الدكتور عادل رضا
11-13-2004, 05:15 AM
«لا يوجد جرّاح واحد في الفلوجة. كانت لدينا سيارة إسعاف واحدة أصابها رصاص الجنود الأميركيين وجرح فيها طبيب. هناك العديد من المدنيين الجرحى في بيوتهم ولا نستطيع نقلهم. فتاة في الثالثة عشرة من العمر ماتت هذه اللحظة بين يدي».
كانت هذه صيحة ألم وأسى من طبيب عراقي يدعى سامي الجميلي الذي، بعدما استطاع الفرار من المستشفى قبيل الهجوم الأميركي، راح يتصل هاتفياً من منزل خاص كي يساعد الجرحى.
ولا شك أن الكثيرين الذين شاهدوا الصور المروعة للقتلى في مدينة الفلوجة المدمرة، وللجرحى العراقيين وهم يحشرون ويضربون بعنف، سيدينون الهجوم الأميركي ويعتبرونه جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب.
لا أحد يشك في قدرة الأميركيين على احتلال الفلوجة، وهم استعانوا ببعض الوحدات من الجيش العراقي الجديد لأغراض دعائية، ربما يكونون قد فرغوا من عملية الاحتلال حين ينشر هذا المقال. فلا قياس في القدرات الحربية بين رجال المقاومة وبين الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة وأجهزة الرؤية الليلية وغير ذلك من وسائل التكنولوجيا المتقدمة التي تملكها القوات الحربية الأميركية. وفي أي حال فإن العديد من المقاتلين تمكنوا من الفرار من المدينة وذهبوا للتجمع من جديد في الرمادي.
ولكن بأي حق يخلي الأميركيون مدينة غير اميركية من معظم سكانها وتحولها إلى ركام، ويقتلون من بقي فيها على الحياة؟ أية بربرية هذه؟ وكيف لذلك أن يخدم مصالح أميركا على المدى البعيد؟ لا شك أن هذه الهجمة ستثير كراهية مريرة لأميركا وتبقى حية في ذاكرة العراقيين كمرحلة وحشية في حرب استعمارية هي أكثر عنفاً من تلك التي مرّوا بها على ايدي الإنكليز في العشرينات من القرن الماضي.
أهداف الحرب الأميركية
ولئن أنكرت أميركا أي مطامع استعمارية إلا أن أعمالها تكذب أقوالها. فالرئيس جورج بوش يقول بأن الغرض من الهجوم هو القبض على أولئك الذين يقاومون الديموقراطية وإحالتهم على القضاء. ويردد سكوت مكميلان الناطق بلسان البيت الأبيض هذا الكلام كالببغاء قائلاً «إن العراق الحر من شأنه أن يغير هذه المنطقة الخطرة ويجعل أميركا أكثر أمناً».
غير أن مثل هذا الخطاب يصعب أن يقنع أحداً، والحجة القائلة بضرورة تدمير بلد ما من أجل «تحريره» لا تثير سوى السخرية. فماذا عسى أن تكون أهداف أميركا الحقيقية إذاً؟ ماذا تأمل بأن تحقق وماذا تعتقد بأنها تفعل في الفلوجة؟
هناك رأي يقول بأن الغرض من الهجوم هو إعادة المعنويات لقوات المارينز الأميركية التي ملأتها حقداً ومرارة محاولتها الفاشلة في نيسان (أبريل) الماضي في احتلال المدينة.
وهنالك رأي آخر أكثر شيوعاً يقول إن أميركا تواقة إلى إيجاد مخرج من المستنقع العراقي وهي ترى في الانتخابات المقبلة في 27 كانون الثاني (يناير) 2005 فرصتها الوحيدة للخروج بشرف. ولكن لكي تبدو الانتخابات شرعية وشاملة للشعب كله لا بد من «تحييد المثلث السني» وبالتالي لا بد من سحق نقطة المقاومة الرئيسية في الفلوجة قبل كل شيء.
