سيد مرحوم
11-02-2004, 10:53 AM
تحليل إخباري.
.
.استراتيجية أمريكا مسؤولة عن أزمات العالم
كيان كيشن
كانت الحروب هي العامل الرئيسي وراء التغييرات التي شهدتها بنية العالم في القرن العشرين. وخلال القرن الماضي اندلعت حربان عالميتان هما الحرب العالمية الأولى والثانية ونشبت الحرب الباردة.
ولم يشهد العالم إعادة تشكيل واضحة منذ نهاية الحرب الباردة التي كانت ايذاناً بانهيار بنية العالم ذات القطبين. ولفترة من الوقت بعد انتهاء الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتحدة ذاتها متأكدة تماماً من مصدر التهديدات الرئيسية التي تهددها، وما إذا كانت من المخزون النووي القابل للتدمير الذي خلفه الاتحاد السوفييتي السابق أم من تطور الصين السريع او من جهة أخرى.
ولفترة بعينها بعد نهاية الحرب الباردة وجهت الولايات المتحدة طاقاتها الرئيسية الى تطوير انواع جديدة من الأسلحة وبناء درع دفاع صاروخي للتفوق على منافسيها الاستراتيجيين المحتملين. وفي عام ،1999 شنت القوة العظمى الوحيدة في العالم حرب كوسوفو لتعزيز هيمنتها في أوروبا وتوسيع نطاقها الاستراتيجي باتجاه روسيا. وفي عام 2000 ادعى جورج دبليو بوش ان الصين منافس استراتيجي للولايات المتحدة، وقد أدلى بتصريحه هذا وهو يتحدث خلال حملة الرئاسة. وكان كل ذلك التبجح إشارة واضحة على عدم تأكد الولايات المتحدة من هوية عدوها الرئيسي.
ولكن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن هزت الولايات المتحدة بشدة، وحتى عندما وقع هجوم بيرل هاربور في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941 كان البر الرئيسي الأمريكي بمأمن من هجمات مباشرة من اليابان على الرغم من ان الاسطول الأمريكي في الباسيفيكي تعرض لخسائر جسيمة.
وتوضح أحداث 11 سبتمبر/ أيلول ان التهديد الأكبر للأراضي الأمريكية لا يتمثل في قوى عظمى ذات أسلحة متقدمة او في خصومها الاستراتيجيين المزعومين بل في منظمات ارهابية ذات قواعد غير معروفة.
وفي مواجهة تحديات غير مسبوقة كهذه عدلت إدارة بوش بشكل جوهري استراتيجيتها العالمية الرامية لعدم التعامل مع التهديدات المتمثلة في المنافسين الاستراتيجيين بل في الارهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول صدر “مبدأ بوش” والذي أنشأت الولايات المتحدة من خلاله “محور الشر” والاستراتيجيات “الاستباقية”. وربطت الولايات المتحدة مكافحة الارهاب ومنع الانتشار أسلحة الدمار الشامل بإعادة تشكيل ما يسمى “بالدول المارقة” و”الدول الفاشلة”.
وبموجب هذا المبدأ شنت الولايات المتحدة حربين في أفغانستان والعراق خلال عامين، وأعادت النظر في بنية القوات العسكرية الأمريكية ووضعت برامج لإعادة نشر القوات الأمريكية في العالم. وبمقتضى هذا المبدأ شددت الولايات المتحدة من سيطرتها على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا وعززت قدرتها على الاستجابة “لقوس الأزمات” غير المستقر هذا وطرحت برنامجها الاصلاحي الخاص “بالشرق الأوسط الكبير”.
ويشير كل هذا الى ان حملة واشنطن ضد الارهاب تجاوزت بالفعل نطاق الدفاع عن النفس.
وقد أدت هذه التحركات الأخيرة عند النظر إليها على خلفية حرب الخليج وحرب كوسوفو الى توضيح ان الولايات المتحدة لم تغير عقلية الحرب الباردة لديها وان البلاد لا تزال معتادة على تطبيق وسائل عسكرية للتعامل مع التهديدات المختلفة، الظاهرة منها وغير الظاهرة.
والقوة هي جوهر فلسفة مبدأ بوش. فهذا المبدأ يدعو الى ضرورة ان تحكم الولايات المتحدة العالم بالقوة الكاسحة، ولا سيما القوة العسكرية.
