الدكتور عادل رضا
11-12-2004, 02:49 AM
د. موسى الحسيني
لم يتوقف السيد السيستاني عند حد اعتبار حق التواجد الاميركي في العراق يساوي نفس حق المقاومين من ابناء الشعب العراقي لتواجدهم في العراق ، بل تمادى ولمرات عديدة ليغلب حق القوات الاميركية في التواجد على حق المقاومين العراقيين ، عندما دعى الى خروج ما اسماهم بالمسلحين من النجف لابطال حجة الاميركان في مواجهة هؤلاء السكان بسبب تواجدهم في مساكنهم ومدنهم . لكي تدخل جزمات تحالف الصهيونية العالمية مع اليمين المتطرف بسلام للارض المقدسة بسلام .
***
النص التالي ماخوذ من البيان التاسيسي للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق ، الصادر في 1983 ، والذي وقع عليه في حينها جميع الاحزاب والحركات الاسلامية ، مثل المجلس بتركيبته الحالية – انصار الحكيم - ، حزب الدعوة باطرافه المختلفة ، منظمة العمل الاسلامي ، جند الاسلام وغيرهم من الاطراف والشخصيات التي تشارك جميعها او تنتظر دورها للمشاركة في الادارات المحلية التي شكلتها سلطة الاحتلال ، سواء ما عرف منها بمجلس الحكم ، او الحكومة المؤقته . وتحت عنوان فرعي في البيان التأسيسي " الخطوط العملية العامة للتحرك " وبعد مناقشت الفرق بين العمل السياسي والعمل الجهادي وتأكيد البيان لرفض العمل السياسي ، يقول البيان معرفا العمل السياسي اولاً : " ولايعني العمل السياسي الا التفاهم المطلق مع الاستكبار العالمي ، والمستكبرون ليسوا أناس مغفلين او ضعفاء العقول يمكننا تحقيق أهدافنا عن طريقهم ونحتفظ بوجودنا وأستقلالنا ، فالأستكبار العالمي يرى نفسه ( الرب الأعلى ) الذي بيده زمام الأمور ، والتفاهم معه يعني الأستسلام المطلق له .
ونقول للبعض ممن يفكر بهذا الشكل ، أن الأستكبار اذا أراد التفاهم فأنه لايتفاهم مع الطيبين من أبناء الاسلام ، لأنه لايحبهم ولا يراهم مؤهلين لهذا التفاهم ، وهناك أناس أقرب الى ذوقه وفهمه وتفكيره وأخلاقياته يراهم وؤهلينلذلك ، ويمكنهم ان يتحولوا الى أتباع ، ونحن لايمكن ان نتحول الى اتباع ، وأقول لهؤلاء المسلمين الذين لديهم رغبة في ذلك حيث نلاحظ مع الأسف هذه الظاهرة عند بعض الاشخاص ممن كان يطرح الشعارات الاسلامية ويتحدث بالاسلام ينحدر تدريجيا بهذا المنحدر ويتحول بالتدريج الى تابع وعميل للاستكبار لحل مشاكله ، ونحن نقول لهم ان الأ ستكبار مع ذلك لايقبل بكم ويختار غيركم ويستخدمكم مخلب قط لايذاء اخوانكم."
والسؤال ونحن نرى المساهمات النشطة لهذه الاحزاب في اعانة الاستكبار ( ولايحتاج المصطلح للتعريف ، فالمقصود به الاستعمار ) ، ليس فقط في احتلال البلد بل ومؤازرته للاستمرار في تثبيت الاحتلال وديمومته وبقاءه لاطول فترة ممكنة ، والى حد المساهمة في ايجاد التبريرات لضرب قوى المقاومة ليس تلك التي اتهمت زورا بانها اجنبية ، وارهابية ، بل حتى التيار الشيعي منها ، والى حد الوقوف موقف المتفرج ، والداعم احيانا لقوى الاحتلال وهي تدنس المدن المقدسة الشيعية . وتذبح الشيعة بدون حساب وتجرح قباب الائمة ، مع ذلك فهي لاتحرك ساكن ، تحرك بعضها بعد تصاعد حدة الاستنكار الشعبي والعالمي ليستنكر ، ويدعو للعقلانية . ومن الواضح ان استنكارها هذا يندرج تحت باب رد العتب والمناورة لانهم يمثلون جزءً من هذه السلطة التي تمارس كل هذه الممارسات الشريرة ضد المسلمين في العراق ، والشيعة ومدنهم المقدسة خاصة .
عندما نقول جزء من السلطة لانعني به ذلك الجزء الذي يمكن ان يشبه راس القط او بدنه بقدر ما هم ليسوا الا بموقع المخالب التي يستخدمها الاستكبار لايذاء شعبهم وطائفتهم .ما الذي تغير هل لبس القط لبوس الاسلام فامنوا به الاه جديد أم انهم هم الذين تبرعوا للعب دور القط مقابل عظمة رماها لهم الأستكبار ، فأنستهم دينهم وطائفتهم ومثلهم ، بل وأطروحاتهم عن الادوار العميلة لمخالب القط . ( سنناقش مواقف هذه الحركات في الجزء الثاني من هذا الباب ) .
اذا كانت هذه الاحزاب ، وكما شخصت هي في برامجها ، تحولت للعبة الشيطان – السياسة – " لاهداف مشبوهة او بسبب الأنحراف في التفكير والترف السياسي والتعامل مع قضايا الأمة بروح اللامبالاة " . لكن السؤال المحير ما بال المرجعية الدينية التي يفترض ان تكون بموقع البوصلة التي تحدد الاتجاهات السليمة ليس للاحزاب التي كانت تدعي الحرص على حقوق الطائفة ، بل لعموم الطائفة والمسلمين جميعا ، فمهما يتقول الموظفيين لترويج الطائفية ، تكشف الحقائق التأريخية تمسك سنة العراق بالمرجعيات الشيعية اوقات الشدات والمحن ، ويتناسى الجميع انهم شيعة او سنة ، او حتى مسلمين وغير مسلمين ، تجلى ذلك بوضوح في موقف الشيخ ضاري يوم رفض التعاون مع الحاكم العسكري البريطاني متمسكا بموقف المراجع في النجف . كما هو الحال في موقف اهالي تكريت وسامراء والموصل الذين عرضوا استعدادهم للوقوف المطلق بالمال والسلاح مع الشيخ الخالصي وعلماء النجف للتصدي للعبات سلطات الاحتلال البريطاني التي دفعت عصابات الاخوان لمهاجمة المدن الشيعية وقتل ابنائها ونهب مواشيهم واموالهم . فالموقف الوطني السني لم ينعزل يوما او يتحرج في السير تحت قيادة المراجع الشيعة عندما تكون رمزا للالتزامات الوطنية الطامحة لتحقيق الاستقلال ، وتاكيد السيادة الوطنية .
ولا نستغرب اليوم ان يقدم الوطنيون من السنة تايدهم للسيد القائد مقتدى الصدر ، كرمز وطني معبر عن اماني وطموحات غالبية الشعب العراقي الا من ارتضى لنفسه ان يتخذ دور مخلب القط .