فإذا كانت هذه هي حقاً الاستراتيجية الأميركية، فمعنى ذلك أن واشنطن تعترف بأن الحرب لا يمكن كسبها. فهي إذن تريد أن تحد من خسائرها وتخرج، ولكن عليها قبل ذلك أن تضمن الحد الأدنى من الأمن والاستقرار المؤسساتي.
على أن هنالك رأياً ثالثاً يشير إلى مستقبل مختلف وأكثر شؤماً للعراق. وخلاصة هذا الرأي أن الهجوم على الفلوجة يتماشى مع السياسة الخارجية الأميركية التي أصبحت أكثر شراسة الآن وقد نجح بوش في إعادة انتخابه.
ذلك أن المحافظين الجدد المتنفذين في إدارة بوش والذين ضغطوا من أجل الحرب على العراق ينتظر أن يهيمنوا على البيت الأبيض في الفترة الرئاسية الثانية ولا ينوون التخلي عن الأجندة الطموحة التي وضعوها.
وتشمل هذه الأجندة «إنهاء المهمة» في العراق، أي سحق أي معارضة وتحويل البلد الغني بالنفط إلى دولة من زبانية أميركا، على أن يتبع ذلك «تغيير النظام» في إيران وسورية وكوريا الشمالية، ومتابعة ما يسمى «الحرب الشاملة على الإرهاب» وعلى كل مظاهر الإسلام المناضل الذي صار الآن يوصف ب «الفاشية الإسلامية» من جانب المحافظين الجدد، وضمان عدم الضغط على إسرائيل في عهد ما بعد عرفات كي تتخلى عن الضفة الغربية المحتلة أو أن تفاوض الفلسطينيين اللهم إلا وفق الشروط الإسرائيلية.
وأما زيارة توني بلير رئيس الحكومة البريطانية لواشنطن يومي الخميس والجمعة (امس واليوم) فلن تكون زيارة سهلة. فهو طالما كرر أن حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يجب أن يحتل المكان الأول في الأفضليات، وهو يعتقد بأن العمليات العسكرية في العراق يجب أن تتوقف لتحل محلها عملية سياسية. غير أنه لن يحظى بأي نجاح ما دام المحافظون الجدد الليكوديون يقفون له بالمرصاد داخل الحكومة الأميركية وخارجها، ويرون فيه تهديداً للأجندة التي وضعوها.
ذلك أن النفوذ البريطاني في واشنطن أصبح الآن أقل من نفوذ إسرائيل وأصدقائها الأميركيين.
كسب الحرب وخسارة السلام
والسؤال المطروح الآن ليس هو عن قدرة أميركا في كسب المعركة العسكرية، بل في قدرتها على ضبط الفلوجة خلال الأشهر الثلاثة القادمة وعما إذا لم يكن عليها أن تواجه ثورات مشابهة في مدن أخرى.
إنها مسألة تتعلق بطبيعة المعارضة التي تواجهها أميركا وبنوع الحرب التي تشنها. فإذا افترضنا أن هذه المعارضة إنما هي من فعل عدد محدود من «الإرهابيين»، فقد يبدو قتلهم أو القبض عليهم طموحاً معقولاً. وأما إذا كانت المقاومة المسلحة في الفلوجة هي الجزء الظاهر من حركة مقاومة وطنية شاملة ضد الاحتلال الأجنبي وحكومته العميلة، فإن المهمة الأميركية تصبح عندئذ أصعب بكثير ومحكوماً عليها بالفشل.
وحين يتحدث رئيس الوزراء إياد علاوي عن الحاجة إلى «تنظيف العراق من الإرهابيين» إنما يرتكب خطأ جسيماً إذ يتبنى مصطلحاً أميركياً. ولقد قام خاطفون بالقبض على أعضاء عائلته ويهددون بقتلهم إذا لم يتوقف الهجوم على الفلوجة. وبذلك أصبح علاوي تحت ضغط شخصي كبير.
