المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان قبل سبعين سنة ..... فاضل خلف



أمان أمان
08-26-2011, 10:38 AM
استراحة الجمعة يكتبها فاضل خلف

فاضل خلف - الوطن


2011/08/25

< ما زالت أصداء أصوات المرتلين تتردد على مسامعي

شباب «كوت بوسته» هم أحفاد الأبطال الذين ملأوا الدنيا مجداً وشموخاً

< أكثر الرواد حفظوا القرآن لكثرة ترديده لسنوات

< لا يمكن أن يتجرد شعب عربي مسلم من تقاليده على الرغم من التطورات

< الديوانية مصدر للثقافة والأخلاق قبل أن تكون للتسلية

< عرفت رمضان في سنة الهدامة وقلت «أحسنت» في العاشرة



http://alwatan.kuwait.tt/resources/media/images/141552_e.png

مجالس شهر رمضان



ايها السائل عن ديوانية شهر رمضان المبارك منذ سبعين سنة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سألتني – وفقك الله لكل خير – عن الديوانية التي كنت اؤمها في ايام طفولتي في شهر رمضان المبارك، وهل كانت تختلف عن ديوانيات اليوم؟

الديوانية موجودة في هذا البلد الخير، منذ ان عرف العارفون الاجتماع والائتلاف والمؤانسة، فكانت لهم المنتدى، وكانت لهم الاستراحة، وكانت لهم دار سمر ومحبة، ومنذ ان عرفت رمضان عرفت الديوانية. وكان ذلك في رمضان من عام 1354 هجرية، ان صدقت الذاكرة. لكنه جاء بالتأكيد في عام 1934 ميلادية. وهي السنة التي تهاطلت امطارها بغزارة، حتى فاضت الحفرة المتناثرة في احياء الكويت، فانهار عدد كبير من البيوت المبنية من الطين، وتضررت احياء كثيرة نتيجة لذلك الانهيار، لذلك فقد اطلق على تلك السنة «سنة الهدامة» حيث تهدمت البيوت من جراء تهاطل الامطار الغزيرة.

في ذلك العام عرفت رمضان. وكنت في السابعة من العمر.

كان منزلنا يقع في حي الميدان… وهذا الحي يجب ان يسمى حي المتناقضات، ولست اريد هنا ان اذكر التناقض في امور الحي، لانني لن اشرك بذكريات رمضان، ذكريات اخرى سوف يكون مجالها مقالات اخرى، ستأتي بها الايام، في مناسبات قادمة.

دكاكين ودواوين

كان الميدان ينافس الاحياء المجاورة بشيئين اثنين، الاول كثرة الدكاكين والثاني كثرة الديوانيات، واذا ذكرت الديوانية في رمضان، وفي ايام طفولتنا، فلا يتبادر الى الذهن الا شيء واحد هو القرآن الكريم.

فلو انت أدركت ايامنا منذ سبعين سنة، ومشيت في سكك الميدان لسمعت تلاوة القرآن تتعالى من كل مكان.. من البيت ومن الديوانية.

وكان القارئون وخاصة بعد اذان العشاء يجهرون بقراءتهم. ومنهم من كان يرتل القرآن ترتيلا جميلا، وكأنه يترنم، فيستوقف بجمال صوته كل من يمشي في الطريق، ومن رجال ونساء واطفال، وكانت عبارات الاستحسان تردد بين المارة، هذا يقول: ما اجمل هذا الصوت، وذلك يقول: ان احسن الاصوات لأصوات قارئ القرآن، واخر يقول: سبحان الله، ما شاء الله.

انك تسمع ولا شك في هذه الايام، تلاوة القرآن الكريم تتهادى في المساجد وتتعالى من الاذاعة والتلفزيون، بل تستطيع سماعها من الاشرطة التي تباع في كل مكان. وتسمع مع صوت القارئ الجميل اصوات الاستحسان التي تصدر من المعجبين بالصوت العذب، والاداء الجميل.

فكان هذا هو حالنا، ونحن نعبر الطريق. ونقطع السكك في الغدو او الرواح. انني اذكر هذه الحقيقة اليوم، وفي هذه اللحظة التي أخط فيها هذه الكلمات وبعد مرور اكثر من سبعين سنة، على تلك الذكريات. وما زالت اصوات المرتلين تتردد اصداؤها على مسمعي. بل انني اعيش هذه اللحظات الان، في تلك الاجواء المعطرة بالتلاوة والتراتيل. واتخيل نفسي واقفا امام منزل او ديوانية، وحولي كوكبة من المعجبين والمعجبات، يقفون صامتين خاشعين، كأنهم في محراب مقدس، متأثرين بالصوت الحنون الذي ينزل السكينة على القلوب، ويسكب الطمأنينة في الأرواح. ويبعث البهجة، في النفوس الصادية للسكينة وللطمأنينة وللبهجة.

