سيد مرحوم
11-19-2004, 06:55 AM
هل رُفع عنا القلم؟!
د. ليلى أحمد
http://www.islamonline.net/arabic/daawa/2003/04/images/pic09.jpg
كم تغنى الشعراء بك أيها القمر، وكم وقف عشاق على بابك، وكم عانوا من السهر، وكم كنت رسولاً بين الأحبة، وكم كنت رفيقًا بهم طوال السفر، وكم كنت آيةً من آيات الله يتأملها المؤمنون الخاشعون، فيذكرون الله، ويدعونه في السحر.
والآن يا صديقي القمر، ومنذ أن وطئك العالَم الغربي بأقدام أول مركبة فضائية هبطت عليك، لم يعد يُعرَف منك إلا صخور ورمل وحجر، أما في شرقنا، فقد غيَّبوا عقولهم، وأووا إلى سبات عميق، فلم يعودوا يروك إلا بأحلامهم، يرضعك طفل مُبتسَر، وفسروا هذا بأنه المهدي المنتظر!! *
بعد هذه المقدمة السجعية التي ربما دفعني لا شعوريًّا إلى كتابتها بهذا الشكل تلك الحالة التي يعيشها أغلب المسلمين، والتي تذكرني بما عبر عنه أحدهم؛ إذ قال: إننا نعيش في "أزهى" عصور الانحطاط!!
فقد كثر السجع حتى غلبت الصنعة البلاغية في الألفاظ على قيمة الأفكار في عصر الانحطاط، كذلك سيطر الارتباط بالحلم، والاستغراق بلذة النوم عن رؤية الواقع في عصرنا الحالي.
النوم ظاهرة
إن حديثنا اليوم عن النوم والحلم والخرافة هو حديث ذو شجون، والسؤال الذي يَرِد أولاً: هل يُرفع القلم عن النائم حتى يصحو إذا كانت رغبته بالنوم ليست صادرة عن النعاس بقدر ما هي نتيجة لتناوله كمية كبيرة من المخدرات؟!
الجواب عن هذا السؤال يؤكد أن الشعوب مسئولة عن مصائرها، وفي نفس الوقت يراعي الحكم حالة النائم، فالحكم كي لا يكون ظالمًا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالشخص، فالنوم ليس مقتصرًا فقط على الشعوب؛ إذ إن بعض الأنظمة العربية تغطّ في نوم عميق، كما أن بعضها الآخر عوَّد شعبه على إدمان المخدرات المتمثلة بالأغاني التي تجعل عاطفة الحب الشخصي تغلب أية عاطفة وطنية أو دينية، كما تتمثل أيضًا في الولع بكرة القدم، وحب الشهوات التي يدخل أغلبها ضمن إطار الشبهات، وإن لم يجرؤ العلماء على تحريمها رفقًا بالعباد.
ولذلك، فلا يصح أن نشير بإصبع الاتهام لفرد أو حتى لمجتمع، دون الإحاطة التامة بالظروف والحيثيات، ولا يمكن التنبيه إلى مكان الخلل الاجتماعي دون أن تكون السياسة طرفًا في الموضوع، ولو بشكل جزئي.
وكيف لا يكون غارقًا في النوم ذلك الرئيس الذي ورَّط شعبه وجيرانه في صراع رهيب، ثم يجتمع كل القادة العرب من أجل التفكير بحل معضلته وشعبه -ولو ظاهريًّا- بينما تكون قناة دولته الفضائية آخر مَن يبث ما يجري في أروقة الاجتماعات؟!
وماذا يوحي لك إذا انتقلتَ إلى القناة الفضائية العراقية**، فوجدتَ فيها أغنية هزيلة ومواويل شعبية عاطفية، في الوقت الذي تترقب النفوس الشهمة -مسلمة أو غير مسلمة- الأحداث بقلب واجف لمصير شعب بريء، حكم عليه جلادوه بالموت؟!
