المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إخوة غير أشقاء لعرفات لا يعرفهم إلا المقربون ويعيشون منذ 28 سنة في الإمارات



على
11-10-2004, 12:23 PM
http://www.asharqalawsat.com/2004/11/10/images/news.264956.jpg

في الإمارات العربية المتحدة، وفي الشارقة وأبوظبي بالذات، يقيم 3 أخوة غير أشقاء للرجل الذي عاش متخفيا بأكثر من لقب واسم وسيرة ذاتية، ووراء أكثر من قناع، ليجعل رصد المعلومات عن حياته وماضيه نزهة غير ممتعة لإسرائيليين حاولوا اصطياده طوال 40 سنة من كر وفر دمويين.. انه «أبو عمار» أحيانا، أو الرئيس ياسر عرفات دائما، لكن اسمه في السجلات مختلف تماما، فهو محمد عبد الرؤوف القدوة.

هكذا هو اسمه الحقيقي، المدون في شهادة ميلاده يوم 24 أغسطس (آب) 1929 بدائرة النفوس في القاهرة، حيث أبصر النور كطفل فلسطيني ترعرع يتيماً بعد أن فقد والدته، زهوة أبو السعود، وهي في عز الشباب، وهو طفل بالكاد عمره 4 سنوات.

قضت الأم وهي لم تتجاوز 33 سنة من العمر بداء عضال في الكلى لم يمهلها الوقت الكثير، وغابت في 1933 عن دنيا تركت فيها زوجا أرملا، ومعه من بقي من 7 أطفال أنجبتهم أربعة صغار: إنعام ومحمد وخديجة وفتحي، وجميعهم معروفون، وما زال ثلاثة منهم أحياء بعد وفاة إنعام قبل عام. لكن فتحي يصارع السرطان في مستشفى بالقاهرة الآن، وخديجة معتلة الصحة على كل صعيد ولا تخرج من مأوى تقيم فيه برام الله.

أما محمد، المعروف بياسر، فيصارع الموت حاليا في باريس، حيث تقيم زوجته سهى الطويل، الأم منه لطفلة وحيدة وصغيرة تقيم معها هناك، وعمرها 9 سنوات و3 أشهر، واسمها من اسم جدتها: زهوة.
وعودة مختصرة إلى ماض بعيد قبل 77 سنة، تأتي بجواب سريع للسائل عما حل بابن خان يونس، التاجر الفلسطيني عبد الرؤوف عبد الرحمن القدوة، بعد أن رحل إلى القاهرة في 1927 باحثا عن فرص للتجارة، وعن أرض يقال إن أمه تركتها له هناك، فأمضى النصف الثاني من عمره مطالبا بها طوال 25 سنة في المحاكم المصرية، لكن بلا جدوى، حتى أصبح وهو في منتصف الطريق أرملا بعد زواج استمر 13 سنة، وفي بيته بالقاهرة 4 أطفال بلا أم، وهو وحيد، فقام وأرسل الأولاد إلى بيت خال لهم في القدس، وتزوج ثانية بعد عامين من امرأة قاهرية مجهولة الهوية تماما لأحياء اليوم. لكن الأمور لم تجر كما ينبغي طوال 5 سنوات من العيش في قفص ذهبي جديد، خصوصا أنه لم يرزق منها بأولاد، والدنيا كانت حرب عالمية ثانية، والنتيجة معروفة: الزواج ينتهي بالطلاق.

وقبل نهاية الحرب في منتصف 1945 بسنة، يتزوج عبد الرؤوف ثالثة من فتاة مصرية متوسطة الحال، لكنها غنية بالحسب والنسب في القاهرة، هي فاطمة محمود حمدي التي كانت كالزوجة الأولى، زهوة أبو السعود، امرأة فاضلة عاش معها قبل وفاته في 1954 بخان يونس أكثر من 10 سنوات سعيدة، ورزق منها بولد وابنتين، أبصروا النور بدءا من 1946 بواقع طفل كل عامين، وبأسماء تبدأ دائما بالحرف نفسه: ميرفت ومحسن ومديحة، وهم الأخوة غير الأشقاء لمحمد القدوة، أو الرئيس عرفات.