هادئ أكثر من اللزوم

وقد كان لي صديق صدوق من جيراني، في مثل سني. نلعب في السكة معا، ويزور كل منا الاخر في منزله. ونذهب الى المدرسة متلازمين. وكانت مدرستنا هي مدرسة السعادة، او مدرسة حمادة. وكانت تقع على البحر في محلة ابن خميس. وقد ازيلت منذ سنوات. فاصبح مكانها اليوم مدخل شارع الميدان من جهة السيف.
وكان والد هذا الصديق من اهل الغنى واليسار. عنده ديوانية تفتح في شهر رمضان للعبادة وطاعة الرحمن. وكان صوت القرآن منها يغمر الارجاء بالمحبة والحنان. اما روادها فكانوا من الرجال او الفتيان الذين عبروا جسر الطفولة، واخذت عقولهم طريقها الصحيح نحو النضوج والكمال. فاذا ضمهم مجلس مع الكبار، كانوا في تصرفاتهم اقرب الى الرجولة منهم الى الطفولة.
وبما انني كنت في السابعة فقط في ذلك الوقت وهو عام 1934 فقد كان بيني وبين غشيان رحاب الديوانية وقت طويل. ولكن صديقي المحب استعطف والده في قبولي ضمن روادها، فوافق الوالد على الا يصدر مني ما يشين.
وقد كنت عند حسن ظن صديقي. فما اعتقد انني اثرت شغبا او خرجت على المألوف المتعارف من العادات او الاخلاق. بل لفت انظار زوار الديوانية بهدوئي .. وربما كان لديوانية شهر رمضان الفضيل في هذا الهدوء الذي لازمني حتى عندما شببت عن الطوق وبلغت مبلغ الرجال. فقد كانت الهوية التي حملتها وانا كشاف في المدرسة المباركية في عام 1943، تقول «هادىء اكثر من اللزوم» وكان عمري ستة عشر عاما.

قارئ من المحمرة

مالي ولهذا .. انما الموضوع ديوانية شهر رمضان التي كانت دارا للقرآن وبيتا للدعاء. وكان صاحب الديوانية يستضيف قارئا من مدينة المحمرة. وكان سيدا يلبس عمامة سوداء. فكان يتلو القرآن، ثم يقرأ دعاء شهر رمضان بعد ذلك. ثم يستريح ساعة أو بعض ساعة، ليستأنف قراءة القرآن حتى وقت السحور. فاذا كانت الديوانية تفتح بعد صلاة العشاء فيكون مجلسها قد امتد ست ساعات ليليا.
ولكن لم يكن القارئ وحده هو الذي يقرأ كل تلك الساعات الطويلة. فقد كان يعاونه في ذلك رواد الديوانية، بأن يتقدم منه احدهم ويقول له احسنت. فيترك السيد مكانه لهذا الشخص. فاذا أخذ القارىء قسطه من الراحة اقترب من ذلك الشخص وقال له احسنت. فيترك مكانه للقارىء. وهكذا. وربما تناوب على القراءة عدة اشخاص في الليلة الواحدة. وكان هذا التناوب يريح القارىء، ويجدد قوته، ويجعله يواصل القراءة بهمة ونشاط.
وكنت اجالس الرجال في الديوانية في شهر رمضان، اتشوق لقراءة القرآن كما يفعل الرجال والفتيان. ولكنني كنت اتهيب ذلك الامر، واتهيب اكثر من ذلك ترك مكاني والاتجاه الى مكان القراءة في رحاب القرآن، وكان موضوعا على حاملة خشبية جميلة مزينة بالصدف المتلألىء.
لقد كنت اقرأ القرآن في البيت، واختم في شهر رمضان عدة ختمات ولكن البيت غير الديوانية. والحرية التي كنت استمتع بها في البيت غير الحرية المقيدة في ارجاء الديوانية.
لذلك لم اجرؤ على النطق بكلمة «احسنت» الا بعد مرور ثلاث سنوات على علاقتي الحبيبة بديوانية شهر رمضان.

