سيد مرحوم
11-04-2004, 06:58 AM
الهجاء السياسي في شعر دعبل الخزاعي
الاستاذ علي البهادلي
تروي كتب الادب العربي -الاسلامي ان صديقا لدعبل لامه في
هجاء الخلفاء، فقال له دعبل: دعني من فضولك، انا واللّه
استصلب منذ سبعين سنة، ما وجدت من يجود بخشبة..!
وفي حين نقرا ذلك عن دعبل، فان وزير المعتصم والواثق
العباسيين الاديب والشاعر محمد بن عبد الملك الزيات
(ت233 ه/847م) حين قيل له: لم لا تجيب دعبلا عن قصيدته
التي هجاك فيها؟ قال: ان دعبلا حمل خشبته على عنقه يدور
بها، يطلب من يصلبه بها، وهو لا يبالي.
فمن يا ترى هو هذا الشاعر؟
ولماذا يحمل خشبة صلبه على كتفه يبحث عمن يصلبه بها؟
وما هي اسباب ما عرف عنه من هجاء مقذع لم يسلم منه احد
من الخلفاء، الذين عاصرهم: هارون الرشيد، محمد الامين،
المامون، المعتصم، والمتوكل؟ كما لم يسلم منه وزراء
هؤلاءالخلفاء؟
البطاقة الشخصية لدعبل
في كتاب ((الاغاني)) يرد اسمه ونسبه كالتالي: ((هو دعبل بن
علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل «وقيل بهنس» بن
خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن انس بن خزيمة بن
سلامانبن اسلم بن افصى بن حارثة بن عمرو بن عامر
مزيقيا)).
وينقل صاحب ((الغدير في الكتاب والسنة والادب)) عن
مجموعة مصادر: ان اسمه ونسبه هو كالتالي: ((دعبل بن علي
بن رزين بن عثمان بن عبد-الرحمن بن عبداللّه بن بديل بن
ورقاء بنعمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جزي بن
عامر بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي)).
ويميل صاحب ((موسوعة اعيان الشيعة)) الى اعتماد القول
الثاني.
واذا كان مؤرخو الادب العربي مترددين في تاريخ وفاته بين
قائل انها سنة (246 ه/860م)، وقائل انها سنة (248
ه/862م)، فان الاجماع يكاد ينعقد بينهم على ان ولادته
كان بمدينةالكوفة بالعراق سنة (148ه/765م)، في خلافة
ابي جعفر المنصور (136- 158ه/153- 774م).
واذ يمتد عمره الى ما يقارب القرن من الزمن، يكون دعبل
الخزاعي قد عاصر تسعة من خلفاء العباسيين هم: المنصور،
والمهدي، والهادي، والرشيد، والامين، والمامون،
والمعتصم،والواثق، والمتوكل. فقد بدات خلافة المنصور سنة
(136ه/753م)، وانقضت خلافة المتوكل سنة (247 ه/861م).
كما يتضح معاصرة دعبل لخمسة من ائمة اهل بيت النبي
محمد(ص)،وهم: الامام جعفر بن محمد الصادق، الامام موسى
الكاظم، الامام علي الرضا، الامام محمد الجواد، والامام علي
الهادي (عليهم افضل الصلاة والسلام). فلقد كانت وفاة الامام
جعفرالصادق(ع) سنة (148ه/765م) ووفاة الامام علي الهادي
سنة (254 ه/868م). وعلى الرغم من معاصرته لاولئك الائمة،
الا ان الباحثين الذين كتبوا عن دعبل وعصره لم يتحدثوا عن
اتصالهذا الشاعر بغير ثامن ائمة اهل البيت علي بن موسى
الرضا(ع)، وليس من تفسير لذلك في المصادر التي بين يدينا.
غير ان المتبع لحالة الحصار الخانقة التي عاشها ائمة اهل البيت
قبلالامام الرضا وبعده يستطيع ان يفسر سبب عدم اتصال
دعبل بهم، فيما تنفس الصعداء انصار اهل بيت النبي وموالوهم
-ولو بشكل نسبي- ابان تسلم الامام الرضا ولاية عهد المامون.
