على
11-01-2004, 12:32 PM
في الليلة السابقة لسفرها, تقف لينا على طاولة أحد مقاهي بيروت. يلتف أصدقاؤها حولها وينشدون: "يا مسافر وحدك", و"بكرا لما تسافر". صديق لينا يجلس على الكرسي المقابل. ينظر إليها باسماً. "فـما هي إلا شهور قليلة" ويلحق بها إلى لندن.
عملت لينا قبل سفرها في أحد المصارف اللبنانية, ثم درّست مادة الرياضيات في مدرسة رسمية, قبل أن تقرر ترك العمل, والبحث عن "وظيفة العمر"... ولكن, بعد أربعة أعوام من حصولها على شهادة إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الخاصة, لم تجد لينا تلك الوظيفة في بلدها فهاجرت إلى لندن للعمل في شركة تأمين خاصة.
تصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لسفرها, وذكرى مولدها السادسة والعشرين. صديقها ما زال ينتظر "فرصة عمل" تخلصه من بطالته القسرية في لبنان. ويردد يومياً "يا مسافر وحدك" هازئاً من "المثقفين القدامى الذين كانوا يفصلون كل شيء على مقاس الذكور. حتى أغاني السفر كتبت عن الشباب".
لا تعتبر لينا حالاً شاذة تستوجب الاستفاضة في الحديث عنها. هي ليست إلا جامعية لبنانية لم تجد في بلدها الأم فرصة عمل ترضي طموحاتها... فهاجرت.
"هجرة البنات", عبارة حديثة العهد في المجتمع اللبناني. وعلى رغم أن سفر اللبنانيات وإقامتهن في الخارج لأسباب متنوعة, يعود إلى عشرات السنين, إلا أن حجم هذه الهجرة يتزايد في شكل كبير في الأعوام الاخيرة. فما هي الأسباب التي تدفع فتيات لبنان إلى الهجرة؟
"غياب فرص العمل, الإحساس بعدم الانتماء السياسي, ضيق الآفاق الفكرية والثقافية, الطائفية, تبعات الحرب...", أسباب لا يمل كثيرون من ترديدها قبل الصعود على متن الطائرة, هرباً إلى بلد جديد. يجمع الشبان والشابات على نبذ هذه "العلل الداخلية", ورفض "الحياة في بلد لا يؤمن لأبنائه متطلباتهم الحياتية, ولا يراعي تطورهم السياسي والفكري". وعلى رغم الدوافع الكثيرة التي يوردنها, تعلل معظم الفتيات هجرتهن "بالهروب من قيم اجتماعية وتقاليد بالية", ثم "البحث عن فرصة عمل افضل".
الواسطة... إلى المهجر!
قبل الحصول على إجازة في الإعلام, لم يخطر على بال ريما (25 عاماً) السفر. كل ما كانت تبحث عنه هو"الشهادة, ثم العمل في إحدى المؤسسات الصحافية في لبنان", تقول. بعد التخرج, تدربت ريما في اكثر من جريدة محلية وفي مكاتب شركات خليجية, إلا أن "القيمين على المؤسسات لم يلتزموا في المسألة المادية"... وكما يحصل عادة, لم يتم توظيفها في أي منها.
أحست ريما بأنها تعمل "من دون مقابل". بحثت عن عمل لشهور عدة, ثم يئست. فكرت في السفر إلى الخليج. "هناك يمكنني أن ادخر, لم أعد أفكر سوى في المال", تردد العبارة نفسها التي تتكرر يومياً على السنة فتيات كثيرات.
سافرت ريما إلى الكويت العام الماضي, لتعمل في إحدى الصحف. لكن البلد الجديد لم يكن مشرعاً أبوابه لاستقبالها كما كانت تعتقد: "الوضع مختلف تماماً في الخارج. هناك صعوبات كثيرة تواجهنا قبل التوظيف, بدءاً من البحث عن الأشخاص الذين يمكن أن يرشدونا إلى أصحاب العمل... مفاتيح المؤسسات. وتماماً كما في لبنان علينا مواجهة الفيتامين "و" او الواسطة"... منذ أيام عدة عادت ريما إلى الكويت, بعدما أنهت زيارتها السنوية لأهلها ورفاقها في لبنان.
وتقول هبة منتقدة التمييز في التعامل بين العربية والأجنبية المهاجرة: "يندهشون لأنني فتاة عربية غير متزوجة, أسافر بهدف العمل والحصول على مال".
