مجاهدون
11-12-2004, 07:57 AM
http://www.asharqalawsat.com/2004/11/12/images/tvsupplement.265174.jpg
نحن أمام فيلم رسومي جديد يتناول السيرة النبوية. قد يبدو للبعض أن هذا الفيلم سيكون مختلفاً عن الأعمال التي حكت السيرة النبوية من قبل. لأنه رسومي، أولاً، ولأنه مصنوع بطاقات أجنبية، ثانياً. ولأنه حديث ويشكل عودة للأفلام الدينية الإسلامية، ثالثاً. ولكن مع هذا كله، الفيلم لا يحمل أي تجديد ولا يسجل أي تقدم على أي عمل مشابه سابق، بل انه يسجل بعض التراجع على عدة أصعدة.
الفيلم من انتاج «بدر الدولية» (موفق الحارثي) ، وإخراج الأميركي ريتشارد ريتش الذي كان يعمل في شركة «والت ديزني» الشهيرة قبل أن يستقل ويؤسس شركته الخاصة لانتاج الأفلام الرسومية. ويتركز انتاجه على الأفلام الدينية الموجهة للأطفال والمأخوذة من قصص الإنجيل. وكاتب السيناريو هو براين نيسين وقد تعاون مع ريتش في الكثير من أعماله. كما وضع الموسيقى للفيلم المؤلف الموسيقي ويليام كيد.
في طبيعة الحال، واجه هذا الفيلم نفس المأزق الذي يواجهه أي عمل درامي يتناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو كيف تصور قصة الرسول من دون أن تصور الرسول نفسه ؟ وكحل لهذه المشكلة لجأ صانعو الفيلم إلى نفس أسلوب مصطفى العقاد في فيلم «الرسالة».. وهو حل ناجح لإسكات الجهات الرقابية الدينية، ولكنه فاشل فنياً ودرامياً. في هذا الأسلوب، حديث الرسول ينقل على لسان غيره.
وحركاته تظهر لنا من خلال نقل المخرج لوجهة نظر الرسول! هناك فجوة درامية هائلة بين عدم سماع صوت الشخصية وعدم رؤيتها تتحدث على الشاشة (كما في الشخصيات الثانوية) وبين نقل وجهة نظرها للمشاهد (كما في الشخصيات الأساسية). بهذا الأسلوب يكون بناء شخصية الرسول مشتتاً، وحضورها غير واضح ولا محددا. وإذا كان المشاهد المسلم سيدخل الفيلم وهو مستعد على تفهم مثل هذه النواقص، فإن المشاهد غير المسلم لن يكون كذلك، وسيفشل هذا الأسلوب في التواصل معه كمتلق للقصة.
وإذا كانت هذه المشكلة أحاطت بتناول شخصية الرسول والخلفاء الراشدين فقط في فيلم «الرسالة» فإنها في هذا الفيلم حالت أيضاً دون رسم شخصية حمزة رضي الله عنه الذي مثل دوره أنطوني كوين في «الرسالة».
إن الحل لهذه الإشكالية، حسب رأيي، لا يمكن أن يتحقق إلا بأحد أمرين: إما تجسيد الرسول (وبقية الصحابة) من خلال ممثل يلعب دوره، أو إلغاء شخصية الرسول درامياً من الفيلم، وليس جسدياً فقط. بمعنى أن يكون الرسول خارج الشخصيات الأساسية التي يتبعها الفيلم.
كأن يحكي الفيلم قصة صحابي (قد يكون متخيلا) قليل الاحتكاك برسول الله، ولكنه شهد كل المنعطفات الأساسية في السيرة النبوية وقصة الرسالة. فتكون قصة حياته متضمنة لقصة الرسول ولو كخلفية. بالإضافة إلى هذه الإشكالية التي تكاد تنتزع من الفيلم وصفه بالعمل الدرامي، هناك إشكاليات تقنية، مثل الرسم الذي كان متوسط المستوى، فبينما كانت الاطارات الثابتة والخلفيات جميلة، كانت حركة الأجسام والوجوه غير متقنة إطلاقاً، وفي كثير من الأحيان غير مريحة للمشاهد. كما أن الفيلم حمل مغالطات عدة، منها بيوت مكة التي ظهرت في الفيلم مصنوعة بشكل متقدم من الحجر ومتعددة الأدوار.