عقيدة دعبل
ينتمي دعبل في نسبه الى قبيلة خزاعة المعروفة بولائها
العريق للاسلام ولرسول اللّه، ولاهل بيت الرسول. فعبداللّه بن
بديل بن ورقاء، الجد الاكبر لدعبل، كان هو واخوه عبد
الرحمنرسولي رسول اللّه محمد(ص) الى اليمن. وكانا
وشقيقهم عثمان من فرسان جيش الامام امير المؤمنين علي
بن ابي طالب في ((صفين)). اما الاخ الرابع لعبد اللّه بن
بديل:نافع بن بديل ((كان قديم الاسلام، واستشهد على عهد
النبي(ص) الذي قتله اهل نجد حين بعثه الرسول
محمد(ص) مع سبعين رجلا من خيار المسلمين.
ويروي ابن مزاحم عن معاوية بن ابي سفيان وقد وقف على
جثمان عبداللّه بن بديل في ((صفين)) انه قال من جملة ما
قال: ((ان نساء خزاعة لو قدرت على ان تقاتلني فضلا عن
رجالهافعلت)).
عاش دعبل وتربى في اجواء اسرة موالية لاهل البيت، ومحبة
لها، وعلى الرغم من كل الصور المشوهة التي نسجها بعض
المؤرخين حول شخصية دعبل، الا ان احدا لم يستطعان
يطعن في عقيدة دعبل، ولا ان يتهمه بالانحراف عن ولائه
لاهل البيت. ويتجلى هذا الوفاء -من ضمن ما يتجلى- في
مدحه للامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) في قصيدة
لم يبقمنها سوى هاذين البيتين:
وكان سنانه ابدا ضمير
فليس له عن القلب انقلاب
وصارمه كبيعته بخمفموضعها من الناس الرقاب(بحر
الوافر)
ان قراءة للنزر اليسير مما وصل الينا من شعر دعبل الخزاعي
قياسا الى سنوات عمره التي امتدت الى ما يقارب القرن، يمكن
ان تعكس بجلاء وجهة نظره العقيدية في الولاء لاهل بيت
النبي محمد(ص) بل ان شعره يتمحض في مدح اهل البيت
وفي هجاء الامويين والعباسيين وسواهم. يقول الشيخ كامل
محمد عويضة في دراسته عن الصورة الفنية، عند دعبل:
((يعكسشعر دعبل وجهة نظره العقائدية في فهم التشيع،
والتعبير عن سماته الفكرية باعتباره عقيدة مقدسة ووجهة نظر
ملتزمة... كذلك يتصل بفكرة التشيع عند دعبل كثير مما آمن
به المسلمونالشيعة من امامة علي بن ابي طالب، واحقية بنيه
في الخلافة... فلم يكن دعبل متطرفا او مغاليا في فكره، بل
استمدت الصورة الشعرية لديه عناصرها من الواقع ومن التاريخ
الاسلامي، مؤيداصوره بنصوص من القرآن الكريم
والحديث)).
يقول دعبل معبرا عن حبه للنبي محمد(ص)، وحبه لعلي(ع)،
ولفاطمة والحسن والحسين(ع):
بابي وامي سبعة احببتهم
للّه لا لعطية اعطاها
بابي النبي محمد ووصيه
والطيبان وبنته وابناها
(بحر الكامل)
ويقول ايضا:
اعد للّه يوم يلقاه
دعبل ان لا اله الا هو
يقوله صادقا عساه بها
يرحمه في القيامة اللّه
اللّه مولاه والنبي ومن
بعدهما فالوصي مولاه
(بحر المنسرح)
ويلاحظ هنا ان كلمة (الوصي) ترددت في المقطوعتين اعلاه،
فقد عبر عن محمد(ص) ب(النبي)، فيما جاءت الاشارة الى
امير المؤمنين علي(ع) بعبارة (الوصي)، وليس دعبل ممن
يطلقالالفاظ اعتباطا، بل هو يعي جيدا ما لها من مدلول
عقيدي واضح.
ويعثر قارىء ديوان دعبل على جملة قضايا عقيدية ياتي عليها
دعبل بشكل عابر، فقضية تتصل بعلم الكلام عند المسلمين
كقضية التحسين والتقبيح العقليين من القضايا الاجتهادية
بين علماءالمسلمين. يعالجها دعبل شعرا، ويختزل الدليل على
ما يعتقده كمسلم شيعي، فيقول:
هي النفس ما حسنته فمحسن
لديها وما قبحته فمقبح
(بحر الطويل)
وفي هذا البيت يختزل دعبل الخزاعي عقيدة الشيعة الامامية
بالقول بالحسن والقبح العقليين، فالناس وحتى من ليس لهم
دين منهم، يحكمون على ان من الافعال ما هو حسن ومنها ما
هو قبيح، دون توقف حكمهم ذما او مدحا على معرفة ان الشرائع
امرت بما مدحوه من الافعال او نهت عما ذموه منها.