نعود للقول اذا كانت هذه الاحزاب قد ارتضت للاسباب التي شخصتها هي ان تكون في موقع دور المخلب لقوى الاحتلال ، وتتامر وتحث قوى الاستكبار العالمي على القضاء على ظاهرة السيد مقتدى الصدر بعد ان تعودة على رفاهية العيش بدور المعارضة في الخارج متمتعة بكل الامتيازات التي قدمتها لها قوى الاستكبار العالمي ، فما بال المرجعية التي يفترض انها محكومة بشروط الاجتهاد ، كالتقوى ومغالبة الهوى والورع والزهد .
يسلط هذا الجزء الضوء على دور المرجعية الذي وضعها في موقع مخلب القط ، هي الاخرى .
سيبتعد الكاتب جهد الامكان عن تكرار ما تم الحديث عنه من شؤون المرجعية كمعناها ، ومراحل تطورها وواجباتها مما سبق مناقشته في القسم الاول من هذه الدراسة ، والذي لازال تحت يد من يرغب الاطلاع علية في ارشيف جريدة القدس والكثير من شبكات الانترنت (1) . سنقتصر في هذا الجزء على بعض الاستنتاجات التي يمكن الوصول لها من القسم الاول ، لنعتمدها في محاكمة سلوك المرجعية الدينية المتمثلة بمرجعية السيد السستاني حيال ما يجري الان في العراق والتي تكللت بهروبه الاخير من الساحة في لحظة يعيشها الشيعة والمسلمون ، هم فيها احوج ما يكونوا للمساهمة الفاعلة للمرجعية .
دور المرجعية في خدمة الاحتلال
ان مصطلح المرجعية يشير لاكتساب خبرات معرفية في العلوم الفقهية ، بمستوى يستطيع معه المرجع ان يستنبط الحكم الشرعي الاقرب للصحة من وجهة نظر دينية . فهو كاي خبير في شتى حقول المعرفة ، يكتسب احترامه ومنزلته من اجادته لصنعته كما يعني الاجتهاد المعرفة الدقيقة بالقيم الاخلاقية التي هي بالاساس معايير سلوكية حددتها الاديان المختلفة ، والاسلام خاصة ، باعتبارها المعايير التي تمثل ارادة الخالق التي يريد من خلقه اعتمادها لضبط جميع سلوكياتهم مع وجود الرقيب او بغيابه ، ما دامت الغاية مرضاة الله الموجود مع العبد في خلوته واجتماعه . لذلك يتوقع الناس من المرجع ان يكون مثالا للخلق الكريمة ، وهذا ما يفسر معنى استخدام المراجع الاوائل لألقاب الدالة على التواضع بعكس مرجعيات عصر ا لحداثة والعولمة .
كان لقب الحقير ، او الفقير لله هو الشائع في الدلالة على مستوى الاعلمية التي وصلها المرجع ، وظل هذا سائدا حتى اواخر الخمسينات وبداية الستينات . ولم تعرف هذه الالقاب الغريبة التي يستعملها مجتهدي عصر العولمة كآية الله العظمى ، وحجة الله على ارضه ، وغيرها من الالقاب التي توحي بالقدسية ، وكان المجتهد ارتقى او سما فوق مستوى البشر . لكنها باعدت بالحقيقة بين المرجعية والسماء لتغدو وكانها وظيفة دنيوية الغاية منها احراز افضل المراكز الاجتماعية وضمان العيش الرغيد للمرجع وابنائه واحفاده من بعده . لقد اصبحت اقرب لحالة الاقطاعية في العصور الوسطى ، فما على العبد الا السمع والطاعة ، ويقف السيد المرجع – الاقطاعي موقف المتفرج على عبيده وهم يقتلون ظلما ، مادامت حياته واملاكه واطيانه بعيدة عن الخطر ، ويعطي الحق لنفسه للتلاعب بالشريعة بحجة انه وحده الذي يمتلك الخبرة التي تمكنه من التعبير عن ارادة الله ، ويلغي باسم الله كل الشروط المطلوب توافرها بالفقيه ليكون في موقع يؤهله للافتاء .
ويتستر بعض المراجع وراء الكثير من الاحاديث المختلقة ، ليعيث وابنائه من بعده استهانة بحقوق المسلمين والطائفة ، ما دام محتميا بتلك الاحاديث التي تجعل من مرضاته بمستوى مرضاة الله ورسوله وائمته ، والقول بعكس ما يقوله يقع في حد الشرك حتى لو كان سلوكه يمثل خروجا على تعاليم الائمة ، والرسول الاعظم ، والخالق . فهو ابن الله – المرجع – اية الله العظمى ‘ وما اليه ، ان السستاني باعتباره من مقلدي الخوئي _ كما سياتي ذكر ذلك - يخرج بما يضفيه من حق لنفسه على تعاليم مرجعه ، حيث يؤكد السيد الخوئي ان جميع الاحاديث التي تقال عن تعظيم دور المجتهد هي اما مختلقة او انها قليلة السند – اي مشكوك فيها - .
تمادي فقهاء الولاية الخاصة التشبث بمفاهيم لاعلاقة لها لاباساسيات المذهب ولا الدين ، مثل التقية التي هي ليست الا تكتيكا بمفاهيم عصرنا ، جوز بعض الفقهاء العمل به لحماية الذات - ونركز هنا على مصطلح الذات - عندما يكون الانسان في موقف من لايستطيع حماية نفسه من خطر يمكن ان يتعرض له بسبب الاعلان عن عقيدته ، الا ان هذا السلوك او التكتيك لايُجوز الاخلال بالعقائد الاساسية ، بل يرتبط بالمظهرية والانية من العبادات ، اما ما يجري من تضخيم للمفهوم لاعطاءه صفة الوجوب والالزام فليس الا تعبير عن التطلع للهروب من تحمل المسؤولية عند بعض الفقهاء مع اعطاء هذا التهرب صبغة القدسية وكانه يمثل ايضا ارادة الله .
وبقدر ما يمثل مبدا الولاية الخاصة موقفا اكثر عقلانية للتعايش مع الواقع ، وفهم دور الفقيه على انه يظل بشرا غير معصوم لايجوز له تحمل المسؤوليات الاساسية للامام ، الا ما يحقق خدمة الناس منها ،مثل تعريف الناس بالاحكام الشرعية ، واعتماد ه كوسيط مؤتمن على استلام الحقوق الشرعية لوضعها في مكانها السليم من خلال توزيعها على فقراء المسلمين . وهو غير معني بالتالي بمسالة الحكم والسياسة ، باعتبارها من مسؤوليات الامام .