وليس من الغريب إذاً ان بوش وإدارته لا يزالان يصران على القول ان قرارهما شن الحرب على العراق وسياسة الولايات المتحدة حول الموضوع كانا صحيحين.
وعلى العكس، تماماً، فقد فتحت واشنطن على نفسها باباً من الجحيم وتسببت في اشعال صراعات عرقية ودينية بغزوها العراق.
وقد أدى الغزو الأمريكي للعراق الى دفع العالم الاسلامي والعربي الى الاعتقاد ان القوة العظمى تنظر إليهما بالفعل كهدفين لبرنامجها “الاصلاحي الديمقراطي” الطموح. وأدى هذا الرأي الى تفاقم النزاعات القائمة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي.
وقد أثبت التاريخ وممارسات “خرافة الامبراطوريات” ان استراتيجية الحروب الاستباقية ستجلب على إدارة بوش نتائج لا ترغب في رؤيتها تتمثل في عدم أمن “للامبراطورية الأمريكية” وزوالها بسبب توسع لا تستطيع التوافق معه.
وتماماً كما قال جوزيف اس ناي ان المفارقة في نظرية القوة الأمريكية هي ان السياسة العالمية تغيرت بالفعل. وحتى بالنسبة للدولة الأقوى في العالم، يستحيل عليها ان تحقق أهدافها الرئيسية عبر قوتها فقط، وهو ما حدث تماماً للامبراطورية الرومانية. وقد كانت حرب العراق اختيارية ولم تكن ضرورية، وينبغي حذف مبدأ توجيه الضربات الاستباقية من قاموس الأمن القومي الأمريكي طبقاً لما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت.
والقرن الحادي والعشرون ليس ب “القرن الأمريكي”، وهذا لا يعني ان “الولايات المتحدة” لا تبتغي الحلم، بل ينطوي على انها غير قادرة على تحقيق الهدف.
وفي هذا القرن يجب على جميع القوى الكبرى ان تتنافس بطريقة سلمية بدل السبل والوسائل العسكرية.
* وزير خارجية الصين السابق
ونشرت النص أمس صحيفة “شاين ديلي”
.
.استراتيجية أمريكا مسؤولة عن أزمات العالم
كيان كيشن
كانت الحروب هي العامل الرئيسي وراء التغييرات التي شهدتها بنية العالم في القرن العشرين. وخلال القرن الماضي اندلعت حربان عالميتان هما الحرب العالمية الأولى والثانية ونشبت الحرب الباردة.
ولم يشهد العالم إعادة تشكيل واضحة منذ نهاية الحرب الباردة التي كانت ايذاناً بانهيار بنية العالم ذات القطبين. ولفترة من الوقت بعد انتهاء الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتحدة ذاتها متأكدة تماماً من مصدر التهديدات الرئيسية التي تهددها، وما إذا كانت من المخزون النووي القابل للتدمير الذي خلفه الاتحاد السوفييتي السابق أم من تطور الصين السريع او من جهة أخرى.
ولفترة بعينها بعد نهاية الحرب الباردة وجهت الولايات المتحدة طاقاتها الرئيسية الى تطوير انواع جديدة من الأسلحة وبناء درع دفاع صاروخي للتفوق على منافسيها الاستراتيجيين المحتملين. وفي عام ،1999 شنت القوة العظمى الوحيدة في العالم حرب كوسوفو لتعزيز هيمنتها في أوروبا وتوسيع نطاقها الاستراتيجي باتجاه روسيا. وفي عام 2000 ادعى جورج دبليو بوش ان الصين منافس استراتيجي للولايات المتحدة، وقد أدلى بتصريحه هذا وهو يتحدث خلال حملة الرئاسة. وكان كل ذلك التبجح إشارة واضحة على عدم تأكد الولايات المتحدة من هوية عدوها الرئيسي.
ولكن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن هزت الولايات المتحدة بشدة، وحتى عندما وقع هجوم بيرل هاربور في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941 كان البر الرئيسي الأمريكي بمأمن من هجمات مباشرة من اليابان على الرغم من ان الاسطول الأمريكي في الباسيفيكي تعرض لخسائر جسيمة.
