سيد مرحوم
11-07-2004, 04:15 PM
نص الرسالة التي كتبها المعتقل الحقوقي عبدالهادي الخواجة من داخل السجن
بسم الله الرحمن الرحيم
أود في البداية أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى جميع من تعاطف معي وساندني من الأهل والأصدقاء والمحامين والشخصيات الدينية والسياسية وأفراد المجتمع، والمنظمات في داخل البحرين وخارجها.
وأتوجه بهذا الخطاب إلى كل من يعنيه الأمر، بغرض استعراض تطورات القضية التي أنا موقوف من أجلها منذ 25 سبتمبر الماضي. حيث سأحاول تقييم الأبعاد القانونية والحقوقية للقضية، وبناءً على ذلك سأبين موقفي بشأنها.
أولاً: فيما يتصل بموضوع التهمة وطريقة تحريك الدعوى القضائية، فبالرغم من أن الحكومة قد جندت نفوذها في مؤسسات الدولة والمجتمع وفي وسائل الإعلام لاتهامي وإدانتي أمام الرأي العام ب"الشتم" و"الإساءة" و"التجريح" بحق شخص أو أشخاص آخرين، وهي تهمة إن صحت فتقتضي أن يتقدم المتضرر بشكوى قضائية بعنوان القذف ليتم التقاضي على أساس جنائي صرف. إلا أن الحكومة _ بدلاً من ذلك_ اختارت تحريك القضية عبر النيابة بتهمة ذات طابع سياسي، تمثل موضوعها في نعت الحكومة ورئيسها بالفساد وإهدار الأموال العامة، وهو ما يجعل القضية ذات ارتباط مباشر بحرية التعبير عن الرأي.
ثانياً: لجأت الحكومة إلى استخدام النيابة العامة كذراع قضائي لها. فقد استفادت من قانون الإجراءات الجنائية الذي شرعته بنفسها عام 2002. وهو قانون يصف النيابة بأنها جزء من القضاء إلا أنه يضعها من الناحية الإجرائية بيد الحكومة. مما يمكن الحكومة من إساءة الاستفادة من الصلاحيات المبالغ في سعتها في الضبط والاتهام وإجراءات التقاضي. وقد شاهدنا في هذه القضية كيف تم استخدام تلك الصلاحيات في إصدار قرار الاعتقال، والإبقاء في الحبس الاحتياطي لمدة طويلة دون ضرورة قانونية. ثم كيف تم تشكيل الاتهامات بخلفية سياسية. أما المرافعة المكتوبة والتي تقدم بها رئيس النيابة إلى المحكمة فإنها لم تبق أية فرصة للنيابة لإدعاء النزاهة والاستقلالية عن الحكومة، فقد جاءت لغة المرافعة معبأة بالتحامل المبالغ فيه ضد المتهم، والدفاع عن الحكومة ورئيسها بخطاب عاطفي بعيد عن المنطق ولغة القانون.
ثالثاً: نظراً لعدم وجود شكوى شخصية بالقذف، أي عدم وجود قضية جنائية يتم التقاضي الاعتيادي على أساسها، فلم تجد الحكومة أمامها سوى الاستعانة بمواد أمن الدولة من قانون العقوبات والذي شرعته بنفسها في حقبة أمن الدولة لتتمكن من تقييد الحريات وتجريم المخالفين لها. وهي مواد طالما انتقدتها هيئات الأمم المتحدة المختصة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، باعتبار أن هذه المواد فضفاضة ويمكن استخدامها لانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات. وقد أضيف إلى ذلك ما قام به الأساتذة المحامين الذين تطوعوا في قضيتي هذه من تقديم مذكرة رصينة تطعن في المادة 165 من قانون العقوبات بأنها تتعارض مع حرية التعبير التي نص عليها الدستور. وهذه المادة نموذج لما يحتوي عليه القانون المذكور.
رابعاً: باعتبار أن القضاء بشكل عام لا يزال يعاني من نفوذ الإدارة التنفيذية، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضايا ذات الطابع السياسي، لذلك لم يكن مفاجئاً استمرار المحكمة في تمديد الحبس الاحتياطي مرة بعد أخرى رغم انتقاء الضرورة القانونية. كما لم يكن مفاجئاً مسارعة قاضي المحكمة للدفاع عن مشروعية قانون العقوبات وسلامته القانونية رداً على قول المتهم بأن القانون غير دستوري حيث صدر في غياب البرلمان في حقبة أمن الدولة.