سافرت هبة إلى دبي لتعيش "تجربة السفر والحصول على استقلاليتها الكاملة والهرب من تقاليد اجتماعية وقيم بالية لا تواكب العصر". لم يشغل البحث عن عمل بالها كثيراً, فهي اختارت عن اقتناع الانطلاق من نقطة الصفر. بدأت بالتعرف على الأماكن والمناطق التي عليها أن تقصدها, غير أن "المشكلة الأساسية للفتاة المهاجرة هي الحصول على مسكن. لم يكن لديهم الثقة بي, كيف سأسدد فواتير الشقة طالما أنني لا اعمل ولا أحد يكفلني", تقول.
التعامل مع الشخصيات الغريبة مشكلة أخرى واجهت هبة أثناء سفرها: "عليك أن تتعامل مع أشخاص لا تعرفهم, ولا تعرف كيف يفكرون, ولا كيف هو أسلوب حياتهم وطريقة ممارستهم أعمالهم... يعني كان كل شي غريباً بالنسبة إلي". لم تبق هبه عاطلة من العمل لوقت طويل, "ففي الصيف تكثر الوظائف". وهكذا أصبحت الجامعية اللبنانية موظفة في إحدى شركات الإعلانات في دبي, و"بدخل يتجاوز ثلاثة أضعاف ما كنت أتقاضاه في لبنان"... ولكن ما ينغص "متعة الحياة" بالنسبة إلى هبه, هو "صاحب الأموال الذي يعامل الموظف كملكية خاصة. فلا يحس بأنه يتقاضى أجراً لقاء عمله".
تنتقد هبة ظروف العمل الصعبة في لبنان, التي غالباً ما "تخضعنا قسرياً إلى ضغوطات العمل في الخارج". وتحن إلى أهلها الذين "شجعوني بعدما وجدوا أنني اتعب في لبنان, ولا احصل على نتيجة".
وتقول سهام (25 عاماً): "البنت لا تسافر إلا طمعاً بالنقود, أو رغبة في الاستقلال عن أهلها". قصة سهام تصلح نموذجاً عن قصص جامعيات كثيرات لم يحالفهن الحظ بالعمل في اختصاصهن. حازت على ليسانس في التسويق, قبل أن تمضي سنة ونصف السنة عاملة في أحد المتاجر الكبرى في لبنان. منذ عامين سافرت سهام إلى قطر "لأسباب مادية بحتة", بعدما أمن لها أحد الأقارب عقد عمل في مؤسسة خاصة.
غير أن الرغبة في الحصول على عمل افضل, لم يكن إلا السبب المعلن لسفر سهام: "لست مرتبطة عاطفياً وأرغب في العيش وحدي". يبدو المبرر كافياً في نظر سهام لتحمّل اعباء الإقامة في الخارج.
عملت لينا قبل سفرها في أحد المصارف اللبنانية, ثم درّست مادة الرياضيات في مدرسة رسمية, قبل أن تقرر ترك العمل, والبحث عن "وظيفة العمر"... ولكن, بعد أربعة أعوام من حصولها على شهادة إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الخاصة, لم تجد لينا تلك الوظيفة في بلدها فهاجرت إلى لندن للعمل في شركة تأمين خاصة.
تصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لسفرها, وذكرى مولدها السادسة والعشرين. صديقها ما زال ينتظر "فرصة عمل" تخلصه من بطالته القسرية في لبنان. ويردد يومياً "يا مسافر وحدك" هازئاً من "المثقفين القدامى الذين كانوا يفصلون كل شيء على مقاس الذكور. حتى أغاني السفر كتبت عن الشباب".
لا تعتبر لينا حالاً شاذة تستوجب الاستفاضة في الحديث عنها. هي ليست إلا جامعية لبنانية لم تجد في بلدها الأم فرصة عمل ترضي طموحاتها... فهاجرت.
"هجرة البنات", عبارة حديثة العهد في المجتمع اللبناني. وعلى رغم أن سفر اللبنانيات وإقامتهن في الخارج لأسباب متنوعة, يعود إلى عشرات السنين, إلا أن حجم هذه الهجرة يتزايد في شكل كبير في الأعوام الاخيرة. فما هي الأسباب التي تدفع فتيات لبنان إلى الهجرة؟
"غياب فرص العمل, الإحساس بعدم الانتماء السياسي, ضيق الآفاق الفكرية والثقافية, الطائفية, تبعات الحرب...", أسباب لا يمل كثيرون من ترديدها قبل الصعود على متن الطائرة, هرباً إلى بلد جديد. يجمع الشبان والشابات على نبذ هذه "العلل الداخلية", ورفض "الحياة في بلد لا يؤمن لأبنائه متطلباتهم الحياتية, ولا يراعي تطورهم السياسي والفكري". وعلى رغم الدوافع الكثيرة التي يوردنها, تعلل معظم الفتيات هجرتهن "بالهروب من قيم اجتماعية وتقاليد بالية", ثم "البحث عن فرصة عمل افضل".
