د. حامد العطية
08-09-2011, 11:33 PM
أيها النفيسي الكويتي الدكتور مليكيان بانتظارك
د. حامد العطية
هنالك مشاهد تعلق بالذاكرة، لأسباب مجهولة، تخرجها لك بين الحين والآخر، وأحياناً من غير مناسبة، فينشغل بها ذهنك ردحاً من الوقت ثم تعود لطيات النسيان المؤقت.
أتذكر جيداً نظرات الدكتور مليكيان، وصدقوني كانت نظراته فاحصة، وكأنه يريد سبر اغوار نفسية المقابل، وعندما تصافحه يشد على يدك، ويمسك بها، وكنا نظنه نوعاً من الاختبار النفسي، فالدكتور مليكيان أستاذ في علم النفس التحليلي، في الجامعة الأمريكية في لبنان، آبان ستينات القرن الماضي، هو أرمني لبناني أو لبناني أرمني يحمل الجنسية الأمريكية، وحلال مشاكل الطلاب النفسية، والجامعة لا تستهين بهذه المشاكل، لأن الحقائق الإحصائية تؤكد بأن أعلى نسب للإنتحار حسب الفئات العمرية عالمياً بين الشباب والكهول، وفي السنوات القلال التي قضيتها في الجامعة سمعت بحالتي انتحار مميتتين، أولهما طالب طب افريقي والثانية طالب في السنة الأولى، سعودي متزوج، خرجت زوجته ذات يوم لتنزه طفلهما الصغير في عربته فلما عادت وجدته جثة هامدة معلقة من خطاف ثريا غرفة الطعام، عرفته عن كثب، ولم أشك يوماً بأنه
سينتحر، كانت أطواره غريبة قليلاً، ولا غرابة في ذلك فقد كنت أرى معظم الطلاب الخليجيين الذين عرفتهم مصابين بعقد نفسية، متراوحة الحدة، بسبب الصدمة الثقافية التي عانوا منها، لكون الجامعة أمريكية وفي لبنان، والزمن في الستينات من القرن الماضي، حينها امتدت ثورة الشباب من أوروبا وأمريكا إلى لبنان، فلم يأخذ منها شباب لبنان سوى الشعر الطويل والملابس الفاضحة.
في أمسية نظمها الطلاب الكويتيون، على ما اتذكر، ألقى فينا الدكتور مليكيان محاضرة، انتهت بنقاش، سأل الحاضرون ومليكيان اجاب، وكان من اشد المشاركين جدلاً وإلحاحاً الطالب الكويتي عبد الله النفيسي، أثارت كلماته وحركاته المتكلفة والاستعراضية سخرية الحاضرين، فكلما تفوه بعبارة أخفوا ابتساماتهم وراء أكفهم، أما الدكتور مليكيان فقد وجه له الكثير من نظراته الفاحصة، ولا أعرف إن كان له ملف في مكتب الدكتور بين ملفات زملاءه من الكويتيين والسعوديين والبحرينيين، الذين قصدوه أما لمساعدتهم في حل مشاكلهم النفسية الحقيقية أو للتعذر بأزمة نفسية تخلصاً من تقصير في الدراسة أو الحضور يتهددهم بالطرد من الجامعة.
تخرج النفيسي من الجامعة والتحق بإحدى الجامعات البريطانية، فلم نعد نشاهده في ساحات وأروقة الجامعة، وبالمناسبة الرجل لا يمشي سوياً، بل تراه دائماً وأنفه بزاوية خمس وأربعين درجة نحو السماء، لو سألنا الدكتور مليكيان عن ذلك لربما كان تحليله كما يلي: غرور متصنع يخفي وراءه شعور بالدونية، مثل أغلب الخليجيين الذين ازدادت ثرواتهم بسرعة فاقت تطور ثقافتهم ومعارفهم مخلفة عقداً شائكة في نفوسهم.
في أحد الأيام عاد النفيسي ليطلب منا مساعدته في جمع معلومات عن ثورة العشرين، وكان ذلك موضوع اطروحة الدكتوراة، وبالتحديد دور المرجعية الشيعية في الثورة، وقصدنا بالذات لأن عمنا المرحوم رايح العطية كان أحد قادة القبائل المشاركة في الثورة، فلم نخيب له رجاءً، وكان من حسن حظه أن العم رايح أو "الحجي" كما كان يسميه الوصي عبد الآله ونوري السعيد مصطافاً في جبل لبنان، ووافق على الاجتماع بالنفيسي وتزويده بما يحتاجه من معلومات، وقد خرج من المقابلة راضياً عن نتائجها.
