لطيفة
05-02-2011, 04:07 PM
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2011/05/02/207098_1-18.jpg
بيروت - محمد الحجيري
دعا «مركز الجواهري» في براغ السلطات العراقية إلى التدخّل العاجل لإنقاذ بيت الشاعر محمد مهدي الجواهري الكائن قرب ساحة النسور في بغداد، وتزامنت الدعوة مع دعوات أخرى في بغداد من بعض الكتاب تطالب بإنقاذ منزل الشاعر الراحل.
ليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها قضية منازل الأدباء في العراق، فقد فُجِّر سابقاً منزل الكاتب جبرا إبراهيم جبرا في حي المنصوري، وأُهمل منزل بدر شاكر السياب في جيكور، واليوم جاء دور منزل الجواهري.
يقول الكاتب غاستون باشيلار إن «المنزل هو حالة ذهنية»، بالطبع في العالم لا يفقه كثر معنى المنزل ولا الذكريات، ويحسبون البيوت مجرد مأوى للنوم تنتفي حاجتها حين يذهب أهلها إلى منزل الآخرة، على هذا لا شيء يبقى على حاله في مدن عربية كثيرة، خصوصاً في بيروت وبغداد، إذ كل شيء قابل لأن يصبح مجرد أطلال و{خبريات» يتداولها الكتاب في مقالاتهم وكتبهم، وتجلى هذا الأمر بقوة خلال الحروب أو بعدها.
في بيروت، حوّلت الحرب كل شيء إلى خراب وفكّكت كل شيء لأجل لا شيء، ولا يختلف الأمر في بغداد حيث منزل الجواهري وشارعَي المتنبي وأبو نواس ومقهى أم كلثوم.
منزل الجواهري في خطر، لا غرابة في ذلك فكل شيء في العراق في خطر، من المنازل إلى الكتاب أنفسهم. أمضى الجواهري عمره في المنافي، ولم يكن بمنأى عن مدح قادة الأنظمة والسلاطين، خصوصاً في دمشق، ومنزله في منطقة القادسية في بغداد شهد أحداثاً سياسية كثيرة وتطورات مرت بالعراق في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وأشارت خيال الجواهري، ابنة الشاعر، إلى أن الظروف المادية اضطرت العائلة الى عرض البيت للبيع، وإلى أن ثمة من يسعى إلى شرائه، إلا أنه يروم هدمه وإنشاء بناية تجارية بدلاً منه «وهذا ما يؤلمنا كثيراً، والمفروض أن يبقى هذا البيت معلماً تاريخياً من معالم العراق».
وإذا كان منزل الجواهري مهدداً بالزوال بفعل طموحات المستثمرين، فمنزل الكاتب جبرا ابراهيم جبرا في المنصوري في بغداد دُمر بعد أن فجّر انتحاري نفسه صباح يوم الأحد، 4 أبريل 2010، داخل الدار التي تجاور القنصلية المصرية في بغداد، مُحيلاً كل شيء إلى ركام.
دمار
لم تعد أوراق جبرا ورسائله ولوحات الفنانين العراقيين الكبار ولوحات جبرا نفسه سوى رماد، وضاعت ثروة ثقافية ضخمة بسبب هذا العنف العبثي الذي يعصف بكل شيء. كذلك، تبدّد حلم جبرا بأن تُلقى كتاباته التي لم تضمّها كتب وأن ترى النور بعد وفاته. ومن بين ما ذهب مع ما ذهب صــورٌ فريدة، وتسجيلات صوتية، وأشرطة فيديو لنـــدوات ولقاءات ومحاضرات كان يلقيها جبرا أو يشارك فيها، وآلاف الرسائل التي كتبها لمثقفين عرب وأجانب وردّ عليها هؤلاء ولم يصدر معظمها في كتب. كذلك، ضمّ البيت مخطوطات الكاتب وأوراقه والنسخ الأولى من كتبه، وثروة ثقافية لا تقدّر بثمن.
في ذلك المنزل، عاش جبرا معظم حياته في العراق وكتب روايات كثيرة عنه: «صيادون في شارع ضيق»، «السفينة»، «البحث عن وليد مسعود» وغيرها. وفي ذلك البيت وجدت التحوّلات الفنية العراقية رؤيتها النظرية. فقد كتب جبرا عن الفن العراقي الجديد في حينه، ونظّـر وأرّخ له.