التحليل النفسي والاجتماعي للظاهرة
نأتي الآن إلى علم النفس والاجتماع، لنسألهما عن التحليل النفسي والاجتماعي لتلك الظاهرة الخطيرة التي نحن بصددها، وهي اقتناع المسلمين بالخرافات، واكتفاؤهم بالأحلام إلى الحد الذي يجعل المرء يتساءل: هل فعلاً كان أجداد مسلمي اليوم هم من صنعوا التاريخ وفتحوا البلاد وبنوا الحضارة؟
والجواب: إن الفشل الكبير على صعيد الواقع الذي يعيشه المسلمون، والحالة المتردية والمزرية التي جعلت الأمة تغرق في بحور من اليأس دفعت الكثيرين إلى التمسك بالجهالات والضلالات والخرافات، وإذا كان العقل الواعي هو الذي يكوِّن القناعات والأفكار والرؤى، فإن العقل الباطن هو الذي يصبغ الحياة بالمشاعر والانفعالات، ويجعل العواطف والغرائز هي الحاكم الأول بغير شعور من الإنسان.
فالعقل الواعي مثل الفلاح الذي يضع البذور في التراب، أما العقل الباطن فهو التربة التي تحول البذور إلى ثمار. والعقل الواعي يتعامل بالمنطق ويدرك السبب والنتيجة، ويحلل ويُركِّب ويستنتج ويستقرئ؛ أما العقل الباطن فإن مصدر آلياته وطاقاته هي العواطف والغرائز؛ لذلك فهو لا يعتمد على المنطق من قريب أو بعيد.
وعندما يتهدد وجود الإنسان أو أمنه أو هويته، فإن لجوءه إلى العقل الباطن يزداد بُغيةَ الدفاع عن نفسه، وهذا إن صدق على مستوى الأفراد العاديين الذين لا يتمتعون بالطاقة العقلية المناسبة لإجراء الحسابات قبل القيام بالدفاعات، فهو غير مقبول عندما يتم على مستوى القيادات والزعامات التي تملك زمام الأمور.
ولذلك لا يجوز لنا أن نلوم الجماهير إذا لجأت إلى غرائزها البدائية تستمد العون منها في الأزمات، متجاهلين أن الناس على دين ملوكهم، أو كما قال علي كرم الله وجهه: الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم.
وبما أننا نتكلم عن العقل الباطن والأحلام، فلا بد أن نتطرق هنا لرأي فرويد في كتابه "تفسير الأحلام" إذ يقول: (كان المعروف فيما مضى أن الأحلام تُلهَم إلى النفوس بواسطة فوق طاقة الإنسان، وحيث كانوا يعتبرون المُظهر لكل إرادة خارجة عن قدرة الإنسان الخارجة عن الأرض متمثلاً في الآلهة، اضطروا لاعتبار الأحلام نوعًا من الظهور الجسماني لإرادة هذه الآلهة، حيث كانوا يبشرون الأفراد بالخير والأمل، أو يتنبئون لهم بوقوع المآسي والحوادث المؤلمة. وبالتدريج فقد برز الكهنة في تأويل إشارات الحلم الغامضة وتفسير أسراره الدقيقة، ومن هنا صار علم تفسير الأحلام علمًا له أهمية في الحياة اليومية للناس؛ لأن الكهنة كانوا يعملون في تفسير الأحلام على اصطناع أخبار عن المستقبل على لسان الآلهة، وينشرونها بعد ذلك. والذي يبدو لي أن قسمًا من محتويات الحلم يكون نتيجة للنشاط الذهني في أثناء النوم، ولكن الذي يتضح من تحليل الحلم أن هذه التعقلات كانت موجودة في الأفكار الباطنية للشخص الحالم، وظهرت بعينها في النوم).
لا يخفى أن رأي فرويد يتطابق -بشكل أو بآخر- مع الجملة الأخيرة في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رواه الترمذي وصححه: "الرّؤْيَا ثَلاَثٌ: فَرُؤْيَا حَقّ، وَرُؤْيَا يُحدّثُ بِهَا الرّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشّيْطَانِ". وإذا كنا نؤمن بما سُمِّي الرؤيا الصادقة، كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: "الرُّؤيا الصالحة، جُزء مِن سبعين جُزءًا من النُّبوَّة" رواه أحمد وابن ماجة، فليس هذا دليلاً على خطأ نظرية فرويد، بل هي نظرية ذكية رغم نقصها، فقد كشفت النقاب عن حيلة الكهنة وتفسيرهم لأحلام العوام باصطناع أخبار عن الآلهة.
الخرافة والقمر.. دروس وعبر
ويحكي لنا التاريخ عن جهل قبائل الهنود في أمريكا، وخضوعهم المطلق لظواهر الطبيعة، وأنه كان المدخل الذي جعل كريستوف كولمبوس يفتح بعض جزر أمريكا بأسهل مما يتصور.