ويغلب على الظن، ان الشاعر قال ذلك البيت من الشعر ايام
خلافة الواثق باللّه هارون بن محمد المعتصم، اذ عرف عن
الاخير انشغاله بالاختلافات الكلامية.
واذا كان الشاعر يتحدث بلغة المنطق والعقل، وهو يتناول بعض
قضايا العقيدة، ففي رثائه لاهل البيت(ع) تطغى على شعره
((رقة الاسلوب، وحدة العاطفة، وتدفق الاحساس حتى
صاررثاؤه في آل البيت دموعا غزيرة نابعة من عاطفة حزينة
غطت بكائياته في آل البيت بثوب استوحاه من مآسي آل البيت
وحوادثهم التي قاسوا منها ما قاسوه)). وتروي جل
مصادرالدراسة عن دعبل قصة زيارته للامام علي بن موسى
الرضا في (مرو) مع صديقه الحميم ابراهيم بن العباس
الصولي في شهر المحرم، وكان ائمة اهل البيت يولون مسالة
احياءماساة الامام الحسين في كربلاء بالتاكيد على محبيهم
ومواليهم من الشعراء والادباء للمشاركة في تخليد ذكرى هذه
الثورة -الماساة، فلما راى الامام الرضا دعبل الخزاعي مقبلا
قال له:
مرحبا بمادحنا ومحبنا، ومرحبا بناصرنا بيده ولسانه. ثم
قال(ع):
يا دعبل، احب ان تنشدني شعرا، فان هذه الايام ايام حزن كانت
علينا اهل البيت وايام سرور على اعدائنا بني امية.
ثم نهض الامام الرضا(ع) وضرب سترا بيننا وبين حرمه،
واجلس اهل بيته من وراء الستر وقال لدعبل: ارث الحسين.
فانت ناصرنا وما دحنا ما دمت حيا. قال دعبل:
فاستعبرت وسالت عبرتي وقلت:
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
لال رسول اللّه بالخيف من منى
وبالركن والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر
وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار لعبد اللّه والفضل تلوه
نجي رسول اللّه في الخلوات
منازل كانت للصلاة وللتقى
وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبريل الامين يزورها
من اللّه بالتسليم والرحمات
منازل وحي اللّه معدن علمه
سبيل رشاد واضح الطرقات
ديار عفاها جور كل منابذ
ولم تعف بالايام والسنوات
قفا نسال الدار التي خف اهلها
متى عهدها بالصوم والصلوات
واين الالى شطت بهم غربة النوى
افانين في الاطراف منقبضات
هم اهل ميراث النبي اذا اعتزوا
وهم خير قادات وخير حماة
مطاعيم في الاعسار في كل مشهد
لقد شرفوا بالفضل والبركات
ائمة عدل يقتدى بفعالهم
وتؤمن منهم زلة العثرات
وما الناس الا غاضب ومكذب
ومضطغن ذو احنة وترات
اذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر
ويوم حنين اسبلوا العبرات
وكيف يحبون النبي واهله
وقد تركوا احشاءهم وغرات
لقد لاينوه في المقال واضرموا
قلوبا على الاحقاد منطويات
قبور بكوفات واخرى بطيبة
واخرى بفخ نالها صلواتي
وآخر من بعد النبي مبارك
زكي اوى بغداد في الحفرات
واستمر دعبل بالانشاد اذ تخلل الابيات تعليقات الامام الرضا
وتصديقه لدعبل وبكائه، والى ان قال دعبل:
خروج امام لا محالة خارج
يقوم على اسم اللّه والبركات
يميز فينا كل حق وباطل
ويجزي على النعماء والنقمات
فبكى الامام الرضا في البيتين الاخيرين بكاء شديدا ثم رفع
راسه، وقال لدعبل:
يا خزاعي: نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل
تدري من هذا الامام، ومتى يقوم بها؟
اجاب دعبل: يا مولاي اني سمعت بخروج امام منكم يطهر
الارض من الفساد، ويملاها عدلا.