الا ان هناك فارقا كبيرا بين السياسة ، كلعبة من لعب الشيطان – كما كان يوصفها بعض المتاسلمين - ، وبين التحرك للدفاع عن الدين امام خطرحقيقي يهدف للقضاء عليه، او الدفاع عن ارواح المسلمين عندما تزهق بدون حق من قبل اعداء الاسلام والمسلمين . والعدوان الحاصل والمستمر على العراق ليس سياسة من تلك التي عناها فقهاء المذهب الاوائل واباءه ، ولا تندرج تحت مفهوم التقيه التي يراد بها حفظ الذات . وسواء اكان ما صرح به بوش علانية بعد 11 ايلول – سبتمبر – من انه سيعلنها حربا صليبية ، هفوة لسان او سوء استخدام غير مقصود للمصطلح ، او حتى لو كان مجرد استخدام للمصطلح بمعنى مرادف اخر لاعلاقة له بالمعنى العدائي ، فان ما يجري على الارض هو حرب صليبية واقعية وحقيقية ، وان لم تكن لصالح المسيحية هذه المرة بل لصالح الصهيونية العالمية وتنفيذا لمخطط اسرائيل الاستراتيجي في الثمانينات من القرن الماضي الذي تأخر العمل به الى ان تهيأت في اميركا الادارة المستعدة لتنفيذه ، وارتقاء صاحب المخطط شارون لسدة الرئاسة في الكيان الصهيوني . أي أنه اصبح بموقع صاحب القرار الذي يمكنه من المباشرة في التنفيذ .
اذا كان فقهائنا لايعرفون معنى ما يجري لحد الان فهم اعجز من ان يكونوا مراجعا قادرة على استنباط الحكم السليم على الامور عامة ، اما اذا كانوا يعرفون ويدركون معنى ما يجري ، ومع ذلك يلوذوا بالصمت بحجة التقية او الالتزام بعدم التدخل بالسياسة ، سيصل الانسان في مثل هذا الحالة لاحكام قاسية عليهم ، فالموقف السليم من الاحتلال والمجازر التي يرتكبها بحق العراقيين ، ليس فقط واجبا دينيا او وطنيا بل هو موقف تفرضه الخصائص والقيم الانسانية الاخلاقية التي علمنا عليها نبينا وآل بيته . بعد ان حصل في العراق كل ما يستفز المشاعر الانسانية ، من نهب للبلد – وتلك اموال عامة للمسلمين - ، اعتداء على مقدساته ، دوس لكرامة الانسان المسلم ، اغتصاب لنساء المسلمين واعتداءات جنسية على رجالهم . واخرها انتهاك المدن المقدسة ، كل ذلك والمرجع السستاني يهدد بانه سوف لن يسكت اذا تجاوزت قوات الاحتلال الخطوط الحمر . انتهك الاميركان كل الحرمات في المدينة المقدسة النجف كما في كربلاء ، ولا نريد ان نتكلم عن سامراء التي الغت التقية وغياب العدل ومغالبة الهوى قدسيتها . ان قدسية كربلاء او النجف لم تات من اقامة المرجع كما هي الفاتيكان بل من خلال وجود مراقد الائمة فيها ، ونفس المعيار ينطبق على سامراء ، وسكانها مسلمون ايضا وان اختلفوا بالمذهب . وتتميز سامراء كما هي الكاظمية بان فيها مرقدين وليس واحدا ، اضافة لاخر مسكن اقام به الامام الثاني عشر ، وسجل غيابه ، وهو عند الشيعة يساوي في قدسيته مراقد الائمة . مع ذلك ظلت كل هذه المقدسات المنتهكة دون حد الخطوط الحمر ، التي تفهم على انها منزل السستاني واموله الخاصة التي يبدو انها اقدس ما لديه في الدنيا . نحن هنا امام حالة مرضية من " الانا المضخمة " التي تختزل كل القيم الاخلاقية والدينية من خلال رغبات الذات المبتلاة باناها المريضة .
ان التدقيق في سلوكيات المرجع السستاني تشير بوضوح او بمعانيها السياسية ، والكاتب مختص بالسياسة كما السستاني مختص بالفقه ، انه لم يلتزم فعلا بمبدا البعد عن السياسة ، بل تدخل كثيرا ولكن تدخلاته تصب جميعها في المحصلة النهائية لصالح قوات الاحتلال وفي خدمتها :
1: بدءًا بدعوته للانتخابات التي الغاها بنفس الديباجة التي طرحها للمطالبة بأجرائها عندما ربطها بارادة الامم المتحدة وليس بارادته كمرجع ولا بارادة الشعب وغالبيته من المسلمين . وكما ذكرنا في الجزء الاول اصبح المطلب اداة بيد قوى الاحتلال لتبرر به هروبها من الخضوع لمطالبة الشعب باجراء الانتخابات ، وعملت مناورة السيد هذه على امتصاص النقمة الشعبية ضد تهرب سلطة الاحتلال من العمل على اجراء الانتخابات . تكررت اللعبة نفسها في الموقف من ما عرف بـ " قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية " فبدلا من ان يتخذ السيد السستاني موقف الفقيه ويفتي ببطلان القانون الذي كشف عن معارضته له ، اكتفى بارسال برقية استنكار وشكوى للامين العام للامم المتحدة يطالب بعدم تاييد القانون والامتناع عن تشريع القرارات التي تثيت العمل به . وكان السيد لايعرف ان ادوار الامم المتحدة تحولت من منظمة دولية للتحكيم بين الدول وضبط سلوك الدول تجاه بعضها من خلال الطرق السلمية وبالخضوع للقوانين والاعراف الدولية الى مجرد منظمة لتبرير وشرعنة الهيمنة الاميركية على العالم ، أولم يعرف السيد ان نفس مجلس الامن الذي رفض العدوان على العراق شرعن هذا العدوان باقرار الاحتلال ، وان استعمال مصطلح الاحتلال كان التفافا على القوانين الدولية التي تحرم الاستعمار ، فتم التلاعب بالمصطلحات لشرعنة استعمار همجي . ومع ذلك تم اقرار القانون وعمل به ، وبدا اعتراض السيد وكان الغاية منه امتصاص النقمة . تحاشى السستاني ، هنا ، دور الفقيه حيال القانون واعتمد دور السياسي المناور الطامح لكسب رضى جميع الفرقاء على اختلاف توجهاتهم ومواقفهم .فهو يظهر امام الشعب بمظهر المدافع عن حقه الرافض للظلم الواقع عليه ، وهو يرضي سلطة الاحتلال لانه يعرض رأياً ولا يرفض ، او يحرم ، وهو بالتالي يعرض انضباطاً ينقله للتعايش لعصر العولمة بعد ان ظل الاخرين يتشبثون بقيم ما قبل الحداثة والعولمة . أي أنه مارس بذلك حقه وفقا للقيم الديمقراطية لا الدينية التي تفرضها واجبات المرجعية ، وهو يكسب ايضا جميع المتأسلمين المشاركين بما يسمى بمجلس الحكم ممن يظهرون له الولاء ، الذين كان يمكن ومن خلال الفتوى ان يجبروا على الاستقالة او ان يصروا على فرض رايهم بتغير القانون الذي اقر السيد عبد العزيز الحكيم – عضو مجلس الحكم – كما هو الجلبي ايضا ، بأنه فُرض عليهم فرضا وانهم استلموه صيغة جاهزة وردتهم من اميركا دون ان يكون لعراقي دور في كتابته او اقتراح بعض من فقراته .