صبي في مكان الرجال

قلت كلمة احسنت يا بني. فقال السيد الذي يقرأ القرآن: وانت. ثم تخلى عن مكانه خلف حاملة القرآن، لصبي لم يتجاوز العاشرة. تخلى عن مكانه، وهو يعلم ان هذا المكان، ليس مكان الصبيان، وانما هو مكان الرجال. ولكنه – ربما – ابى ان يجرح شعور هذا الصبي الذي يحتمي بالقرآن، ويود محاكاة الكبار في التلاوة. فأعطاه فرصة لسببين اثنين: الاول قد فصلت اسبابه. واما الثاني فهو: ربما اراد ان يختبر مقدرة هذا الصبي الجريء الذي ترك مكانه البعيد ليتخطى رقاب رواد الديوانية الكثر. وجلهم من الرجال الذين وخطهم الشيب … وفيهم من بلغ من الكبر عتيا، فاشتعل رأسه شيبا، الى جانب شباب كانوا في العنفوان، وفتيان كانوا في ريق العمر.
تخطى الصبي كل هؤلاء. وسار بقدمين حاول بقدر طاقته ان تكونا ثابتتين، الى موضع القرآن. لكي يجهر بصوته بالتلاوة، امام قارئ حصيف درس في معاهد النجف، ومارس تدريس القرآن عدة سنين الى جانب حشد من الرجال الذين لازموا مجالس القرآن سماعا وتلاوة سنين عددا.
كان هذا هو شعور القارئ الاديب وربما كان ايضا هو شعور الحضور وفيهم مولى الدار، او صاحب الديوانية، الذي صوب الصبي بنظرات فاحصة، وهو يتجه نحو مكان التلاوة. وكذلك فعل سائر من حضر المجلس. اما الصبي فكان له شأن اي شأن.

لحظات حرجة

ان الخطوات التي خطوتها، برغم كونها معدودات. كانت بالنسبة لي، مسافة من المسافات الطويلة. وما وصلت الى الهدف الا بعد ان كان العرق يتصبب من كل مسام جسمي … حتى بدا ذلك واضحا لكل راء، وحتى بدأت امسح حبيباته المتلألئة فوق الجبين بكمي او بكوفيتي.
كان ذلك قبل سبعين سنة. وكان رمضان في اخر الخريف، واول الشتاء، اذا لم تخذلني الذاكرة التي لا اكتب اليوم الا ما تمليه هي علي، في هذه الذكريات. قلت اننا كنا في منتصف شهر نوفمبر من عام 1937. ومعنى ذلك ان الجو كان معتدلا ان لم يكن قد بدأ في البرودة بل الأمطار ايضاً. وان دل هذا على شيء، فإنما يدل على ان اللحظات الحرجة التي مرت علي بين قولي «احسنت» وبين وصولي الى مكان التلاوة، تغلبت حرارتها على برودة الطقس فكان ما كان … وبدأت بالقراءة.
بسم الله الرحمن الرحيم..
{قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} الى اخر سورة الانعام.
لقد قرأت ربع حزب فقط. ولكن السيد القارئ.، استوقفني عدة مرات خلتها سبعا، ليصحح لي اخطاء ارتكبتها في القراءة. وما زلت اذكر منها: «دينا قِيَما» التي قرأتها «قيّما» بفتح القاف وتشديد الياء المكسورة. وكان يجب ان أقرأها بكسر القاف وفتح الياء.
وما ان انتهيت من قراءة ربع الحزب، حتى قال السيد احسنت. فقال اكثر الحضور مثل قوله. فنهضت من مكان التلاوة، واتخذت طريقي الى مكاني المعهود. ان كلمة «احسنت» التي قالها القارئ، هي كلمة تقال وجوبا. اما كلمة احسنت التي رددها الحضور فلم تكن الا تشجيعا لذلك الصبي الذي تجرأ قبل الاوان، فتلا جزءا من القرآن على مسامع رجال مارسوا تلاوة القرآن سنوات عديدة حتى استظهروه.
ولم يكن عجبا بعد ذلك ان يعيد السيد قارئ القرآن، تلاوة ربع الحزب الذي قرأته، لكي يسقط قراءتي الخاطئة من الحساب، لبطلانها. وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، على ان الاخطاء التي احصاها السيد، لم تتجاوز السبعة الى سبعين مثلا وخاصة بعد ان انفرط عقد توازني بمجرد ان بدأت بالتلاوة. فلم ادر اكنت في يقظة ام في منام. ولم ادر قبل ذلك كيف تجرأت على قولة «احسنت» وأية قوة خارقة دفعتني لتلك القولة.
ولكن الذي ادريه هو انني لم اكن من المحسنين برغم كلمة احسنت التي رددها الحضور، بعد ان هتف بها السيد القارئ الحصيف.

