سمير
05-28-2011, 12:21 AM
First Published: 2011-05-26
أين تجد حزبا أو حركة هو جزء من الناتو والمجاهدين معا، ومع الثورة وضدها، وشيعي وسني في آن؟ الجواب بسيط: الأخوان.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: سيف نصر الفيصل
جلست إلى شيخي في ذلك الركن القصي من الجامع لأسأله: كيف سرقوا منّا إسلامنا؟ كيف أصبح الإسلام، دين المودة والرحمة والفطرة، حكراً بأيدي أخوان وسلفيين؟ أين السبيل إلى الفوز بإسلامنا من بين أيدي هؤلاء؟
رد شيخي الحكيم وقال: يا ولدي إننا اليوم في امتحان كبير. فعواء ذئاب السلفية ينغص علينا حياتنا، لكن فحيح ثعابين الأخوان هو الأخطر على مستقبل هذه الأمة وهذا الدين.
فكرت مليَّا فيما قاله شيخي الجليل ووجدت انه بعباراته البليغة هذه ربما يكون قد لخص حالنا اليوم في مواجهة واحد من أكبر التحديات المعاصرة: الفتنة.
الفتنة كادت تودي بالدين الإسلامي في أول عصوره لولا أن له ربا يحميه. ففي عز مجد الفتوحات الإسلامية جاء منْ يشق الدين ويوقف انتشاره ولكي يسعى لإشغاله بصراعات حول أحقية الخلافة، وما هو إلا صراع لا يختلف كثيراً عن صراع اخوان اليوم مع سلفيته.
السلفيون خطرون ولكن على أنفسهم وعلى من يحيط بهم. صاروا عبدة الممارسات بدلاً من أن يكونوا عبدة الله وتحول الدين بين أيديهم إلى مطاوعة وعصي وإجبار.
هم ساذجون في تفسيرهم لهذا الدين السمح وتائهون بين القرون الماضية وحال العالم اليوم. لا يستطيعون تقدير أن العصر تغير، ولكن روح الإسلام لم تتغير. يدوخون في أدق التفاصيل في ما هو حلال وحرام ومسموح ومكروه، دون أن يراعوا أن الإسلام ما بلغ ما بلغه إلا لأنه كان قادرا على التطور وتبني الأفكار ورعايتها ونشرها.
يُكرهون الناس على الممارسات ولا يبدو أنهم يهتمون بما في الصدور. ويجعلون الشباب ينفرون منهم حتى صاروا عبئاً على الإسلام الحنيف.
ولعلي لا أبالغ إذ أقول أن أكثرهم سذاجة هم الجهاديون منهم. فهل يوجد فشل أكبر من أن تقتل نفسك وتقتل الآخرين فلا تتغير ولا تغير بل تقطع طريق الحياة التي وهبنا إياها الله تعالى؟
***
الاخوان قصة ثانية. إنهم مشروع سياسي يتلحف بالدين للوصول إلى غايات سلطوية مطلقة. وهم في طريقهم يتلونون ويتحالفون ويخاتلون كما يفعل أي سياسي في حزب علماني.
لا يتحسس الأخوان من تناقضاتهم بل يوجدون الأعذار والتبريرات لتسويغ كل شيء.
دعونا نستعرض مشهد اخوان اليوم لأنه واحد من أكثر المشاهد تعقيداً ولكن من السهولة تفسيره ما أن نعرف أن الألوان الخارجية ما هي إلا تغليف لمشروع واحد.
الاخواني المعاصر يحكم تركيا ويتحالف مع الناتو ويحارب حروبه ويضرب بسيفه. لا يضيره أن تكون ميزانية الدولة في جزء منها من ضرائب "عرق" مومسات اسطنبول أو من ضرائب "عرق" الراكي الشهير الذي تفخر به مطاعم أنقرة.
وهو يحكم غزة تحت مسمى حماس ويسب الغرب والناتو الذي ينصر إسرائيل عليه.
وهو يحالف سوريا ويتخذ من دمشق مقراً لحركته الفلسطينية ولا يرى ضيرا في أن القانون السوري يحكم بالإعدام على منتسبي فرعه الشامي، بل لا يبدو مهتما بالثورة السورية التي لا يمكن إغفال دور الأصابع الاخوانية فيها.
وهو شيعي الهوى حتى وأن كفّر "الرافضة" ويدعو الناس إلى أن تسبح بحمد إيران وأن يتحول العالم العربي إلى نسخة من جنوب لبنان والضاحية أسوة بنموذج حزب الله.
لا يمانع في نسخته المغربية في أن يبشر بولاية الفقيه والمرشد الأعلى في بلد الصوفية المالكية.
يستطيع أن يتحالف مع إيران في أفغانستان تحت مظلة قلب الدين حكمتيار ثم ينقلب التحالف ولا نعرف مصير ذاك "المجاهد" ولا يبدو أن أحداً من الاخوان يسأل عنه أو يريد أن يعرف مصيره.
لا يضيره أن يسحق جندي أميركي رأس رئيس الاخوان في العراق تحت بسطاره، بل لديه رئيس احتياط سرعان ما ينصبه نائباً لرئيس الجمهورية في عراق الاحتلالين الأميركي والإيراني.
