المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الضغوط الحالية علي الجمهورية الاسلامية في رأي السيد فضل الله(منقول)



الدكتور عادل رضا
11-05-2004, 04:06 AM
حقّ الدول في استخدام طاقاتها العلمية

فضل الله: إيران ليست العراق، وأميركا بعد غزو العراق ليست أميركا قبل الغزو


سئل العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، في ندوته الأسبوعية، حول حجم الضغوط التي تتعرض لها إيران في المسألة النووية، ومدى شرعية إنتاج الأسلحة النووية إسلامياً؟

فأجاب: "ينشط العالم منذ فترة لإقناع إيران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية على خط التهديد والوعيد ـ إلى جانب إسرائيل ـ، فيما تقوم دول الاتحاد الأوروبي بتقديم بعض المغريات، وكل ذلك لمنع الجمهورية الإسلامية من الوصول إلى مرحلة متقدمة في المسألة التكنولوجية النووية، ومنعها من حقها في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، وهو الحق الذي تتمتع به أكثر من دولة وتقوم باستخدامه من دون أن يثير ذلك غضب العالم الغربي، حيث تقوم البرازيل وجنوب أفريقيا بذلك من دون أي اعتراض من قِبَل أركان المجتمع الدولي عليهما.

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية العاملة لحساب إسرائيل في المنطقة، تسعى بكل طاقتها للذهاب بعيداً في محاصرة إيران اقتصادياً وسياسياً لمنعها من دخول نادي الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، بعدما برزت ملامح التقدم الإيراني الصناعي ليس على المستوى العسكري فحسب، بل في الجوانب المدنية المتعددة. ولذلك فإن المسألة تدخل في نطاق إقفال الأبواب العلمية والتكنولوجية أمام العقول الإسلامية الإيرانية التي ينظر إليها العالم المستكبر كواحدة من أبرز المخاطر التي تتهدد كيان العدو...

لذلك، فإننا ننظر إلى العروض التي تقدم لإيران للخروج من دائرة حقها الطبيعي في تحريك التكنولوجيا النووية سلمياً من زاويتين: الأولى تسعى لإبعاد إيران عن نادي الدول المتقدمة تكنولوجياً، والثانية ترمي إلى تقديم المزيد من المغريات لها لكي تنسحب من دورها الإسلامي الاستراتيجي في تبني قضية الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، لأن القضية الفلسطينية في امتداداتها السياسية وفي خطوطها الاستراتيجية المستقبلية تبقى هي المحور الذي يتطلع العالم المستكبر لإحداث خلل في الالتزام الإسلامي حياله، وإن تصاعد الحديث عن العناوين السياسية التفصيلية الأخرى. ولأن الهدف الأمريكي من الضغط على إيران هو إبعادها عن الموقف الاستراتيجي ضد إسرائيل وعن دعمها المستمر للشعب الفلسطيني. إن القضية في عمقها السياسي تكمن في السعي لإبعاد إيران عن التزاماتها الإسلامية، إضافة إلى ما أصبح واضحاً للجميع من وجود خطة دولية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لتبديد المخاوف الإسرائيلية من خلال إسقاط كل مواقع القوة الإسلامية والعربية في المنطقة، حتى وإن كانت هذه القوة في مرحلة الولادة على مستوى بعض المجالات العلمية.

