المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل انتخب الأتراك عميلاً للصهاينة؟



د. حامد العطية
07-27-2011, 06:41 PM
هل انتخب الأتراك عميلاً للصهاينة؟
د. حامد العطية

كان هنالك حزب الرفاه ثم حله العسكر، فخلفه حزب الفضيلة، والذي انقسم إلى حزبين: السعادة والعدالة والتنمية، هذا باختصار تاريخ الحركة الإسلامية في تركيا، أما كيف يكون أحدهم قائداً إسلامياً وعميلاً للصهيونية في آن واحد فالجواب لدى نجم الدين أربكان.
اربكان هو مؤسس الحركة الإسلامية في تركيا، أما المتهم بالعمالة للصهيونية وامريكا فهو رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي والبطل غير المنازع للحركات الإسلامية في بعض الدول العربية .
في 1969م أسس نجم الدين أربكان نواة الحركة الإسلامية التركية (مللي جورش أو الرؤية الوطنية)، مسيراً برؤية تكاملية لتركيا، منهجها الإسلام، قاعدتها الاقتصادية صناعية، وسياساتها مستقلة على عكس ما يريده العلمانيون، وشرقية في تموقعها الاستراتيجي وتكاملها مع الدول والشعوب الإسلامية.
" النظام العادل" هو عنوان المشروع الأربكاني الإسلامي، وعندما تقرأ كلمة العادل فيه تدرك بأن الرجل أدرك جوهر الإسلام، إذ هو العنصر الأساس في الحكومة الإسلامية، الذي طمسه الحكام منذ نشوء الحكم الأموي، وأغفله فقهاؤهم عمداً وقصداً منذ ذلك الحين، فشوهوا الإسلام ونظام الحكم والمجتمع وفكر وسلوك الأفراد، كان فكر أربكان ثورة عظمى على النظام الديني الرسمي الذي توارثه الحكام حتى وصل إلى العثمانيين، ولم يتوقف عند انتهاء الخلافة.
كيف لا أحب أربكان وهو كان مؤمناً بالعدالة جوهراً للنظام الإسلامي وكارهاً للكيان الصهيوني لعداوته المطلقة للمسلمين وللغرب أيضاً الذي يخدم أهداف الصهاينة ويعادي المسلمين؟
بعد فوز حزب الرفاه في انتخابات عام 1996م سارع أربكان للإعلان عن مشروعه في تأسيس الوحدة الإسلامية الاقتصادية بين أكبر ثمان دول إسلامية في العالم لينقذ المسلمين من هيمنة الغرب الاقتصادية وتركيا من الاعتماد المهين على موارد السياحة، فلم تمض سنة حتى تنادى العسكر وحلفاؤهم ورعاتهم الخارجيون فأسقطوا حكومة أربكان في 1997م، ولم يكتفوا بذلك فأصدرت المحكمة الدستورية قراراً بحل حزب الرفاه ومنعته من العمل السياسي.
كان الانقلاب العسكري في 1997م صدمة كبيرة للحركة الإسلامية التركية، ولكن القائد أربكان استطاع الحفاظ على تماسكها لسنين معدودات بعد ذلك، ولكن مع بداية الألفية الثالثة وبالتحديد في 2001م أصدرت المحكمة الدستورية قراراً بحل حزب الفضيلة، الذي حل محل حزب الرفاه، بدعوى معاداته للعلمانية، واستدلت على ذلك بدفاعه عن لبس المرأة للحجاب، حينئذ انشقت الحركة الإسلامية إلى فريقين: حزب السعادة الأربكاني وحزب العدالة والتنمية الأردكاني.
من المتفق عليه أن الفرع الأردكاني انقلب على أصله الأربكاني بسبب خلافات استراتيجية تتعلق ليس فقط بالوسائل وإنما بالأهداف أيضاً، وذلك أشبه بخروج السادات على الخط الناصري في رأي بعض المحللين، فبينما ظل حزب السعادة الأربكاني ثابتاُ على مبادءه في التوجه نحو المسلمين وتحقيق الوحدة الإسلامية ومعاداة الغرب والصهيونية تبنى حزب العدالة والتنمية المنهج البرغماتي في التأكيد على تحالف تركيا مع أمريكا والغرب والحفاظ على موقعها في حلف الناتو وضمان مصالح تركيا في الشرق الأوسط بالتعاون مع أمريكا وحلفاءها في المنطقة والتخلي عن مشروع الوحدة الإسلامية الأربكاني وتقمص دور "الأخ الكبير" للدول العربية ولكن من دون التفريط بعلاقات تركيا الدبلوماسية والتجارية والعسكرية مع الكيان الصهيوني.