قال الامام(ع): يا دعبل: الامام بعدي محمد ابني، ومن بعد
محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه
الحجة القائم المنتظر في غيبته. المطاع في ظهوره، لو لم يبق
من الدنيا الا يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم حتى يخرج ليملاها
عدلا كما ملئت جورا. واما متى؟ فاخبار عن الوقت، وقد قال
رسول اللّه حين سئل: متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال:
((مثلهمثل الساعة لا يجليها لوقتها الا هو. ثقلت في السماوات
والارض لا تاتيكم الا بغتة)).
ولما وصل دعبل الى:
لقد خفت في الدنيا وايام سعيها
واني لارجو الامن بعد وفاتي
قال الامام(ع):
آمنك اللّه يوم الفزع الاكبر.
وواصل دعبل القاء ابيات هذه القصيدة، حتى اذا وصل الى:
وقبر ببغداد لنفس زكية
تضمنها الرحمن في الغرفات
قال الامام الرضا(ع): افلا الحق بهذا الموضع بيتين بهما تمام
قصيدتك؟
قال دعبل: بلى يا ابن رسول اللّه!
فقال الامام علي بن موسى الرضا(ع):
وقبر بطوس، يا لها من مصيبة
تردد بين الصدر والحجبات
الى اللّه حتى يبعث اللّه قائما
يفرج منها الهم والكربات
(بحر الطويل)
دعبل: هذا القبر الذي بطوس قبر من؟
الامام: قبري.
تتفجر غنائية ملحوظة في ابيات دعبل هذه، بحيث لا يكاد
يرددها اي متذوق فني حتى يسحر من غنائيتها الحزينة، لذلك
لا نعجب حينما نجد الامام الرضا(ع) عندما يستمع الى قوله:
ارى فيئهم في غيرهم متقسما
وايديهم من فيئهم صفرات
اذا به يعلق قائلا: (صدقت)، فهذه الكلمة تعبير عن انفعاله(ع)
حيال البيت. ويعلق على البيت الاتي:
اذا وتروا مدوا الى واتريهم
اكفا عن الاوتار منقبضات
يعلق الامام(ع) قائلا: (اجل واللّه منقبضات) وهو يقلب كفيه..
((حيث ان عملية تقليب الاكف تعد انفعالا كبيرا حيال البيت،
وما يتضمن من دلالة مصوغة بلغة فنية غنائية
بالغةالامتاع)).
الاستاذ علي البهادلي
تروي كتب الادب العربي -الاسلامي ان صديقا لدعبل لامه في
هجاء الخلفاء، فقال له دعبل: دعني من فضولك، انا واللّه
استصلب منذ سبعين سنة، ما وجدت من يجود بخشبة..!
وفي حين نقرا ذلك عن دعبل، فان وزير المعتصم والواثق
العباسيين الاديب والشاعر محمد بن عبد الملك الزيات
(ت233 ه/847م) حين قيل له: لم لا تجيب دعبلا عن قصيدته
التي هجاك فيها؟ قال: ان دعبلا حمل خشبته على عنقه يدور
بها، يطلب من يصلبه بها، وهو لا يبالي.
فمن يا ترى هو هذا الشاعر؟
ولماذا يحمل خشبة صلبه على كتفه يبحث عمن يصلبه بها؟
وما هي اسباب ما عرف عنه من هجاء مقذع لم يسلم منه احد
من الخلفاء، الذين عاصرهم: هارون الرشيد، محمد الامين،
المامون، المعتصم، والمتوكل؟ كما لم يسلم منه وزراء
هؤلاءالخلفاء؟
البطاقة الشخصية لدعبل
في كتاب ((الاغاني)) يرد اسمه ونسبه كالتالي: ((هو دعبل بن
علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل «وقيل بهنس» بن
خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن انس بن خزيمة بن
سلامانبن اسلم بن افصى بن حارثة بن عمرو بن عامر
مزيقيا)).
وينقل صاحب ((الغدير في الكتاب والسنة والادب)) عن
مجموعة مصادر: ان اسمه ونسبه هو كالتالي: ((دعبل بن علي
بن رزين بن عثمان بن عبد-الرحمن بن عبداللّه بن بديل بن
ورقاء بنعمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جزي بن
عامر بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي)).
ويميل صاحب ((موسوعة اعيان الشيعة)) الى اعتماد القول
الثاني.