بناءً على ما تقدم: فإن هذه القضية قد افتقدت للأساس القانوني السليم، وجانبت النزاهة والحياد ومقتضيات العدالة، سواءً في الإجراءات أو القوانين. وإن ما يسمى بالمحاكمة ليس سوى محاكمة أمن الدولة تم عقدها بدوافع سياسية وبغرض تجريم انتقاد السلطة واتهامها بالفساد. ولا يوجد أي دليل بأن نتائج هذه "المحاكمة" ستكون منفصلة عن مقدماتها أو مغايرة لطبيعتها. لذلك.. فإن التعاطي مع هذه المحاكمة سيمنحها معنوياً الشرعية التي تفتقدها، وإن القبول بإجراءاتها وقراراتها يؤسس لسابقة خطيرة في العهد الجديد، حيث تصبح محاكمات أمن الدولة سيفاً مسلطاً تستخدمه الحكومة حين وكيف تشاء لتقييد الحريات والمعاقبة على ممارستها. ولذلك.. فقد وجدت من الضروري أن أمتنع عن حضور جلسات هذه المحاكمة ، وأن لا أضع أي اعتبار لمجرياتها وقراراتها. ويصبح من الواضح الآن.. بأن هذه القضية من ناحية الموضوع هي احتجاز تعسفي وانتهاك لحرية التعبير. وان أي قرار يصدر عن المحاكمة المذكورة لن يغير من صفة وموضوع القضية. وقد جاء في قرار فريق الأمم المتحدة المختص بالاحتجاز التعسفي _في قراره الصادر عام 1996 بشأن المحكومين من قبل محكمة أمن الدولة البحرينية_ بأن تقييد الحرية الناشئ عن محاكمة مبنية على إجراءات وقوانين غير عادلة، يعتبر احتجازاً تعسفياً يلزم وضع حد له، والتعويض عن أضراره؟
وإنني أرى بأن مجريات هذه القضية تصلح نموذجاً وعبرة ودافعها لإصلاح القوانين المتعلقة بالحريات وتحقيق استقلالية القضاء والحد من أهمية السلطة التنفيذية على مؤسسات الدولة والمجتمع ووسائل الإعلام.
وختاماً: فإنني أطلب من المحامين الأعزاء، وجميع المتعاطفين معي في هذه القضية، أن يتجاهلوا هذه المحاكمة الصورية ويقاطعوا جلساتها ويعتبروا كأنها لم تكن.
وأطالب السلطات بإطلاق سراحي فوراً ودون قيد أو شرط، مع ضمان حقي كأي فرد آخر في التعبير عن رأيي في الشؤون العامة للبلد، ومن ذلك ما يتعلق بأداء الحكومة الذي يتسم بالفساد الإداري والمالي وإهدار الأموال العامة، خصوصاً لأن ذلك يعد سبباً رئيسياً لانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الفقر وتدني مستويات المعيشة.
أما القول بأن موقفي هذا قد يؤدي إلى تشدد الحكومة في القضية وإبقائي في السجن لفترة أطول، فإني لا أملك إزاء ذلك سوى أن أردد ما جاء في القرآن الكريم على لسان يوسف (عليه السلام): "قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه"
والله المستعان، وهو أرحم الراحمين.
عبد الهادي الخواجة
سجن الحوض الجاف
30/10/2004
بسم الله الرحمن الرحيم
أود في البداية أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى جميع من تعاطف معي وساندني من الأهل والأصدقاء والمحامين والشخصيات الدينية والسياسية وأفراد المجتمع، والمنظمات في داخل البحرين وخارجها.
وأتوجه بهذا الخطاب إلى كل من يعنيه الأمر، بغرض استعراض تطورات القضية التي أنا موقوف من أجلها منذ 25 سبتمبر الماضي. حيث سأحاول تقييم الأبعاد القانونية والحقوقية للقضية، وبناءً على ذلك سأبين موقفي بشأنها.
أولاً: فيما يتصل بموضوع التهمة وطريقة تحريك الدعوى القضائية، فبالرغم من أن الحكومة قد جندت نفوذها في مؤسسات الدولة والمجتمع وفي وسائل الإعلام لاتهامي وإدانتي أمام الرأي العام ب"الشتم" و"الإساءة" و"التجريح" بحق شخص أو أشخاص آخرين، وهي تهمة إن صحت فتقتضي أن يتقدم المتضرر بشكوى قضائية بعنوان القذف ليتم التقاضي على أساس جنائي صرف. إلا أن الحكومة _ بدلاً من ذلك_ اختارت تحريك القضية عبر النيابة بتهمة ذات طابع سياسي، تمثل موضوعها في نعت الحكومة ورئيسها بالفساد وإهدار الأموال العامة، وهو ما يجعل القضية ذات ارتباط مباشر بحرية التعبير عن الرأي.
ثانياً: لجأت الحكومة إلى استخدام النيابة العامة كذراع قضائي لها. فقد استفادت من قانون الإجراءات الجنائية الذي شرعته بنفسها عام 2002. وهو قانون يصف النيابة بأنها جزء من القضاء إلا أنه يضعها من الناحية الإجرائية بيد الحكومة. مما يمكن الحكومة من إساءة الاستفادة من الصلاحيات المبالغ في سعتها في الضبط والاتهام وإجراءات التقاضي. وقد شاهدنا في هذه القضية كيف تم استخدام تلك الصلاحيات في إصدار قرار الاعتقال، والإبقاء في الحبس الاحتياطي لمدة طويلة دون ضرورة قانونية. ثم كيف تم تشكيل الاتهامات بخلفية سياسية. أما المرافعة المكتوبة والتي تقدم بها رئيس النيابة إلى المحكمة فإنها لم تبق أية فرصة للنيابة لإدعاء النزاهة والاستقلالية عن الحكومة، فقد جاءت لغة المرافعة معبأة بالتحامل المبالغ فيه ضد المتهم، والدفاع عن الحكومة ورئيسها بخطاب عاطفي بعيد عن المنطق ولغة القانون.
