د. حامد العطية
08-30-2011, 09:05 PM
ما هكذا السمو يا "صاحب السمو" السعودي الوليد بن طلال
د. حامد العطية
سما بمعنى ارتفع، والسمو الارتفاع والعلو، ومنه السماء، ويسمو الفرد عندما يتميز عن غيره ويعلو عليهم.
لكي يجتمع الغنى والسمو يجب أن يكون المرء على النقيض من قارون الذي كان غنياً ولكنه أبتعد عن السمو مدعياً ما لله لنفسه ومكنزاً الذهب والفضة وممتنعاً عن الإحسان لغيره، فكان جزاؤه هو وداره الخسف، والخسف هو نقيض السمو.
في بابل بأرض الرافدين نقرأ عن برج بابل الذي شيدوه ليبلغوا السموات، فابتلاهم الله ببلبلة الألسن، فلا تجد له اليوم اثراً.
تسامى فرعون بالسلطة والثروة والبنيان، فادعى لنفسه الربوبية، استخفافاً بقومه فأطاعوه، وقاس المكانة بالثروة، لذا عاب على موسى عليه السلام عدم امتلاكه أسورة، وشيد فرعون هرماً عملاقاً ليكون سفينته التي يسمو بها إلى أرض الخلود بعد الممات، ولو امتلك عقلاً راجحاً لأدرك بأن سفينته الحجرية ستهوي به إلى أعماق الجحيم، وقد غرق بالفعل كما يخبرنا القرآن العظيم.
ليس السمو في السلطة المطلقة وحدها
وليس السمو في الثروة الفاحشة وحدها
وليس السمو في البنيان الشاهق بالتأكيد
ولو اجتمعت السلطة المطلقة مع الغنى الفاحش والبنيان الشاهق كما لفرعون لما تحقق السمو أيضاَ.
يلقب الوليد بن طلال كما بقية أمراء آل سعود من أبناء وأحفاد عبد العزيز بـ"صاحب السمو"، وهو لقب مكتسب بالوراثة لا الجدارة، وعندما انحاز أبوه طلال للنظام الناصري لم يعد "صاحب السمو"، بل استحق لعنات أقربائه وأتباعهم.
"صاحب السمو" الوليد ثري جداً، مثل قارون وفرعون، وهو يقر بأن نواة ثروته أموال حصل عليها بسبب مكانته العائلية، وفي هذا هو شبيه بفرعون الذي استحوذ على ثروات شعبه، ولكن الوليد يدعي بأنه استثمر ذلك المال بعلمه ومهاراته ليصنع منه ثروة ضخمة، وفي ذلك يضاهي ادعاء قارون: " إنما أوتيته على علم عندي" ( القصص: 78) .
بالأمس القريب أعلن "صاحب السمو" الوليد البدء بتشييد أعلى مبنى في العالم في مدينة جدة بالسعودية، وتبلغ تكلفة البرج مليار ومئتي مليون دولار.
تزامن الإعلان عن البرج السعودي الشاهق مع تفشي المجاعة في القرن الأفريقي والتي تنذر بهلاك الألاف من المسلمين جوعاً وعطشاً، وحتى بداية رمضان بلغ عدد ضحايا المجاعة في الصومال من الأطفال فقط ثلاثين الفاً، ولو وضعنا جثامينهم فوق بعضها البعض لزاد ارتفاع الركام على ميل واحد، وهو الإرتفاع المخطط لبرج الوليد، ولكن ركام الموتى في الصومال في ارتفاع مستمر، خاصة وان حركة الشباب السلفية ذات الجذور الوهابية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة تحت سيطرتها.
نقول لـ"صاحب السمو" لو تركتم أهل الصومال والقرن الأفريقي لشأنهم من دون نشر الوهابية السلفية بين صفوفهم لما اشتدت وطأة المجاعة عليهم، ولكنك يا "صاحب السمو" وكل "أصحاب السمو" لا ترحمون ولا تريدون نزول رحمة الله على سواكم.
في جنوب العراق عندما ينتهي فلاح فقير من تشييد بيته الطيني المتواضع يضحي بشاة شكراً وحمداً لله، ويوزع لحمها على جيرانه، أو يولم لهم، وأجزم بأن كلفة بيت الطين لا تزيد كثيراً عن ثمن الشاة، فهل سيتبرع "صاحب السمو" بمبلغ يوازي أو يقل قليلاً عن كلفة البرج الشاهق للمسلمين الجائعين في القرن الأفريقي؟ لو فعل ذلك لكان بمستوى ورع وتقوى وكرم عراقي جنوبي فقير.
يا "صاحب السمو" الوليد بن طلال، ليس بالقوة أو الثروة أو البنيان الشاهق يسمو الإنسان، وإنما بالإيمان والعلم والعدل والقيم الإنسانية والأخلاق الحميدة وبالتواضع.
أما برجك الشاهق، والله وحده يعلم الغيب، فلن أعجب لو كان مصيره واحد من ثلاثة: أن يقع الخلاف وتحل الفرقة بين الشركاء في المشروع فلا يكتمل البناء كما حدث للبرج البابلي، أو أن يخسف الله به كما خسف بدار قارون، أو أن يكتمل البرج لكن أصحابه يهلكون - غرقاً أو بغيره من الأسباب - كما كان مصير فرعون وشعبه ، فهل من متعظ؟
29 آب 2011م
د. حامد العطية
سما بمعنى ارتفع، والسمو الارتفاع والعلو، ومنه السماء، ويسمو الفرد عندما يتميز عن غيره ويعلو عليهم.
