تحفة هجر
09-14-2011, 07:24 PM
لماذا نسجد على التربة؟
قلت: أشكر شعوركم الطيب وبيانكم الحلو العذب. وأشكركم على هذا الاستفهام، لأن السؤال والاستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وإبهام. وأما جواب السؤال: راجعوا كتب التفاسير واللغة فإنهم قالوا في معنى السجود: وضع الجبهة على الأرض للعبادة، وهو منتهى الخضوع، ولقد أفتى أئمتكم بأن كل ما يفرش به الأرض يجوز السجود عليه سواء كان من صوف أو قطن أو إبريسم أو شيء آخر، فأجازوا السجود على كل شيء حتى أفتى بعضهم بجواز السجود على العذرة اليابسة!
لكن فقهاءنا تبعا لأئمة أهل البيت من العترة الهادية (ع) قالوا بعدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس، فالبساط والفرش لا يصدق عليه اسم الأرض، بل يكون حاجزا بينها وبين الجبهة. لذلك فنحن نأخذ طينة يابسة ـ تسهيلا للأمر ـ ونسجد عليها في الصلاة.
لماذا السجود على التربة الحسينية؟
الشيخ عبدالسلام: نحن نعلم بأنكم تخصصون تراب كربلاء للسجود فتصنعون منه أشكالا مثل الأصنام فتقدسونها وتحملونها في مخابئكم وتقبلونها وتوجبون السجود عليها. وهذا العمل يخالف سيرة المسلمين، ولذلك يهاجمونكم ويشنون عليكم تلك التهم والكلمات غير اللائقة بكم.
قلت: هذه المعلومات التي أبديتها هي من تلك المسموعات التي سمعتها من مخالفينا وأعدائنا، وتلقيتها بالقبول بدون تحقيق وتفحص، وإن من دواعي الأسف وجود هذه الحالة، إذ تذعنون بشيء من غير تحقيق فترسلونها إرسال المسلمات، وتنتقدون الشيعة في أشياء وهمية ليس لها وجود، وقد قيل: " ثبّت العرش ثم انقش "، وإن كلامكم بأننا نصنع من تراب كربلاء أشكالا مثل الأصنام فنقدسها كلام فارغ وتقول باطل وليس إلا اتهاما وافتراء علينا، وغرض المفترين إلقاء العداوة والبغضاء بيننا وبينكم. وتمزيق المسلمين وتفريقهم، كل ذلك لأجل الوصول إلى مصالحهم الشخصية ومنافعهم المادية الفردية كما قيل: " فرق تسد ".
ولو كنتم ـ قبل الحين وقبل أن تصدقوا كلام المغرضين ـ تفتشون عن الواقع وتحققون عن الموضوع، بأن تسألوا من الشيعة الذين تعرفونهم وتجاورونهم: ما هذه الطينة التي تسجدون عليها؟ لسمعتم الجواب: أننا نسجد لله سبحانه على التراب، خضوعا وتعظيما له عز وجل، ولقالوا: لا يجوز عندنا السجود بقصد العبادة لسوى الله سبحانه وتعالى.
السجود على تراب كربلاء غير واجب عندنا
واعلم أيها الشيخ بأن علماءنا وفقهاءنا لم يوجبوا السجود على تراب كربلاء كما زعمت! ويكفيك مراجعة كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية التي تتضمن الفروع والمسائل الأولية في العبادات والمعاملات وغيرها، فإنهم أجمعوا على جواز السجود على الأرض سواء التراب أو الحجر والمدر والرمال وغيرها من ملحقات الأرض وعلى كل ما يطلق عليه الأرض عدا المعادن، وكذلك أجازوا السجود على كلما تنبتها من غير المأكول والملبوس. هذا بحكم السنة الشريفة، والأول بحكم الكتاب العزيز. ولذا قالوا بأن السجود على الأرض أفضل، وبعض فقهائنا أجاز السجود على النبات من غير المأكول والملبوس عند فقدان مشتقات الأرض. لذلك وعملا بالأفضل نحمل معنا طينة يابسة لكي نضعها على الفرش والبساط ونسجد عليها في الصلوات، لأن أكثر الأماكن مفروشة بما لا يجوز السجود عليه كالبسط المحاكة من الصوف أو القطن وما شابه ذلك، وتسهيلا للأمر فإننا نحمل معنا الطينة اليابسة، لنسجد عليها في الصلاة، وأما إذا صادف أن وقفنا على التراب للصلاة، فلا نضع الطينة اليابسة بل نسجد على نفس التراب مباشرة، إذ يتحقق السجود الذي أراده الله تعالى من عباده المؤمنين.