وبما أن حديثنا له علاقة بالقمر، فلا مانع من ذكر قصته للعبرة والفائدة، كما للمتعة.
فعندما وصل إلى جزيرة من جزر أمريكا، وقد أُنهك بحَّارته ونفدت مئونتهم، ما كان منه إلا أن طلب من أهل الجزيرة طعامًا، فلم يقدموا له شيئًا، وكان كولمبوس يعرف بأن القمر سيتعرض للخسوف في تلك الليلة، ويعلم متى سيبدأ الخسوف ومتى سينتهي، وذلك عن طريق بعض الحسابات التي كانت معروفة في عهده، فأخبرهم أن الآلهة سوف تغضب عليهم لأنهم لم يطعموه ومن معه؛ ولذلك فإنها ستحجب نور القمر عنهم، ولما رأى الهنود بأعينهم غضب الآلهة في تلك الليلة مُمثلاً بوجه القمر الأسود، راحوا يتسابقون إلى تقديم الأطعمة والأشربة لكولمبوس ورجاله، فنصحهم بالدعاء، ثم أخبرهم أن الآلهة رضيت عنهم؛ ولذلك سيعود القمر كما كان، وفعلاً عاد القمر إلى الضياء، وعادت الجزيرة تفتح أبوابها للغزاة أصحاب الخوارق والكرامات!
وأما ما له علاقة بالقمر والخرافة في وطننا العربي فهو ذلك الخبر الذي ورد في مجلة العربي العدد رقم أربعمائة وسبعة عشر، في مقالة عنوانها: "الرقابة في مواجهة الطوفان" للكاتب شوقي رافع يقول: إن هناك رواية عن رائد الفضاء الأمريكي نيل آرمسترونج الذي كان يسير في شوارع القاهرة، فسمع صوت المؤذن، فسأل مرافقه: ما هذا الصوت؟ فقيل له: إنه أذان المسلمين؛ فقال الرائد: ولكنه الصوت نفسه الذي سمعته وأنا أسير فوق سطح القمر، ثم أشهر الرائد إسلامه! والرواية انتشرت بين المسلمين، وتحمسوا لها، وأصل فريتها يقع على عاتق مجلة ماليزية نقلت عنها مجلة عربية، اتصل رئيس تحريرها بالكاتب ليجري حوارًا مع آرمسترونج حول الموضوع، وكان الرائد مشغولاً، فطلب إرسال الأسئلة إليه ليجيب عنها؛ فوضع الكاتب أكثر من ثلاثين سؤالاً، أحدها عن علاقته بزوجته بعد إشهار إسلامه، وإن كان يفكر في الإقامة بمصر!! وبعد يومين أتى الرد في اثني عشر سطرًا يشكر الرائد فيها الكاتب، ويقول: إن الأسئلة لا تقوم على أساس! وقصة إسلامه مخترعة تمامًا، وأنه لم يعتنق الإسلام ولم يسمع الأذان أو أي صوت آخر على القمر، ولم يزر مصر في حياته، ويعتذر عن إزعاجات الصحافة التي تفتقر إلى المصداقية!
وأخذ كاتب العربي رد آرمسترونج ليُنشَر في الصحيفة التي أعلنت إسلامه، فاعتذروا بعد قرار هيئة التحرير! وكانت الخلاصة ما يلي: قالوا للكاتب: يا أستاذ، لو نشرنا الرد لقامت علينا القيامة، وسيعتبر الكثيرون أننا رددناه عن إسلامه! وبقي آرمسترونج مسلمًا!
إن التصاق أفراد الأمة بالخرافات ناشئ إما عن مسلم جاهل لا يدرك أن دين الله ليس بحاجة لتأكيد عظمته لأن يستند إلى أوهام وأحلام، أو من مُخرِّب حاقد له مصلحة من الخرافات التي ينشرها.
معتقدو الخرافات يتزايدون
ومع أن تعريف الخرافة في الكتب المدرسية موجود منذ أكثر من خمس وعشرين سنة بأنها اعتقاد خاطئ يتداوله الناس فيما بينهم، تفسيرًا لظاهرة يتكرر حدوثها في حياتهم، فلا نرى أن عدد المؤمنين بالخرافة قد نقص خلال ربع قرن من الزمن، بل ما زال يوجد بيننا من يؤمنون بالفأل، والأبراج، والتطير، والتنجيم، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، وفتح المنديل، وتحضير الأرواح، إلى آخر هذه السخافات.