لكي يجتمع الغنى والسمو يجب أن يكون المرء على النقيض من قارون الذي كان غنياً ولكنه أبتعد عن السمو مدعياً ما لله لنفسه ومكنزاً الذهب والفضة وممتنعاً عن الإحسان لغيره، فكان جزاؤه هو وداره الخسف، والخسف هو نقيض السمو.
في بابل بأرض الرافدين نقرأ عن برج بابل الذي شيدوه ليبلغوا السموات، فابتلاهم الله ببلبلة الألسن، فلا تجد له اليوم اثراً.
تسامى فرعون بالسلطة والثروة والبنيان، فادعى لنفسه الربوبية، استخفافاً بقومه فأطاعوه، وقاس المكانة بالثروة، لذا عاب على موسى عليه السلام عدم امتلاكه أسورة، وشيد فرعون هرماً عملاقاً ليكون سفينته التي يسمو بها إلى أرض الخلود بعد الممات، ولو امتلك عقلاً راجحاً لأدرك بأن سفينته الحجرية ستهوي به إلى أعماق الجحيم، وقد غرق بالفعل كما يخبرنا القرآن العظيم.
ليس السمو في السلطة المطلقة وحدها
وليس السمو في الثروة الفاحشة وحدها
وليس السمو في البنيان الشاهق بالتأكيد
ولو اجتمعت السلطة المطلقة مع الغنى الفاحش والبنيان الشاهق كما لفرعون لما تحقق السمو أيضاَ.
يلقب الوليد بن طلال كما بقية أمراء آل سعود من أبناء وأحفاد عبد العزيز بـ"صاحب السمو"، وهو لقب مكتسب بالوراثة لا الجدارة، وعندما انحاز أبوه طلال للنظام الناصري لم يعد "صاحب السمو"، بل استحق لعنات أقربائه وأتباعهم.
"صاحب السمو" الوليد ثري جداً، مثل قارون وفرعون، وهو يقر بأن نواة ثروته أموال حصل عليها بسبب مكانته العائلية، وفي هذا هو شبيه بفرعون الذي استحوذ على ثروات شعبه، ولكن الوليد يدعي بأنه استثمر ذلك المال بعلمه ومهاراته ليصنع منه ثروة ضخمة، وفي ذلك يضاهي ادعاء قارون: " إنما أوتيته على علم عندي" ( القصص: 78) .
بالأمس القريب أعلن "صاحب السمو" الوليد البدء بتشييد أعلى مبنى في العالم في مدينة جدة بالسعودية، وتبلغ تكلفة البرج مليار ومئتي مليون دولار.
تزامن الإعلان عن البرج السعودي الشاهق مع تفشي المجاعة في القرن الأفريقي والتي تنذر بهلاك الألاف من المسلمين جوعاً وعطشاً، وحتى بداية رمضان بلغ عدد ضحايا المجاعة في الصومال من الأطفال فقط ثلاثين الفاً، ولو وضعنا جثامينهم فوق بعضها البعض لزاد ارتفاع الركام على ميل واحد، وهو الإرتفاع المخطط لبرج الوليد، ولكن ركام الموتى في الصومال في ارتفاع مستمر، خاصة وان حركة الشباب السلفية ذات الجذور الوهابية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة تحت سيطرتها.
نقول لـ"صاحب السمو" لو تركتم أهل الصومال والقرن الأفريقي لشأنهم من دون نشر الوهابية السلفية بين صفوفهم لما اشتدت وطأة المجاعة عليهم، ولكنك يا "صاحب السمو" وكل "أصحاب السمو" لا ترحمون ولا تريدون نزول رحمة الله على سواكم.
في جنوب العراق عندما ينتهي فلاح فقير من تشييد بيته الطيني المتواضع يضحي بشاة شكراً وحمداً لله، ويوزع لحمها على جيرانه، أو يولم لهم، وأجزم بأن كلفة بيت الطين لا تزيد كثيراً عن ثمن الشاة، فهل سيتبرع "صاحب السمو" بمبلغ يوازي أو يقل قليلاً عن كلفة البرج الشاهق للمسلمين الجائعين في القرن الأفريقي؟ لو فعل ذلك لكان بمستوى ورع وتقوى وكرم عراقي جنوبي فقير.
يا "صاحب السمو" الوليد بن طلال، ليس بالقوة أو الثروة أو البنيان الشاهق يسمو الإنسان، وإنما بالإيمان والعلم والعدل والقيم الإنسانية والأخلاق الحميدة وبالتواضع.
أما برجك الشاهق، والله وحده يعلم الغيب، فلن أعجب لو كان مصيره واحد من ثلاثة: أن يقع الخلاف وتحل الفرقة بين الشركاء في المشروع فلا يكتمل البناء كما حدث للبرج البابلي، أو أن يخسف الله به كما خسف بدار قارون، أو أن يكتمل البرج لكن أصحابه يهلكون - غرقاً أو بغيره من الأسباب - كما كان مصير فرعون وشعبه ، فهل من متعظ؟
29 آب 2011م