إننا نلحظ التزاماً أمريكياً وأوروبياً بأمن إسرائيل على حساب أمن المنطقة كلها، وحتى في الوقت الذي نجد تبايناً في مواقف دول الاتحاد الأوروبي مع حركة السياسة الأمريكية في المنطقة إلا أن أمن إسرائيل الذي قد يتطلب إشعال المنطقة كلها، أو إدخالها في مرحلة من الغيبوبة السياسية والاقتصادية أو الفوضى الأمنية يبقى هو الأولوية التي تحرك المحاور الدولية الغربية، وعلى حساب منظومة المبادى‏ء والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان التي ترفعها هذه الدول. إن مقولة التفوق النوعي لإسرائيل على سائر الدول العربية والإسلامية هي أمريكية المنشأ ولكنها أوروبية الحركة والتنفيذ جنباً إلى جنب مع أمريكا، وتستند هذه المقولة إلى أن ما قد تمتلكه إيران من تكنولوجيا يمكن أن يساهم في تزويد بعض حركات التحرر التي ينظر إليها الغرب كحركات إرهابية، بينما امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية يعني امتلاكها لأسلحة استراتيجية تدافع فيها عن نفسها وسط هذا المحيط العربي والإسلامي. وأما امتلاك أي بلد إسلامي لهذه الأسلحة أو لأي تكنولوجيا، ممّن شأنه أن يتحول إلى طاقة عسكرية أو مدنية مستقبلية يؤدي إلى تهديد لأمن العالم وأمن البشرية، على الرغم من الكذبة الكبرى في أسلحة الدمار الشامل العراقية.

لقد بدأت منذ فترة اللعبة الغربية العاملة لحساب إسرائيل لتقديم إيران كخطر استراتيجي داهم على المنطقة لترويعها وتخويفها، والضغط عليها لمنع إيران، من امتلاك أسلحة نووية، وذلك على الرغم من أن هؤلاء يعرفون الموقف الإسلامي من عدم شرعية امتلاك أسلحة من شأنها أن تشكل خطراً على الإنسان وعلى البيئة إلا في مجال الدفاع عن الوجود وعن الاستمرار، ولكنهم يعملون لقطع الطريق على إيران التي لا تخضع لأي محور عالمي لمنعها من التفكير ببرنامج نووي عسكري في المستقبل. إن المسألة تكمن في إزاحة كل الهواجس من أمام إسرائيل، وفي إبقاء المنطقة العربية والإسلامية خالية من أي تهديد مفترض للكيان الصهيوني ليقال لشارون وغيره من المسؤولين الصهاينة بأن إزاحة الخطر العسكري العراقي كان بمثابة المقدمة وأن التلويح بالعصا الاقتصادية والسياسية يسبق عناصر التهديد المباشر الأخرى.

إننا في الوقت الذي لا نقلّل من مخاطر التهديدات المتوالية ضد إيران في هذه المسألة، وندرك حجم حركة الوعي والرشد الإسلامي الإيراني حيال ما يحاك ضد الجمهورية الإسلامية في هذا الشأن، نعرف أن إيران ليست العراق، وأن أمريكا اليوم التي تغرق في وحول المنطقة وخصوصاً في الوحل العراقي، ليست أمريكا الأمس، وأن من شأن المنطقة بكاملها أن تتغير في حال قامت أمريكا أو إسرائيل بضرب إيران. ولذلك فإننا نجد في موقف البرلمان الإيراني حول إلزام الحكومة بتخصيب اليورانيوم الذي تقرّه قوانين وكالة الطاقة الدولية موقفاً عقلانياً ومدروساً على الرغم من الأخطار المحيطة بهذه المسألة.

ونحن ـ في المقابل ـ ندعو الدول العربية والإسلامية المجاورة أو غير المجاورة لإيران إلى أن تتحرك على أساس أن المسألة تخصها في ما هو الحجم الإسلامي السياسي والعلمي والاقتصادي أمام التحديات الزاحفة والتي تهدد الأمة بأسرها، وأن لا تنساق وراء ما تحاول أمريكا وإسرائيل إثارته من هواجس لتخويفها من إيران بعدما ثبت للجميع بأن إيران لا تتحرك بعقلية عدوانية، بل ضمن حركية إسلامية لحماية الأمة وقضاياها. والمطلوب من الأمة أن تنطلق في موقف إسلامي موحّد يؤكد حقّ دولها في امتلاك الطاقات العلمية البديهية لحماية مستقبلها الاقتصادي والسياسي أمام الغول الأمريكي والصهيوني الذي يهم بمصادرة كل قضاياها على مستوى الحاضر والمستقبل.