بالطبع نحن المسلمين نؤمن بالسحر والجن والحسد؛ لأنها مُثبَتة بالقرآن والسنة، لكن لا يعني هذا أن نُعزِي كل ظاهرة في حياتنا إلى هذه الأسباب دون أن نبحث عن عللها الحقيقية، أو أن نعرف مصدرها وسببها، ولا تزال حكاية ذلك الطفل الأفريقي الذي يقرأ القرآن -رغم أنه من عائلة مسيحية- هي الأقرب إلينا، وانكشف حينها أن عمه قد دربه ليستغل جهل البسطاء من المسلمين، ويجمع أكبر كمية من المال.وما أكثر الحكايات، وما أشد ألمها، لكن ما أقل من يعتبر منها!
ضد الكُمون الحضاري
والحقيقة أن حلم رضاعة الطفل للقمر قد لا يكون إلا مُخترَعًا، أو أن تفسيره ليس إلا صادرًا عن أحد مبرري الخرافة والجهل، أو عن أحد مدبري إلهاء النفوس وتخدير العقول.
إن الكُمون الحضاري الذي يزخر به الإسلام يجعله في غِنى عن الخرافات أو التهويلات أو التأويلات.
إن الإسلام قد حرص على تحرير العقل والفكر من الخضوع لأية تبعية كانت، فليس المجتمع هو الذي يُملِي على الناس أفكارهم، وإنما على العقل المسلم أن يفكر تفكيرًا مستقلاً عن تقاليد البيئة وعُرفها وعاداتها وخرافاتها.
----------------------
* الكاتبة تشير (وهي سنية المذهب) هنا لحلم معين (حلم رضاعة الطفل للقمر )فسره البعض ممن هاجمتهم على انه بداية ميلاد المهدي الموعود (كما يرى وينتظر الاخوة من اهل السنة والجماعة في عقيدتهم المذهبية ميلاده )
** الكاتبة تتحدث عن فضائية العراق اثناء النظام العفلقي الصدامي البائد.
د. ليلى أحمد
http://www.islamonline.net/arabic/daawa/2003/04/images/pic09.jpg
كم تغنى الشعراء بك أيها القمر، وكم وقف عشاق على بابك، وكم عانوا من السهر، وكم كنت رسولاً بين الأحبة، وكم كنت رفيقًا بهم طوال السفر، وكم كنت آيةً من آيات الله يتأملها المؤمنون الخاشعون، فيذكرون الله، ويدعونه في السحر.
والآن يا صديقي القمر، ومنذ أن وطئك العالَم الغربي بأقدام أول مركبة فضائية هبطت عليك، لم يعد يُعرَف منك إلا صخور ورمل وحجر، أما في شرقنا، فقد غيَّبوا عقولهم، وأووا إلى سبات عميق، فلم يعودوا يروك إلا بأحلامهم، يرضعك طفل مُبتسَر، وفسروا هذا بأنه المهدي المنتظر!! *
بعد هذه المقدمة السجعية التي ربما دفعني لا شعوريًّا إلى كتابتها بهذا الشكل تلك الحالة التي يعيشها أغلب المسلمين، والتي تذكرني بما عبر عنه أحدهم؛ إذ قال: إننا نعيش في "أزهى" عصور الانحطاط!!
فقد كثر السجع حتى غلبت الصنعة البلاغية في الألفاظ على قيمة الأفكار في عصر الانحطاط، كذلك سيطر الارتباط بالحلم، والاستغراق بلذة النوم عن رؤية الواقع في عصرنا الحالي.
النوم ظاهرة
إن حديثنا اليوم عن النوم والحلم والخرافة هو حديث ذو شجون، والسؤال الذي يَرِد أولاً: هل يُرفع القلم عن النائم حتى يصحو إذا كانت رغبته بالنوم ليست صادرة عن النعاس بقدر ما هي نتيجة لتناوله كمية كبيرة من المخدرات؟!
