المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في 2012م هل سيبقى الاحتلال والانتداب الأمريكي أم الانتداب فقط؟



د. حامد العطية
07-16-2011, 11:02 PM
في 2012م هل سيبقى الاحتلال والانتداب الأمريكي أم الانتداب فقط؟
د. حامد العطية

تتوالى الاخبار والتصريحات حول التمديد لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق، فبالأمس القريب زار العراق وزير الدفاع الأمريكي الجديد كاشفاً عن نيته "الضغط" على الحكومة العراقية لتتخذ قراراً سريعاً بشأن التمديد لقوات الاحتلال، ويبدو بأنه يراهن على موافقة القادة السياسيين على بقاء قوة أمريكية وقواعد دائمة لها.
ومن قبل زيارة الوزير الأمريكي أطل سفير بلاده في العراق، عبر وسائل الإعلام، أوائل هذا الشهر، ليدلي بتصريح مهم حول الموضوع، يكشف عن نوايا امريكا في العراق للمديين القريب والبعيد.
انطلق حديث السفير الأمريكي من اعلان ميزانية سفارته للعام القادم 2012م، والتي ستبلغ 6 مليار دولار، وهو رقم مذهل، لا مثيل له في تاريخ ميزايات البعثات الدبلوماسية، إذ يزيد على إيرادات عدة دول عربية غير نفطية في ميزانياتها التقديرية للعام 2010م، ومن بينها البحرين، موريتانيا، واليمن، كما تقل عنه إيرادات معظم الدول الأقل نمواً مثل افغانستان وألبانيا وأرمينيا وكينيا، وكل ما حصلته الحكومة العراقية من إيرادات في العام المنصرم من عوائد النفط وغيرها لا يتجاوز ثمانية أضعاف المبلغ الذي طلبته السفارة الأمريكية لتمويل نشاطها العام القادم.
والجدير بالذكر أن مجموع تخصيصات الميزانية التقديرية لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2012م هو 53 مليار، أي أن ميزانية السفارة الأمريكية في العراق تمثل ما يزيد على 10 % من ميزانية الخارجية الأمريكية، وتتضح ضخامة المبلغ أيضاً عندما نقرأ في مقدمة وثيقة الميزانية حرص الوزارة، استجابة لطلب الكونجرس، على تخفيض المصروفات وتحقيق وفورات كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة ، فهي إذاً ميزانية تقشف، في كل الميادين، إلا فيما يخص السفارة الأمريكية في العراق، فما السبب؟
في العام القادم أيضاً سيكتمل عدد العاملين في السفارة الأمريكية ، ليبلغ 16 ألف موظف، هذا ما أكده السفير أيضاً، بالمقارنة تخطط وزارة الخارجية الأمريكية لزيادة عديد بعثتها الدبلوماسية في أفغانستان إلى 1500 موظف في 2012م، مما يدل على أن العراق له أولوية على أفغانستان في الأهمية حسب مخططات امريكا على الرغم من كون أفغانستان موطناً للقاعدة التي طال ارهابها الأرض الأمريكية وسفاراتها وقواتها في أماكن مختلفة من العالم، وتكبد حلفاؤها الأوروبيون والمحليون خسائر كبيرة نتيجة عملياتها، فما الذي يجعل العراق هدفاً أهم من أفغانستان في حسابات أمريكا؟
أجاب السفير الأمريكي في العراق جيمس جفري على هذا السؤال، بصورة غير مباشرة، عندما تطرق إلى أهمية موارد العراق النفطية والغازية، فهو يتوقع بلوغ انتاجه من النفط 4 إلى 6 ملايين برميل في غضون خمسة أعوام على أبعد تقدير، وهو في تقديره البلد الوحيد القادر على انتاج ملايين إضافية من براميل النفط بعد وصول انتاج النفط في السعودية الى ذروته أو يكاد، ونستنتج من هذا بأن العراق سيخلف السعودية في المدى القريب في دور المهيمن على السوق، كما شدد السفير الأمريكي على أهمية الغاز العراقي لسد احتياجات الدول الأوروبية.
ويخلص السفير الأمريكي إلى النتيجة التالية: " في ضوء الأهمية الحيوية للعراق وحجم استثماراتنا ( والمقصود هنا الاحتلال وتكلفته) فإن الجهد الواجب علينا بذله والأموال المطلوب تخصيصها مبررة ومشروعة جداً"، وفي موضوع متصل اعتبر السفير الأمريكي الجماعات الشيعية المسلحة – لا القاعدة ولا البعثيين- التهديد الأخطر لأمن العراق واستقراره في المستقبل، وهي نفس الجماعات التي تنشط حالياً في مقاومة الاحتلال.
امريكا باقية في العراق، وبقوة وحضور كبير، ونية البقاء واضحة وضوح الشمس من بيانات ميزانية السفارة لعام 2012م ومن عديد بعثتها، أمريكا باقية لأنها وكما بين سفيرها هناك استثمرت الدم والمال والسلاح لترسيخ مصالحها بالطبع، وهذه المصالح هي بالدرجة الأولى النفط والغاز، وأمور أخرى لا تخفى على اللبيب، من أهمها تعطيل الدورالعراقي في الصراع مع الكيان الصهيوني من خلال عرقلة بناء دولة قوية وموحدة في العراق.
أما بالنسبة للجدل الراهن حول التمديد للقوات الأمريكية فهو عقيم وعديم الجدوى، وسواء جلت القوات الأمريكية المتبقية والتي لا تزيد على خمسين ألفاً كلياً أو جزئياً فالاحتلال باق، وإلا فماذا تسمون بعثة دبلوماسية قوامها 16 ألف موظف مدني وعسكري؟ إنها بمثابة جيش صغير، من خلاله ستمارس الحكومة الأمريكية نفوذاً واسعاً على النظام السياسي والجهاز الإداري والقوى العسكرية والأمنية وحتى المنظمات الاجتماعية ومؤسسات الأعمال، ولن تقتصر أدوات السفارة على الوسائل الدبلوماسية المشروعة، لذا نستنتج بأنه حتى لو رحلت جميع القوات العسكرية وبقيت السفارة بحجمها المقرر فسيكون العراق تحت الاحتلال والانتداب الأمريكي.
هنالك شرطان ضروريان لاسترجاع سيادة العراق من الاحتلال الأمريكي هما:
أولاً: الجلاء الكامل لقوات الاحتلال الأمريكي.
ثانياً: التقليص الجذري لعديد السفارة الأمريكية إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي للعراق في أمريكا ( 16 بدلاً من 16 ألفاً على سبيل المثال)
حينئذ فقط نستطيع القول بأن العراق استعاد استقلاله وسيادته.
16 تموز 2011م