واذا كان مؤرخو الادب العربي مترددين في تاريخ وفاته بين
قائل انها سنة (246 ه/860م)، وقائل انها سنة (248
ه/862م)، فان الاجماع يكاد ينعقد بينهم على ان ولادته
كان بمدينةالكوفة بالعراق سنة (148ه/765م)، في خلافة
ابي جعفر المنصور (136- 158ه/153- 774م).
واذ يمتد عمره الى ما يقارب القرن من الزمن، يكون دعبل
الخزاعي قد عاصر تسعة من خلفاء العباسيين هم: المنصور،
والمهدي، والهادي، والرشيد، والامين، والمامون،
والمعتصم،والواثق، والمتوكل. فقد بدات خلافة المنصور سنة
(136ه/753م)، وانقضت خلافة المتوكل سنة (247 ه/861م).
كما يتضح معاصرة دعبل لخمسة من ائمة اهل بيت النبي
محمد(ص)،وهم: الامام جعفر بن محمد الصادق، الامام موسى
الكاظم، الامام علي الرضا، الامام محمد الجواد، والامام علي
الهادي (عليهم افضل الصلاة والسلام). فلقد كانت وفاة الامام
جعفرالصادق(ع) سنة (148ه/765م) ووفاة الامام علي الهادي
سنة (254 ه/868م). وعلى الرغم من معاصرته لاولئك الائمة،
الا ان الباحثين الذين كتبوا عن دعبل وعصره لم يتحدثوا عن
اتصالهذا الشاعر بغير ثامن ائمة اهل البيت علي بن موسى
الرضا(ع)، وليس من تفسير لذلك في المصادر التي بين يدينا.
غير ان المتبع لحالة الحصار الخانقة التي عاشها ائمة اهل البيت
قبلالامام الرضا وبعده يستطيع ان يفسر سبب عدم اتصال
دعبل بهم، فيما تنفس الصعداء انصار اهل بيت النبي وموالوهم
-ولو بشكل نسبي- ابان تسلم الامام الرضا ولاية عهد المامون.
عقيدة دعبل
ينتمي دعبل في نسبه الى قبيلة خزاعة المعروفة بولائها
العريق للاسلام ولرسول اللّه، ولاهل بيت الرسول. فعبداللّه بن
بديل بن ورقاء، الجد الاكبر لدعبل، كان هو واخوه عبد
الرحمنرسولي رسول اللّه محمد(ص) الى اليمن. وكانا
وشقيقهم عثمان من فرسان جيش الامام امير المؤمنين علي
بن ابي طالب في ((صفين)). اما الاخ الرابع لعبد اللّه بن
بديل:نافع بن بديل ((كان قديم الاسلام، واستشهد على عهد
النبي(ص) الذي قتله اهل نجد حين بعثه الرسول
محمد(ص) مع سبعين رجلا من خيار المسلمين.
ويروي ابن مزاحم عن معاوية بن ابي سفيان وقد وقف على
جثمان عبداللّه بن بديل في ((صفين)) انه قال من جملة ما
قال: ((ان نساء خزاعة لو قدرت على ان تقاتلني فضلا عن
رجالهافعلت)).
عاش دعبل وتربى في اجواء اسرة موالية لاهل البيت، ومحبة
لها، وعلى الرغم من كل الصور المشوهة التي نسجها بعض
المؤرخين حول شخصية دعبل، الا ان احدا لم يستطعان
يطعن في عقيدة دعبل، ولا ان يتهمه بالانحراف عن ولائه
لاهل البيت. ويتجلى هذا الوفاء -من ضمن ما يتجلى- في
مدحه للامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) في قصيدة
لم يبقمنها سوى هاذين البيتين:
وكان سنانه ابدا ضمير
فليس له عن القلب انقلاب
وصارمه كبيعته بخمفموضعها من الناس الرقاب(بحر
الوافر)
ان قراءة للنزر اليسير مما وصل الينا من شعر دعبل الخزاعي
قياسا الى سنوات عمره التي امتدت الى ما يقارب القرن، يمكن
ان تعكس بجلاء وجهة نظره العقيدية في الولاء لاهل بيت
النبي محمد(ص) بل ان شعره يتمحض في مدح اهل البيت
وفي هجاء الامويين والعباسيين وسواهم. يقول الشيخ كامل
محمد عويضة في دراسته عن الصورة الفنية، عند دعبل:
((يعكسشعر دعبل وجهة نظره العقائدية في فهم التشيع،
والتعبير عن سماته الفكرية باعتباره عقيدة مقدسة ووجهة نظر
ملتزمة... كذلك يتصل بفكرة التشيع عند دعبل كثير مما آمن
به المسلمونالشيعة من امامة علي بن ابي طالب، واحقية بنيه
في الخلافة... فلم يكن دعبل متطرفا او مغاليا في فكره، بل
استمدت الصورة الشعرية لديه عناصرها من الواقع ومن التاريخ
الاسلامي، مؤيداصوره بنصوص من القرآن الكريم
والحديث)).
