مجاهدون
11-12-2004, 07:51 AM
خالص جلبي
لو قدر لزائر سماوي أن يراقب الأرض عام 1004، ثم بعد ألف عام في سنة 2004، لأصيب بالهول; فقد زحزح محور الحضارة من الجنوب إلى الشمال، وكتب سفرها بخط مقلوب من اليسار إلى اليمين.
ففي خريف عام 2004، في رمضان، اقتحمت القوات الأميركية مدينة (الفلوجة) العراقية بعد أن احتلت العراق في ربيع 2003. وفي فرنسا توفي ياسر عرفات وقبيل وفاته تنازعت زوجته مع ورثته العرش الفلسطيني.
في مقابل ذلك وفي خريف 1004، قبل ألف عام، كان (الفردوسي) يكتب (الشاهنامة) عن تاريخ إيران. ويحكم المنصور العامري في قرطبة حيث يتجادل الفلاسفة في المساجد. ويعالج ابن سينا المرضى النفسيين بالموسيقى. ويسمر الناس على قصص السندباد البحري وألف ليلة وليلة. وتجمع بغداد أكبر قوة اقتصادية وأكثر الجيوش تطورا في العالم. ويبلغ عدد الحمامات العامة في بغداد 800. ومع أن الفايكنج وصلوا إلى كندا في تلك الأيام، حيث كشفت آثارهم في منطقة (L,Anse aux Meadows)، إلا أنهم لم يوظفوا هذا الكشف الخطير، حتى قام رجل بهذا العمل فقلب محاور التاريخ.
ولكن أي نوع من الرجال كان هذا؟ وكيف استولت عليه فكرة اكتشاف الشرق من الغرب مثل قصة جحا الذي يريد أن يدل على أذنه الشمال باليد اليمين؟
نقول هذا الكلام لأن هناك حملة هذه الأيام لاكتشاف تراث هذا الرجل، إلى درجة نبش عظامه وفحص الحامض النووي(DNA) وسبر غور شواطئ باناما وجامايكا لكشف بقايا السفن التي تركها في رحلته الأخيرة التي سماها الأعظم (El alto Viaje) فكانت النكبة الأعظم. كان كولمبس خلالها شبه أعمى ومصابا بمرض عضال، يتمرد عليه من حوله في أول حرب أهلية بين الأسبان في العالم الجديد.
ولكن من التحدي يخلق التاريخ، ومن المكابدة يولد الإنسان.
يضع مايكل هاردت كولمبس في كتابه (الخالدون المائة) في المرتبة التاسعة، ويقول إنه يستحق أن يكون في أسفل القائمة لتاريخه الإجرامي (تذكر الإحصائيات فناء خمسين ألفا من شعب التاينو في جزر الباهاما، ومليونين في جزر الكاريبي، و80 مليونا في الأميركيتين). ولكن توزيع مشاهير الرجال حسب (هاردت) لا يقوم على الفضيلة والعلم، بل على عظم الأثر في التاريخ وأن يكون عالمياً.
وفي الواقع، ليس هناك رجل أكثر من كولمبس تنازعت الدول في ادعاء أنه ابنها، وليس هناك رجل غامض مثله، كما لم يغير تاريخ الإنسانية رجل مثله، فقد غيَّر مصير أوربا فدفعها إلى مقدمة الأمم. وسبب غموض أصل كولمبس يعود إليه، فقد تعمد ألا يطلع أحدا على هذا السر الدفين حتى أقرب الناس إليه ابنه (فيرناندو).
وراهن عليه أهل (كالفي) من كورسيكا فنسبوه لهم، وزعم اليونانيون أنه منهم بلا ريب. أما بلدية (جنوا) في إيطاليا فتثبت أصله من وثيقة إيجار لمنزل سكنه الحائك المدعو (دومينيكو كولومبو Domenico Colombo) الذي كان والداً لطفل في الثالثة من عمره ولد عام 1451 اسمه كريستوفورو.
ويرجع الأسبان أصله إلى كاتالونيا من خلال دراسة الوثائق التي كتبها بخط اليد، حيث ظهر عليها أنها كتابة تاجر من قشتالة مع دمغة برتغالية. أما المؤرخة الأسبانية (أنونثايدا كولون دي كارباخالAnunciada Colon de Carvajal) وهي أيضا من أسلاف كولمبس، فتؤكد أن فقيراً ابن (حايك) من مدينة (جنوا Genua) الإيطالية لا يمكن أن يحظى بالزواج من سيدة برتغالية نبيلة هي (فيليبا بيريستريو أي مونيثFelipa Perestrello e Moniz) حسب عرف تلك الأيام.
