَكُم وَالإقامَة
عَلى مّا أنتـُم عَلَيه, فوادِعُوا مُحَمَد أبنُ عـَبد اللـَّهِ بِخَيرٍ وَانصَرِفـُوا إلى
بلادِكُم تَسْلَمُونَ,,
http://i68.servimg.com/u/f68/12/08/50/06/clip_i10.gif
إنزِل تَحَت وَأكْمِل قِراءَة التَفسِير