قال جبرا: «لقد بنيت هذا المنزل طابوقة طابوقة، كما يفعل العراقيون كلّهم في بناء منازلهم وكما هم يعانون ويتفصد العرق من جباههم في ذلك». مثّل هذا الكاتب خلال الأعوام الأربعة والسبعين التي عاشها ( 1920-1994) قيمة ثقافية عربية كبيرة. فقد كان روائياً مجدداً، ومترجماً بارزاً، نقل من الإنكليزية إلى العربية بعضاً من أهم كلاسيكيات الأدب العالمي، وعلى رأسها مسرحيات وليم شكسبير. كذلك، كان كاتب قصة قصيرة وشاعراً وناقداً ورساماً ومؤرخاً للحركة التشكيلية في العراق، وناقداً تشكيلياً، وكان رئيس تحرير أهم مجلة تشكيلية عربية صدرت ثم توقفت وهي «فنون عربية».
منزل
في السياق نفسه، طالب منذ مدة عدد من الأدباء والمثقفين العراقيين وأقارب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، بتحويل بيته، بعدما تملّكته الحكومة، إلى متحف يضم مقتنيات ومخطوطات الشاعر الذي قاد حركة تجديد في الشعر العربي أواسط القرن الماضي، وأطلق العنان لقصيدة شعر التفعيلة المتحرر من النسق التقليدي لتنتشر بعد ذلك في مختلف أرجاء العالم العربي.
ويشير مثقفون إلى أن بيت السياب تحوّل إلى مكان لرمي النفايات والأوساخ في قرية جيكور جنوب العراق، الأمر الذي لا يليق بإسم أحد أعلام الأدب العربي المعاصر.
يقع منزل الشاعر الراحل في قرية جيكور بقضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة، ودعاه الشاعر بـ»منزل الأقنان» والذي كان عنواناً لأحد دواوينه الشعرية، ويقول فيه:
خرائب فانزع الأبواب عنها تغد أطلالا،
خوال قد تصك الريح نافذة فتشرعها إلى الصّبح
تطل عليك منها عين يوم دائب النوح.
وسلّمها المحطّم، مثل برج داثر، مالا
يئن إذا أتته الريح تصعده إلى السطح،
سفين تعرك الأمواج ألواحه
وتملأ رحبه الباحة
ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير
تعد خطى الزمان بسقسقات، والمناقير
كأفواه من الديدان تأكل جثّة الصمت
وتملأ عالم الموت
بهسهسة الرثاء فتفزع الأشباح تحسب أنه النور
سيشرق فهي تمسك بالظلال وتهجر الساحة
إلى الغرف الدجيّة وهي توقظ ربّة البيت
لقد طلع الصباح وحين يبكي طفلها الشّبح
تهدهد وتنشد يا خيول الموت في ألواحه
تعالي واحمليني هذه الصحراء لا فرح
يرف بها ولا أمن و لا حب ولا راحة
ألا يا منزل الأقنان كم من ساعد مفتول
رأيت ومن خطى يهتز منها صخرك الهاري
وكم أغنية خضراء طارت في الضحى المغسول
بالشمس الخريفيّة
تحدّث عن هوى عاري
كماء الجدول الرقراق كم شوق وأمنّية
وكم ألم طويت وكم سقيت بمدمع جاري
وكم مهد تهزهز فيك كم موت وميلاد
ونار أوقدت في ليلة القر الشتائية
يدندن حولها القصّاص يحكي أن جنّيه
فيرتجف الشيوخ ويصمت الأطفال في دهش
وإخلاد...
أصيب السياب بمرض عضال، وظل متنقلاً في رحلة علاج طويلة بين لندن ودول عربية مختلفة كان آخرها الكويت التي توفي فيها في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 1964. وشهد منزل السياب على رغم الإهمال الذي لحقه، إقامة مهرجانات شعرية وفنية، أهمها مهرجان المربد الشعري بنسختيه الرابعة والخامسة بعد عام 2003، وملتقى السياب للإبداع برعاية جامعة البصرة، ومهرجان السياب برعاية «اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين» في البصرة.
اللافت أن الكتاب الذين ذكرناهم عاشوا معظم حياتهم في المنافي، فالجواهري دُفن في دمشق والسياب نام على رصيف منطقة الروشة في بيروت، وجبرا ابن فلسطين كان رجل المنافي بامتياز من بيروت الى أميركا والعراق.