وما ذلك سوى تجسيم للواقع المزعج بأن الحرب في العراق ليست حرباً تقليدية ذات بداية ونهاية يوقع الخاسر فيها وثيقة استسلام، إنها معركة حرب شوارع «غير متماثلة» يمكن أن تستمر سنين وتؤدي إلى خسائر فادحة نتيجة للكمائن والقناصة وألغام الطرق، وهي حرب يرفض فيها العدو أن يقف ويقاتل بل يذوب بين السكان المدنيين ويجعل من الصعب ضبط الأمور حتى في المناطق التي تمت السيطرة عليها. ويبدو مرجحاً أن صدام حسين قد أعد العدة لنزاع من هذا النوع فوزع مخابئ السلاح في أنحاء البلاد، وهو يعلم بأن جيشه لا يمكن أن يكسب حرباً تقليدية ضد أميركا.
ولا شك أن حرب العصابات يمكن أن تنال كثيراً من معنويات وحدات عسكرية تقليدية كالتي نشرتها أميركا في العراق. وبدلاً من هزيمة المقاومة فإن «الانتصار» الأميركي في الفلوجة من شأنه أن يعبئ المقاومة المناهضة لأميركا لا في العراق فحسب بل في أنحاء عديدة من العالم العربي، حيث يكمن شعور تعاطف شديد مع ضحايا أميركا من السنّة.
ولقد أنذر كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة كلاً من بوش وبلير وعلاوي بأن «أي عمل عسكري عنيف من قبل دولة محتلة ضد سكان الدولة التي تم احتلالها من شأنه أن يجعل الأمور أسوأ مما كانت عليه». إلى ذلك فإن الرئيس العراقي الموقت، الزعيم العشائري غازي الياور تبرأ علناً من سياسات علاوي. كذلك انسحب الحزب العربي السني الرئيسي من حكومة علاوي ودعا أئمة السنّة إلى حركة تمرد مدني في حين نقل عن بعض رجال المقاومة قولهم «أن كل مدينة عراقية ستصبح فلوجة».
وفي حديثه عن نزاع آخر مختلف وهو «الحرب القذرة» في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي ضد المقاومين الإسلاميين، كتب الزعيم الجزائري حسين آية أحمد يقول «لقد علمنا التاريخ بأن الحرب ضد الإرهاب تنقلب إلى إرهاب دولة حين تقع الخسائر الكبرى في صفوف السكان المدنيين باسم الحرب ضد الإرهاب.»
إنها لفكرة يجدر ببوش وبلير أن يتأملاها هذا الأسبوع في الوقت الذي يفكران في الفوضى الدموية التي خلقاها في العراق.
كانت هذه صيحة ألم وأسى من طبيب عراقي يدعى سامي الجميلي الذي، بعدما استطاع الفرار من المستشفى قبيل الهجوم الأميركي، راح يتصل هاتفياً من منزل خاص كي يساعد الجرحى.
ولا شك أن الكثيرين الذين شاهدوا الصور المروعة للقتلى في مدينة الفلوجة المدمرة، وللجرحى العراقيين وهم يحشرون ويضربون بعنف، سيدينون الهجوم الأميركي ويعتبرونه جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب.
لا أحد يشك في قدرة الأميركيين على احتلال الفلوجة، وهم استعانوا ببعض الوحدات من الجيش العراقي الجديد لأغراض دعائية، ربما يكونون قد فرغوا من عملية الاحتلال حين ينشر هذا المقال. فلا قياس في القدرات الحربية بين رجال المقاومة وبين الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة وأجهزة الرؤية الليلية وغير ذلك من وسائل التكنولوجيا المتقدمة التي تملكها القوات الحربية الأميركية. وفي أي حال فإن العديد من المقاتلين تمكنوا من الفرار من المدينة وذهبوا للتجمع من جديد في الرمادي.
ولكن بأي حق يخلي الأميركيون مدينة غير اميركية من معظم سكانها وتحولها إلى ركام، ويقتلون من بقي فيها على الحياة؟ أية بربرية هذه؟ وكيف لذلك أن يخدم مصالح أميركا على المدى البعيد؟ لا شك أن هذه الهجمة ستثير كراهية مريرة لأميركا وتبقى حية في ذاكرة العراقيين كمرحلة وحشية في حرب استعمارية هي أكثر عنفاً من تلك التي مرّوا بها على ايدي الإنكليز في العشرينات من القرن الماضي.