يمنع أعضاءه ومناصريه من الخروج ضد مبارك، ثم يتحرك سريعاً ليرسل شباب الثورة إلى منازلهم ويصير هو "الثائر الحاكم".
لا مانع لديه أن ينهي اتحاد الشغل في تونس والشباب نظام بن علي ليأتي قادماً من مهجره الغربي ليصير الحكم والفصل. ولا بأس من أن يحتسب منْ مات منتحراً حرقاً شهيداً حتى وان تعارض قتل النفس مع شريعة الله.
لا يجد الاخواني مشكلة في أن يرسل الآلاف المؤلفة إلى المدارس والجامعات الدينية في اليمن ليقول إنما يفعل هذا هداية لهم ولا يكلف نفسه الرد على التساؤل: هل نحن بحاجة إلى كل هؤلاء الواعظين أم هم جيش ينتظر دوره؟ كم واعظاً يحتاج اليمن مقابل حاجته إلى المهندسين والأطباء والحرفيين والعمال؟
الاخواني اليوم يرتدي بدلة ويدير أكبر المحطات الفضائية ويقدم من خلالها مشروعه ومشروع أميركا وإسرائيل في المنطقة على حد سواء. يجلس على بعد دقائق من القاعدة الأميركية وفي حماها "لينتقد" السياسات "المجحفة" لواشنطن بحق "اخواننا الفلسطينيين والعراقيين".
بعد عدة أيام يرتدي قفطاناً ويستعين بلحية طويلة وسنوات عمر مديدة ليعظ في ساحة التحرير ويدفع جانباً المحرض العلماني الشاب عن المنصة.
يدرك أهمية الفضائيات ومواقع الانترنت فيسخرها دعوياً ويصل من خلالها إلى كل ركن قصي كما كان يفعل في زرع أركانه في كل حارة وكل قرية.
يتحالف مع إيران في زعزعة الخليج ويبث فتنة بين الشباب عله يفكك نظاماً قبلياً هو الدرع في مواجهته.
يتكلم الانجليزية أمام المشاهد الغربي ويتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخصوصاً المرأة، بعد أن يكون قد أقفل على زوجته أو أخته الباب "درءاً للمفاسد".
***
حكم كهنة المعابد البلدان باسم الدين خفية وجهراً. لا يهمهم التناقضات بل هي صنعتهم.
كهنة الاخوان لن يكونوا استثناء وسيسرهم أن يجدوا حول معبدهم الجديد منْ يقوم بدور السلفي العبيط.
سيف نصر الفيصل
أين تجد حزبا أو حركة هو جزء من الناتو والمجاهدين معا، ومع الثورة وضدها، وشيعي وسني في آن؟ الجواب بسيط: الأخوان.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: سيف نصر الفيصل
جلست إلى شيخي في ذلك الركن القصي من الجامع لأسأله: كيف سرقوا منّا إسلامنا؟ كيف أصبح الإسلام، دين المودة والرحمة والفطرة، حكراً بأيدي أخوان وسلفيين؟ أين السبيل إلى الفوز بإسلامنا من بين أيدي هؤلاء؟
رد شيخي الحكيم وقال: يا ولدي إننا اليوم في امتحان كبير. فعواء ذئاب السلفية ينغص علينا حياتنا، لكن فحيح ثعابين الأخوان هو الأخطر على مستقبل هذه الأمة وهذا الدين.
فكرت مليَّا فيما قاله شيخي الجليل ووجدت انه بعباراته البليغة هذه ربما يكون قد لخص حالنا اليوم في مواجهة واحد من أكبر التحديات المعاصرة: الفتنة.
الفتنة كادت تودي بالدين الإسلامي في أول عصوره لولا أن له ربا يحميه. ففي عز مجد الفتوحات الإسلامية جاء منْ يشق الدين ويوقف انتشاره ولكي يسعى لإشغاله بصراعات حول أحقية الخلافة، وما هو إلا صراع لا يختلف كثيراً عن صراع اخوان اليوم مع سلفيته.
السلفيون خطرون ولكن على أنفسهم وعلى من يحيط بهم. صاروا عبدة الممارسات بدلاً من أن يكونوا عبدة الله وتحول الدين بين أيديهم إلى مطاوعة وعصي وإجبار.
هم ساذجون في تفسيرهم لهذا الدين السمح وتائهون بين القرون الماضية وحال العالم اليوم. لا يستطيعون تقدير أن العصر تغير، ولكن روح الإسلام لم تتغير. يدوخون في أدق التفاصيل في ما هو حلال وحرام ومسموح ومكروه، دون أن يراعوا أن الإسلام ما بلغ ما بلغه إلا لأنه كان قادرا على التطور وتبني الأفكار ورعايتها ونشرها.
يُكرهون الناس على الممارسات ولا يبدو أنهم يهتمون بما في الصدور. ويجعلون الشباب ينفرون منهم حتى صاروا عبئاً على الإسلام الحنيف.
