المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيد مصطفى الزلزلة: الكويت لم تعرف الطائفيَّة كما نشهدها الآن



بهلول
09-25-2011, 07:00 AM
كتب: آدم يوسف


http://aljaridaonline.com/wp-content/themes/aljaridaonlineNew/timthumb.php?src=http://aljaridaonline.com/wp-content/uploads/2011/08/08/144806/1-za.gif&h=270&w=280&zc=1&a=t


نشر في 8, August 2011


حذّر الخطيب والداعية الإسلامي سيد مصطفى الزلزلة من تنامي الطائفية في الكويت، مشدداً على أن الكويت كانت يداً واحدة منذ القدم، مستذكراً في هذا الصدد أمثلة كثيرة عبر التاريخ مثل معارك الرقة والصريف والجهراء، والغزو الصدامي وشهداء الكويت الذين ينتمون إلى جميع القبائل والعوائل.

وأعرب الزلزلة عن أسفه للظلم الذي يقع على أبناء المسلمين مما يكون سبباً مباشراً في الثورات، ودعا الحكام العرب والمسلمين إلى العدل بين الرعية، وعدم إهدار أموال المسلمين، لافتاً الى أن الاقتصاد الإسلامي يحوي في مبادئه معاملات عادلة ومنصفة كثيرة، ما يضمن استقرار البنوك، موضحاً أن مصارف غربية عدة آخذة بالنهج الإسلامي.

كذلك أكّد الزلزلة في حديثه إلى «الجريدة» أن المعارضة السياسية تنقسم إلى أنواع، وثمة عبر التاريخ أمثلة كثيرة للخروج على الحاكم، بعضها محقّ وبعضها الآخر على غير وجه حق.
في ظلّ الثورات المتتابعة في الوطن العربي نجد أن دول الخليج هي الأكثر استقراراً، هل للرخاء الاجتماعي الذي تعيشه شعوب هذه الدول دور في ذلك؟

أمور وأسباب عدة تؤدي إلى هذا الاستقرار، أولها إرادة الله سبحانه وتعالى وكأنها تعطي دروساً في ذلك، بأن التفتوا إلى أنفسكم وإلى الاستقرار الذي أنتم عليه، وحافظوا على هذا الأمر، فالتماسك الإسلامي يأتي فوق كل اعتبار، يقول الله سبحانه وتعالى: «إنما المؤمنون إخوة». وليس الرخاء وحده سبباً لهذا الاستقرار، فإذا نظرنا إلى دول مجلس التعاون في جملتها نجد نوعاً من التفاهم، والتزاور والأخذ والعطاء، وشكلاً من الشفافية، إذ يخرج المسؤولون والحكام في هذه الدول موجِّهين خطاباً إلى شعوبهم يتضمّن حثاً على إبداء الرأي وتوفير حاجيات المواطنين… ذلك كلّه يحصل على رغم إقرارنا بغياب الديمقراطية بمفهومها المعاصر عن بعض هذه الدول.

ربما تكون هذه «الشفافية» أحد أسباب الاستقرار في هذه المنطقة، ذلك على المستوى النظري، لكن التطبيق جانب آخر وله تفصيلاته. السبب الآخر لهذا الاستقرار يتعلّق بالسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون: ثمة تواجد أميركي في المنطقة، واتفاقيات بين الولايات المتحدة وبعض دول التعاون نجم عنها وجود قواعد عسكرية في المنطقة، ودول مجلس التعاون لا تستطيع أن تنفك عن الولايات المتحدة وما تريده، لذلك نجد هذه الدول تتبع سياسة التوازن، ولا تستطيع الخروج عن التزاماتها واتفاقاتها في هذا الإطار، لأن الأمر يتعلّق بالمنطقة برمّتها، وليس دولة واحدة فقط تستقلّ برأيها، وهنا تحضرني كلمة للإمام علي عليه السلام: «من استبّد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم». والنهج الجماعي الذي تسير عليه منظومة دول مجلس التعاون مفيد لها ولمستقبلها، فلننظر مثلاً إلى المجموعة الأوروبية والمكاسب التي حقّقتها هذه الدول حين أعلنت عن توحيد عملتها وتسهيل تنقّل المواطنين في ما بينها.