بيروت - محمد الحجيري
دعا «مركز الجواهري» في براغ السلطات العراقية إلى التدخّل العاجل لإنقاذ بيت الشاعر محمد مهدي الجواهري الكائن قرب ساحة النسور في بغداد، وتزامنت الدعوة مع دعوات أخرى في بغداد من بعض الكتاب تطالب بإنقاذ منزل الشاعر الراحل.
ليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها قضية منازل الأدباء في العراق، فقد فُجِّر سابقاً منزل الكاتب جبرا إبراهيم جبرا في حي المنصوري، وأُهمل منزل بدر شاكر السياب في جيكور، واليوم جاء دور منزل الجواهري.
يقول الكاتب غاستون باشيلار إن «المنزل هو حالة ذهنية»، بالطبع في العالم لا يفقه كثر معنى المنزل ولا الذكريات، ويحسبون البيوت مجرد مأوى للنوم تنتفي حاجتها حين يذهب أهلها إلى منزل الآخرة، على هذا لا شيء يبقى على حاله في مدن عربية كثيرة، خصوصاً في بيروت وبغداد، إذ كل شيء قابل لأن يصبح مجرد أطلال و{خبريات» يتداولها الكتاب في مقالاتهم وكتبهم، وتجلى هذا الأمر بقوة خلال الحروب أو بعدها.
في بيروت، حوّلت الحرب كل شيء إلى خراب وفكّكت كل شيء لأجل لا شيء، ولا يختلف الأمر في بغداد حيث منزل الجواهري وشارعَي المتنبي وأبو نواس ومقهى أم كلثوم.
منزل الجواهري في خطر، لا غرابة في ذلك فكل شيء في العراق في خطر، من المنازل إلى الكتاب أنفسهم. أمضى الجواهري عمره في المنافي، ولم يكن بمنأى عن مدح قادة الأنظمة والسلاطين، خصوصاً في دمشق، ومنزله في منطقة القادسية في بغداد شهد أحداثاً سياسية كثيرة وتطورات مرت بالعراق في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وأشارت خيال الجواهري، ابنة الشاعر، إلى أن الظروف المادية اضطرت العائلة الى عرض البيت للبيع، وإلى أن ثمة من يسعى إلى شرائه، إلا أنه يروم هدمه وإنشاء بناية تجارية بدلاً منه «وهذا ما يؤلمنا كثيراً، والمفروض أن يبقى هذا البيت معلماً تاريخياً من معالم العراق».
وإذا كان منزل الجواهري مهدداً بالزوال بفعل طموحات المستثمرين، فمنزل الكاتب جبرا ابراهيم جبرا في المنصوري في بغداد دُمر بعد أن فجّر انتحاري نفسه صباح يوم الأحد، 4 أبريل 2010، داخل الدار التي تجاور القنصلية المصرية في بغداد، مُحيلاً كل شيء إلى ركام.
دمار
لم تعد أوراق جبرا ورسائله ولوحات الفنانين العراقيين الكبار ولوحات جبرا نفسه سوى رماد، وضاعت ثروة ثقافية ضخمة بسبب هذا العنف العبثي الذي يعصف بكل شيء. كذلك، تبدّد حلم جبرا بأن تُلقى كتاباته التي لم تضمّها كتب وأن ترى النور بعد وفاته. ومن بين ما ذهب مع ما ذهب صــورٌ فريدة، وتسجيلات صوتية، وأشرطة فيديو لنـــدوات ولقاءات ومحاضرات كان يلقيها جبرا أو يشارك فيها، وآلاف الرسائل التي كتبها لمثقفين عرب وأجانب وردّ عليها هؤلاء ولم يصدر معظمها في كتب. كذلك، ضمّ البيت مخطوطات الكاتب وأوراقه والنسخ الأولى من كتبه، وثروة ثقافية لا تقدّر بثمن.
في ذلك المنزل، عاش جبرا معظم حياته في العراق وكتب روايات كثيرة عنه: «صيادون في شارع ضيق»، «السفينة»، «البحث عن وليد مسعود» وغيرها. وفي ذلك البيت وجدت التحوّلات الفنية العراقية رؤيتها النظرية. فقد كتب جبرا عن الفن العراقي الجديد في حينه، ونظّـر وأرّخ له.