الجواب عن هذا السؤال يؤكد أن الشعوب مسئولة عن مصائرها، وفي نفس الوقت يراعي الحكم حالة النائم، فالحكم كي لا يكون ظالمًا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالشخص، فالنوم ليس مقتصرًا فقط على الشعوب؛ إذ إن بعض الأنظمة العربية تغطّ في نوم عميق، كما أن بعضها الآخر عوَّد شعبه على إدمان المخدرات المتمثلة بالأغاني التي تجعل عاطفة الحب الشخصي تغلب أية عاطفة وطنية أو دينية، كما تتمثل أيضًا في الولع بكرة القدم، وحب الشهوات التي يدخل أغلبها ضمن إطار الشبهات، وإن لم يجرؤ العلماء على تحريمها رفقًا بالعباد.
ولذلك، فلا يصح أن نشير بإصبع الاتهام لفرد أو حتى لمجتمع، دون الإحاطة التامة بالظروف والحيثيات، ولا يمكن التنبيه إلى مكان الخلل الاجتماعي دون أن تكون السياسة طرفًا في الموضوع، ولو بشكل جزئي.
وكيف لا يكون غارقًا في النوم ذلك الرئيس الذي ورَّط شعبه وجيرانه في صراع رهيب، ثم يجتمع كل القادة العرب من أجل التفكير بحل معضلته وشعبه -ولو ظاهريًّا- بينما تكون قناة دولته الفضائية آخر مَن يبث ما يجري في أروقة الاجتماعات؟!
وماذا يوحي لك إذا انتقلتَ إلى القناة الفضائية العراقية**، فوجدتَ فيها أغنية هزيلة ومواويل شعبية عاطفية، في الوقت الذي تترقب النفوس الشهمة -مسلمة أو غير مسلمة- الأحداث بقلب واجف لمصير شعب بريء، حكم عليه جلادوه بالموت؟!
التحليل النفسي والاجتماعي للظاهرة
نأتي الآن إلى علم النفس والاجتماع، لنسألهما عن التحليل النفسي والاجتماعي لتلك الظاهرة الخطيرة التي نحن بصددها، وهي اقتناع المسلمين بالخرافات، واكتفاؤهم بالأحلام إلى الحد الذي يجعل المرء يتساءل: هل فعلاً كان أجداد مسلمي اليوم هم من صنعوا التاريخ وفتحوا البلاد وبنوا الحضارة؟
والجواب: إن الفشل الكبير على صعيد الواقع الذي يعيشه المسلمون، والحالة المتردية والمزرية التي جعلت الأمة تغرق في بحور من اليأس دفعت الكثيرين إلى التمسك بالجهالات والضلالات والخرافات، وإذا كان العقل الواعي هو الذي يكوِّن القناعات والأفكار والرؤى، فإن العقل الباطن هو الذي يصبغ الحياة بالمشاعر والانفعالات، ويجعل العواطف والغرائز هي الحاكم الأول بغير شعور من الإنسان.
فالعقل الواعي مثل الفلاح الذي يضع البذور في التراب، أما العقل الباطن فهو التربة التي تحول البذور إلى ثمار. والعقل الواعي يتعامل بالمنطق ويدرك السبب والنتيجة، ويحلل ويُركِّب ويستنتج ويستقرئ؛ أما العقل الباطن فإن مصدر آلياته وطاقاته هي العواطف والغرائز؛ لذلك فهو لا يعتمد على المنطق من قريب أو بعيد.
وعندما يتهدد وجود الإنسان أو أمنه أو هويته، فإن لجوءه إلى العقل الباطن يزداد بُغيةَ الدفاع عن نفسه، وهذا إن صدق على مستوى الأفراد العاديين الذين لا يتمتعون بالطاقة العقلية المناسبة لإجراء الحسابات قبل القيام بالدفاعات، فهو غير مقبول عندما يتم على مستوى القيادات والزعامات التي تملك زمام الأمور.
ولذلك لا يجوز لنا أن نلوم الجماهير إذا لجأت إلى غرائزها البدائية تستمد العون منها في الأزمات، متجاهلين أن الناس على دين ملوكهم، أو كما قال علي كرم الله وجهه: الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم.