ما هي واجبات الحكام تجاه الرعية، وكيف يمكن تطبيقها اليوم في العالم العربي؟
ننطلق من الدين في حياتنا ولا نخشى في الله لومة لائم، ولا نهاب أي جهة إذا أردنا النصيحة والتوجيه، والظالم نقف في وجهه أياً كان حاكماً أو غير حاكم، فيما نساند المظلوم. أستحضر هنا وصية للإمام علي بن أبي طالب لولديه سيدي شباب أهل الجنة الإمامين الحسن والحسين عليهم السلام، عندما قال لهما: «كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً». هكذا يجب أن يسجّل المسلمون موقفاً تجاه الظلمة، وينصحون هذا الظالم بأن ينقلب على موقفه ويعود إلى رشده، أما إذا أصر على الاستمرار في ظلمه فسيكون شخصاً مرفوضاً من المجتمع، في أي موقع كان، وهذا مبدأ إسلامي وإنساني في الوقت ذاته، لأنه يتوافق مع وجدان الإنسان وفطرته، وأعطيك مثالاً على ذلك عندما قام المشركون في مكة المكرمة بالنكاية وبإيذاء المسلمين وظلمهم، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم للمسلمين: «إرحلوا مهاجرين إلى الحبشة، فإن فيها ملكاً يعدل، ولا يظلم»، وهذا الملك هو النجاشي كما هو معروف في التاريخ، وهذا الملك نصراني يحكم الحبشة (أثيوبيا) في أيامنا هذه، والنبي أحب في هذا الإنسان عدله.

كذلك يحكي التاريخ عن حلف يسمى بحلف الفضول، وفي التفاصيل أن رجلاً من قبيلة زبيد في اليمن كان يذهب ببضاعة إلى مكة المكرمة ويبيع ما لديه، ثم يرجع إلى أهله. ذات مرة، باع السلع التي لديه كافة وبقيت سلعة فقط، اشتراها منه العاص ابن وائل السهمي وقال: أوفيك بالثمن في ما بعد، فقال له الرجل: هذه آخر بضاعة لدي وأريد العودة إلى بلدي… وانتظر أياماً من دون أن يستلم ثمن سلعته المباعة وعندما ذهب إلى الشاري وهو العاص ابن وائل، أنكر هذا الأخير شراء السلعة منه، فالتاجر وجد نفسه في بلد غريب ومن أخذ منه بضاعته يرفض دفع ثمنها، فذهب ووقف بين الركن والمقام عند بيت الله الحرام، ونادى: «وا صباحاه» وهي كلمة إذا أطلقها علم الناس أن ثمة أمراً جللاً، فيجتمعون حول المنادي (كان عمر الرسول (ص) آنذاك 20 عاماً، أي قبل بعثته بعشرين سنة)… قال الرجل: يا آل فهر لمظلوم بضاعته….. ببطن مكة نائي الدار والنفر… سمعه عندها الزبير ابن عبد المطلب أحد أعمام الرسول الكريم، فقال: «والله ما لهذا الرجل مترك» فذهب وجمع رجالاً عقدوا اجتماعاً في دار رجل اسمه عبد الله بن جدعان، وأقروا على أن يكونوا يداً واحدة مع المظلوم ضد الظالم. وهذا ما عرف بحلف الفضول.

ذهب وجهاء من تلك الدار، دار ابن جدعان، وانتزعوا السلعة من العاص ابن وائل السهمي وأعادوها إلى صاحبها الرجل الغريب، علماً أن النبي عندما بُعث مرّ مع أصحابه أمام هذه الدار التي وقع فيها حلف الفضول، فقال: «لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا لو دُعيت إليه في الإسلام لأجبت». لأن هذا الحلف تقرّه الشرائع والفطرة الإنسانية السليمة، ونصيحتنا للحكام: الله، الله بالرعية، الله، الله بأنفسكم، فالحكومات لم توجد لظلم الناس، وإلحاق البؤس والعناء بهم، بل هي قامت لتنظيم العلاقات وتسهيل الأمور وإيصال كل حق إلى أصحابه، ويحضرني في هذا المجال موقف الخليفة عمر ابن عبد العزيز عندما التقى في أحد الأيام بالإمام أبي جعفر محمد ابن علي الباقر، فطلب منه النصيحة، فأجابه الإمام الباقر: «اتخذ صغير القوم ولداً، وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فبر أباك، وصل أخاك، وارحم ولدك، واتق الله، وإذا عملت خيراً فُرّ به»، والمجتمع لا يخرج عن هذه الشرائح الثلاث. والنصيحة قد تكون في السر كما هي في العلن، وقد قال الإمام أبي محمد الحسن العسكري: «من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه».