يقول دعبل معبرا عن حبه للنبي محمد(ص)، وحبه لعلي(ع)،
ولفاطمة والحسن والحسين(ع):
بابي وامي سبعة احببتهم
للّه لا لعطية اعطاها
بابي النبي محمد ووصيه
والطيبان وبنته وابناها
(بحر الكامل)
ويقول ايضا:
اعد للّه يوم يلقاه
دعبل ان لا اله الا هو
يقوله صادقا عساه بها
يرحمه في القيامة اللّه
اللّه مولاه والنبي ومن
بعدهما فالوصي مولاه
(بحر المنسرح)
ويلاحظ هنا ان كلمة (الوصي) ترددت في المقطوعتين اعلاه،
فقد عبر عن محمد(ص) ب(النبي)، فيما جاءت الاشارة الى
امير المؤمنين علي(ع) بعبارة (الوصي)، وليس دعبل ممن
يطلقالالفاظ اعتباطا، بل هو يعي جيدا ما لها من مدلول
عقيدي واضح.
ويعثر قارىء ديوان دعبل على جملة قضايا عقيدية ياتي عليها
دعبل بشكل عابر، فقضية تتصل بعلم الكلام عند المسلمين
كقضية التحسين والتقبيح العقليين من القضايا الاجتهادية
بين علماءالمسلمين. يعالجها دعبل شعرا، ويختزل الدليل على
ما يعتقده كمسلم شيعي، فيقول:
هي النفس ما حسنته فمحسن
لديها وما قبحته فمقبح
(بحر الطويل)
وفي هذا البيت يختزل دعبل الخزاعي عقيدة الشيعة الامامية
بالقول بالحسن والقبح العقليين، فالناس وحتى من ليس لهم
دين منهم، يحكمون على ان من الافعال ما هو حسن ومنها ما
هو قبيح، دون توقف حكمهم ذما او مدحا على معرفة ان الشرائع
امرت بما مدحوه من الافعال او نهت عما ذموه منها.
ويغلب على الظن، ان الشاعر قال ذلك البيت من الشعر ايام
خلافة الواثق باللّه هارون بن محمد المعتصم، اذ عرف عن
الاخير انشغاله بالاختلافات الكلامية.
واذا كان الشاعر يتحدث بلغة المنطق والعقل، وهو يتناول بعض
قضايا العقيدة، ففي رثائه لاهل البيت(ع) تطغى على شعره
((رقة الاسلوب، وحدة العاطفة، وتدفق الاحساس حتى
صاررثاؤه في آل البيت دموعا غزيرة نابعة من عاطفة حزينة
غطت بكائياته في آل البيت بثوب استوحاه من مآسي آل البيت
وحوادثهم التي قاسوا منها ما قاسوه)). وتروي جل
مصادرالدراسة عن دعبل قصة زيارته للامام علي بن موسى
الرضا في (مرو) مع صديقه الحميم ابراهيم بن العباس
الصولي في شهر المحرم، وكان ائمة اهل البيت يولون مسالة
احياءماساة الامام الحسين في كربلاء بالتاكيد على محبيهم
ومواليهم من الشعراء والادباء للمشاركة في تخليد ذكرى هذه
الثورة -الماساة، فلما راى الامام الرضا دعبل الخزاعي مقبلا
قال له:
مرحبا بمادحنا ومحبنا، ومرحبا بناصرنا بيده ولسانه. ثم
قال(ع):
يا دعبل، احب ان تنشدني شعرا، فان هذه الايام ايام حزن كانت
علينا اهل البيت وايام سرور على اعدائنا بني امية.
ثم نهض الامام الرضا(ع) وضرب سترا بيننا وبين حرمه،
واجلس اهل بيته من وراء الستر وقال لدعبل: ارث الحسين.