على الرغم من أن السيناريو كتبه شخص غير مسلم، إلا أن الأحداث سردت بشكل عاطفي جداً لا يخاطب منطق المشاهد الذي لا يدين بالإسلام، وكأنه فيلم وجه للمسلمين فقط. ليس هناك أي تركيز على التدخل الرباني فيما يخص المعجزات التي حوتها قصة الرسول الكريم، وكأن الفيلم عمل فانتازي ولا يحكي قصة حدثت فعلاً.
ومع أن الفيلم عجز عن تجاوز أي اشكالية من اشكاليات الأعمال الدينية العربية، وعجز عن التمييز عن أي عمل آخر مشابه على مستوى سرد قصة النبي، إلا أن كونه رسوميا وموجها للأطفال فهو مناسب أكثر للأطفال من فيلم مثل «الرسالة» مثلاً وإن كان هذا الأخير أفضل منه فنياً مع وجود بعض العيوب المشتركة في الفيلمين. أميز عنصر في الفيلم هو الموسيقى التي وإن بدت مألوفة أو تقليدية، كانت متقنة وموظفة بشكل جيد وناسبت العمل تماماً.
تعودنا على التجاوز عن الأعمال الدينية، ولكن إلى متى؟ إن الرقي بالمستوى الفني لهذه الأعمال سيكون في النهاية لصالحها وصالح انتشارها. المضمون الجيد والطيب يوجد في كل مكان، في الكتب، على لسان عجوز طيبة، على ظهر صفحات التقويم. ولكن الشكل الجيد يحتاج إلى أياد فنية واعية وراقية تصنعه.
نحن أمام فيلم رسومي جديد يتناول السيرة النبوية. قد يبدو للبعض أن هذا الفيلم سيكون مختلفاً عن الأعمال التي حكت السيرة النبوية من قبل. لأنه رسومي، أولاً، ولأنه مصنوع بطاقات أجنبية، ثانياً. ولأنه حديث ويشكل عودة للأفلام الدينية الإسلامية، ثالثاً. ولكن مع هذا كله، الفيلم لا يحمل أي تجديد ولا يسجل أي تقدم على أي عمل مشابه سابق، بل انه يسجل بعض التراجع على عدة أصعدة.
الفيلم من انتاج «بدر الدولية» (موفق الحارثي) ، وإخراج الأميركي ريتشارد ريتش الذي كان يعمل في شركة «والت ديزني» الشهيرة قبل أن يستقل ويؤسس شركته الخاصة لانتاج الأفلام الرسومية. ويتركز انتاجه على الأفلام الدينية الموجهة للأطفال والمأخوذة من قصص الإنجيل. وكاتب السيناريو هو براين نيسين وقد تعاون مع ريتش في الكثير من أعماله. كما وضع الموسيقى للفيلم المؤلف الموسيقي ويليام كيد.
في طبيعة الحال، واجه هذا الفيلم نفس المأزق الذي يواجهه أي عمل درامي يتناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو كيف تصور قصة الرسول من دون أن تصور الرسول نفسه ؟ وكحل لهذه المشكلة لجأ صانعو الفيلم إلى نفس أسلوب مصطفى العقاد في فيلم «الرسالة».. وهو حل ناجح لإسكات الجهات الرقابية الدينية، ولكنه فاشل فنياً ودرامياً. في هذا الأسلوب، حديث الرسول ينقل على لسان غيره.