ولعلي لا أبالغ إذ أقول أن أكثرهم سذاجة هم الجهاديون منهم. فهل يوجد فشل أكبر من أن تقتل نفسك وتقتل الآخرين فلا تتغير ولا تغير بل تقطع طريق الحياة التي وهبنا إياها الله تعالى؟
***
الاخوان قصة ثانية. إنهم مشروع سياسي يتلحف بالدين للوصول إلى غايات سلطوية مطلقة. وهم في طريقهم يتلونون ويتحالفون ويخاتلون كما يفعل أي سياسي في حزب علماني.
لا يتحسس الأخوان من تناقضاتهم بل يوجدون الأعذار والتبريرات لتسويغ كل شيء.
دعونا نستعرض مشهد اخوان اليوم لأنه واحد من أكثر المشاهد تعقيداً ولكن من السهولة تفسيره ما أن نعرف أن الألوان الخارجية ما هي إلا تغليف لمشروع واحد.
الاخواني المعاصر يحكم تركيا ويتحالف مع الناتو ويحارب حروبه ويضرب بسيفه. لا يضيره أن تكون ميزانية الدولة في جزء منها من ضرائب "عرق" مومسات اسطنبول أو من ضرائب "عرق" الراكي الشهير الذي تفخر به مطاعم أنقرة.
وهو يحكم غزة تحت مسمى حماس ويسب الغرب والناتو الذي ينصر إسرائيل عليه.
وهو يحالف سوريا ويتخذ من دمشق مقراً لحركته الفلسطينية ولا يرى ضيرا في أن القانون السوري يحكم بالإعدام على منتسبي فرعه الشامي، بل لا يبدو مهتما بالثورة السورية التي لا يمكن إغفال دور الأصابع الاخوانية فيها.
وهو شيعي الهوى حتى وأن كفّر "الرافضة" ويدعو الناس إلى أن تسبح بحمد إيران وأن يتحول العالم العربي إلى نسخة من جنوب لبنان والضاحية أسوة بنموذج حزب الله.
لا يمانع في نسخته المغربية في أن يبشر بولاية الفقيه والمرشد الأعلى في بلد الصوفية المالكية.
يستطيع أن يتحالف مع إيران في أفغانستان تحت مظلة قلب الدين حكمتيار ثم ينقلب التحالف ولا نعرف مصير ذاك "المجاهد" ولا يبدو أن أحداً من الاخوان يسأل عنه أو يريد أن يعرف مصيره.
لا يضيره أن يسحق جندي أميركي رأس رئيس الاخوان في العراق تحت بسطاره، بل لديه رئيس احتياط سرعان ما ينصبه نائباً لرئيس الجمهورية في عراق الاحتلالين الأميركي والإيراني.
يمنع أعضاءه ومناصريه من الخروج ضد مبارك، ثم يتحرك سريعاً ليرسل شباب الثورة إلى منازلهم ويصير هو "الثائر الحاكم".
لا مانع لديه أن ينهي اتحاد الشغل في تونس والشباب نظام بن علي ليأتي قادماً من مهجره الغربي ليصير الحكم والفصل. ولا بأس من أن يحتسب منْ مات منتحراً حرقاً شهيداً حتى وان تعارض قتل النفس مع شريعة الله.
لا يجد الاخواني مشكلة في أن يرسل الآلاف المؤلفة إلى المدارس والجامعات الدينية في اليمن ليقول إنما يفعل هذا هداية لهم ولا يكلف نفسه الرد على التساؤل: هل نحن بحاجة إلى كل هؤلاء الواعظين أم هم جيش ينتظر دوره؟ كم واعظاً يحتاج اليمن مقابل حاجته إلى المهندسين والأطباء والحرفيين والعمال؟
الاخواني اليوم يرتدي بدلة ويدير أكبر المحطات الفضائية ويقدم من خلالها مشروعه ومشروع أميركا وإسرائيل في المنطقة على حد سواء. يجلس على بعد دقائق من القاعدة الأميركية وفي حماها "لينتقد" السياسات "المجحفة" لواشنطن بحق "اخواننا الفلسطينيين والعراقيين".
بعد عدة أيام يرتدي قفطاناً ويستعين بلحية طويلة وسنوات عمر مديدة ليعظ في ساحة التحرير ويدفع جانباً المحرض العلماني الشاب عن المنصة.
يدرك أهمية الفضائيات ومواقع الانترنت فيسخرها دعوياً ويصل من خلالها إلى كل ركن قصي كما كان يفعل في زرع أركانه في كل حارة وكل قرية.
يتحالف مع إيران في زعزعة الخليج ويبث فتنة بين الشباب عله يفكك نظاماً قبلياً هو الدرع في مواجهته.
يتكلم الانجليزية أمام المشاهد الغربي ويتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخصوصاً المرأة، بعد أن يكون قد أقفل على زوجته أو أخته الباب "درءاً للمفاسد".
***
حكم كهنة المعابد البلدان باسم الدين خفية وجهراً. لا يهمهم التناقضات بل هي صنعتهم.
كهنة الاخوان لن يكونوا استثناء وسيسرهم أن يجدوا حول معبدهم الجديد منْ يقوم بدور السلفي العبيط.
سيف نصر الفيصل