انه ، بلا بما لايقبل الشك ، موقف سياسي مناور متآمر وليس فقيه يحسب حسابات تقوى الله والخوف منه ، فيغالب هواه ..!؟
لانعتقد ان ذاكرة السستاني ضعيفة او ضيقة الحدود بهذا الشكل . كان بامكانه ان لم يجد في رسالة الخوئي _ وهو كما قلنا كان مقلداً له واجتهاده كان يتوقف اساساً على شهادة الخوئي له بالاجتهاد - يمكنه ان يتذكر موقف الميرزا محمد حسن الشيرازي من قضية التنباك ، الذي لم يتدخل بالسياسة ويحرم الاتفاقية بل حرم تدخين التنباك ، ليسقط بذلك اتفاقية اعطاء امتياز زراعة التنباك وتوزيعه لشركة بريطانية . او موقف فقهاء ومراجع النجف من موضوع المشروطة ، ولغتهم الصريحة في تاييد قوانين مجلس الشورى . ولانعتقد ان السستاني لايدرك ، وهو يدعي القدرة على استنباطالاحكام الشرعية ، ان دوره ووظيفته او التكليف الشرعي المناط به ، هو ان يفتي بتحريم التعامل مع حكومة او ادارة تتعامل بهذا القانون ، وذلك يكفي لعزل سلطة الاحتلال ويحرج المتعاملين معها .، اما الشكوى للامم المتحدة فهذا من مهمات السياسين وليس الفقهاء ..
.
2: بعد التفجيرات الاجرامية التي حصلت في 10 عاشوراء في كل من كربلاء والكاظمية ، ورغم وضوح بصمات قوات الاحتلال وعملاء الصهيونية عليها ، التي حاولت ان تغطي جريمتها بنسبتها لشخصية وهمية قادمة من خارج العراق ، تلك الشخصية التي اذا كانت موجودة فعلا لابد انها تعمل بالتنسيق والاتفاق الكلي مع الصهيونية والاحتلال ، مع ذلك يسارع السيد لتبرئة الفاعل الحقيقي ويصدر فتوى بتحريم الدخول غير الشرعي للعراق من المنافذ التي لاتخضع لسيطرة قوات الاحتلال ، مرددا بذلك ما تقوله وسائل الاعلام الغربية وقوى الاحتلال وعملاؤها ، واعطاء قوات الاحتلال شرعية مسك الحدود العراقية لمنع المقاتلين العرب من المجئ للوقوف بجانب اخوانهم العراقيين .
3 :افتعلت قوات الاحتلال الاعذار لتصعيد المعركة مع التيار الصدري ، أغلقت جريدة الحوزة ، وتطلق النار على المظاهرات السلمية التي انطلقت من مدينة الصدر ، وحالما أعلن السيد مقتدى الصدر تاييده لحماس وحزب الله فاجأت سلطة الاحتلال العالم في ظهر اليوم التالي لتعلن صدور قرار اتهام باطل بحق السيد مقتدى الصدر وتطالبه بتسليم نفسه او المبادرة بقتله بحجة مساعدة القضاء العراقي على تطبيق القانون ، والامر صادر من نفس القاضي الذي تتهمه سلطة الاحتلال الان بالقتل واستغلال موقعه لتحقيق ارباح تجارية واقتصادية . وهاجمت القوات الاميركية مدينة النجف وتتعرض احدى منائر حضرة الامام لاطلاق النار ، والسيد ساكت يهدد بعدم تجاوز الخطوط الحمراء ، ثم يفاجئ العالم بمطلبه الغريب بدعوة المقاتلين للخروج من المدينة ، اي انه يريد من ابناء المدينة ان يتركوا منازلهم ليدخلها المحتل بامان وسلام . بحجة الحفاظ على حرمة المدينة .
لايدري الانسان ما الذي بقي من الخطوط الحمر ما لم تدوسه جزمات تحالف الصهيونية العالمية مع اليمين المتطرف ، سوى منزل السيد السستاني نفسه . كما لايدري الانسان هل هذه العدالة والتقوى المفروض توفرها في المرجع ، ان يختزل كل الحرمات بمنزله هو وبوجوده هو ..!؟
4 : صمت السيد السستاني عن المطالبة باقامة الحد على مرتكبي جرائم ابو غريب ، مع انها وقعت على ارض اسلامية ضد نساء ورجال من المسلمين بدون حق او جريمة تذكر بدليل اطلاق سراح المعتدى عليهم . والصمت بالنسبة لمن هو بموقع السيد السستاني يعني اما القبول او الاستهانة بالامر ، وفي كلتا الحالتين يمثل ذلك مساسا بدور المرجعية ، ووظيفة الفقيه .
يبرر أحد عناصر حاشية السستاني ، الذي كتب تحت اسم ابو ولاء مقالا على شبكة اخبار النجف الاشرف تحت عنوان" فتوى الاجتهاد " ، يوضح بها الاسباب التي تمنع السيد السستاني من الافتاء بالجهاد ضد الاحتلال ، وهو يدرك جيدا ان جريمة ابو غريب وحدها كافية لان تدفع الفقيه الملتزم بخط الائمة المعصومين لان ينتفض ويثور ، ولا يكتفي بالافتاء فقط . لذلك يضطر الكاتب التلاعب بالعبارات ليبرر للاميركان ممارستهم التعذيب في سجن ابو غريب ، ليصل بالتالي لايجاد المخارج لهذا الصمت الذي تتعمده المرجعية ، ننقل هنا بعض الاجزاء المطولة لهذه التبريرات ، ليكتشف القارئ كيف ان مرجعية عصر العولمة تحسب حساباتها على اسس لادخل لها بالشرع والشريعة التي يسميها الكاتب " عناصر غيبية " حيث يقول مبررا امتناع السستاني عن الجهاد " بعيداً عن العناصر الغيبية بل أنطلاقاً من الواقع الميدانية ، القائد يجب ان ينظر بواقع ميداني لابعنصر غيبي "
ثم يناقش الكاتب مساؤي الاحتلال ، ومأساة ابو غريب منها فيقول : " وأقول لكم ما يعرفه العراقيون في الداخل ان الصورة التي تنقلها وسائل الاعلام العربية عن صورة الحال داخل العراق ووضع الشعب في ظل الاحتلال هي خلاف الصورة الواقعية ، وهذا لا يعني ان المحتل لم يمارس التعذيب المستنكر والمستهجن في حق المعتقلين في سجن ابو غريب بل مارس ومرفوض ولايمكن تقبله باي صورة من الصور ولكن ان تقدم الصورة الى العالم على ان ممارسات المحتل الاميركي هي ابشع من الممارسات الصدامية فهذا مرفوض تماما ولايقبل به كل من سالتهم من الاهل والاصدقاء من ابناء الشعب العراقي ...