الشيخ عبدالسلام: لكنا نرى أكثركم تحملون تربة كربلاء وتقدسونها، وكثيرا ما نرى الشيعة يقبلونها ويتبركون بها، فما معنى هذا؟ وهي ليست إلا تربة كسائر التراب.
فضيلة السجود على تربة كربلاء
قلت: نعم نحن نسجد على تراب كربلاء، ولكن هذا لا يعني الوجوب فلا يوجد فقيه واحد من فقهاء الشيعة في طول التاريخ أفتى بوجوب السجود على تراب كربلاء. وإنما أجمعوا على جواز السجود على تراب أي بلد كان، إلا أن تراب كربلاء أفضل وذلك للروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) بأن السجود على تراب كربلاء يخرق الحجب السبع، يعني: يصل إلى عرش الرحمن والصلاة تقع مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.
وهذا تقدير معنوي لجهاد الإمام الحسين (ع)، إذ أنه أقدم على الشهادة في سبيل الله لأجل إحياء الصلاة وسائر العبادات. فتقديس التربة التي أريق عليها دماء الصفوة من آل محمد (ص) وتقديس التربة التي تحتضن الأجساد المخضبة بدماء الشهادة والجهاد المقدس، والتربة التي تضم أنصار دين الله وأنصار رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار، تقديسها تقديس للدين وللنبي (ص) ولكل المكارم والقيم ولكل المثل العليا التي جاء بها سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص).
ولكن مع كل الأسف نرى بعض من ينتسبون إلى أهل السنة ـ وهم أشبه بالخوارج والنواصب ـ يفترون على الشيعة بأنهم يعبدون الإمام الحسين، ويستدلون لإثبات فريتهم وباطلهم، بسجود الشيعة على تراب قبر الحسين (ع) مع العلم بأنه لا يجوز عندنا عبادة الإمام الحسين (ع) ولا عبادة جده المصطفى وأبيه المرتضى اللذين هما أعظم رتبة وأكبر جهادا من الحسين (ع).
وأقول بكل وضوح: بأن عبادة غير الله سبحانه وتعالى كائنا من كان، كفر وشرك. ونحن الشيعة لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا نسجد لغيره أبدا. وكل من ينسب إلينا غير هذا فهو مفتر كذاب.
الشيخ عبدالسلام: الدلائل التي نقلتموها في سبب تقديسكم لتراب كربلاء إنما هي دلائل عقلية مستندة إلى واقعة تاريخية أو بالأحرى هي دلائل عاطفية، ونحن بصدد الاستماع إلى أدلة نقلية، فهل توجد روايات معتبرة تحكي تقديس النبي (ص) واعتنائه بتراب كربلاء؟
اهتمام النبي (ص) بتربة كربلاء
قلت: أما في كتب علمائنا المحدثين ونقلة الأخبار والروايات فقد ورد الكثير عن إئمة أهل البيت عليهم السلام وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقديس تربة كربلاء واهتمامهم واعتنائهم بها وهم قد رغبوا شيعتهم بالسجود عليها وفضلوها على سائر التراب، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بدين الله عز وجل.
وأما الروايات المنقولة في كتبكم فكثيرة أيضا، منها: كتاب الخصائص الكبرى للعلامة جلال الدين السيوطي، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ والبيهقي والحاكم وغيرهم، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين أم سلمة وعائشة، وأم الفضل زوجة العباس عم رسول الله (ص) وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي: رأيت الحسين في حجر جده رسول الله (ص) وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ ومم بكاؤك؟ فقال (ص): كان عندي جبرئيل فأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بأرض العراق، وجاءني بهذه التربة من مصرعه. ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها: أنظري إذا انقلبت دما عبيطا فاعلمي بأن ولدي الحسين قد قتل.
فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي تراقبها كل يوم، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة 61هجرية فإذا بالتربة قد انقلبت دما عبيطا، فصرخت: واولداه واحسيناه. وأخبرت اهل المدينة بقتل الحسين (ع)(30).
ولقد أجمع علماؤنا أن أول من اتخذ من تراب كربلاء ـ بعد استشهاد أبي عبدالله الحسين سيد الشهداء وأنصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو الإمام السجاد زين العابدين، إذ حمل معه كيسا من تلك التربة الزاكية الطيبة، فكان يسجد على بعضها، وصنع ببعضها مسباحا يسبح به. وهكذا فعل أئمة أهل البيت(ع) من بعده، وهم أحد الثقلين، فيلزم الإقتداء بهم والأخذ بقولهم لقول النبي الكريم (ص): إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال وموجب لدخول الجنة معهم إن شاء الله تعالى.
ولقد روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رضوان الله تعالى عليه، في كتابه مصباح المتهجد، بأن الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) كان يحمل معه شيئا من تربة كربلاء في منديل أصفر، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول: إن السجود على تراب قبر جدي الحسين (ع) غير واجب ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض. وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا استثناء.
فكانت الشيعة أيضا تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل وسجدوا على التراب الذي فيه؛ وبعد ذلك فكروا بصنع قطعات يسهل حملها، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلا لحمله ونقله فكل من أحب يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه فإذا صار وقت الصلاة ، وضعها حيث يشاء فيسجد عليها، وهو من باب الفضيلة والإستحباب، وإلا فنحن نسجد على كل ما يطلق عليه اسم الأرض، من الحجر والمدر والتراب والحصي والرمل من كل بقاع الأرض.
والآن فكروا هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين، لأجل سجودهم على تراب كربلاء؟ فتلبسوا الواقع على أتباعكم، فيظنون بأن الشيعة كفار ومشركون، يعبدون الأصنام، ومن المؤسف أن بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ويؤيدهم من غير أن يتحقق في الموضوع، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم وما هو معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة؟!
ولو كان علماء العامة يحققون في ذلك لعرفوا أن الشيعة أكثر خضوعا وأكثر تذللا لله عز وجل، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام، يضعون جباههم عليه خضوعا لله وعبودية له سبحانه، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ويتذللون له عز وجل.
فالعتب على علماء العامة إذ يتبعون بعض أسلافهم في إثارة التهم والافتراءات والأكاذيب على الشيعة بغير تحقيق وتدبر، فنحن ندعوهم إلى التفكر والتعمق في معتقداتهم ومعتقداتنا، ونطلب منهم بإلحاح أن يحققوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم، فيعرفوا دلائلنا، لعلهم يجدوا الحق فيتبعوه.
كما نؤكد عليهم أن يمروا بفتاوي أئمة المذاهب الأربعة، ليجدوا سخافة الرأي وغريب النظر فيها من قبيل جواز نكاح الأم، ونكاح الولد الأمرد في السفر، أو المسح على العمامة والخفين في الوضوء والوضوء بالنبيذ، أو السجود على العذرة اليابسة وغيرها من الفتاوي العجيبة والآراء الغريبة(31). والأغرب تسليم سائر علمائكم لتلك الآراء وعدم نقضها، ولكنهم يطعنون في رأي أئمة أهل البيت (ع)، ويتجرءون على ردهم، والتجاسر على رمي شيعتهم الذين يتبعونهم بالكفر والشرك، وربما أفتوا بجواز قتل الشيعة وإباحة أموالهم، فبهذه الفتاوي والأعمال يضعفون جانب الإسلام، ويعبدون الطريق لسلطة اليهود والنصارى على رقاب المسلمين وبلادهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحد بين المسلمين ويؤلف قلوبهم ويلقي بيننا وبينكم المودة والمحبة إنه سميع مجيب.