أكمل النفيسي اطروحته وحصل على الدكتوراه وعاد إلى الكويت وبعدها بسنوات قليلة قامت الثورة الاسلامية في إيران فكان من المتحمسين لها، وبسبب مواقفه السياسية سخطت عليه حكومة الكويت، واضطر للعيش خارج بلده، وكنت أتعاطف معه وأقدر له مواقفه المبدئية الصائبة ومعارضته للحكومات الخليجية المتخلفة.
ويبدو بأن صحوة عقل وضمير الدكتور عبد الله النفيسي لم تدم طويلاً، وبأن عقده القديمة المتأصلة في نفسيته واحقاده الطائفية التي تشربها في طفولته وشبابه عادت لتهيمن على فكره ولتسمم أراءه، ومنذ سنوات لم يعد له موضوع سوى الانتقاص من الشيعة ورميهم بمختلف التهم الجائرة، وكان آخر ما خرج علينا به المعقد النفيسي في مقابلة مع موقع إيلاف دعوته حكومات الخليج لتأليف اتحاد كونفدرالي، ليكون شيعة البحرين أقلية صغيرة بدلاً من كونهم أكثرية في بلدهم اليوم.
النفيسي نموذج السني القبيح الذي يريد كل الحقوق لجماعته ولا شيء للشيعة بل يؤيد تهميشهم ويدعوا لاضطهادهم ويتحمس لاستلابهم أبسط حقوقهم، وهذا فكر فاشي وعنصري، وهو من نفس نوع الفكر الذي يحمله الصهاينة الغاصبون لحقوق الفلسطينيين.
توفي الدكتور مليكيان قبل سنين، ولكن هنالك الكثير من الأطباء النفسيين في لبنان وغيرها، وانصح الدكتور النفيسي بزيارة أحدهم للعلاج، واتوقع أن يكون علاجه طويلاً، مع تمنياتي له ولأمثاله بالشفاء العاجل، ليرتاح الشيعة والبشرية جمعاء.
8 آب 2011م
د. حامد العطية
هنالك مشاهد تعلق بالذاكرة، لأسباب مجهولة، تخرجها لك بين الحين والآخر، وأحياناً من غير مناسبة، فينشغل بها ذهنك ردحاً من الوقت ثم تعود لطيات النسيان المؤقت.
أتذكر جيداً نظرات الدكتور مليكيان، وصدقوني كانت نظراته فاحصة، وكأنه يريد سبر اغوار نفسية المقابل، وعندما تصافحه يشد على يدك، ويمسك بها، وكنا نظنه نوعاً من الاختبار النفسي، فالدكتور مليكيان أستاذ في علم النفس التحليلي، في الجامعة الأمريكية في لبنان، آبان ستينات القرن الماضي، هو أرمني لبناني أو لبناني أرمني يحمل الجنسية الأمريكية، وحلال مشاكل الطلاب النفسية، والجامعة لا تستهين بهذه المشاكل، لأن الحقائق الإحصائية تؤكد بأن أعلى نسب للإنتحار حسب الفئات العمرية عالمياً بين الشباب والكهول، وفي السنوات القلال التي قضيتها في الجامعة سمعت بحالتي انتحار مميتتين، أولهما طالب طب افريقي والثانية طالب في السنة الأولى، سعودي متزوج، خرجت زوجته ذات يوم لتنزه طفلهما الصغير في عربته فلما عادت وجدته جثة هامدة معلقة من خطاف ثريا غرفة الطعام، عرفته عن كثب، ولم أشك يوماً بأنه
سينتحر، كانت أطواره غريبة قليلاً، ولا غرابة في ذلك فقد كنت أرى معظم الطلاب الخليجيين الذين عرفتهم مصابين بعقد نفسية، متراوحة الحدة، بسبب الصدمة الثقافية التي عانوا منها، لكون الجامعة أمريكية وفي لبنان، والزمن في الستينات من القرن الماضي، حينها امتدت ثورة الشباب من أوروبا وأمريكا إلى لبنان، فلم يأخذ منها شباب لبنان سوى الشعر الطويل والملابس الفاضحة.