أهداف الحرب الأميركية
ولئن أنكرت أميركا أي مطامع استعمارية إلا أن أعمالها تكذب أقوالها. فالرئيس جورج بوش يقول بأن الغرض من الهجوم هو القبض على أولئك الذين يقاومون الديموقراطية وإحالتهم على القضاء. ويردد سكوت مكميلان الناطق بلسان البيت الأبيض هذا الكلام كالببغاء قائلاً «إن العراق الحر من شأنه أن يغير هذه المنطقة الخطرة ويجعل أميركا أكثر أمناً».
غير أن مثل هذا الخطاب يصعب أن يقنع أحداً، والحجة القائلة بضرورة تدمير بلد ما من أجل «تحريره» لا تثير سوى السخرية. فماذا عسى أن تكون أهداف أميركا الحقيقية إذاً؟ ماذا تأمل بأن تحقق وماذا تعتقد بأنها تفعل في الفلوجة؟
هناك رأي يقول بأن الغرض من الهجوم هو إعادة المعنويات لقوات المارينز الأميركية التي ملأتها حقداً ومرارة محاولتها الفاشلة في نيسان (أبريل) الماضي في احتلال المدينة.
وهنالك رأي آخر أكثر شيوعاً يقول إن أميركا تواقة إلى إيجاد مخرج من المستنقع العراقي وهي ترى في الانتخابات المقبلة في 27 كانون الثاني (يناير) 2005 فرصتها الوحيدة للخروج بشرف. ولكن لكي تبدو الانتخابات شرعية وشاملة للشعب كله لا بد من «تحييد المثلث السني» وبالتالي لا بد من سحق نقطة المقاومة الرئيسية في الفلوجة قبل كل شيء.
فإذا كانت هذه هي حقاً الاستراتيجية الأميركية، فمعنى ذلك أن واشنطن تعترف بأن الحرب لا يمكن كسبها. فهي إذن تريد أن تحد من خسائرها وتخرج، ولكن عليها قبل ذلك أن تضمن الحد الأدنى من الأمن والاستقرار المؤسساتي.
على أن هنالك رأياً ثالثاً يشير إلى مستقبل مختلف وأكثر شؤماً للعراق. وخلاصة هذا الرأي أن الهجوم على الفلوجة يتماشى مع السياسة الخارجية الأميركية التي أصبحت أكثر شراسة الآن وقد نجح بوش في إعادة انتخابه.
ذلك أن المحافظين الجدد المتنفذين في إدارة بوش والذين ضغطوا من أجل الحرب على العراق ينتظر أن يهيمنوا على البيت الأبيض في الفترة الرئاسية الثانية ولا ينوون التخلي عن الأجندة الطموحة التي وضعوها.
وتشمل هذه الأجندة «إنهاء المهمة» في العراق، أي سحق أي معارضة وتحويل البلد الغني بالنفط إلى دولة من زبانية أميركا، على أن يتبع ذلك «تغيير النظام» في إيران وسورية وكوريا الشمالية، ومتابعة ما يسمى «الحرب الشاملة على الإرهاب» وعلى كل مظاهر الإسلام المناضل الذي صار الآن يوصف ب «الفاشية الإسلامية» من جانب المحافظين الجدد، وضمان عدم الضغط على إسرائيل في عهد ما بعد عرفات كي تتخلى عن الضفة الغربية المحتلة أو أن تفاوض الفلسطينيين اللهم إلا وفق الشروط الإسرائيلية.
وأما زيارة توني بلير رئيس الحكومة البريطانية لواشنطن يومي الخميس والجمعة (امس واليوم) فلن تكون زيارة سهلة. فهو طالما كرر أن حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يجب أن يحتل المكان الأول في الأفضليات، وهو يعتقد بأن العمليات العسكرية في العراق يجب أن تتوقف لتحل محلها عملية سياسية. غير أنه لن يحظى بأي نجاح ما دام المحافظون الجدد الليكوديون يقفون له بالمرصاد داخل الحكومة الأميركية وخارجها، ويرون فيه تهديداً للأجندة التي وضعوها.
ذلك أن النفوذ البريطاني في واشنطن أصبح الآن أقل من نفوذ إسرائيل وأصدقائها الأميركيين.