وعندما وجه السؤال إلى عالم النفس (بيرشتاين) من جامعة هارفارد، عن السبب في أن يخفي الإنسان أصله قال: هو واحد من ثلاثة، فإما خوفاً من شيء، وإما خجلاً من أصل وضيع، أو أن صاحبه تعمد إخفاء أثره لغرض يسعى إليه.
وحسب تحريات العالم الأميركي (ميتشل)، الذي يشتغل على كولمبس منذ ربع قرن وعرضت شهادته قناة الديسكفري، فإنه يرى أنه كان من عائلة محترمة في برشلونة اعتادوا ركوب البحر، وكانوا منافسين للتاج الأسباني، فكان من المصلحة إخفاء أي أثر يعيق كشوفاته، التي كان سيمولها كل من إيزابيلا القشتالية وفيرديناند ملك آراغون، اللذين وحدا العرش الأسباني بزواجهما عام 1469 بعد سقوط القسطنطينية بـ16 عاماً.
ومن التعليلات العجيبة التي طرحت حول إخفاء كولمبس أصوله اثنان: فإما كان لقيطاً، وهذا لا يسجل في السجلات المدنية الشرعية، وإما كان يهوديا. فقد أصدر التاج الأسباني أن لا يبق في البلاد يهودياً بعد 3 اغسطس) 1492. ومن غرائب الصدف أن يبحر كولمبس تماما في 3 اغسطس 1492، بعد أن غادر 300 ألف من اليهود أسبانيا. وأحرقت محاكم التفتيش ألفين من اليهود (المعمدين Conversos) أحياء، لشبهة أنهم لم يصبحوا مسيحيين فعلاً، كما سجنت خمسة عشر ألفا آخرين في أصعب الظروف. ثم أضيف إلى هذا الطرد لاحقا مليونان من المسلمين.
وممن اشتغل على هذا الموضوع رجل يهودي عرف بصياد النازيين، هو (سيمون فيسنتال Simon Wiesenthal) النمساوي، وقد عرضت مجلة (در شبيجل Der Spiegel) الألمانية، نتائج بحثه في خمس نقاط: أن اسم أمه (سوزانا) وأبوها (ياكوب)، وهي أسماء يهودية لعائلات يهودية انتشرت في الشمال الإيطالي. وأن الترجمان الذي حمله في رحلته كان يتقن العربية (بجانب العبرية) ليتفاهم مع أهل الهند حين يصل إليهم، وكان يهودياً اسمه (لويس دي توريس Luis de Torres).
وأنه كان يقول أيام شموخه إنه يفكر في بناء معبد سليمان في القدس بالأموال التي سوف يجنيها من الفتح. وأن ملامح الفكر اليهودي ظهرت في الكثير مما كتب كولمبس في ذكرياته، مما دعا الخبير الأسباني (خوان جيل Juan Gil) الذي يعمل مع زوجته (كونسيولو فارييلا Consuelo Varela) في اشبيلية منذ أربعين سنة على تاريخ كولمبس في بيتهما الذي يضم خمسين ألف مصدر علمي: أن لا يستبعد أن تكون لكولمبس أصول يهودية. وأن فكرة توطين اليهود المهجرين من اسبانيا أو ما سيلحقها في العالم الجديد، قد تكون خلف حماس كولمبس. وأخيرا هناك ما سميت معجزة (سانتا في Santa Fe)، وهو المكان الذي اجتمع فيه كولمبس مع إيزابيلا بعد وساطة رهبان الفرنسيسكان له، وبعد انتظار دام ثماني سنوات.
تقول الرواية إن عرض كولمبس لم يلاق استحسانا عند إيزابيلا وفيرديناند، فولى على وجهه إلى قرطبة في سبيله إلى عرض المشروع على ملك فرنسا، ولكن لحقه رجل يهودي هو (لويس دي سانتنجيل Luis de Santangel) من المتظاهرين بالمسيحية، وكان أمين خزانة العرش بعد أن أقنع إيزابيلا بأن عرضه يجب ألا يفوت، فقد يستفيد منه ملوك آخرون يلحقون الضرر بالعرش الأسباني. ومما ظهر إلى السطح، أنه ليست إيزابيلا من أخذتها الشهامة والأريحية لتتبرع بحليها للمشروع، بل عرض سانتنجيل تمويل المشروع، وكانت تكلفته مليونين (مارافيديس Maravedis) تحمل 1,14 مليون، ودبر كولمبس بطريقته نصف مليون، ولكن من أين لكولمبس الملايين وهو لا يملك إلا نعلا وبغلا!.