قلت: أشكر شعوركم الطيب وبيانكم الحلو العذب. وأشكركم على هذا الاستفهام، لأن السؤال والاستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وإبهام. وأما جواب السؤال: راجعوا كتب التفاسير واللغة فإنهم قالوا في معنى السجود: وضع الجبهة على الأرض للعبادة، وهو منتهى الخضوع، ولقد أفتى أئمتكم بأن كل ما يفرش به الأرض يجوز السجود عليه سواء كان من صوف أو قطن أو إبريسم أو شيء آخر، فأجازوا السجود على كل شيء حتى أفتى بعضهم بجواز السجود على العذرة اليابسة!
لكن فقهاءنا تبعا لأئمة أهل البيت من العترة الهادية (ع) قالوا بعدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس، فالبساط والفرش لا يصدق عليه اسم الأرض، بل يكون حاجزا بينها وبين الجبهة. لذلك فنحن نأخذ طينة يابسة ـ تسهيلا للأمر ـ ونسجد عليها في الصلاة.
لماذا السجود على التربة الحسينية؟
الشيخ عبدالسلام: نحن نعلم بأنكم تخصصون تراب كربلاء للسجود فتصنعون منه أشكالا مثل الأصنام فتقدسونها وتحملونها في مخابئكم وتقبلونها وتوجبون السجود عليها. وهذا العمل يخالف سيرة المسلمين، ولذلك يهاجمونكم ويشنون عليكم تلك التهم والكلمات غير اللائقة بكم.
قلت: هذه المعلومات التي أبديتها هي من تلك المسموعات التي سمعتها من مخالفينا وأعدائنا، وتلقيتها بالقبول بدون تحقيق وتفحص، وإن من دواعي الأسف وجود هذه الحالة، إذ تذعنون بشيء من غير تحقيق فترسلونها إرسال المسلمات، وتنتقدون الشيعة في أشياء وهمية ليس لها وجود، وقد قيل: " ثبّت العرش ثم انقش "، وإن كلامكم بأننا نصنع من تراب كربلاء أشكالا مثل الأصنام فنقدسها كلام فارغ وتقول باطل وليس إلا اتهاما وافتراء علينا، وغرض المفترين إلقاء العداوة والبغضاء بيننا وبينكم. وتمزيق المسلمين وتفريقهم، كل ذلك لأجل الوصول إلى مصالحهم الشخصية ومنافعهم المادية الفردية كما قيل: " فرق تسد ".
ولو كنتم ـ قبل الحين وقبل أن تصدقوا كلام المغرضين ـ تفتشون عن الواقع وتحققون عن الموضوع، بأن تسألوا من الشيعة الذين تعرفونهم وتجاورونهم: ما هذه الطينة التي تسجدون عليها؟ لسمعتم الجواب: أننا نسجد لله سبحانه على التراب، خضوعا وتعظيما له عز وجل، ولقالوا: لا يجوز عندنا السجود بقصد العبادة لسوى الله سبحانه وتعالى.
السجود على تراب كربلاء غير واجب عندنا
واعلم أيها الشيخ بأن علماءنا وفقهاءنا لم يوجبوا السجود على تراب كربلاء كما زعمت! ويكفيك مراجعة كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية التي تتضمن الفروع والمسائل الأولية في العبادات والمعاملات وغيرها، فإنهم أجمعوا على جواز السجود على الأرض سواء التراب أو الحجر والمدر والرمال وغيرها من ملحقات الأرض وعلى كل ما يطلق عليه الأرض عدا المعادن، وكذلك أجازوا السجود على كلما تنبتها من غير المأكول والملبوس. هذا بحكم السنة الشريفة، والأول بحكم الكتاب العزيز. ولذا قالوا بأن السجود على الأرض أفضل، وبعض فقهائنا أجاز السجود على النبات من غير المأكول والملبوس عند فقدان مشتقات الأرض. لذلك وعملا بالأفضل نحمل معنا طينة يابسة لكي نضعها على الفرش والبساط ونسجد عليها في الصلوات، لأن أكثر الأماكن مفروشة بما لا يجوز السجود عليه كالبسط المحاكة من الصوف أو القطن وما شابه ذلك، وتسهيلا للأمر فإننا نحمل معنا الطينة اليابسة، لنسجد عليها في الصلاة، وأما إذا صادف أن وقفنا على التراب للصلاة، فلا نضع الطينة اليابسة بل نسجد على نفس التراب مباشرة، إذ يتحقق السجود الذي أراده الله تعالى من عباده المؤمنين.