وقليلون من الأقارب والأصدقاء كانوا يعرفون الاخوة الثلاثة تماما. ومن كان يعرف بوجودهم لم يكن يراهم ولا يرى صورهم، بل لم يكن يريد معرفة المزيد من التفاصيل عنهم، لأن الفضول كان يغضب أبو عمار في ذلك الوقت ويزجه ويزجهم في مخاطر متنوعة منذ مضى إلى صراع مع الإسرائيليين اضطره للتعتيم على ماضيه لأسباب أمنية، فراح ينسج عن حياته سيرا ذاتية مختلفة في كل مرة، حاملا جميع أخوته، أشقاء وغير أشقاء، للعيش في الظل ووراء الكواليس، بحيث لم يكن يعرفهم إلا المقرّبون.

فظلوا لا يظهرون إلى العلن طوال سنوات الكر والفر، حتى تغيّرت الأحوال بعد توقيع اتفاق أوسلو منذ 11 عاما، فتحول معه الصراع المسلح إلى سياسي، وأصبح ممكنا لمن عاشوا في الظل ووراء الكواليس الظهور للناس. لذلك تعرفت «الشرق الأوسط» قبل 5 سنوات إلى الإخوة غير الأشقاء فكتبت عنهم عبر واحد منهم تحدث إليه، وهو الدكتور محسن القدوة، البالغ عمره 5 سنة، وهو مالك «مستشفى القدوة لجراحة الفم والأسنان» الذي أسسه ويديره في عاصمة الإمارات، الدولة التي يعيش فيها صهره الزميل محمد مهيب جبر، وهو صحافي فلسطيني يعمل بالشارقة، حيث يقيم مع ولديه من زوجته مديحة القدوة، 49 سنة، أو صغرى إخوة أبو عمار غير الأشقاء.

وكانت مديحة تعمل مستشارة في وزارة الإعلام بالشارقة، فيما تعمل شقيقتها ميرفت، التي تكبرها بأربع سنوات، في وزارة التربية بالعاصمة الإماراتية، وهي أم لثلاث بنات، ومتزوجة من مصري «يتعاطى بشؤون تجارية خفيفة» وفقا لما قاله الدكتور محسن، المتزوج بدوره من فلسطينية تعمل مدققة حسابات في أحد مصارف أبوظبي، حيث يعيشان مع أولادهما الثلاثة: عمر وفيصل، البالغان 18 و17 سنة، وفاطمة البالغ عمرها 15 سنة.

يذكر الدكتور محسن عن أخيه غير الشقيق، ياسر عرفات، أنه كان يزور من حين لآخر أخوته غير الأشقاء ووالدتهم التي رحلت عن الدنيا بهبوط في القلب قبل 20 سنة «يومها جاء أبو عمار حزينا إلى أبوظبي، فزارها في مستشفى نقلناها إليه، حيث توفيت وهي في السبعين من عمرها» كما قال الدكتور محسن، الموجود منذ يومين في باريس لمرافقة علاج أخيه غير الشقيق.

ويروي الدكتور محسن أن والدته الراحلة حدثته وإخوته عن والدهم وعن ذكريات قديمة، معظمها مؤلم، كالحياة الصعبة التي عانتها الأسر الفلسطينية في حرب 1948 وما تلاها من كوارث، وعن الطرد من فلسطين، ووفاة الوالد في 1954 بخان يونس، وهو في منتصف العمر تقريبا «فقد توفي بنوبة قلبية، وضريحه الآن في مقبرة قديمة بالمدينة التي ولد فيها بأوائل القرن، وفيها أمضى آخر عامين من حياته، بعد العودة النهائية من القاهرة».

ويقول الدكتور محسن إنه كان بعمر 6 سنوات يوم وفاة والده. مع ذلك يتذكره كالطيف تقريبا، فيصفه بأنه كان من النوع الهادئ، ويذكر عنه ما لا ينساه «أي عندما كان يأخذني بيده حين يأتي ميقات الصلاة، فيجلسني إلى جانبه ويبدأ يصلي، فأنظر إلى ما كان يفعل وأستمع إلى ما كان يقول».