ما هو التأصيل الإسلامي للمعارضة السياسية، وهل لذلك نماذج واضحة في التاريخ الإسلامي؟

المعارضة السياسية مصطلح قائم راهناً وإن اختلف حوله البعض، إذ تحكمنا أحياناً الأعراف والتقاليد والضوابط الشرعية والأخلاقية، والأمر ذاته ينطبق على مصطلح السياسة الذي هو بمعنى المعاملة، «سو سو عبادكم» أي عاملوهم وصلوا إليهم حقوقهم، وسئل الإمام الحسن بن علي عن السياسة فقال: «هي مراعاة حقوق الله، وحقوق عباد الله، الأحياء منهم والأموات»، لكن ثمة للأسف من يفهم السياسة بمعنى الالتواء والمراوغة، لذلك نجدهم يقولون إن المتدينين ليس لهم شأن في السياسة، علماً أن ذلك غير صحيح. لذا أدعو إلى الاتفاق حول تعريف المصطلحات، فما الذي يضيّع الناس غير التعدّد في المفاهيم، وهذا التعدّد قد يؤدي إلى الخلاف أحياناً. لننظر إلى الإرهاب مثلاً الذي يختلف الناس حول تعريفه إلى يومنا هذا.

عموماً، المعارض هو شخص يرى نقصاً أو خطأ في أعمال حكومة ما، والمعارضة أصناف دينية وسياسية واقتصادية، وحديثي هنا تحديداً عن المعارضة السياسية الدينية، وهي موجودة في التاريخ الإسلامي. لننظر مثلاً إلى عهد الإمام علي بن أبي طالب، وما واجهه الأخير مع الخوارج في معركة النهروان، فهؤلاء كانوا من المعارضة ويرددون مقولة «لا حكم إلا لله» هنا واجههم الإمام علي وقال: «كلمة حق يراد بها باطل»، وهؤلاء سموا بالخوارج لأنهم خرجوا على من يجب أن يؤمن بإمامته الناس، وهي معارضة لم يكن لها وجه حق، وكثير من المسلمين عارضوا هذه الفئة.

كذلك شهدت الدولتان الأموية والعباسية ثورات ومطالبات بالتغيير، علماً أن المعارضة تكون أحياناً بين الطبقة الحاكمة بعضها البعض، لذلك وجدنا المأمون العباسي يثور على الأمين وهما أخوان، وثمة روايات كثيرة تقول بأن المأمون أمر بقتل أخيه الأمين. إذاً فالمعارضة في التاريخ الإسلامي أصناف: معارضات لم يكن لها وجه حق مثلما هي الحال مع الخوارج، ومعارضات قائمة على الحق والصواب، واحدة منها عندما قام زيد ابن الإمام علي بن الحسين زين العابدين مواجهاً هشام بن عبد الملك، عندما رأى منه ظلماً وقع على العلويين وغيرهم، لذلك قام بهذه المعارضة بعد النصح.
ما تصوّرك للطريقة السليمة في ما يتعلّق بإدارة أموال المسلمين كي نخرج من هذه الضائقة الاقتصادية التي تمرّ بها غالبية بلدان المسلمين؟

شهد العالم بأجمعه الأزمة الاقتصادية التي انتشرت قبل عامين أو أكثر، وثبت لدى المتابعين أن الأقل ضرراً في هذه الأزمة هي المصارف الإسلامية مقارنة بالبنوك وشركات الاستثمار الأخرى، فالمصارف الإسلامية تجتهد عادة في تطبيق شرع الله: حرمة الربا، أحلية البيع، والأحكام الأخرى في المعاملات المالية. وحين ننظر في المحرمات مقارنة بالأمور المحللة نجد أن الحلال أكثر بكثير من الحرام، فلمَ يتّجه الناس إلى الحرام عوضاً عن الحلال؟ الله سبحانه وتعالى حرّم لحم الخنزير، لكن اللحوم المحللة في الإسلام كثيرة. كذلك حرّم الله الخمر فيما بقية المشروبات محللة، وأحل الله البيع في أكثر حالاته، وحرّم الربا.