صاحب الفضل

لقد اعطيتك يا بني كما طلبت، وصفا حيا لديوانية شهر رمضان الكريم التي كنت اؤم ساحتها قبل سبعين سنة. وكنت انت صاحب الفضل في صقل هذه الذكريات، واعادتها الى الحياة، بعد ان كادت تعصف بها عواصف النسيان وتتلاشى في خضم احداث الزمان وجعلت الذاكرة تنبشها وتزيل عنها ما علق بها من غبار او ضباب فاذا بها حية بعد موات، واذا بها متوثبة بعد هجعة طويلة دامت عشرات السنين.
وان كان لابد من ذكر «الضيافة» فما شهر رمضان الا شهر الخير والبركات. وقد كان يقدم في الديوانية في اول الليل الشاي والقهوة المرة، واحيانا القهوة الحلوة والزلابية والغريبة واللقيمات والفول والهريسة. وكان هذا الطعام يسمى «الغبقة» بينما كان البخور يتصاعد دخانه في الارجاء، ناشرا من عطره الفواح ما ينعش الارواح، وبينما كان رشاش ماء الورد يزيد المكان عطرا وبهجة وسرورا.
في ذلك الجو العاطر – يا بني – كان يرتل القرآن، ويقرأ الدعاء، ويجتمع الشمل، شمل الاحباب على المودة والاخاء، وكأني بك قد تشوقت لمعرفة ما اعنيه بالدعاء. فقد اكثرت من ذكره في هذا المقال.. ومع الدعاء سوف يكون الحديث ايضا عن «التثويبة» ولتعلمن نبأها بعد حين، ان شاء الله.

قرآن ودعاء

لقد كان المقرئ بعد الهزيع الاول من الليل يتوقف عن قراءة القرآن ليشرع في قراءة مجموعة من الادعية ليعود مرة اخرى الى قراءة القرآن ولعل اشهر الادعية الدعاء المعروف بدعاء «كميل بن زياد». وهذا الدعاء ليس من ادعية شهر رمضان. ولكنه يتلى في ليالي الجمع من الشهر الفضيل. لذلك فقد اصبحت له شهرة كبيرة، وقد يستظهره رواد الديوانية الاذكياء كما يستظهرون القرآن من طول الصحبة والمران.
وعندما قال بشار بن برد قولته المشهورة «الأذن تعشق قبل العين أحيانا» لم يكن مجانبا الحقيقة والصواب. فقد كانت الآذان الواعية تلقف كل ماتسمعه من القرآن والدعاء، بشوق ولهفة، اما القرآن فهو كلام الله، واما الدعاء فهو مناجاة الله. ومع الترداد المتواصل طيلة شهر رمضان، وعلى امتداد الاعوام المتلاحقة، اصبح اكثر رواد الديوانية يحفظون القرآن، وداعية شهر رمضان.
وقد كان اكثرهم من العمال الذين لم يتلقوا نصيبا من العلم والتعليم. بل كانوا احيانا من الاميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون. ولكنهم كانوا يسايرون القارئ في قراءته ، فكان هو يجهر بالقراءة وكانوا هم يخافتون بها. والعجيب في الامر ان بعضهم لم يكتف بالسماع فقط. بل كان يسأل عن كلمة او يستفسر عن تعبير، او يناقش احيانا في امر قد يتعلق بشأن من شؤون الحياة.
وكانت تلك الادعية في مجموعها طيبة العبارة، جميلة الاسلوب، تزين حواشيها بلاغة عالية، وبيان مشرق. فان اجتمع مع هذه البدائع صوت جميل، وقراءة جيدة، واداء صحيح، عم المجلس جو من التجلي، تسبح الروح المؤمنة فيه، نشوي بما افاد الله عليها من روح وريحان.
وماذا كان ينشد الفتيان غير هذا الجو النقي الذي تصفو فيه الارواح، ويتطهر فيه النفوس .