أما محمد، أي الرئيس ياسر عرفات، فكان عمره 25 سنة عندما توفي والده، لذلك يتذكره الأخ غير الشقيق كالطيف أيضا، فيقول: «كان في ذلك الوقت طالبا، ثم أنهى دراسته في الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، وبعدها شارك في الحرب زمن العدوان الثلاثي في 1956 على مصر، ومن بعدها غادر إلى الكويت ولم يعد يظهر في القاهرة إلا بدءا من 1968 تقريبا».
ويذكر أنه لم يختلف مع أخيه غير الشقيق أبدا «فقد كان يكبرني بعشرين سنة، فكيف نختلف. كما انه لا خلافات بين الإخوة، إلى جانب أنه كان مميزا وهادئا كالوالد، ولا أتذكر مرور حالات عصبية بيننا على أية حال».

ولا يعمل الدكتور محسن في الإمارات بالحقل الطبي فقط، فهو ناشط بأعمال واستثمارات متنوعة، عبر مؤسسة يملكها ويديرها في أبوظبي، أطلق عليها اسم «شركة القدوة التجارية» الناشطة ببيع وشراء الأسهم، إضافة إلى نشاطها في المقاولات والتجارة العامة. وقال إن أبو عمار لم يساعده في شيء مما يملكه ويديره «وكيف أطلب مساعدته، وأنا الذي أدعو الله أن يعينه مما هو فيه؟ لقد حمل عبئا ثقيلا. انه رجل مميز ومن الصعب على أحد ممن هم حوله أن يحل مكانه، ولا أقول ذلك لأنه أخي، بل شهدت بنفسي النعمة التي منحها له الله بجعله مميزا عن سواه» وفق تعبيره.

ويتحدث الدكتور محسن بلهجة فلسطينية خالصة، مع أنه عاش قسما كبيرا من حياته في القاهرة وليبيا والمغرب، وزار معظم الدول العربية. ويعزو الأخ غير الشقيق لأبو عمار استمرار لهجته الفلسطينية إلى أنه لم ينسلخ عن الجاليات الفلسطينية حيث عاش «أما الرئيس فلهجته مصرية، وهو يقول عبارة جميلة دائما، هي أنه مصري الهوى» بحسب ما يتذكره عنه.
ويقول الدكتور محسن إنه لم يترك الإمارات بعد اتفاق أوسلو ليعيش في غزة أو سواها «لأنني لو فعلت ذلك لأضعت فرصة عمل على غيري». كما يذكر الدكتور المتخصص بجراحة الفم وطب الأسنان عن عائلته بأنها كانت تقيم في شارع البارون، بحي السكاكيني في القاهرة، وفيه كانت قصور قديمة وفيلات، ثم انتقلت إلى عمارة بشارع دمشق في مصر الجديدة التي تضررت فيما بعد من زلزال ضرب العاصمة المصرية، مما اضطر العائلة للانتقال إلى شقة ما تزال إلى الآن في العمارة الرقم 24 بشارع نادية خليفة.

كما يروي الدكتور محسن أن عائلته كانت مستورة «فنحن لم نكن أغنياء، ولكن كان عندنا ما يكفي لنعيش وندرس. تعلمنا في الجامعات بالقاهرة، والكبير منا أعان الصغير» وروى أن أبو عمار كان يساهم بمصروف البيت من الكويت، مع أن الوالد ترك إرثا معقولا، وهو أراض وأملاك، لكن الدكتور محسن يقول «الأملاك راحت.. فقد كانت للأوقاف في القاهرة وغزة.. تركها لنا الوالد، لكنها كانت للأوقاف».

ولا توجد أي فكرة لدى الدكتور محسن، الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» لدقائق قليلة قبل مغادرته إلى باريس منذ يومين، عما يقال من أن والده أقام دعوى على الحكومة المصرية، مطالبا بأرض تركتها له والدته في القاهرة، والأرض كانت كبيرة ومهمة، ويبدو أن حديقة الأزبكية تحتل موقعها اليوم، وأنه ربح الدعوى ببداية 1953 زمن الحكم الناصري، لكن الحكومة أممتها ودفعت له تعويضات، فرفضها وعاد إلى خان يونس حزينا، فاستغرب الدكتور محسن القصة، وقال إنه لا يعلم عنها شيئا على الإطلاق.