لم يتوقف السيد السيستاني عند حد اعتبار حق التواجد الاميركي في العراق يساوي نفس حق المقاومين من ابناء الشعب العراقي لتواجدهم في العراق ، بل تمادى ولمرات عديدة ليغلب حق القوات الاميركية في التواجد على حق المقاومين العراقيين ، عندما دعى الى خروج ما اسماهم بالمسلحين من النجف لابطال حجة الاميركان في مواجهة هؤلاء السكان بسبب تواجدهم في مساكنهم ومدنهم . لكي تدخل جزمات تحالف الصهيونية العالمية مع اليمين المتطرف بسلام للارض المقدسة بسلام .
***
النص التالي ماخوذ من البيان التاسيسي للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق ، الصادر في 1983 ، والذي وقع عليه في حينها جميع الاحزاب والحركات الاسلامية ، مثل المجلس بتركيبته الحالية – انصار الحكيم - ، حزب الدعوة باطرافه المختلفة ، منظمة العمل الاسلامي ، جند الاسلام وغيرهم من الاطراف والشخصيات التي تشارك جميعها او تنتظر دورها للمشاركة في الادارات المحلية التي شكلتها سلطة الاحتلال ، سواء ما عرف منها بمجلس الحكم ، او الحكومة المؤقته . وتحت عنوان فرعي في البيان التأسيسي " الخطوط العملية العامة للتحرك " وبعد مناقشت الفرق بين العمل السياسي والعمل الجهادي وتأكيد البيان لرفض العمل السياسي ، يقول البيان معرفا العمل السياسي اولاً : " ولايعني العمل السياسي الا التفاهم المطلق مع الاستكبار العالمي ، والمستكبرون ليسوا أناس مغفلين او ضعفاء العقول يمكننا تحقيق أهدافنا عن طريقهم ونحتفظ بوجودنا وأستقلالنا ، فالأستكبار العالمي يرى نفسه ( الرب الأعلى ) الذي بيده زمام الأمور ، والتفاهم معه يعني الأستسلام المطلق له .
ونقول للبعض ممن يفكر بهذا الشكل ، أن الأستكبار اذا أراد التفاهم فأنه لايتفاهم مع الطيبين من أبناء الاسلام ، لأنه لايحبهم ولا يراهم مؤهلين لهذا التفاهم ، وهناك أناس أقرب الى ذوقه وفهمه وتفكيره وأخلاقياته يراهم وؤهلينلذلك ، ويمكنهم ان يتحولوا الى أتباع ، ونحن لايمكن ان نتحول الى اتباع ، وأقول لهؤلاء المسلمين الذين لديهم رغبة في ذلك حيث نلاحظ مع الأسف هذه الظاهرة عند بعض الاشخاص ممن كان يطرح الشعارات الاسلامية ويتحدث بالاسلام ينحدر تدريجيا بهذا المنحدر ويتحول بالتدريج الى تابع وعميل للاستكبار لحل مشاكله ، ونحن نقول لهم ان الأ ستكبار مع ذلك لايقبل بكم ويختار غيركم ويستخدمكم مخلب قط لايذاء اخوانكم."
والسؤال ونحن نرى المساهمات النشطة لهذه الاحزاب في اعانة الاستكبار ( ولايحتاج المصطلح للتعريف ، فالمقصود به الاستعمار ) ، ليس فقط في احتلال البلد بل ومؤازرته للاستمرار في تثبيت الاحتلال وديمومته وبقاءه لاطول فترة ممكنة ، والى حد المساهمة في ايجاد التبريرات لضرب قوى المقاومة ليس تلك التي اتهمت زورا بانها اجنبية ، وارهابية ، بل حتى التيار الشيعي منها ، والى حد الوقوف موقف المتفرج ، والداعم احيانا لقوى الاحتلال وهي تدنس المدن المقدسة الشيعية . وتذبح الشيعة بدون حساب وتجرح قباب الائمة ، مع ذلك فهي لاتحرك ساكن ، تحرك بعضها بعد تصاعد حدة الاستنكار الشعبي والعالمي ليستنكر ، ويدعو للعقلانية . ومن الواضح ان استنكارها هذا يندرج تحت باب رد العتب والمناورة لانهم يمثلون جزءً من هذه السلطة التي تمارس كل هذه الممارسات الشريرة ضد المسلمين في العراق ، والشيعة ومدنهم المقدسة خاصة .
عندما نقول جزء من السلطة لانعني به ذلك الجزء الذي يمكن ان يشبه راس القط او بدنه بقدر ما هم ليسوا الا بموقع المخالب التي يستخدمها الاستكبار لايذاء شعبهم وطائفتهم .ما الذي تغير هل لبس القط لبوس الاسلام فامنوا به الاه جديد أم انهم هم الذين تبرعوا للعب دور القط مقابل عظمة رماها لهم الأستكبار ، فأنستهم دينهم وطائفتهم ومثلهم ، بل وأطروحاتهم عن الادوار العميلة لمخالب القط . ( سنناقش مواقف هذه الحركات في الجزء الثاني من هذا الباب ) .
اذا كانت هذه الاحزاب ، وكما شخصت هي في برامجها ، تحولت للعبة الشيطان – السياسة – " لاهداف مشبوهة او بسبب الأنحراف في التفكير والترف السياسي والتعامل مع قضايا الأمة بروح اللامبالاة " . لكن السؤال المحير ما بال المرجعية الدينية التي يفترض ان تكون بموقع البوصلة التي تحدد الاتجاهات السليمة ليس للاحزاب التي كانت تدعي الحرص على حقوق الطائفة ، بل لعموم الطائفة والمسلمين جميعا ، فمهما يتقول الموظفيين لترويج الطائفية ، تكشف الحقائق التأريخية تمسك سنة العراق بالمرجعيات الشيعية اوقات الشدات والمحن ، ويتناسى الجميع انهم شيعة او سنة ، او حتى مسلمين وغير مسلمين ، تجلى ذلك بوضوح في موقف الشيخ ضاري يوم رفض التعاون مع الحاكم العسكري البريطاني متمسكا بموقف المراجع في النجف . كما هو الحال في موقف اهالي تكريت وسامراء والموصل الذين عرضوا استعدادهم للوقوف المطلق بالمال والسلاح مع الشيخ الخالصي وعلماء النجف للتصدي للعبات سلطات الاحتلال البريطاني التي دفعت عصابات الاخوان لمهاجمة المدن الشيعية وقتل ابنائها ونهب مواشيهم واموالهم . فالموقف الوطني السني لم ينعزل يوما او يتحرج في السير تحت قيادة المراجع الشيعة عندما تكون رمزا للالتزامات الوطنية الطامحة لتحقيق الاستقلال ، وتاكيد السيادة الوطنية .
ولا نستغرب اليوم ان يقدم الوطنيون من السنة تايدهم للسيد القائد مقتدى الصدر ، كرمز وطني معبر عن اماني وطموحات غالبية الشعب العراقي الا من ارتضى لنفسه ان يتخذ دور مخلب القط .