فانت ناصرنا وما دحنا ما دمت حيا. قال دعبل:
فاستعبرت وسالت عبرتي وقلت:
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
لال رسول اللّه بالخيف من منى
وبالركن والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر
وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار لعبد اللّه والفضل تلوه
نجي رسول اللّه في الخلوات
منازل كانت للصلاة وللتقى
وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبريل الامين يزورها
من اللّه بالتسليم والرحمات
منازل وحي اللّه معدن علمه
سبيل رشاد واضح الطرقات
ديار عفاها جور كل منابذ
ولم تعف بالايام والسنوات
قفا نسال الدار التي خف اهلها
متى عهدها بالصوم والصلوات
واين الالى شطت بهم غربة النوى
افانين في الاطراف منقبضات
هم اهل ميراث النبي اذا اعتزوا
وهم خير قادات وخير حماة
مطاعيم في الاعسار في كل مشهد
لقد شرفوا بالفضل والبركات
ائمة عدل يقتدى بفعالهم
وتؤمن منهم زلة العثرات
وما الناس الا غاضب ومكذب
ومضطغن ذو احنة وترات
اذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر
ويوم حنين اسبلوا العبرات
وكيف يحبون النبي واهله
وقد تركوا احشاءهم وغرات
لقد لاينوه في المقال واضرموا
قلوبا على الاحقاد منطويات
قبور بكوفات واخرى بطيبة
واخرى بفخ نالها صلواتي
وآخر من بعد النبي مبارك
زكي اوى بغداد في الحفرات
واستمر دعبل بالانشاد اذ تخلل الابيات تعليقات الامام الرضا
وتصديقه لدعبل وبكائه، والى ان قال دعبل:
خروج امام لا محالة خارج
يقوم على اسم اللّه والبركات
يميز فينا كل حق وباطل
ويجزي على النعماء والنقمات
فبكى الامام الرضا في البيتين الاخيرين بكاء شديدا ثم رفع
راسه، وقال لدعبل:
يا خزاعي: نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل
تدري من هذا الامام، ومتى يقوم بها؟
اجاب دعبل: يا مولاي اني سمعت بخروج امام منكم يطهر
الارض من الفساد، ويملاها عدلا.
قال الامام(ع): يا دعبل: الامام بعدي محمد ابني، ومن بعد
محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه
الحجة القائم المنتظر في غيبته. المطاع في ظهوره، لو لم يبق
من الدنيا الا يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم حتى يخرج ليملاها
عدلا كما ملئت جورا. واما متى؟ فاخبار عن الوقت، وقد قال
رسول اللّه حين سئل: متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال:
((مثلهمثل الساعة لا يجليها لوقتها الا هو. ثقلت في السماوات
والارض لا تاتيكم الا بغتة)).
ولما وصل دعبل الى:
لقد خفت في الدنيا وايام سعيها
واني لارجو الامن بعد وفاتي
قال الامام(ع):
آمنك اللّه يوم الفزع الاكبر.
وواصل دعبل القاء ابيات هذه القصيدة، حتى اذا وصل الى:
وقبر ببغداد لنفس زكية
تضمنها الرحمن في الغرفات
قال الامام الرضا(ع): افلا الحق بهذا الموضع بيتين بهما تمام
قصيدتك؟
قال دعبل: بلى يا ابن رسول اللّه!
فقال الامام علي بن موسى الرضا(ع):
وقبر بطوس، يا لها من مصيبة
تردد بين الصدر والحجبات
الى اللّه حتى يبعث اللّه قائما
يفرج منها الهم والكربات
(بحر الطويل)
دعبل: هذا القبر الذي بطوس قبر من؟
الامام: قبري.
تتفجر غنائية ملحوظة في ابيات دعبل هذه، بحيث لا يكاد
يرددها اي متذوق فني حتى يسحر من غنائيتها الحزينة، لذلك
لا نعجب حينما نجد الامام الرضا(ع) عندما يستمع الى قوله:
ارى فيئهم في غيرهم متقسما
وايديهم من فيئهم صفرات
اذا به يعلق قائلا: (صدقت)، فهذه الكلمة تعبير عن انفعاله(ع)
حيال البيت. ويعلق على البيت الاتي:
اذا وتروا مدوا الى واتريهم
اكفا عن الاوتار منقبضات
يعلق الامام(ع) قائلا: (اجل واللّه منقبضات) وهو يقلب كفيه..
((حيث ان عملية تقليب الاكف تعد انفعالا كبيرا حيال البيت،
وما يتضمن من دلالة مصوغة بلغة فنية غنائية
بالغةالامتاع)).