زوربا
06-07-2011, 01:30 AM
http://www.alqabas-kw.com/Temp/Authors/8dfb6180-3841-4eeb-b71d-ac98a613c0be_author.jpg
كتب أحمد الصراف : القبس
القصة: كنا في حفل عشاء خصص لجمع التبرعات لمدرسة ذوي الإعاقة، عندما قام والد أحدهم وألقى كلمة قال فيها: مررت يوما بملعب بيسبول، وسألني ابني إن سيسمح له الأولاد باللعب معهم، وكنت أعلم أن غالبيتهم لا يرغبون في وجود معاق بينهم، وكأب شعرت بأنهم إن سمحوا له باللعب، فسيمنحه ذلك سعادة وثقة في أن الآخرين يتقبلونه كما هو، فاقتربت من أحدهم متردداً وسألته إن كان يمكن لبيتر أن يلعب معهم. ودار الولد ببصره وقال نحن نخسر بست جولات، واللعبة في دورتها الثامنة، يمكننا أن ندخله في التاسعة ونعطيه المضرب!
تهادى ابني بمشيته المعوقة ولبس الفانيلة بابتسامة واسعة، وراقبته بدمعة وفرح، ولاحظ الأولاد ذلك. تحسنت فرصة فريق ابني خلال الجولة 8، ولكن بقي الخصم متفوقاً، ومع بدء الجولة التاسعة اعطوا ابني قفازاً ولعب على يمين الملعب، ورغم أن الكرة لم تأت عنده فإن سعادته وحماسه كانا واضحين لمجرد وجوده بينهم، واتسعت ابتسامته لأقصى حد وأنا ألوّح له، ثم أحرز فريقنا نقاطا إضافية وتقلص الفارق، مما جعل الفوز ممكنا، وكان الدور على ابني ليمسك بالمضرب، فهل سيعطونه إياه ويخسرون؟
لدهشتي حدث ذلك، رغم أن الكل يعرف أن من المستحيل أن يحرز أي نقاط، حيث لا يمكنه أن يمسك بشيء بصورة سليمة، ولكن مع تقدمه للدائرة وإدراك الخصم أن فريق ابني سيضحي بالفوز لهدف أسمى، هو إسعاد وإثراء حياة بيتر في لحظة قد لا تتكرر. حدثت المفاجأة، حيث تقدم اللاعب خطوات عدة وألقى الكرة برفق لابني حتى يتمكن من لمسها بمضربه، ولكن بيتر فشل، وخطا مدافع الخصم خطوات اضافية مقترباً من ابني أكثر ورمى الكرة له، وهنا ردها بيتر بضعف فتلقفها الخصم وتوقعنا أن هذه النهاية، ولكن المدافع تلقفها بحركة بطيئة، وكان يمكنه أن يمررها لزميله في النقطة الأولى، وكان ذلك سيجعل ابني يخرج من المباراة وتنتهي اللعبة بهزيمة فريقه، وبدلاً من ذلك رمى المدافع الكرة فوق رأس زميله بعيداً، وبدأ الكل يصيح مشجعاً: أجر يا بيتر، اجر إلى النقطة الاولى، وكانت هذه أبعد مسافة يجريها ابني، واستطاع أن يصل إليها، وترنح في طريقه، وعيناه واسعتان حماساً وارتباكاً، وصرخ كل من كان في الملعب:
اجر إلى النقطة الثانية، ووصل إليها لأن لاعب الخصم بدلاً من أن يعيقه كان يعدل اتجاهه ويشجعه ليصل إلى النقطة الثانية، وهنا وصل إليها! وتعالى صراخ الجميع: اجر اجر يا بطل للنقطة الثالثة، والتقط ابني أنفاسه وجرى بترنح أكثر نحو الثالثة ووجهه يشع بأمل تحقيق فوز لفريقه، وحين اقترب من الثالثة كانت الكرة مع الخصم، ولديه فرصة الفوز بسهولة، ولكنه ألقى بالكرة لزميله، ففهم نواياه وقام بدوره بإلقاء الكرة عالياً بحيث تخطت المدافع عند النقطة الثالثة، وجرى ابني نحو الثالثة وهو مرتبك تماما، في حين أحاطه الآخرون راسمين له الطريق إلى نقطة الفوز، وكان الجميع يصرخ: اجر اجر يا بطل، فجرى للنقطة الرابعة التي بدأ منها وداس على الموقع المحدد ووقف الجميع مصفقا وصارخا لتحيته باعتباره البطل الذي أحرز النقطة الكبرى وحقق لفريقه الفوز!
في ذلك اليوم، أضاف الأب، والدموع تنساب على وجنتيه: ساعد فتيان كلا الفريقين في إضافة قبسة نور من الحب الصادق والإنسانية إلى هذا العالم. لم ير ابني الصيف التالي، حيث وافاه الأجل في ذلك الشتاء، ولكن لم ينس حتى آخر يوم في حياته أنه كان بطل المباراة.