نعود للقول اذا كانت هذه الاحزاب قد ارتضت للاسباب التي شخصتها هي ان تكون في موقع دور المخلب لقوى الاحتلال ، وتتامر وتحث قوى الاستكبار العالمي على القضاء على ظاهرة السيد مقتدى الصدر بعد ان تعودة على رفاهية العيش بدور المعارضة في الخارج متمتعة بكل الامتيازات التي قدمتها لها قوى الاستكبار العالمي ، فما بال المرجعية التي يفترض انها محكومة بشروط الاجتهاد ، كالتقوى ومغالبة الهوى والورع والزهد .
يسلط هذا الجزء الضوء على دور المرجعية الذي وضعها في موقع مخلب القط ، هي الاخرى .
سيبتعد الكاتب جهد الامكان عن تكرار ما تم الحديث عنه من شؤون المرجعية كمعناها ، ومراحل تطورها وواجباتها مما سبق مناقشته في القسم الاول من هذه الدراسة ، والذي لازال تحت يد من يرغب الاطلاع علية في ارشيف جريدة القدس والكثير من شبكات الانترنت (1) . سنقتصر في هذا الجزء على بعض الاستنتاجات التي يمكن الوصول لها من القسم الاول ، لنعتمدها في محاكمة سلوك المرجعية الدينية المتمثلة بمرجعية السيد السستاني حيال ما يجري الان في العراق والتي تكللت بهروبه الاخير من الساحة في لحظة يعيشها الشيعة والمسلمون ، هم فيها احوج ما يكونوا للمساهمة الفاعلة للمرجعية .
دور المرجعية في خدمة الاحتلال
ان مصطلح المرجعية يشير لاكتساب خبرات معرفية في العلوم الفقهية ، بمستوى يستطيع معه المرجع ان يستنبط الحكم الشرعي الاقرب للصحة من وجهة نظر دينية . فهو كاي خبير في شتى حقول المعرفة ، يكتسب احترامه ومنزلته من اجادته لصنعته كما يعني الاجتهاد المعرفة الدقيقة بالقيم الاخلاقية التي هي بالاساس معايير سلوكية حددتها الاديان المختلفة ، والاسلام خاصة ، باعتبارها المعايير التي تمثل ارادة الخالق التي يريد من خلقه اعتمادها لضبط جميع سلوكياتهم مع وجود الرقيب او بغيابه ، ما دامت الغاية مرضاة الله الموجود مع العبد في خلوته واجتماعه . لذلك يتوقع الناس من المرجع ان يكون مثالا للخلق الكريمة ، وهذا ما يفسر معنى استخدام المراجع الاوائل لألقاب الدالة على التواضع بعكس مرجعيات عصر ا لحداثة والعولمة .
كان لقب الحقير ، او الفقير لله هو الشائع في الدلالة على مستوى الاعلمية التي وصلها المرجع ، وظل هذا سائدا حتى اواخر الخمسينات وبداية الستينات . ولم تعرف هذه الالقاب الغريبة التي يستعملها مجتهدي عصر العولمة كآية الله العظمى ، وحجة الله على ارضه ، وغيرها من الالقاب التي توحي بالقدسية ، وكان المجتهد ارتقى او سما فوق مستوى البشر . لكنها باعدت بالحقيقة بين المرجعية والسماء لتغدو وكانها وظيفة دنيوية الغاية منها احراز افضل المراكز الاجتماعية وضمان العيش الرغيد للمرجع وابنائه واحفاده من بعده . لقد اصبحت اقرب لحالة الاقطاعية في العصور الوسطى ، فما على العبد الا السمع والطاعة ، ويقف السيد المرجع – الاقطاعي موقف المتفرج على عبيده وهم يقتلون ظلما ، مادامت حياته واملاكه واطيانه بعيدة عن الخطر ، ويعطي الحق لنفسه للتلاعب بالشريعة بحجة انه وحده الذي يمتلك الخبرة التي تمكنه من التعبير عن ارادة الله ، ويلغي باسم الله كل الشروط المطلوب توافرها بالفقيه ليكون في موقع يؤهله للافتاء .
ويتستر بعض المراجع وراء الكثير من الاحاديث المختلقة ، ليعيث وابنائه من بعده استهانة بحقوق المسلمين والطائفة ، ما دام محتميا بتلك الاحاديث التي تجعل من مرضاته بمستوى مرضاة الله ورسوله وائمته ، والقول بعكس ما يقوله يقع في حد الشرك حتى لو كان سلوكه يمثل خروجا على تعاليم الائمة ، والرسول الاعظم ، والخالق . فهو ابن الله – المرجع – اية الله العظمى ‘ وما اليه ، ان السستاني باعتباره من مقلدي الخوئي _ كما سياتي ذكر ذلك - يخرج بما يضفيه من حق لنفسه على تعاليم مرجعه ، حيث يؤكد السيد الخوئي ان جميع الاحاديث التي تقال عن تعظيم دور المجتهد هي اما مختلقة او انها قليلة السند – اي مشكوك فيها - .
تمادي فقهاء الولاية الخاصة التشبث بمفاهيم لاعلاقة لها لاباساسيات المذهب ولا الدين ، مثل التقية التي هي ليست الا تكتيكا بمفاهيم عصرنا ، جوز بعض الفقهاء العمل به لحماية الذات - ونركز هنا على مصطلح الذات - عندما يكون الانسان في موقف من لايستطيع حماية نفسه من خطر يمكن ان يتعرض له بسبب الاعلان عن عقيدته ، الا ان هذا السلوك او التكتيك لايُجوز الاخلال بالعقائد الاساسية ، بل يرتبط بالمظهرية والانية من العبادات ، اما ما يجري من تضخيم للمفهوم لاعطاءه صفة الوجوب والالزام فليس الا تعبير عن التطلع للهروب من تحمل المسؤولية عند بعض الفقهاء مع اعطاء هذا التهرب صبغة القدسية وكانه يمثل ايضا ارادة الله .
وبقدر ما يمثل مبدا الولاية الخاصة موقفا اكثر عقلانية للتعايش مع الواقع ، وفهم دور الفقيه على انه يظل بشرا غير معصوم لايجوز له تحمل المسؤوليات الاساسية للامام ، الا ما يحقق خدمة الناس منها ،مثل تعريف الناس بالاحكام الشرعية ، واعتماد ه كوسيط مؤتمن على استلام الحقوق الشرعية لوضعها في مكانها السليم من خلال توزيعها على فقراء المسلمين . وهو غير معني بالتالي بمسالة الحكم والسياسة ، باعتبارها من مسؤوليات الامام .