في أمسية نظمها الطلاب الكويتيون، على ما اتذكر، ألقى فينا الدكتور مليكيان محاضرة، انتهت بنقاش، سأل الحاضرون ومليكيان اجاب، وكان من اشد المشاركين جدلاً وإلحاحاً الطالب الكويتي عبد الله النفيسي، أثارت كلماته وحركاته المتكلفة والاستعراضية سخرية الحاضرين، فكلما تفوه بعبارة أخفوا ابتساماتهم وراء أكفهم، أما الدكتور مليكيان فقد وجه له الكثير من نظراته الفاحصة، ولا أعرف إن كان له ملف في مكتب الدكتور بين ملفات زملاءه من الكويتيين والسعوديين والبحرينيين، الذين قصدوه أما لمساعدتهم في حل مشاكلهم النفسية الحقيقية أو للتعذر بأزمة نفسية تخلصاً من تقصير في الدراسة أو الحضور يتهددهم بالطرد من الجامعة.
تخرج النفيسي من الجامعة والتحق بإحدى الجامعات البريطانية، فلم نعد نشاهده في ساحات وأروقة الجامعة، وبالمناسبة الرجل لا يمشي سوياً، بل تراه دائماً وأنفه بزاوية خمس وأربعين درجة نحو السماء، لو سألنا الدكتور مليكيان عن ذلك لربما كان تحليله كما يلي: غرور متصنع يخفي وراءه شعور بالدونية، مثل أغلب الخليجيين الذين ازدادت ثرواتهم بسرعة فاقت تطور ثقافتهم ومعارفهم مخلفة عقداً شائكة في نفوسهم.
في أحد الأيام عاد النفيسي ليطلب منا مساعدته في جمع معلومات عن ثورة العشرين، وكان ذلك موضوع اطروحة الدكتوراة، وبالتحديد دور المرجعية الشيعية في الثورة، وقصدنا بالذات لأن عمنا المرحوم رايح العطية كان أحد قادة القبائل المشاركة في الثورة، فلم نخيب له رجاءً، وكان من حسن حظه أن العم رايح أو "الحجي" كما كان يسميه الوصي عبد الآله ونوري السعيد مصطافاً في جبل لبنان، ووافق على الاجتماع بالنفيسي وتزويده بما يحتاجه من معلومات، وقد خرج من المقابلة راضياً عن نتائجها.
أكمل النفيسي اطروحته وحصل على الدكتوراه وعاد إلى الكويت وبعدها بسنوات قليلة قامت الثورة الاسلامية في إيران فكان من المتحمسين لها، وبسبب مواقفه السياسية سخطت عليه حكومة الكويت، واضطر للعيش خارج بلده، وكنت أتعاطف معه وأقدر له مواقفه المبدئية الصائبة ومعارضته للحكومات الخليجية المتخلفة.
ويبدو بأن صحوة عقل وضمير الدكتور عبد الله النفيسي لم تدم طويلاً، وبأن عقده القديمة المتأصلة في نفسيته واحقاده الطائفية التي تشربها في طفولته وشبابه عادت لتهيمن على فكره ولتسمم أراءه، ومنذ سنوات لم يعد له موضوع سوى الانتقاص من الشيعة ورميهم بمختلف التهم الجائرة، وكان آخر ما خرج علينا به المعقد النفيسي في مقابلة مع موقع إيلاف دعوته حكومات الخليج لتأليف اتحاد كونفدرالي، ليكون شيعة البحرين أقلية صغيرة بدلاً من كونهم أكثرية في بلدهم اليوم.
النفيسي نموذج السني القبيح الذي يريد كل الحقوق لجماعته ولا شيء للشيعة بل يؤيد تهميشهم ويدعوا لاضطهادهم ويتحمس لاستلابهم أبسط حقوقهم، وهذا فكر فاشي وعنصري، وهو من نفس نوع الفكر الذي يحمله الصهاينة الغاصبون لحقوق الفلسطينيين.
توفي الدكتور مليكيان قبل سنين، ولكن هنالك الكثير من الأطباء النفسيين في لبنان وغيرها، وانصح الدكتور النفيسي بزيارة أحدهم للعلاج، واتوقع أن يكون علاجه طويلاً، مع تمنياتي له ولأمثاله بالشفاء العاجل، ليرتاح الشيعة والبشرية جمعاء.
8 آب 2011م