والجواب على هذا تطلعنا عليه المؤرخة الإشبيلية ( كونسويلو فأرييلا) التي قالت إن الشهود على العقد الذي عقده مع العرش كانا اثنين من شركة (ميدتشي Medici) عبر البحار، وهما (أمريجو فيزبوتشي Amerigo Vespucci) الذي كتب اسمه رسام الخرائط (مارتين فالدسي موللر Martin Waldseemueller) خطأ على القارة الأميركية فذهبت إلى يوم القيامة، والثاني كان (جيانوتو بيراردي Gianotto Berardi). وشركة ميدتشي كان لها ثلاثة عملاء في لشبونة وبالنسيا واشبيلية. فأما الأول وهو (بارتولوميو مارشيوني Bartolomeo Marchioni) فيورد العبيد، وأما الثاني فهو صاحبنا (بيراردي)، وأما الثالث فهو (سيزاري بارشي Cesare Barchi) ويتولى مسألة الرقيق في البحر المتوسط. وتعلق المؤرخة فأرييلا: لم يكن ذلك التاريخ جميلا.
وبالفعل فنصف المليون جاءت من (بيراردي) مقابل صفقة سرية بتبادل العبيد من وإلى أميركا في رحلة الشتاء والصيف ثلاث مرات، ولكن المسكين بيراردي أفلس بسبب مفاجأة لم تكن بالحسبان، ففي الرحلة الثانية لكولمبس اعتقل 500 هندي أودعهم السفن، وشحنهم إلى أسبانيا، فلم يصل نفر واحد بسبب المرض; فقد كانت بنيتهم غير ممنَّعة ضد أمراض العالم القديم فتساقطوا من أبسط هجمات البرد والأنفلونزا مثل الذباب.
kjalabi@hotmail.com
لو قدر لزائر سماوي أن يراقب الأرض عام 1004، ثم بعد ألف عام في سنة 2004، لأصيب بالهول; فقد زحزح محور الحضارة من الجنوب إلى الشمال، وكتب سفرها بخط مقلوب من اليسار إلى اليمين.
ففي خريف عام 2004، في رمضان، اقتحمت القوات الأميركية مدينة (الفلوجة) العراقية بعد أن احتلت العراق في ربيع 2003. وفي فرنسا توفي ياسر عرفات وقبيل وفاته تنازعت زوجته مع ورثته العرش الفلسطيني.
في مقابل ذلك وفي خريف 1004، قبل ألف عام، كان (الفردوسي) يكتب (الشاهنامة) عن تاريخ إيران. ويحكم المنصور العامري في قرطبة حيث يتجادل الفلاسفة في المساجد. ويعالج ابن سينا المرضى النفسيين بالموسيقى. ويسمر الناس على قصص السندباد البحري وألف ليلة وليلة. وتجمع بغداد أكبر قوة اقتصادية وأكثر الجيوش تطورا في العالم. ويبلغ عدد الحمامات العامة في بغداد 800. ومع أن الفايكنج وصلوا إلى كندا في تلك الأيام، حيث كشفت آثارهم في منطقة (L,Anse aux Meadows)، إلا أنهم لم يوظفوا هذا الكشف الخطير، حتى قام رجل بهذا العمل فقلب محاور التاريخ.
ولكن أي نوع من الرجال كان هذا؟ وكيف استولت عليه فكرة اكتشاف الشرق من الغرب مثل قصة جحا الذي يريد أن يدل على أذنه الشمال باليد اليمين؟
نقول هذا الكلام لأن هناك حملة هذه الأيام لاكتشاف تراث هذا الرجل، إلى درجة نبش عظامه وفحص الحامض النووي(DNA) وسبر غور شواطئ باناما وجامايكا لكشف بقايا السفن التي تركها في رحلته الأخيرة التي سماها الأعظم (El alto Viaje) فكانت النكبة الأعظم. كان كولمبس خلالها شبه أعمى ومصابا بمرض عضال، يتمرد عليه من حوله في أول حرب أهلية بين الأسبان في العالم الجديد.