قال جبرا: «لقد بنيت هذا المنزل طابوقة طابوقة، كما يفعل العراقيون كلّهم في بناء منازلهم وكما هم يعانون ويتفصد العرق من جباههم في ذلك». مثّل هذا الكاتب خلال الأعوام الأربعة والسبعين التي عاشها ( 1920-1994) قيمة ثقافية عربية كبيرة. فقد كان روائياً مجدداً، ومترجماً بارزاً، نقل من الإنكليزية إلى العربية بعضاً من أهم كلاسيكيات الأدب العالمي، وعلى رأسها مسرحيات وليم شكسبير. كذلك، كان كاتب قصة قصيرة وشاعراً وناقداً ورساماً ومؤرخاً للحركة التشكيلية في العراق، وناقداً تشكيلياً، وكان رئيس تحرير أهم مجلة تشكيلية عربية صدرت ثم توقفت وهي «فنون عربية».
منزل
في السياق نفسه، طالب منذ مدة عدد من الأدباء والمثقفين العراقيين وأقارب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، بتحويل بيته، بعدما تملّكته الحكومة، إلى متحف يضم مقتنيات ومخطوطات الشاعر الذي قاد حركة تجديد في الشعر العربي أواسط القرن الماضي، وأطلق العنان لقصيدة شعر التفعيلة المتحرر من النسق التقليدي لتنتشر بعد ذلك في مختلف أرجاء العالم العربي.
ويشير مثقفون إلى أن بيت السياب تحوّل إلى مكان لرمي النفايات والأوساخ في قرية جيكور جنوب العراق، الأمر الذي لا يليق بإسم أحد أعلام الأدب العربي المعاصر.
يقع منزل الشاعر الراحل في قرية جيكور بقضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة، ودعاه الشاعر بـ»منزل الأقنان» والذي كان عنواناً لأحد دواوينه الشعرية، ويقول فيه:
خرائب فانزع الأبواب عنها تغد أطلالا،
خوال قد تصك الريح نافذة فتشرعها إلى الصّبح
تطل عليك منها عين يوم دائب النوح.
وسلّمها المحطّم، مثل برج داثر، مالا
يئن إذا أتته الريح تصعده إلى السطح،
سفين تعرك الأمواج ألواحه
وتملأ رحبه الباحة
ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير
تعد خطى الزمان بسقسقات، والمناقير
كأفواه من الديدان تأكل جثّة الصمت
وتملأ عالم الموت
بهسهسة الرثاء فتفزع الأشباح تحسب أنه النور
سيشرق فهي تمسك بالظلال وتهجر الساحة
إلى الغرف الدجيّة وهي توقظ ربّة البيت
لقد طلع الصباح وحين يبكي طفلها الشّبح
تهدهد وتنشد يا خيول الموت في ألواحه
تعالي واحمليني هذه الصحراء لا فرح
يرف بها ولا أمن و لا حب ولا راحة
ألا يا منزل الأقنان كم من ساعد مفتول
رأيت ومن خطى يهتز منها صخرك الهاري
وكم أغنية خضراء طارت في الضحى المغسول
بالشمس الخريفيّة
تحدّث عن هوى عاري
كماء الجدول الرقراق كم شوق وأمنّية
وكم ألم طويت وكم سقيت بمدمع جاري
وكم مهد تهزهز فيك كم موت وميلاد
ونار أوقدت في ليلة القر الشتائية
يدندن حولها القصّاص يحكي أن جنّيه
فيرتجف الشيوخ ويصمت الأطفال في دهش
وإخلاد...
أصيب السياب بمرض عضال، وظل متنقلاً في رحلة علاج طويلة بين لندن ودول عربية مختلفة كان آخرها الكويت التي توفي فيها في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 1964. وشهد منزل السياب على رغم الإهمال الذي لحقه، إقامة مهرجانات شعرية وفنية، أهمها مهرجان المربد الشعري بنسختيه الرابعة والخامسة بعد عام 2003، وملتقى السياب للإبداع برعاية جامعة البصرة، ومهرجان السياب برعاية «اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين» في البصرة.
اللافت أن الكتاب الذين ذكرناهم عاشوا معظم حياتهم في المنافي، فالجواهري دُفن في دمشق والسياب نام على رصيف منطقة الروشة في بيروت، وجبرا ابن فلسطين كان رجل المنافي بامتياز من بيروت الى أميركا والعراق.