بنوك غربية كثيرة اليوم آخذة بالنموذج الإسلامي، ذلك في بريطانيا وهولندا وفرنسا، أملاً في معالجة أوضاعها وتلافي الخسائر. فمن حيث المبدأ، الدين الإسلامي شامل ويقول تعالى: «ما فرطنا في الكتاب من شيء»، والقرآن الكريم كتاب هداية سواء كانت هداية دينية أو سياسية واجتماعية وتربوية، والأحكام الشرعية يقسمها الفقهاء إلى قسمين: العبادات، والمعاملات، والأخير فيه تفصيلات تجارية كثيرة، فثمة مثلاً كتاب في التجارة وكتاب في الرهن والبيوع والكفالة والمساقاة والمضاربة والمرابحة، وما إلى ذلك… كذلك ثمة أحاديث استحباب في التجارة مثل «تسع أعشار البركة في التجارة»، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عمل في هذا المجال، ورعاية الغنم فيها تجارة والأنبياء عليهم السلام كثير منهم كانوا يرعون الأغنام، ويعملون في الحصاد.

أذكر هنا أنه عندما جاء شاب إلى الرسول وقال: يا رسول الله أعطني، فجمع النبي من بعض الأصحاب الحاضرين من كل واحد درهما درهما، ثم قال له: «الآن أنا أشتري لك حبلاً، ثم قال له خذه واذهب واحتطب على ظهرك وبع، ولا تمد يدك». فالإسلام يأمر بالعمل والإنتاج، ومن جملة المآسي التي يعاني منها عالمنا الإسلامي تفشّي ظاهرة الاستهلاك، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: و{قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، وحتى في يوم الجمعة نجد الآية الكريمة: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله».

ما رأيك بـ «الوسطية في الإسلام» وهي نهج يدعو إليه علماء كثر لمواجهة التطرّف والإرهاب راهناً؟
إذا درسنا الإسلام جيداً نجده مساوقاً للفطرة والإنسانية والعدل الذي يتوخاه العالم، والمعروف في الأديان كافة، ليس لدى المسلمين فحسب، أنه في آخر الزمان تكون دولة إسلامية مثالية عالمية يقودها المهدي المنتظر، كما قال الله في القرآن الكريم، ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، وهذه الدولة المثالية يتطلّع إليها المسلمون والعقلاء في العالم لأنها تقوم على أساس العدل. ونحن هنا نتحدث عن مظلم يسود العالم، في مقابل عدل سيسود العالم.

ذكر الله سبحانه وتعالى الوسطية في القرآن الكريم، بقول: «وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً»، والرسول الكريم لم يبعث للعرب وحدهم وإنما هو رحمة للعالمين، يقول تعالى: «لتنذر أم القرى ومن حولها». كذلك إحدى الآيات القرآنية المباركة التي تتحدث عن الوسطية قوله تعالى: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا»، و{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط». والوسطية ليست بمعنى التنازل عن المبدأ، وأبو سعيد الخدري وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال في حقه: «كان يبتسم من غير ضحك، وكان يشدّ من غير عبوس»، فالوسطية بمعنى أن نستمع إلى الآخر ونعالج الأمور بحكمة، وعلماء الأخلاق عندما يتحدثون في المبادئ الأخلاقية يقولون إن الشجاعة من جملة الأخلاق، وهي حد وسط بين أمرين هما التهور والجبن، والشاعر المتنبي يقول: الرأي قبل شجاعة الشجعان… هو أول وهي المحل الثاني.