ثالثاً: نظراً لعدم وجود شكوى شخصية بالقذف، أي عدم وجود قضية جنائية يتم التقاضي الاعتيادي على أساسها، فلم تجد الحكومة أمامها سوى الاستعانة بمواد أمن الدولة من قانون العقوبات والذي شرعته بنفسها في حقبة أمن الدولة لتتمكن من تقييد الحريات وتجريم المخالفين لها. وهي مواد طالما انتقدتها هيئات الأمم المتحدة المختصة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، باعتبار أن هذه المواد فضفاضة ويمكن استخدامها لانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات. وقد أضيف إلى ذلك ما قام به الأساتذة المحامين الذين تطوعوا في قضيتي هذه من تقديم مذكرة رصينة تطعن في المادة 165 من قانون العقوبات بأنها تتعارض مع حرية التعبير التي نص عليها الدستور. وهذه المادة نموذج لما يحتوي عليه القانون المذكور.
رابعاً: باعتبار أن القضاء بشكل عام لا يزال يعاني من نفوذ الإدارة التنفيذية، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضايا ذات الطابع السياسي، لذلك لم يكن مفاجئاً استمرار المحكمة في تمديد الحبس الاحتياطي مرة بعد أخرى رغم انتقاء الضرورة القانونية. كما لم يكن مفاجئاً مسارعة قاضي المحكمة للدفاع عن مشروعية قانون العقوبات وسلامته القانونية رداً على قول المتهم بأن القانون غير دستوري حيث صدر في غياب البرلمان في حقبة أمن الدولة.
بناءً على ما تقدم: فإن هذه القضية قد افتقدت للأساس القانوني السليم، وجانبت النزاهة والحياد ومقتضيات العدالة، سواءً في الإجراءات أو القوانين. وإن ما يسمى بالمحاكمة ليس سوى محاكمة أمن الدولة تم عقدها بدوافع سياسية وبغرض تجريم انتقاد السلطة واتهامها بالفساد. ولا يوجد أي دليل بأن نتائج هذه "المحاكمة" ستكون منفصلة عن مقدماتها أو مغايرة لطبيعتها. لذلك.. فإن التعاطي مع هذه المحاكمة سيمنحها معنوياً الشرعية التي تفتقدها، وإن القبول بإجراءاتها وقراراتها يؤسس لسابقة خطيرة في العهد الجديد، حيث تصبح محاكمات أمن الدولة سيفاً مسلطاً تستخدمه الحكومة حين وكيف تشاء لتقييد الحريات والمعاقبة على ممارستها. ولذلك.. فقد وجدت من الضروري أن أمتنع عن حضور جلسات هذه المحاكمة ، وأن لا أضع أي اعتبار لمجرياتها وقراراتها. ويصبح من الواضح الآن.. بأن هذه القضية من ناحية الموضوع هي احتجاز تعسفي وانتهاك لحرية التعبير. وان أي قرار يصدر عن المحاكمة المذكورة لن يغير من صفة وموضوع القضية. وقد جاء في قرار فريق الأمم المتحدة المختص بالاحتجاز التعسفي _في قراره الصادر عام 1996 بشأن المحكومين من قبل محكمة أمن الدولة البحرينية_ بأن تقييد الحرية الناشئ عن محاكمة مبنية على إجراءات وقوانين غير عادلة، يعتبر احتجازاً تعسفياً يلزم وضع حد له، والتعويض عن أضراره؟
وإنني أرى بأن مجريات هذه القضية تصلح نموذجاً وعبرة ودافعها لإصلاح القوانين المتعلقة بالحريات وتحقيق استقلالية القضاء والحد من أهمية السلطة التنفيذية على مؤسسات الدولة والمجتمع ووسائل الإعلام.
وختاماً: فإنني أطلب من المحامين الأعزاء، وجميع المتعاطفين معي في هذه القضية، أن يتجاهلوا هذه المحاكمة الصورية ويقاطعوا جلساتها ويعتبروا كأنها لم تكن.
وأطالب السلطات بإطلاق سراحي فوراً ودون قيد أو شرط، مع ضمان حقي كأي فرد آخر في التعبير عن رأيي في الشؤون العامة للبلد، ومن ذلك ما يتعلق بأداء الحكومة الذي يتسم بالفساد الإداري والمالي وإهدار الأموال العامة، خصوصاً لأن ذلك يعد سبباً رئيسياً لانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الفقر وتدني مستويات المعيشة.
أما القول بأن موقفي هذا قد يؤدي إلى تشدد الحكومة في القضية وإبقائي في السجن لفترة أطول، فإني لا أملك إزاء ذلك سوى أن أردد ما جاء في القرآن الكريم على لسان يوسف (عليه السلام): "قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه"
والله المستعان، وهو أرحم الراحمين.
عبد الهادي الخواجة
سجن الحوض الجاف
30/10/2004