ولكن من التحدي يخلق التاريخ، ومن المكابدة يولد الإنسان.
يضع مايكل هاردت كولمبس في كتابه (الخالدون المائة) في المرتبة التاسعة، ويقول إنه يستحق أن يكون في أسفل القائمة لتاريخه الإجرامي (تذكر الإحصائيات فناء خمسين ألفا من شعب التاينو في جزر الباهاما، ومليونين في جزر الكاريبي، و80 مليونا في الأميركيتين). ولكن توزيع مشاهير الرجال حسب (هاردت) لا يقوم على الفضيلة والعلم، بل على عظم الأثر في التاريخ وأن يكون عالمياً.
وفي الواقع، ليس هناك رجل أكثر من كولمبس تنازعت الدول في ادعاء أنه ابنها، وليس هناك رجل غامض مثله، كما لم يغير تاريخ الإنسانية رجل مثله، فقد غيَّر مصير أوربا فدفعها إلى مقدمة الأمم. وسبب غموض أصل كولمبس يعود إليه، فقد تعمد ألا يطلع أحدا على هذا السر الدفين حتى أقرب الناس إليه ابنه (فيرناندو).
وراهن عليه أهل (كالفي) من كورسيكا فنسبوه لهم، وزعم اليونانيون أنه منهم بلا ريب. أما بلدية (جنوا) في إيطاليا فتثبت أصله من وثيقة إيجار لمنزل سكنه الحائك المدعو (دومينيكو كولومبو Domenico Colombo) الذي كان والداً لطفل في الثالثة من عمره ولد عام 1451 اسمه كريستوفورو.
ويرجع الأسبان أصله إلى كاتالونيا من خلال دراسة الوثائق التي كتبها بخط اليد، حيث ظهر عليها أنها كتابة تاجر من قشتالة مع دمغة برتغالية. أما المؤرخة الأسبانية (أنونثايدا كولون دي كارباخالAnunciada Colon de Carvajal) وهي أيضا من أسلاف كولمبس، فتؤكد أن فقيراً ابن (حايك) من مدينة (جنوا Genua) الإيطالية لا يمكن أن يحظى بالزواج من سيدة برتغالية نبيلة هي (فيليبا بيريستريو أي مونيثFelipa Perestrello e Moniz) حسب عرف تلك الأيام.
وعندما وجه السؤال إلى عالم النفس (بيرشتاين) من جامعة هارفارد، عن السبب في أن يخفي الإنسان أصله قال: هو واحد من ثلاثة، فإما خوفاً من شيء، وإما خجلاً من أصل وضيع، أو أن صاحبه تعمد إخفاء أثره لغرض يسعى إليه.
وحسب تحريات العالم الأميركي (ميتشل)، الذي يشتغل على كولمبس منذ ربع قرن وعرضت شهادته قناة الديسكفري، فإنه يرى أنه كان من عائلة محترمة في برشلونة اعتادوا ركوب البحر، وكانوا منافسين للتاج الأسباني، فكان من المصلحة إخفاء أي أثر يعيق كشوفاته، التي كان سيمولها كل من إيزابيلا القشتالية وفيرديناند ملك آراغون، اللذين وحدا العرش الأسباني بزواجهما عام 1469 بعد سقوط القسطنطينية بـ16 عاماً.
ومن التعليلات العجيبة التي طرحت حول إخفاء كولمبس أصوله اثنان: فإما كان لقيطاً، وهذا لا يسجل في السجلات المدنية الشرعية، وإما كان يهوديا. فقد أصدر التاج الأسباني أن لا يبق في البلاد يهودياً بعد 3 اغسطس) 1492. ومن غرائب الصدف أن يبحر كولمبس تماما في 3 اغسطس 1492، بعد أن غادر 300 ألف من اليهود أسبانيا. وأحرقت محاكم التفتيش ألفين من اليهود (المعمدين Conversos) أحياء، لشبهة أنهم لم يصبحوا مسيحيين فعلاً، كما سجنت خمسة عشر ألفا آخرين في أصعب الظروف. ثم أضيف إلى هذا الطرد لاحقا مليونان من المسلمين.