الشيخ عبدالسلام: لكنا نرى أكثركم تحملون تربة كربلاء وتقدسونها، وكثيرا ما نرى الشيعة يقبلونها ويتبركون بها، فما معنى هذا؟ وهي ليست إلا تربة كسائر التراب.
فضيلة السجود على تربة كربلاء
قلت: نعم نحن نسجد على تراب كربلاء، ولكن هذا لا يعني الوجوب فلا يوجد فقيه واحد من فقهاء الشيعة في طول التاريخ أفتى بوجوب السجود على تراب كربلاء. وإنما أجمعوا على جواز السجود على تراب أي بلد كان، إلا أن تراب كربلاء أفضل وذلك للروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) بأن السجود على تراب كربلاء يخرق الحجب السبع، يعني: يصل إلى عرش الرحمن والصلاة تقع مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.
وهذا تقدير معنوي لجهاد الإمام الحسين (ع)، إذ أنه أقدم على الشهادة في سبيل الله لأجل إحياء الصلاة وسائر العبادات. فتقديس التربة التي أريق عليها دماء الصفوة من آل محمد (ص) وتقديس التربة التي تحتضن الأجساد المخضبة بدماء الشهادة والجهاد المقدس، والتربة التي تضم أنصار دين الله وأنصار رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار، تقديسها تقديس للدين وللنبي (ص) ولكل المكارم والقيم ولكل المثل العليا التي جاء بها سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص).
ولكن مع كل الأسف نرى بعض من ينتسبون إلى أهل السنة ـ وهم أشبه بالخوارج والنواصب ـ يفترون على الشيعة بأنهم يعبدون الإمام الحسين، ويستدلون لإثبات فريتهم وباطلهم، بسجود الشيعة على تراب قبر الحسين (ع) مع العلم بأنه لا يجوز عندنا عبادة الإمام الحسين (ع) ولا عبادة جده المصطفى وأبيه المرتضى اللذين هما أعظم رتبة وأكبر جهادا من الحسين (ع).
وأقول بكل وضوح: بأن عبادة غير الله سبحانه وتعالى كائنا من كان، كفر وشرك. ونحن الشيعة لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا نسجد لغيره أبدا. وكل من ينسب إلينا غير هذا فهو مفتر كذاب.
الشيخ عبدالسلام: الدلائل التي نقلتموها في سبب تقديسكم لتراب كربلاء إنما هي دلائل عقلية مستندة إلى واقعة تاريخية أو بالأحرى هي دلائل عاطفية، ونحن بصدد الاستماع إلى أدلة نقلية، فهل توجد روايات معتبرة تحكي تقديس النبي (ص) واعتنائه بتراب كربلاء؟
اهتمام النبي (ص) بتربة كربلاء
قلت: أما في كتب علمائنا المحدثين ونقلة الأخبار والروايات فقد ورد الكثير عن إئمة أهل البيت عليهم السلام وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقديس تربة كربلاء واهتمامهم واعتنائهم بها وهم قد رغبوا شيعتهم بالسجود عليها وفضلوها على سائر التراب، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بدين الله عز وجل.
وأما الروايات المنقولة في كتبكم فكثيرة أيضا، منها: كتاب الخصائص الكبرى للعلامة جلال الدين السيوطي، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ والبيهقي والحاكم وغيرهم، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين أم سلمة وعائشة، وأم الفضل زوجة العباس عم رسول الله (ص) وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي: رأيت الحسين في حجر جده رسول الله (ص) وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ ومم بكاؤك؟ فقال (ص): كان عندي جبرئيل فأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بأرض العراق، وجاءني بهذه التربة من مصرعه. ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها: أنظري إذا انقلبت دما عبيطا فاعلمي بأن ولدي الحسين قد قتل.
فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي تراقبها كل يوم، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة 61هجرية فإذا بالتربة قد انقلبت دما عبيطا، فصرخت: واولداه واحسيناه. وأخبرت اهل المدينة بقتل الحسين (ع)(30).
ولقد أجمع علماؤنا أن أول من اتخذ من تراب كربلاء ـ بعد استشهاد أبي عبدالله الحسين سيد الشهداء وأنصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو الإمام السجاد زين العابدين، إذ حمل معه كيسا من تلك التربة الزاكية الطيبة، فكان يسجد على بعضها، وصنع ببعضها مسباحا يسبح به. وهكذا فعل أئمة أهل البيت(ع) من بعده، وهم أحد الثقلين، فيلزم الإقتداء بهم والأخذ بقولهم لقول النبي الكريم (ص): إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال وموجب لدخول الجنة معهم إن شاء الله تعالى.
ولقد روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رضوان الله تعالى عليه، في كتابه مصباح المتهجد، بأن الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) كان يحمل معه شيئا من تربة كربلاء في منديل أصفر، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول: إن السجود على تراب قبر جدي الحسين (ع) غير واجب ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض. وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا استثناء.
فكانت الشيعة أيضا تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل وسجدوا على التراب الذي فيه؛ وبعد ذلك فكروا بصنع قطعات يسهل حملها، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلا لحمله ونقله فكل من أحب يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه فإذا صار وقت الصلاة ، وضعها حيث يشاء فيسجد عليها، وهو من باب الفضيلة والإستحباب، وإلا فنحن نسجد على كل ما يطلق عليه اسم الأرض، من الحجر والمدر والتراب والحصي والرمل من كل بقاع الأرض.
والآن فكروا هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين، لأجل سجودهم على تراب كربلاء؟ فتلبسوا الواقع على أتباعكم، فيظنون بأن الشيعة كفار ومشركون، يعبدون الأصنام، ومن المؤسف أن بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ويؤيدهم من غير أن يتحقق في الموضوع، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم وما هو معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة؟!
ولو كان علماء العامة يحققون في ذلك لعرفوا أن الشيعة أكثر خضوعا وأكثر تذللا لله عز وجل، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام، يضعون جباههم عليه خضوعا لله وعبودية له سبحانه، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ويتذللون له عز وجل.
فالعتب على علماء العامة إذ يتبعون بعض أسلافهم في إثارة التهم والافتراءات والأكاذيب على الشيعة بغير تحقيق وتدبر، فنحن ندعوهم إلى التفكر والتعمق في معتقداتهم ومعتقداتنا، ونطلب منهم بإلحاح أن يحققوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم، فيعرفوا دلائلنا، لعلهم يجدوا الحق فيتبعوه.
كما نؤكد عليهم أن يمروا بفتاوي أئمة المذاهب الأربعة، ليجدوا سخافة الرأي وغريب النظر فيها من قبيل جواز نكاح الأم، ونكاح الولد الأمرد في السفر، أو المسح على العمامة والخفين في الوضوء والوضوء بالنبيذ، أو السجود على العذرة اليابسة وغيرها من الفتاوي العجيبة والآراء الغريبة(31). والأغرب تسليم سائر علمائكم لتلك الآراء وعدم نقضها، ولكنهم يطعنون في رأي أئمة أهل البيت (ع)، ويتجرءون على ردهم، والتجاسر على رمي شيعتهم الذين يتبعونهم بالكفر والشرك، وربما أفتوا بجواز قتل الشيعة وإباحة أموالهم، فبهذه الفتاوي والأعمال يضعفون جانب الإسلام، ويعبدون الطريق لسلطة اليهود والنصارى على رقاب المسلمين وبلادهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحد بين المسلمين ويؤلف قلوبهم ويلقي بيننا وبينكم المودة والمحبة إنه سميع مجيب.