وحركاته تظهر لنا من خلال نقل المخرج لوجهة نظر الرسول! هناك فجوة درامية هائلة بين عدم سماع صوت الشخصية وعدم رؤيتها تتحدث على الشاشة (كما في الشخصيات الثانوية) وبين نقل وجهة نظرها للمشاهد (كما في الشخصيات الأساسية). بهذا الأسلوب يكون بناء شخصية الرسول مشتتاً، وحضورها غير واضح ولا محددا. وإذا كان المشاهد المسلم سيدخل الفيلم وهو مستعد على تفهم مثل هذه النواقص، فإن المشاهد غير المسلم لن يكون كذلك، وسيفشل هذا الأسلوب في التواصل معه كمتلق للقصة.
وإذا كانت هذه المشكلة أحاطت بتناول شخصية الرسول والخلفاء الراشدين فقط في فيلم «الرسالة» فإنها في هذا الفيلم حالت أيضاً دون رسم شخصية حمزة رضي الله عنه الذي مثل دوره أنطوني كوين في «الرسالة».
إن الحل لهذه الإشكالية، حسب رأيي، لا يمكن أن يتحقق إلا بأحد أمرين: إما تجسيد الرسول (وبقية الصحابة) من خلال ممثل يلعب دوره، أو إلغاء شخصية الرسول درامياً من الفيلم، وليس جسدياً فقط. بمعنى أن يكون الرسول خارج الشخصيات الأساسية التي يتبعها الفيلم.
كأن يحكي الفيلم قصة صحابي (قد يكون متخيلا) قليل الاحتكاك برسول الله، ولكنه شهد كل المنعطفات الأساسية في السيرة النبوية وقصة الرسالة. فتكون قصة حياته متضمنة لقصة الرسول ولو كخلفية. بالإضافة إلى هذه الإشكالية التي تكاد تنتزع من الفيلم وصفه بالعمل الدرامي، هناك إشكاليات تقنية، مثل الرسم الذي كان متوسط المستوى، فبينما كانت الاطارات الثابتة والخلفيات جميلة، كانت حركة الأجسام والوجوه غير متقنة إطلاقاً، وفي كثير من الأحيان غير مريحة للمشاهد. كما أن الفيلم حمل مغالطات عدة، منها بيوت مكة التي ظهرت في الفيلم مصنوعة بشكل متقدم من الحجر ومتعددة الأدوار.
على الرغم من أن السيناريو كتبه شخص غير مسلم، إلا أن الأحداث سردت بشكل عاطفي جداً لا يخاطب منطق المشاهد الذي لا يدين بالإسلام، وكأنه فيلم وجه للمسلمين فقط. ليس هناك أي تركيز على التدخل الرباني فيما يخص المعجزات التي حوتها قصة الرسول الكريم، وكأن الفيلم عمل فانتازي ولا يحكي قصة حدثت فعلاً.
ومع أن الفيلم عجز عن تجاوز أي اشكالية من اشكاليات الأعمال الدينية العربية، وعجز عن التمييز عن أي عمل آخر مشابه على مستوى سرد قصة النبي، إلا أن كونه رسوميا وموجها للأطفال فهو مناسب أكثر للأطفال من فيلم مثل «الرسالة» مثلاً وإن كان هذا الأخير أفضل منه فنياً مع وجود بعض العيوب المشتركة في الفيلمين. أميز عنصر في الفيلم هو الموسيقى التي وإن بدت مألوفة أو تقليدية، كانت متقنة وموظفة بشكل جيد وناسبت العمل تماماً.
تعودنا على التجاوز عن الأعمال الدينية، ولكن إلى متى؟ إن الرقي بالمستوى الفني لهذه الأعمال سيكون في النهاية لصالحها وصالح انتشارها. المضمون الجيد والطيب يوجد في كل مكان، في الكتب، على لسان عجوز طيبة، على ظهر صفحات التقويم. ولكن الشكل الجيد يحتاج إلى أياد فنية واعية وراقية تصنعه.