الواسطة... إلى المهجر!
قبل الحصول على إجازة في الإعلام, لم يخطر على بال ريما (25 عاماً) السفر. كل ما كانت تبحث عنه هو"الشهادة, ثم العمل في إحدى المؤسسات الصحافية في لبنان", تقول. بعد التخرج, تدربت ريما في اكثر من جريدة محلية وفي مكاتب شركات خليجية, إلا أن "القيمين على المؤسسات لم يلتزموا في المسألة المادية"... وكما يحصل عادة, لم يتم توظيفها في أي منها.
أحست ريما بأنها تعمل "من دون مقابل". بحثت عن عمل لشهور عدة, ثم يئست. فكرت في السفر إلى الخليج. "هناك يمكنني أن ادخر, لم أعد أفكر سوى في المال", تردد العبارة نفسها التي تتكرر يومياً على السنة فتيات كثيرات.
سافرت ريما إلى الكويت العام الماضي, لتعمل في إحدى الصحف. لكن البلد الجديد لم يكن مشرعاً أبوابه لاستقبالها كما كانت تعتقد: "الوضع مختلف تماماً في الخارج. هناك صعوبات كثيرة تواجهنا قبل التوظيف, بدءاً من البحث عن الأشخاص الذين يمكن أن يرشدونا إلى أصحاب العمل... مفاتيح المؤسسات. وتماماً كما في لبنان علينا مواجهة الفيتامين "و" او الواسطة"... منذ أيام عدة عادت ريما إلى الكويت, بعدما أنهت زيارتها السنوية لأهلها ورفاقها في لبنان.
وتقول هبة منتقدة التمييز في التعامل بين العربية والأجنبية المهاجرة: "يندهشون لأنني فتاة عربية غير متزوجة, أسافر بهدف العمل والحصول على مال".
سافرت هبة إلى دبي لتعيش "تجربة السفر والحصول على استقلاليتها الكاملة والهرب من تقاليد اجتماعية وقيم بالية لا تواكب العصر". لم يشغل البحث عن عمل بالها كثيراً, فهي اختارت عن اقتناع الانطلاق من نقطة الصفر. بدأت بالتعرف على الأماكن والمناطق التي عليها أن تقصدها, غير أن "المشكلة الأساسية للفتاة المهاجرة هي الحصول على مسكن. لم يكن لديهم الثقة بي, كيف سأسدد فواتير الشقة طالما أنني لا اعمل ولا أحد يكفلني", تقول.
التعامل مع الشخصيات الغريبة مشكلة أخرى واجهت هبة أثناء سفرها: "عليك أن تتعامل مع أشخاص لا تعرفهم, ولا تعرف كيف يفكرون, ولا كيف هو أسلوب حياتهم وطريقة ممارستهم أعمالهم... يعني كان كل شي غريباً بالنسبة إلي". لم تبق هبه عاطلة من العمل لوقت طويل, "ففي الصيف تكثر الوظائف". وهكذا أصبحت الجامعية اللبنانية موظفة في إحدى شركات الإعلانات في دبي, و"بدخل يتجاوز ثلاثة أضعاف ما كنت أتقاضاه في لبنان"... ولكن ما ينغص "متعة الحياة" بالنسبة إلى هبه, هو "صاحب الأموال الذي يعامل الموظف كملكية خاصة. فلا يحس بأنه يتقاضى أجراً لقاء عمله".
تنتقد هبة ظروف العمل الصعبة في لبنان, التي غالباً ما "تخضعنا قسرياً إلى ضغوطات العمل في الخارج". وتحن إلى أهلها الذين "شجعوني بعدما وجدوا أنني اتعب في لبنان, ولا احصل على نتيجة".
وتقول سهام (25 عاماً): "البنت لا تسافر إلا طمعاً بالنقود, أو رغبة في الاستقلال عن أهلها". قصة سهام تصلح نموذجاً عن قصص جامعيات كثيرات لم يحالفهن الحظ بالعمل في اختصاصهن. حازت على ليسانس في التسويق, قبل أن تمضي سنة ونصف السنة عاملة في أحد المتاجر الكبرى في لبنان. منذ عامين سافرت سهام إلى قطر "لأسباب مادية بحتة", بعدما أمن لها أحد الأقارب عقد عمل في مؤسسة خاصة.
غير أن الرغبة في الحصول على عمل افضل, لم يكن إلا السبب المعلن لسفر سهام: "لست مرتبطة عاطفياً وأرغب في العيش وحدي". يبدو المبرر كافياً في نظر سهام لتحمّل اعباء الإقامة في الخارج.