من جهة أخرى تبرأ حزب العدالة والتنمية من الحركة الإسلامية الأصيلة التي أسسها اربكان واعلنوا بأنهم " ديمقراطيون مسلمون" وأشبه بأحزاب الديمقراطيين المسيحيين القوية في دول أوروبا، وهم كما تلك الأحزاب حركة يمينية محافظة صرفة، وجميع أعضاءها مسلمون – بمحض الصدفة - لأن غالبية الشعب التركي مسلم، وكما يذكر الباحثان كورنيل وكرافيلي فإن ممثلي الحزب ينفون عنهم صفة الإسلاميين لذا فمن المناسب استعمال مصطلح "محافظين مسلمين" في التعريف بهوية حزب العدالة والتنمية ( ص11).
وحول موضوع عقيدة هذا الحزب أكد احمد كورو في مؤتمر تحت عنوان" العالم الإسلامي في تحول" بأن حزب العدالة والتنمية ليس حزباً إسلامياً فهو يؤيد فهماً للعلمانية يختلف عن بقية الحركات السياسية العلمانية في تركيا، ويضيف بأنه " وعلى الرغم من أن عدة قادة في حزب العدالة والتنمية كانوا أعضاء في الحركة الإسلامية (مللي جورش) ولكنهم فيما بعد بدلوا عقيدتهم، واعتنقوا نوعاً محدداً من العلمانية الذي يتقبل المجاهرة بالإسلام".
في انتخابات 2003م تصدر حزب العدالة والتنمية النتائج بحصوله على 34.3% من الأصوات وحوالي ثلثي عدد مقاعد البرلمان، فيما انحسر التأييد الشعبي لحزب السعادة الأربكاني إلى 2.5%.
وفي تحليلها للعلاقات التركية الأمريكية ترى كارول ميجدالوفتز أن التحالف الاستراتيجي بين الدولتين أقوى من الخلافات بينهما حول بعض الأمور، وعلى سبيل المثال فقد بقي الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش راضياً عن النظام التركي تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية على الرغم من رفضه السماح للقوات الأمريكية المتجهة لإحتلال العراق باستخدام القواعد في تركيا، كما أثنى الرئيس الأمريكي على استمرار العلاقات الوثيقة بين تركيا والكيان الصهيوني، ولم تفتر العلاقة بين أمريكا وتركيا بعد حادثة السفينة مرمرة وتوتر العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني بعدها.
ماذا عن سجل الإسلاميين الأتراك في المجال الإقتصادي؟ لم يدم أربكان وأعوانه في السلطة وقتاً طويلاً لتطبيق برنامجهم الاقتصادي، وإن كان يبدو في تقديري أولى بالتطبيق واحتمالات نجاحه عالية، أما أردوكان وحكومته فقد اهتموا بتنمية الاقتصاد التركي، معتمدين الأساليب التي عارضها أربكان، وهي العولمة والخصخصة والاقتراض وتنشيط قطاع السياحة، وقد اجتذب برنامج الخصخصة الاستثمارات الأجنبية، حيث ازداد عدد الشركات الممولة برأسمال أجنبي بنسب عالية جداً، كما نجح في ايقاف تدهور الليرة التركية وتخفيض نسبة البطالة إلى 12%، ولكن بثمن باهض، إذ جاوز الدين الحكومي التركي 270 مليار دولار، أي حوالي 48 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة جداً، ونذير خطر على مستقبل الاقتصاد التركي، ولن نتعجب لو وجدت تركيا نفسها في موقف شبيه باليونان في وضعها الاقتصادي الحالي، ولكن من دون سند الاتحاد الأوروبي.