وتوضح أحداث 11 سبتمبر/ أيلول ان التهديد الأكبر للأراضي الأمريكية لا يتمثل في قوى عظمى ذات أسلحة متقدمة او في خصومها الاستراتيجيين المزعومين بل في منظمات ارهابية ذات قواعد غير معروفة.
وفي مواجهة تحديات غير مسبوقة كهذه عدلت إدارة بوش بشكل جوهري استراتيجيتها العالمية الرامية لعدم التعامل مع التهديدات المتمثلة في المنافسين الاستراتيجيين بل في الارهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول صدر “مبدأ بوش” والذي أنشأت الولايات المتحدة من خلاله “محور الشر” والاستراتيجيات “الاستباقية”. وربطت الولايات المتحدة مكافحة الارهاب ومنع الانتشار أسلحة الدمار الشامل بإعادة تشكيل ما يسمى “بالدول المارقة” و”الدول الفاشلة”.
وبموجب هذا المبدأ شنت الولايات المتحدة حربين في أفغانستان والعراق خلال عامين، وأعادت النظر في بنية القوات العسكرية الأمريكية ووضعت برامج لإعادة نشر القوات الأمريكية في العالم. وبمقتضى هذا المبدأ شددت الولايات المتحدة من سيطرتها على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا وعززت قدرتها على الاستجابة “لقوس الأزمات” غير المستقر هذا وطرحت برنامجها الاصلاحي الخاص “بالشرق الأوسط الكبير”.
ويشير كل هذا الى ان حملة واشنطن ضد الارهاب تجاوزت بالفعل نطاق الدفاع عن النفس.
وقد أدت هذه التحركات الأخيرة عند النظر إليها على خلفية حرب الخليج وحرب كوسوفو الى توضيح ان الولايات المتحدة لم تغير عقلية الحرب الباردة لديها وان البلاد لا تزال معتادة على تطبيق وسائل عسكرية للتعامل مع التهديدات المختلفة، الظاهرة منها وغير الظاهرة.
والقوة هي جوهر فلسفة مبدأ بوش. فهذا المبدأ يدعو الى ضرورة ان تحكم الولايات المتحدة العالم بالقوة الكاسحة، ولا سيما القوة العسكرية.
وليس من الغريب إذاً ان بوش وإدارته لا يزالان يصران على القول ان قرارهما شن الحرب على العراق وسياسة الولايات المتحدة حول الموضوع كانا صحيحين.
وعلى العكس، تماماً، فقد فتحت واشنطن على نفسها باباً من الجحيم وتسببت في اشعال صراعات عرقية ودينية بغزوها العراق.
وقد أدى الغزو الأمريكي للعراق الى دفع العالم الاسلامي والعربي الى الاعتقاد ان القوة العظمى تنظر إليهما بالفعل كهدفين لبرنامجها “الاصلاحي الديمقراطي” الطموح. وأدى هذا الرأي الى تفاقم النزاعات القائمة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي.
وقد أثبت التاريخ وممارسات “خرافة الامبراطوريات” ان استراتيجية الحروب الاستباقية ستجلب على إدارة بوش نتائج لا ترغب في رؤيتها تتمثل في عدم أمن “للامبراطورية الأمريكية” وزوالها بسبب توسع لا تستطيع التوافق معه.
وتماماً كما قال جوزيف اس ناي ان المفارقة في نظرية القوة الأمريكية هي ان السياسة العالمية تغيرت بالفعل. وحتى بالنسبة للدولة الأقوى في العالم، يستحيل عليها ان تحقق أهدافها الرئيسية عبر قوتها فقط، وهو ما حدث تماماً للامبراطورية الرومانية. وقد كانت حرب العراق اختيارية ولم تكن ضرورية، وينبغي حذف مبدأ توجيه الضربات الاستباقية من قاموس الأمن القومي الأمريكي طبقاً لما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت.
والقرن الحادي والعشرون ليس ب “القرن الأمريكي”، وهذا لا يعني ان “الولايات المتحدة” لا تبتغي الحلم، بل ينطوي على انها غير قادرة على تحقيق الهدف.
وفي هذا القرن يجب على جميع القوى الكبرى ان تتنافس بطريقة سلمية بدل السبل والوسائل العسكرية.
* وزير خارجية الصين السابق
ونشرت النص أمس صحيفة “شاين ديلي”