في مقابل الوسطية التي تحدّثنا عنها، يأتي التطرف الذي لا دين محدداً له، ورأينا جميعاً ما حدث في النرويج من حادثة قتل للأبرياء ارتكبها أحد المسيحيين المتشدّدين، وكنا نحن المسلمون نُرمى بهذا التطرف، لكننا رأينا أمماً أخرى تقع فيه. كذلك ثمة نماذج أخرى للتطرّف في الغرب، منها ما نشاهده من أولئك الذين يحرقون المصحف الشريف، وغيرها من تصرفات غير مسؤولة تحثّ على كراهية المسلمين، ونحن نرفض حتى ما يقوم به أولئك الذين يقولون بأنهم مسلمون ويذهبون ويفجرون بين الضحايا من الأبرياء والمسنين في المساجد والحسينيات التي رأيناها في العراق وغيرها… كلها أمور مرفوضة وبرأيي هؤلاء مجرمون تكفيريون وإرهابيون، والدين الإسلامي لا يؤيدهم بل ينبذهم ويرفضهم جملة وتفصيلاً، وعلينا أن نبحث في منبع التطرف ونعالجه من جذوره، وأصوله، فثمة أطراف لهذا الإرهاب، من المنظّر إلى المموّل، مروراً بالمبارك، ووصولاً إلى المنفّذ.

ظهر في الكويت أخيراً حديث عن الفتنة الطائفية وتخوّف من هذا الجانب، خصوصاً بعدما انتقل الصراع إلى أعضاء مجلس الأمة، وبعض وسائل الإعلام… ماذا تقول في هذا الشأن؟

هذه الفتنة قائمة وموجودة شئنا أم أبينا، وثمة من يؤجّج نارها في مقابل من يسعى إلى إخمادها. عموماً، نسمع بين الفترة والأخرى عن ألوان من الفتن، فقد تنطلق الشرارة من أمر عنصري وقبلي، أو صراع على المناصب، وقد يكون السبب دينياً… ومن جملة أدعية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا»، فمن الطبيعي أن يختلف المسلمون في معتقداتهم الدينية ولكل حريته في ذلك. أما بالنسبة إلى الكويت، فقد وفرت الدولة ولله الحمد أجواء من الحرية والأمن والديمقراطية، فنجد هنا مثلاً محكمة أحوال شخصية جعفرية وأخرى سنية. ونعم، ثمة طموح بأن ترتقي محكمة الأحوال الجعفرية إلى درجة التمييز والعمل جار في ذلك.

لكن في مقابل هذه المزايا والتعددية التي نعيشها في الكويت، نجد للأسف من يدق على وتر الطائفية والأسباب كثيرة، فثمة أشخاص تحرّكهم أياد خارجية فيما يتعصّب آخرون لمذاهبهم، علماً أن ثمة طرقاً علمية قائمة لمن أراد الحديث عن مذهبه أو بيان أحقية نهجه المتبع، ولا يكون ذلك عن طريق السباب والشتائم وإلغاء الآخرين أو تكفير طائفة ما. هؤلاء جميعاً مسلمون، فكيف يحق لمن يتّبع طائفة ما أن يكفّر الآخر، «من قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه»…

من ضمن أسباب انتشار الطائفية أيضاً الجهل وفقدان روح الحوار، وتؤدي بيئة الفرد دوراً في ذلك، فإذا نشأ في جو متعصّب وأهله لا يرون سوى مذهبه، فبالتأكيد سيتأثر بذلك. إذ ينسى كثر أن لكل مذهب فقهاءه ومراجعه العلمية، وكلهم يأخذون عن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ونصيحتي لهؤلاء الذين يحركون الطائفية أن يتقوا الله تبارك وتعالى، والقرآن الكريم يقول: «فأصلحوا بين أخويكم».

كذلك يجب أن تدفع الجهات المسؤولة من وزارات وعلماء وخطباء وقانونيين المجتمع باتجاه الوحدة بين المسلمين بمذاهبهم كافة، وفي الكويت علينا أن نستنهض الأمثلة الطيبة التي تجمع بين الطوائف، فقد شارك في معارك «الصريف» و{الرقة» «و{القصر الأحمر»، الشيعة والسنة، وشهداؤها كانوا من جميع أطياف المجتمع، من قبيلة العوازم والعجمان، والعوائل الأخرى المعروفة… نجم الوزان، وراشد الشمالي، ومحمد الشمالي، جاسم الرامزي، فهد الوقيان، دخيل المحيسن مبارك لزمانان، وكثير غيرهم. وحينما أحرقت خيمة الجهراء في حادثة الزفاف المعروفة وراح ضحيّتها كثر من السنة، أقامت الحسينية الجعفرية عزاء على أرواح الضحايا هناك، وعندما وقع الغزو الصدامي كان السنة والشيعة يداً واحدة… عندما نذكر هذه الأمثلة لن يكون للطائفية دور في الكويت.