للثقافة وليست للتسلية

لقد اختفت هذه الديوانية، ومثيلاتها من احياء الكويت القديمة. ولست ادري اذا كانت احياء الكويت الحديثة في بعض بيوتها قد بقيت على العهد القديم، وحافظت على سنتها القديمة، باحياء ليالي شهر رمضان على ماكانت عليه منذ سبعين سنة، بالقرآن والدعاء، اذ انه لا يمكن ان يتجرد شعب عربي مسلم اصيل. من عاداته وتقاليده. برغم عجلة التطور التي حصدت في مسيرتها كل ما هو قديم في هذا البلد الامين.

اقول لست ادري. لانني سلخت من عمري عشرين سنة بعيدا عن الكويت، وعندما كنت ازور الوطن بين الحين والآخر. كانت اجازاتي قصيرة، لا تسمح لي بتتبع ما يجري في البلدان من شؤون وشجون ومن جملتها اخبار الديوانية التي كنت اؤمها منذ سبعين سنة. على انه ليس من الصعوبة ان يكتشف المرء حقيقة واضحة جاء التطور المفاجئ على مسرح الحياة وهي ان الديوانيات – اغلبها – ان لم تكن كلها في ضواحي الكويت الجميلة، لا تعرف الا «الكوت بوستة» حتى مطلع الفجر.

ان الذين يسهرون حتى الصباح في «كوت بوستة» اغلبهم من الشبان، ومن هم هؤلاء الشبان؟ انهم احفاد اولئك الابطال الذين ملأوا الدنيا بطولة ومجدا وشموخا، وشغلوا الناس عدلا وحكمة وعلما، من نهر السند الى نهر الوادي الكبير. والذي ارجوه هو ان يكون سهرهم هذه للتسلية فقط. والا تتطور التسلية الى عادة متأصلة في الطبع، تميت كل طموح للمجد في نفوسهم. لقد وجد هؤلاء الشبان في زمن عدو مبين لا يعرف الا الغدر والشراسة واللؤم في مسيرته الجائرة في هذه الحياة.

ان هؤلاء الشبان يعرفون جيدا انهم في شهر رمضان الذي كان فيه عز الآباء والاجداد والذي سيكون فيه عز الابناء والاحفاد، لقد كان في رمضان عز العرب والاسلام. وسوف يبقى هذا العز شامخا بحول الله سابقا الى آخر دولة التاريخ. شهر رضمان الذي غير وجه التاريخ بزحفه المقدس منذ يوم بدر ، فلولا بدر لما كانت اليرموك وأجنادين والقادسية ونهاوند.. ولولا بدر لما شمخت المناثر المضيئة في القيروان وسمرقند وقرطبة وغزنة.. وببركات رمضان سوف يكون لنا لقاء ثالث وحاسم إن شاء الله بعد حطين وعين جالوت مع اعداء الله وأعداء الرسول في فلسطين.

فأين ستكون تلك الواقعة المرتقبة؟ أين ستكون؟ وما هي البقعة المباركة التي سوف تحمل شعار الفوز الكبير، فتدخل التاريخ بالفتح الباهر، والنصر المبين؟ لقد كان شهر رمضان دائما في الحرب أو السلام شهر خير وبركة، وسوف يبقى إن شاء الله إلى آخر الدهر، ذلك الشهر المبارك الذي يعز الله به الإسلام وأهله، ويذل به العدو ورهطه، لقد كان المسجد الأقصى منذ الفتح المقدس ساحة طاهرة للإسلام، وحقا مقدسا للمسلمين، ولن يكون إلا كذلك إلى آخر الدهر. فليصنع أعداء الإسلام ما شاءوا فلن يبقى في الميدان إلا أحفاد محمد وصحابته الاجلاء والتابعون لهم بإحسان، بعد صفاء القلوب، واتحاد الكلمة، ووحدة الصف.

وعند ذاك سوف يكون النصر لهم، والفتح المبين حليفهم، وصدق الله العظيم {إنهم لمنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون} أما أعداد الله والرسول فقد صدق الله العظيم، عندما قال فيهم:
{وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا، وألقينا بهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين}.
إن الديوانية- يا بني- قبل أن تكون لكم مكانا للتسلية يجب أن تكون لكم أيضا مكانا للثقافة والأخلاق والمعرفة، كما كانت لنا في طفولتنا. إذ إنها كانت لنا مدرسة تعلمنا منها الأدب والأخلاق والمحبة والأنس والائتلاف.