كسب الحرب وخسارة السلام
والسؤال المطروح الآن ليس هو عن قدرة أميركا في كسب المعركة العسكرية، بل في قدرتها على ضبط الفلوجة خلال الأشهر الثلاثة القادمة وعما إذا لم يكن عليها أن تواجه ثورات مشابهة في مدن أخرى.
إنها مسألة تتعلق بطبيعة المعارضة التي تواجهها أميركا وبنوع الحرب التي تشنها. فإذا افترضنا أن هذه المعارضة إنما هي من فعل عدد محدود من «الإرهابيين»، فقد يبدو قتلهم أو القبض عليهم طموحاً معقولاً. وأما إذا كانت المقاومة المسلحة في الفلوجة هي الجزء الظاهر من حركة مقاومة وطنية شاملة ضد الاحتلال الأجنبي وحكومته العميلة، فإن المهمة الأميركية تصبح عندئذ أصعب بكثير ومحكوماً عليها بالفشل.
وحين يتحدث رئيس الوزراء إياد علاوي عن الحاجة إلى «تنظيف العراق من الإرهابيين» إنما يرتكب خطأ جسيماً إذ يتبنى مصطلحاً أميركياً. ولقد قام خاطفون بالقبض على أعضاء عائلته ويهددون بقتلهم إذا لم يتوقف الهجوم على الفلوجة. وبذلك أصبح علاوي تحت ضغط شخصي كبير.
وما ذلك سوى تجسيم للواقع المزعج بأن الحرب في العراق ليست حرباً تقليدية ذات بداية ونهاية يوقع الخاسر فيها وثيقة استسلام، إنها معركة حرب شوارع «غير متماثلة» يمكن أن تستمر سنين وتؤدي إلى خسائر فادحة نتيجة للكمائن والقناصة وألغام الطرق، وهي حرب يرفض فيها العدو أن يقف ويقاتل بل يذوب بين السكان المدنيين ويجعل من الصعب ضبط الأمور حتى في المناطق التي تمت السيطرة عليها. ويبدو مرجحاً أن صدام حسين قد أعد العدة لنزاع من هذا النوع فوزع مخابئ السلاح في أنحاء البلاد، وهو يعلم بأن جيشه لا يمكن أن يكسب حرباً تقليدية ضد أميركا.
ولا شك أن حرب العصابات يمكن أن تنال كثيراً من معنويات وحدات عسكرية تقليدية كالتي نشرتها أميركا في العراق. وبدلاً من هزيمة المقاومة فإن «الانتصار» الأميركي في الفلوجة من شأنه أن يعبئ المقاومة المناهضة لأميركا لا في العراق فحسب بل في أنحاء عديدة من العالم العربي، حيث يكمن شعور تعاطف شديد مع ضحايا أميركا من السنّة.
ولقد أنذر كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة كلاً من بوش وبلير وعلاوي بأن «أي عمل عسكري عنيف من قبل دولة محتلة ضد سكان الدولة التي تم احتلالها من شأنه أن يجعل الأمور أسوأ مما كانت عليه». إلى ذلك فإن الرئيس العراقي الموقت، الزعيم العشائري غازي الياور تبرأ علناً من سياسات علاوي. كذلك انسحب الحزب العربي السني الرئيسي من حكومة علاوي ودعا أئمة السنّة إلى حركة تمرد مدني في حين نقل عن بعض رجال المقاومة قولهم «أن كل مدينة عراقية ستصبح فلوجة».
وفي حديثه عن نزاع آخر مختلف وهو «الحرب القذرة» في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي ضد المقاومين الإسلاميين، كتب الزعيم الجزائري حسين آية أحمد يقول «لقد علمنا التاريخ بأن الحرب ضد الإرهاب تنقلب إلى إرهاب دولة حين تقع الخسائر الكبرى في صفوف السكان المدنيين باسم الحرب ضد الإرهاب.»
إنها لفكرة يجدر ببوش وبلير أن يتأملاها هذا الأسبوع في الوقت الذي يفكران في الفوضى الدموية التي خلقاها في العراق.