وبما أننا نتكلم عن العقل الباطن والأحلام، فلا بد أن نتطرق هنا لرأي فرويد في كتابه "تفسير الأحلام" إذ يقول: (كان المعروف فيما مضى أن الأحلام تُلهَم إلى النفوس بواسطة فوق طاقة الإنسان، وحيث كانوا يعتبرون المُظهر لكل إرادة خارجة عن قدرة الإنسان الخارجة عن الأرض متمثلاً في الآلهة، اضطروا لاعتبار الأحلام نوعًا من الظهور الجسماني لإرادة هذه الآلهة، حيث كانوا يبشرون الأفراد بالخير والأمل، أو يتنبئون لهم بوقوع المآسي والحوادث المؤلمة. وبالتدريج فقد برز الكهنة في تأويل إشارات الحلم الغامضة وتفسير أسراره الدقيقة، ومن هنا صار علم تفسير الأحلام علمًا له أهمية في الحياة اليومية للناس؛ لأن الكهنة كانوا يعملون في تفسير الأحلام على اصطناع أخبار عن المستقبل على لسان الآلهة، وينشرونها بعد ذلك. والذي يبدو لي أن قسمًا من محتويات الحلم يكون نتيجة للنشاط الذهني في أثناء النوم، ولكن الذي يتضح من تحليل الحلم أن هذه التعقلات كانت موجودة في الأفكار الباطنية للشخص الحالم، وظهرت بعينها في النوم).
لا يخفى أن رأي فرويد يتطابق -بشكل أو بآخر- مع الجملة الأخيرة في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رواه الترمذي وصححه: "الرّؤْيَا ثَلاَثٌ: فَرُؤْيَا حَقّ، وَرُؤْيَا يُحدّثُ بِهَا الرّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشّيْطَانِ". وإذا كنا نؤمن بما سُمِّي الرؤيا الصادقة، كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: "الرُّؤيا الصالحة، جُزء مِن سبعين جُزءًا من النُّبوَّة" رواه أحمد وابن ماجة، فليس هذا دليلاً على خطأ نظرية فرويد، بل هي نظرية ذكية رغم نقصها، فقد كشفت النقاب عن حيلة الكهنة وتفسيرهم لأحلام العوام باصطناع أخبار عن الآلهة.
الخرافة والقمر.. دروس وعبر
ويحكي لنا التاريخ عن جهل قبائل الهنود في أمريكا، وخضوعهم المطلق لظواهر الطبيعة، وأنه كان المدخل الذي جعل كريستوف كولمبوس يفتح بعض جزر أمريكا بأسهل مما يتصور.
وبما أن حديثنا له علاقة بالقمر، فلا مانع من ذكر قصته للعبرة والفائدة، كما للمتعة.
فعندما وصل إلى جزيرة من جزر أمريكا، وقد أُنهك بحَّارته ونفدت مئونتهم، ما كان منه إلا أن طلب من أهل الجزيرة طعامًا، فلم يقدموا له شيئًا، وكان كولمبوس يعرف بأن القمر سيتعرض للخسوف في تلك الليلة، ويعلم متى سيبدأ الخسوف ومتى سينتهي، وذلك عن طريق بعض الحسابات التي كانت معروفة في عهده، فأخبرهم أن الآلهة سوف تغضب عليهم لأنهم لم يطعموه ومن معه؛ ولذلك فإنها ستحجب نور القمر عنهم، ولما رأى الهنود بأعينهم غضب الآلهة في تلك الليلة مُمثلاً بوجه القمر الأسود، راحوا يتسابقون إلى تقديم الأطعمة والأشربة لكولمبوس ورجاله، فنصحهم بالدعاء، ثم أخبرهم أن الآلهة رضيت عنهم؛ ولذلك سيعود القمر كما كان، وفعلاً عاد القمر إلى الضياء، وعادت الجزيرة تفتح أبوابها للغزاة أصحاب الخوارق والكرامات!
