المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما بين مئة يوم المالكي وألف ليلة وليلة شهرزاد



د. حامد العطية
05-12-2011, 06:56 PM
ما بين مئة يوم المالكي وألف ليلة وليلة شهرزاد
د. حامد العطية

مئة يوم، مهلة المالكي لوزراءه، ولعل لسانه سبق عقله، فسارع ليستدرك موضحاً أو متراجعاً بأن كل المطلوب منهم تطوير منهج عملهم، الكلي لا التفصيلي بالطبع، واجزم بأن ليس من بين مستشاريه أحد ملم بالإدارة، والإدارة الحكومية بالذات، وبالتحديد سرعة دوران عجلتها، وبالعصي التي تمتد من هنا وهناك لعرقلة حركتها، هل يحتاج المالكي ورهطه لمحاضرة في ديناميكية التغيير؟ ربما ولكن سأترك المنصة لمن هي اقدر مني على الحديث المباح، والتي كان ومازال الملايين وبكل اللغات يستمعون لكلامها، ويتابعونه بشغف.
هي شهرزاد، المرأة الراوية ذات الخيال الواسع والحكمة الفائقة، ملهمة السمفونيات ورقصات الباليه.
شهرزاد، خبراتها متعددة، أشهرها في فن الرواية، وأقلها ذيوعاً علم النفس التطبيقي، هي بالتأكيد أكثر استحقاقاً للدكتوراة في هذا المجال من المالكي لشهادة الدكتوراة الفخرية في القانون أو العلوم السياسية، الممنوحة له مؤخراً.
حالة واحدة كافية لنحكم لها بالبراعة، هي حالة زوجها شهريار، المصدوم عاطفياً، بعد أن شهد خيانة زوجته الأولى، في مقاييسنا المعوجة خيانة أمرأة واحدة دليل كاف على خيانة كل النساء، ذلك مكيالنا للنساء، وللرجال مكيال مختلف بالطبع، لأن مكاييلنا القبلية من صنعنا، ولأن شهريار قبلي مثلنا جميعاً، قرر الانتقام لقبيلته الذكورية من القبيلة الأنثوية، بقتل كل امراة يتزوجها في ليلة عرسهما، وصدق مؤلف ألف ليلة وليلة إذ تكفي صدمة واحدة لكي نفقد رشدنا ونتحول إلى قبليين قتلة، أو على الأقل نصاب بالعقد النفسية التي تقلب حياتنا رأساً على عقب، وتعكر صفو كل من يحيط بنا.
كلنا نتعاطف معه، ونجد له العذر، وإن انكرنا ذلك، لم يقل أحد عنه بأنه مجنون، وهو ليس من نوع القتلة التسلسليين – إن صحت الترجمة - الذين تقرؤون عنهم في الأخبار، أبو طبر كان قاتلاً تسلسلياًً، ومع أن شهريار أشد جرماً منه، لكنه لم يقتل من أجل شهوة القتل وإنما للانتقام، على عادة القبليين.
ذو اللحية الزرقاء، مثل شهريار، شخصية درامية مختلقة، يقتل زوجاته لعصيانهن أوامره، وأمثاله كثيرون، وإن لم تكتشف جرائمهم ويحاسبون قانوناً، والدافع وراء جرائم ذي اللحية الزرقاء هو شهوة القوة والسيطرة، والكثيرون منا مصابون بها، أما في حالة شهريار فهو الانتقام من فئة أو قبيلة النساء لا غير، لذا ذو اللحية الزرقاء معتوه، أما شهريار فهو مجرد قبلي.
في حضرة القاتل شهريار، لم تفقد شهرزاد رباطة جأشها، ولم يشل الرعب تفكيرها، ولا الخوف أخرس لسانها، وتلك أدلة على قدراتها الفردية الفذة.
الأزواج المحتاجون للعلاج من عقدهم القبلية وغيرها كثيرون، وأغلبهم لا يحصلون على علاج نفسي، بل تبتلى بهم زوجاتهم، وتقع عليهن مسئولية حل عقد أزواجهن، لذا يقال بأن الزوجة أحياناً أم ليس فقط لأبناءها بل لزوجها أيضاً أما لأنه مصاب بعقدة التعلق بالأم والحاجة إلى من يحل محلها أو لأنه وببساطة لم تكتمل تربيته.
عندما قتل شهريار زوجاته غير الخائنات بجريمة الزوجة الأولى الخائنة تأكدت حاجته للتربية، لأنه تصرف مثل طفل مدلل أهملته أمه أو مثل مراهق تمرد ليثبت وجوده وكرامته، وعندما بدأت شهرزاد بسرد رواياتها على مسمع شهريار تقمصت دور الأم، وقص القصص مهمة الأم في ذلك الزمن وحتى الأمس القريب، وهكذا اكتسبت شهرزاد درجة من الحصانة أمام الغضب القبلي الانتقامي لشهريار، وبقية القصة معروفة.
ألف ليلة وليلة شهرزاد تساوي سنتين وتسعة شهور، أما مئة يوم المالكي فهي ثلاثة شهور واسبوع فقط، والمدة الزمنية الأولى هي عشرة أضعاف الثانية، وهنالك فرق جوهري آخر، قضت شهرزاد ألف ليلة وليلة لكي تغير سلوكاً واحداً لفرد واحد، ويطمح المالكي إلى تغيير وزاراته وما تنطوي عليها من تراث عمل راسخ في عشر المدة الزمنية، لذا استنتج أن المالكي بحاجة لدرس في ديناميكية التغيير والتطوير الفردي والجماعي من الخبيرة شهرزاد.
لو خيرت بين المالكي وشهرزاد لمنصب رئاسة الحكومة العراقية لاخترت شهرزاد من دون أي تردد.
11 أيار 2011م

[/size]