الا ان هناك فارقا كبيرا بين السياسة ، كلعبة من لعب الشيطان – كما كان يوصفها بعض المتاسلمين - ، وبين التحرك للدفاع عن الدين امام خطرحقيقي يهدف للقضاء عليه، او الدفاع عن ارواح المسلمين عندما تزهق بدون حق من قبل اعداء الاسلام والمسلمين . والعدوان الحاصل والمستمر على العراق ليس سياسة من تلك التي عناها فقهاء المذهب الاوائل واباءه ، ولا تندرج تحت مفهوم التقيه التي يراد بها حفظ الذات . وسواء اكان ما صرح به بوش علانية بعد 11 ايلول – سبتمبر – من انه سيعلنها حربا صليبية ، هفوة لسان او سوء استخدام غير مقصود للمصطلح ، او حتى لو كان مجرد استخدام للمصطلح بمعنى مرادف اخر لاعلاقة له بالمعنى العدائي ، فان ما يجري على الارض هو حرب صليبية واقعية وحقيقية ، وان لم تكن لصالح المسيحية هذه المرة بل لصالح الصهيونية العالمية وتنفيذا لمخطط اسرائيل الاستراتيجي في الثمانينات من القرن الماضي الذي تأخر العمل به الى ان تهيأت في اميركا الادارة المستعدة لتنفيذه ، وارتقاء صاحب المخطط شارون لسدة الرئاسة في الكيان الصهيوني . أي أنه اصبح بموقع صاحب القرار الذي يمكنه من المباشرة في التنفيذ .
اذا كان فقهائنا لايعرفون معنى ما يجري لحد الان فهم اعجز من ان يكونوا مراجعا قادرة على استنباط الحكم السليم على الامور عامة ، اما اذا كانوا يعرفون ويدركون معنى ما يجري ، ومع ذلك يلوذوا بالصمت بحجة التقية او الالتزام بعدم التدخل بالسياسة ، سيصل الانسان في مثل هذا الحالة لاحكام قاسية عليهم ، فالموقف السليم من الاحتلال والمجازر التي يرتكبها بحق العراقيين ، ليس فقط واجبا دينيا او وطنيا بل هو موقف تفرضه الخصائص والقيم الانسانية الاخلاقية التي علمنا عليها نبينا وآل بيته . بعد ان حصل في العراق كل ما يستفز المشاعر الانسانية ، من نهب للبلد – وتلك اموال عامة للمسلمين - ، اعتداء على مقدساته ، دوس لكرامة الانسان المسلم ، اغتصاب لنساء المسلمين واعتداءات جنسية على رجالهم . واخرها انتهاك المدن المقدسة ، كل ذلك والمرجع السستاني يهدد بانه سوف لن يسكت اذا تجاوزت قوات الاحتلال الخطوط الحمر . انتهك الاميركان كل الحرمات في المدينة المقدسة النجف كما في كربلاء ، ولا نريد ان نتكلم عن سامراء التي الغت التقية وغياب العدل ومغالبة الهوى قدسيتها . ان قدسية كربلاء او النجف لم تات من اقامة المرجع كما هي الفاتيكان بل من خلال وجود مراقد الائمة فيها ، ونفس المعيار ينطبق على سامراء ، وسكانها مسلمون ايضا وان اختلفوا بالمذهب . وتتميز سامراء كما هي الكاظمية بان فيها مرقدين وليس واحدا ، اضافة لاخر مسكن اقام به الامام الثاني عشر ، وسجل غيابه ، وهو عند الشيعة يساوي في قدسيته مراقد الائمة . مع ذلك ظلت كل هذه المقدسات المنتهكة دون حد الخطوط الحمر ، التي تفهم على انها منزل السستاني واموله الخاصة التي يبدو انها اقدس ما لديه في الدنيا . نحن هنا امام حالة مرضية من " الانا المضخمة " التي تختزل كل القيم الاخلاقية والدينية من خلال رغبات الذات المبتلاة باناها المريضة .
ان التدقيق في سلوكيات المرجع السستاني تشير بوضوح او بمعانيها السياسية ، والكاتب مختص بالسياسة كما السستاني مختص بالفقه ، انه لم يلتزم فعلا بمبدا البعد عن السياسة ، بل تدخل كثيرا ولكن تدخلاته تصب جميعها في المحصلة النهائية لصالح قوات الاحتلال وفي خدمتها :
1: بدءًا بدعوته للانتخابات التي الغاها بنفس الديباجة التي طرحها للمطالبة بأجرائها عندما ربطها بارادة الامم المتحدة وليس بارادته كمرجع ولا بارادة الشعب وغالبيته من المسلمين . وكما ذكرنا في الجزء الاول اصبح المطلب اداة بيد قوى الاحتلال لتبرر به هروبها من الخضوع لمطالبة الشعب باجراء الانتخابات ، وعملت مناورة السيد هذه على امتصاص النقمة الشعبية ضد تهرب سلطة الاحتلال من العمل على اجراء الانتخابات . تكررت اللعبة نفسها في الموقف من ما عرف بـ " قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية " فبدلا من ان يتخذ السيد السستاني موقف الفقيه ويفتي ببطلان القانون الذي كشف عن معارضته له ، اكتفى بارسال برقية استنكار وشكوى للامين العام للامم المتحدة يطالب بعدم تاييد القانون والامتناع عن تشريع القرارات التي تثيت العمل به . وكان السيد لايعرف ان ادوار الامم المتحدة تحولت من منظمة دولية للتحكيم بين الدول وضبط سلوك الدول تجاه بعضها من خلال الطرق السلمية وبالخضوع للقوانين والاعراف الدولية الى مجرد منظمة لتبرير وشرعنة الهيمنة الاميركية على العالم ، أولم يعرف السيد ان نفس مجلس الامن الذي رفض العدوان على العراق شرعن هذا العدوان باقرار الاحتلال ، وان استعمال مصطلح الاحتلال كان التفافا على القوانين الدولية التي تحرم الاستعمار ، فتم التلاعب بالمصطلحات لشرعنة استعمار همجي . ومع ذلك تم اقرار القانون وعمل به ، وبدا اعتراض السيد وكان الغاية منه امتصاص النقمة . تحاشى السستاني ، هنا ، دور الفقيه حيال القانون واعتمد دور السياسي المناور الطامح لكسب رضى جميع الفرقاء على اختلاف توجهاتهم ومواقفهم .فهو يظهر امام الشعب بمظهر المدافع عن حقه الرافض للظلم الواقع عليه ، وهو يرضي سلطة الاحتلال لانه يعرض رأياً ولا يرفض ، او يحرم ، وهو بالتالي يعرض انضباطاً ينقله للتعايش لعصر العولمة بعد ان ظل الاخرين يتشبثون بقيم ما قبل الحداثة والعولمة . أي أنه مارس بذلك حقه وفقا للقيم الديمقراطية لا الدينية التي تفرضها واجبات المرجعية ، وهو يكسب ايضا جميع المتأسلمين المشاركين بما يسمى بمجلس الحكم ممن يظهرون له الولاء ، الذين كان يمكن ومن خلال الفتوى ان يجبروا على الاستقالة او ان يصروا على فرض رايهم بتغير القانون الذي اقر السيد عبد العزيز الحكيم – عضو مجلس الحكم – كما هو الجلبي ايضا ، بأنه فُرض عليهم فرضا وانهم استلموه صيغة جاهزة وردتهم من اميركا دون ان يكون لعراقي دور في كتابته او اقتراح بعض من فقراته .