***
التعليق: لو علمنا أن تحضّر اي مجتمع يقاس بمدى الرقي في تعامله مع الأقل حظا من أبنائه، وليس في اسلوب التحفيظ والدعاء والبكاء المستمر في مناهجنا وعاداتنا والبالي من تقاليدنا، لعلمنا بأن علينا التخلي عن كل ذلك إلى الأبد، فهل سنفعل ذلك يوما؟
أحمد الصراف
habibi.enta1@gmail.com
كتب أحمد الصراف : القبس
القصة: كنا في حفل عشاء خصص لجمع التبرعات لمدرسة ذوي الإعاقة، عندما قام والد أحدهم وألقى كلمة قال فيها: مررت يوما بملعب بيسبول، وسألني ابني إن سيسمح له الأولاد باللعب معهم، وكنت أعلم أن غالبيتهم لا يرغبون في وجود معاق بينهم، وكأب شعرت بأنهم إن سمحوا له باللعب، فسيمنحه ذلك سعادة وثقة في أن الآخرين يتقبلونه كما هو، فاقتربت من أحدهم متردداً وسألته إن كان يمكن لبيتر أن يلعب معهم. ودار الولد ببصره وقال نحن نخسر بست جولات، واللعبة في دورتها الثامنة، يمكننا أن ندخله في التاسعة ونعطيه المضرب!
تهادى ابني بمشيته المعوقة ولبس الفانيلة بابتسامة واسعة، وراقبته بدمعة وفرح، ولاحظ الأولاد ذلك. تحسنت فرصة فريق ابني خلال الجولة 8، ولكن بقي الخصم متفوقاً، ومع بدء الجولة التاسعة اعطوا ابني قفازاً ولعب على يمين الملعب، ورغم أن الكرة لم تأت عنده فإن سعادته وحماسه كانا واضحين لمجرد وجوده بينهم، واتسعت ابتسامته لأقصى حد وأنا ألوّح له، ثم أحرز فريقنا نقاطا إضافية وتقلص الفارق، مما جعل الفوز ممكنا، وكان الدور على ابني ليمسك بالمضرب، فهل سيعطونه إياه ويخسرون؟
لدهشتي حدث ذلك، رغم أن الكل يعرف أن من المستحيل أن يحرز أي نقاط، حيث لا يمكنه أن يمسك بشيء بصورة سليمة، ولكن مع تقدمه للدائرة وإدراك الخصم أن فريق ابني سيضحي بالفوز لهدف أسمى، هو إسعاد وإثراء حياة بيتر في لحظة قد لا تتكرر. حدثت المفاجأة، حيث تقدم اللاعب خطوات عدة وألقى الكرة برفق لابني حتى يتمكن من لمسها بمضربه، ولكن بيتر فشل، وخطا مدافع الخصم خطوات اضافية مقترباً من ابني أكثر ورمى الكرة له، وهنا ردها بيتر بضعف فتلقفها الخصم وتوقعنا أن هذه النهاية، ولكن المدافع تلقفها بحركة بطيئة، وكان يمكنه أن يمررها لزميله في النقطة الأولى، وكان ذلك سيجعل ابني يخرج من المباراة وتنتهي اللعبة بهزيمة فريقه، وبدلاً من ذلك رمى المدافع الكرة فوق رأس زميله بعيداً، وبدأ الكل يصيح مشجعاً: أجر يا بيتر، اجر إلى النقطة الاولى، وكانت هذه أبعد مسافة يجريها ابني، واستطاع أن يصل إليها، وترنح في طريقه، وعيناه واسعتان حماساً وارتباكاً، وصرخ كل من كان في الملعب:
اجر إلى النقطة الثانية، ووصل إليها لأن لاعب الخصم بدلاً من أن يعيقه كان يعدل اتجاهه ويشجعه ليصل إلى النقطة الثانية، وهنا وصل إليها! وتعالى صراخ الجميع: اجر اجر يا بطل للنقطة الثالثة، والتقط ابني أنفاسه وجرى بترنح أكثر نحو الثالثة ووجهه يشع بأمل تحقيق فوز لفريقه، وحين اقترب من الثالثة كانت الكرة مع الخصم، ولديه فرصة الفوز بسهولة، ولكنه ألقى بالكرة لزميله، ففهم نواياه وقام بدوره بإلقاء الكرة عالياً بحيث تخطت المدافع عند النقطة الثالثة، وجرى ابني نحو الثالثة وهو مرتبك تماما، في حين أحاطه الآخرون راسمين له الطريق إلى نقطة الفوز، وكان الجميع يصرخ: اجر اجر يا بطل، فجرى للنقطة الرابعة التي بدأ منها وداس على الموقع المحدد ووقف الجميع مصفقا وصارخا لتحيته باعتباره البطل الذي أحرز النقطة الكبرى وحقق لفريقه الفوز!
في ذلك اليوم، أضاف الأب، والدموع تنساب على وجنتيه: ساعد فتيان كلا الفريقين في إضافة قبسة نور من الحب الصادق والإنسانية إلى هذا العالم. لم ير ابني الصيف التالي، حيث وافاه الأجل في ذلك الشتاء، ولكن لم ينس حتى آخر يوم في حياته أنه كان بطل المباراة.
***
التعليق: لو علمنا أن تحضّر اي مجتمع يقاس بمدى الرقي في تعامله مع الأقل حظا من أبنائه، وليس في اسلوب التحفيظ والدعاء والبكاء المستمر في مناهجنا وعاداتنا والبالي من تقاليدنا، لعلمنا بأن علينا التخلي عن كل ذلك إلى الأبد، فهل سنفعل ذلك يوما؟
أحمد الصراف
habibi.enta1@gmail.com