وأما ما له علاقة بالقمر والخرافة في وطننا العربي فهو ذلك الخبر الذي ورد في مجلة العربي العدد رقم أربعمائة وسبعة عشر، في مقالة عنوانها: "الرقابة في مواجهة الطوفان" للكاتب شوقي رافع يقول: إن هناك رواية عن رائد الفضاء الأمريكي نيل آرمسترونج الذي كان يسير في شوارع القاهرة، فسمع صوت المؤذن، فسأل مرافقه: ما هذا الصوت؟ فقيل له: إنه أذان المسلمين؛ فقال الرائد: ولكنه الصوت نفسه الذي سمعته وأنا أسير فوق سطح القمر، ثم أشهر الرائد إسلامه! والرواية انتشرت بين المسلمين، وتحمسوا لها، وأصل فريتها يقع على عاتق مجلة ماليزية نقلت عنها مجلة عربية، اتصل رئيس تحريرها بالكاتب ليجري حوارًا مع آرمسترونج حول الموضوع، وكان الرائد مشغولاً، فطلب إرسال الأسئلة إليه ليجيب عنها؛ فوضع الكاتب أكثر من ثلاثين سؤالاً، أحدها عن علاقته بزوجته بعد إشهار إسلامه، وإن كان يفكر في الإقامة بمصر!! وبعد يومين أتى الرد في اثني عشر سطرًا يشكر الرائد فيها الكاتب، ويقول: إن الأسئلة لا تقوم على أساس! وقصة إسلامه مخترعة تمامًا، وأنه لم يعتنق الإسلام ولم يسمع الأذان أو أي صوت آخر على القمر، ولم يزر مصر في حياته، ويعتذر عن إزعاجات الصحافة التي تفتقر إلى المصداقية!
وأخذ كاتب العربي رد آرمسترونج ليُنشَر في الصحيفة التي أعلنت إسلامه، فاعتذروا بعد قرار هيئة التحرير! وكانت الخلاصة ما يلي: قالوا للكاتب: يا أستاذ، لو نشرنا الرد لقامت علينا القيامة، وسيعتبر الكثيرون أننا رددناه عن إسلامه! وبقي آرمسترونج مسلمًا!
إن التصاق أفراد الأمة بالخرافات ناشئ إما عن مسلم جاهل لا يدرك أن دين الله ليس بحاجة لتأكيد عظمته لأن يستند إلى أوهام وأحلام، أو من مُخرِّب حاقد له مصلحة من الخرافات التي ينشرها.
معتقدو الخرافات يتزايدون
ومع أن تعريف الخرافة في الكتب المدرسية موجود منذ أكثر من خمس وعشرين سنة بأنها اعتقاد خاطئ يتداوله الناس فيما بينهم، تفسيرًا لظاهرة يتكرر حدوثها في حياتهم، فلا نرى أن عدد المؤمنين بالخرافة قد نقص خلال ربع قرن من الزمن، بل ما زال يوجد بيننا من يؤمنون بالفأل، والأبراج، والتطير، والتنجيم، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، وفتح المنديل، وتحضير الأرواح، إلى آخر هذه السخافات.
بالطبع نحن المسلمين نؤمن بالسحر والجن والحسد؛ لأنها مُثبَتة بالقرآن والسنة، لكن لا يعني هذا أن نُعزِي كل ظاهرة في حياتنا إلى هذه الأسباب دون أن نبحث عن عللها الحقيقية، أو أن نعرف مصدرها وسببها، ولا تزال حكاية ذلك الطفل الأفريقي الذي يقرأ القرآن -رغم أنه من عائلة مسيحية- هي الأقرب إلينا، وانكشف حينها أن عمه قد دربه ليستغل جهل البسطاء من المسلمين، ويجمع أكبر كمية من المال.وما أكثر الحكايات، وما أشد ألمها، لكن ما أقل من يعتبر منها!
ضد الكُمون الحضاري
والحقيقة أن حلم رضاعة الطفل للقمر قد لا يكون إلا مُخترَعًا، أو أن تفسيره ليس إلا صادرًا عن أحد مبرري الخرافة والجهل، أو عن أحد مدبري إلهاء النفوس وتخدير العقول.
إن الكُمون الحضاري الذي يزخر به الإسلام يجعله في غِنى عن الخرافات أو التهويلات أو التأويلات.
إن الإسلام قد حرص على تحرير العقل والفكر من الخضوع لأية تبعية كانت، فليس المجتمع هو الذي يُملِي على الناس أفكارهم، وإنما على العقل المسلم أن يفكر تفكيرًا مستقلاً عن تقاليد البيئة وعُرفها وعاداتها وخرافاتها.
----------------------
* الكاتبة تشير (وهي سنية المذهب) هنا لحلم معين (حلم رضاعة الطفل للقمر )فسره البعض ممن هاجمتهم على انه بداية ميلاد المهدي الموعود (كما يرى وينتظر الاخوة من اهل السنة والجماعة في عقيدتهم المذهبية ميلاده )
** الكاتبة تتحدث عن فضائية العراق اثناء النظام العفلقي الصدامي البائد.