وممن اشتغل على هذا الموضوع رجل يهودي عرف بصياد النازيين، هو (سيمون فيسنتال Simon Wiesenthal) النمساوي، وقد عرضت مجلة (در شبيجل Der Spiegel) الألمانية، نتائج بحثه في خمس نقاط: أن اسم أمه (سوزانا) وأبوها (ياكوب)، وهي أسماء يهودية لعائلات يهودية انتشرت في الشمال الإيطالي. وأن الترجمان الذي حمله في رحلته كان يتقن العربية (بجانب العبرية) ليتفاهم مع أهل الهند حين يصل إليهم، وكان يهودياً اسمه (لويس دي توريس Luis de Torres).
وأنه كان يقول أيام شموخه إنه يفكر في بناء معبد سليمان في القدس بالأموال التي سوف يجنيها من الفتح. وأن ملامح الفكر اليهودي ظهرت في الكثير مما كتب كولمبس في ذكرياته، مما دعا الخبير الأسباني (خوان جيل Juan Gil) الذي يعمل مع زوجته (كونسيولو فارييلا Consuelo Varela) في اشبيلية منذ أربعين سنة على تاريخ كولمبس في بيتهما الذي يضم خمسين ألف مصدر علمي: أن لا يستبعد أن تكون لكولمبس أصول يهودية. وأن فكرة توطين اليهود المهجرين من اسبانيا أو ما سيلحقها في العالم الجديد، قد تكون خلف حماس كولمبس. وأخيرا هناك ما سميت معجزة (سانتا في Santa Fe)، وهو المكان الذي اجتمع فيه كولمبس مع إيزابيلا بعد وساطة رهبان الفرنسيسكان له، وبعد انتظار دام ثماني سنوات.
تقول الرواية إن عرض كولمبس لم يلاق استحسانا عند إيزابيلا وفيرديناند، فولى على وجهه إلى قرطبة في سبيله إلى عرض المشروع على ملك فرنسا، ولكن لحقه رجل يهودي هو (لويس دي سانتنجيل Luis de Santangel) من المتظاهرين بالمسيحية، وكان أمين خزانة العرش بعد أن أقنع إيزابيلا بأن عرضه يجب ألا يفوت، فقد يستفيد منه ملوك آخرون يلحقون الضرر بالعرش الأسباني. ومما ظهر إلى السطح، أنه ليست إيزابيلا من أخذتها الشهامة والأريحية لتتبرع بحليها للمشروع، بل عرض سانتنجيل تمويل المشروع، وكانت تكلفته مليونين (مارافيديس Maravedis) تحمل 1,14 مليون، ودبر كولمبس بطريقته نصف مليون، ولكن من أين لكولمبس الملايين وهو لا يملك إلا نعلا وبغلا!.
والجواب على هذا تطلعنا عليه المؤرخة الإشبيلية ( كونسويلو فأرييلا) التي قالت إن الشهود على العقد الذي عقده مع العرش كانا اثنين من شركة (ميدتشي Medici) عبر البحار، وهما (أمريجو فيزبوتشي Amerigo Vespucci) الذي كتب اسمه رسام الخرائط (مارتين فالدسي موللر Martin Waldseemueller) خطأ على القارة الأميركية فذهبت إلى يوم القيامة، والثاني كان (جيانوتو بيراردي Gianotto Berardi). وشركة ميدتشي كان لها ثلاثة عملاء في لشبونة وبالنسيا واشبيلية. فأما الأول وهو (بارتولوميو مارشيوني Bartolomeo Marchioni) فيورد العبيد، وأما الثاني فهو صاحبنا (بيراردي)، وأما الثالث فهو (سيزاري بارشي Cesare Barchi) ويتولى مسألة الرقيق في البحر المتوسط. وتعلق المؤرخة فأرييلا: لم يكن ذلك التاريخ جميلا.
وبالفعل فنصف المليون جاءت من (بيراردي) مقابل صفقة سرية بتبادل العبيد من وإلى أميركا في رحلة الشتاء والصيف ثلاث مرات، ولكن المسكين بيراردي أفلس بسبب مفاجأة لم تكن بالحسبان، ففي الرحلة الثانية لكولمبس اعتقل 500 هندي أودعهم السفن، وشحنهم إلى أسبانيا، فلم يصل نفر واحد بسبب المرض; فقد كانت بنيتهم غير ممنَّعة ضد أمراض العالم القديم فتساقطوا من أبسط هجمات البرد والأنفلونزا مثل الذباب.
kjalabi@hotmail.com