من الواضح أن الناخبين الأتراك يفضلون البراغماتية الأردكانية على الأصالة الاربكانية، وهذا يذكرنا بالتاريخ الإسلامي، فمنذ نشوء الدولة الأموية وحتى يومنا الحاضر هيمن التيار البراغماتي "الواقعي" الذي يكتفي من الإسلام بالشعائر والمظاهر مهملاً جوهره من القيم والمباديء السامية، والأتراك أحرار في اختيارهم، ولكن من الواضح بأن أردوكان وحزبه يطمحون إلى تعميم تجربتهم على الدول العربية والإسلامية، وبدعم مكشوف من أمريكا وأوروبا الغربية، والأدلة على ذلك كثيرة، ومن أبرزها التدحلات السافرة لتركيا في العراق وسوريا ولبنان وليبيا وغيرها، وسعيها الدؤوب لقيادة المنطقة وعلى نفس النهج الذي تسير عليه، أي إسلام مظهري وارتباط جذري بالغرب والرأسمالية، وكان ذلك واضحاً في خطاب أردوكان بمناسبة فوز حزبه في الانتخابات الأخيرة والذي قال فيه بأن " سراييفو اليوم فازت مثل اسطنبول، وبيروت فازت كفوز أزمير ودمشق فازت كفوز أنقرة.." أما بالنسبة لملف الأتراك الذين قتلهم الصهاينة على متن السفينة مرمرة فيبدو بأنه مجرد خلاف محدود، وأقصى ما تطالب به الحكومة التركية لعودة العلاقات بينهم وبين الصهاينة إلى سابق عهدها هو اعتذار من الصهاينة.
اتهم المرحوم اربكان وأنصاره حزب العدالة والتنمية بالعمالة لأمريكا والكيان الصهيوني، وادعوا بأنهم حصلوا على موافقة امريكا والغرب والصهاينة على برنامج الحزب قبل تقديمه للحكومة التركية لإجازته، وقالوا عنه بأنه امتداد لبيزنطة، وأربكان جدير بالإحترام والتصديق، ومواقف أردوكان وحزبه تؤكد هذه الاتهامات، وإذا كان من حق الإتراك اختيار حكومتهم فمن واجبنا نحن العرب والمسلمون أن نحاذر من المخططات التركية الطموحة في المنطقة، ومن دعمها للإرهاب في العراق، ومن ازدواجية مواقفها من الحركات الشعبية في الدول العربية، ومن ارتباطها بأمريكا والغرب، ومن عضويتها في حلف الناتو، ومن تحكمها بمياه دجلة والفرات وحرمانها العراق من حصصه المائية المشروعة في هذين النهرين.
ختاماً تؤكد السجلات التاريخية بأن السلطان العثماني مراد الخامس فتك بخمسة من أخوته عند توليه الحكم، وهو ما أجاز له القانون التركي آنذاك، فهل سيضحي النظام التركي الإسلامي بأخوته من المسلمين وجيرانه العرب من أجل بقاءه وضمان مصالحه؟
27 تموز2011م

المصادر:
-
Svante E. Cornell and Halil Magnus Karaveli ( 2008) Prospects for a Torn

Future: a secular and Unitary Future. Silk Road Paper., p.11)
- Ahmet T. Kuru, Changing Perspectives on Islamism and secularism in Turkey: The Gulen Movement and the AK Party. Proceedings of a
Conference on Muslim World in Transition, Turkey: pp. 140-151.
- Carol Migdalovitz, Turkey: Politics of Identity and Power, September 21, 2010, Congressional Research Service.