انه ، بلا بما لايقبل الشك ، موقف سياسي مناور متآمر وليس فقيه يحسب حسابات تقوى الله والخوف منه ، فيغالب هواه ..!؟
لانعتقد ان ذاكرة السستاني ضعيفة او ضيقة الحدود بهذا الشكل . كان بامكانه ان لم يجد في رسالة الخوئي _ وهو كما قلنا كان مقلداً له واجتهاده كان يتوقف اساساً على شهادة الخوئي له بالاجتهاد - يمكنه ان يتذكر موقف الميرزا محمد حسن الشيرازي من قضية التنباك ، الذي لم يتدخل بالسياسة ويحرم الاتفاقية بل حرم تدخين التنباك ، ليسقط بذلك اتفاقية اعطاء امتياز زراعة التنباك وتوزيعه لشركة بريطانية . او موقف فقهاء ومراجع النجف من موضوع المشروطة ، ولغتهم الصريحة في تاييد قوانين مجلس الشورى . ولانعتقد ان السستاني لايدرك ، وهو يدعي القدرة على استنباطالاحكام الشرعية ، ان دوره ووظيفته او التكليف الشرعي المناط به ، هو ان يفتي بتحريم التعامل مع حكومة او ادارة تتعامل بهذا القانون ، وذلك يكفي لعزل سلطة الاحتلال ويحرج المتعاملين معها .، اما الشكوى للامم المتحدة فهذا من مهمات السياسين وليس الفقهاء ..
.
2: بعد التفجيرات الاجرامية التي حصلت في 10 عاشوراء في كل من كربلاء والكاظمية ، ورغم وضوح بصمات قوات الاحتلال وعملاء الصهيونية عليها ، التي حاولت ان تغطي جريمتها بنسبتها لشخصية وهمية قادمة من خارج العراق ، تلك الشخصية التي اذا كانت موجودة فعلا لابد انها تعمل بالتنسيق والاتفاق الكلي مع الصهيونية والاحتلال ، مع ذلك يسارع السيد لتبرئة الفاعل الحقيقي ويصدر فتوى بتحريم الدخول غير الشرعي للعراق من المنافذ التي لاتخضع لسيطرة قوات الاحتلال ، مرددا بذلك ما تقوله وسائل الاعلام الغربية وقوى الاحتلال وعملاؤها ، واعطاء قوات الاحتلال شرعية مسك الحدود العراقية لمنع المقاتلين العرب من المجئ للوقوف بجانب اخوانهم العراقيين .
3 :افتعلت قوات الاحتلال الاعذار لتصعيد المعركة مع التيار الصدري ، أغلقت جريدة الحوزة ، وتطلق النار على المظاهرات السلمية التي انطلقت من مدينة الصدر ، وحالما أعلن السيد مقتدى الصدر تاييده لحماس وحزب الله فاجأت سلطة الاحتلال العالم في ظهر اليوم التالي لتعلن صدور قرار اتهام باطل بحق السيد مقتدى الصدر وتطالبه بتسليم نفسه او المبادرة بقتله بحجة مساعدة القضاء العراقي على تطبيق القانون ، والامر صادر من نفس القاضي الذي تتهمه سلطة الاحتلال الان بالقتل واستغلال موقعه لتحقيق ارباح تجارية واقتصادية . وهاجمت القوات الاميركية مدينة النجف وتتعرض احدى منائر حضرة الامام لاطلاق النار ، والسيد ساكت يهدد بعدم تجاوز الخطوط الحمراء ، ثم يفاجئ العالم بمطلبه الغريب بدعوة المقاتلين للخروج من المدينة ، اي انه يريد من ابناء المدينة ان يتركوا منازلهم ليدخلها المحتل بامان وسلام . بحجة الحفاظ على حرمة المدينة .
لايدري الانسان ما الذي بقي من الخطوط الحمر ما لم تدوسه جزمات تحالف الصهيونية العالمية مع اليمين المتطرف ، سوى منزل السيد السستاني نفسه . كما لايدري الانسان هل هذه العدالة والتقوى المفروض توفرها في المرجع ، ان يختزل كل الحرمات بمنزله هو وبوجوده هو ..!؟
4 : صمت السيد السستاني عن المطالبة باقامة الحد على مرتكبي جرائم ابو غريب ، مع انها وقعت على ارض اسلامية ضد نساء ورجال من المسلمين بدون حق او جريمة تذكر بدليل اطلاق سراح المعتدى عليهم . والصمت بالنسبة لمن هو بموقع السيد السستاني يعني اما القبول او الاستهانة بالامر ، وفي كلتا الحالتين يمثل ذلك مساسا بدور المرجعية ، ووظيفة الفقيه .
يبرر أحد عناصر حاشية السستاني ، الذي كتب تحت اسم ابو ولاء مقالا على شبكة اخبار النجف الاشرف تحت عنوان" فتوى الاجتهاد " ، يوضح بها الاسباب التي تمنع السيد السستاني من الافتاء بالجهاد ضد الاحتلال ، وهو يدرك جيدا ان جريمة ابو غريب وحدها كافية لان تدفع الفقيه الملتزم بخط الائمة المعصومين لان ينتفض ويثور ، ولا يكتفي بالافتاء فقط . لذلك يضطر الكاتب التلاعب بالعبارات ليبرر للاميركان ممارستهم التعذيب في سجن ابو غريب ، ليصل بالتالي لايجاد المخارج لهذا الصمت الذي تتعمده المرجعية ، ننقل هنا بعض الاجزاء المطولة لهذه التبريرات ، ليكتشف القارئ كيف ان مرجعية عصر العولمة تحسب حساباتها على اسس لادخل لها بالشرع والشريعة التي يسميها الكاتب " عناصر غيبية " حيث يقول مبررا امتناع السستاني عن الجهاد " بعيداً عن العناصر الغيبية بل أنطلاقاً من الواقع الميدانية ، القائد يجب ان ينظر بواقع ميداني لابعنصر غيبي "
ثم يناقش الكاتب مساؤي الاحتلال ، ومأساة ابو غريب منها فيقول : " وأقول لكم ما يعرفه العراقيون في الداخل ان الصورة التي تنقلها وسائل الاعلام العربية عن صورة الحال داخل العراق ووضع الشعب في ظل الاحتلال هي خلاف الصورة الواقعية ، وهذا لا يعني ان المحتل لم يمارس التعذيب المستنكر والمستهجن في حق المعتقلين في سجن ابو غريب بل مارس ومرفوض ولايمكن تقبله باي صورة من الصور ولكن ان تقدم الصورة الى العالم على ان ممارسات المحتل الاميركي هي ابشع من الممارسات الصدامية فهذا مرفوض تماما ولايقبل به كل من سالتهم من الاهل والاصدقاء من ابناء الشعب العراقي ...