بحرين السلام
04-15-2011, 06:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
عهده للأشتر حين ولاه مصر قال الشريف الرضي :
وهو أطول عهد كتبه و اجمعه للمحاسن.
و قد احتوى على جميع ما يحتاج إليه الوالي بل كل أحد من الأمور الاجتماعية وسياسة الرعية أوردناه بطوله نقلا عن نهج البلاغة وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها و جهاد عدوها و استصلاح أهلها و عمارة بلادها....
التقوى:
أمره بتقوى الله و إيثار طاعته و اتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه و سننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها و لا يشقى إلا من جحودها وإضاعتها و أن ينصر الله سبحانه بيده و قلبه و لسانه فانه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره و إعزاز من اعزه و أمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات و ينزعها عند الجمحات فان النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله.
السيرة الحسنه :
ثم اعلم يا مالك إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور و ان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك و يقولون فيك ما كنت تقوله فيهم و إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على السن عباده فليكن احب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك و شح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.
الرعية :
و اشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فانهم صنفان إما أخ لك في الدين و إما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ.
فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك و الله فوق من ولاك، و قد استكفاك أمرهم و ابتلاك بهم فلا تنصبن نفسك لحرب له، فانه لا يدمى لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه و رحمته و لا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فان ذلك إدغال في القلب و منهكة للدين، و تقرب من الغير.
الكبر:
و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فان ذلك يطامن إليك من طماحك و يكف عنك من غربك و يفيء إليك بما عزب عنك من عقلك و إياك و مساماة الله في عظمته و التشبه به في جبروته فان الله يذل كل جبار و يهين كل مختال.
الإنصاف :
انصف الله و انصف الناس من نفسك و من خاصة اهلك و من لك هوى فيه من رعيتك فانك ان لا تفعل تظلم. و من ظلم عبدا لله كان الله خصمه دون عباده و من خاصمه الله ادحض حجته و كان لله حربا حتى ينزع و يتوب. و ليس شيء ادعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم. فان الله يسمع دعوة المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد.
العدل :
و ليكن احب الأمور إليك أوسطها في الحق و أعمها في العدل و اجمعها لرضى الرعية فان سخط العامة يجحف برضا الخاصة و ان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة و ليس أحد من الرعية اثقل على الوالي مؤونة في الرخاء و اقل معونة له في البلاء و اكره للإنصاف و أسأل بالإلحاف و اقل شكرا عند الإعطاء و أبطأ عذرا عند المنع و اضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، و إنما عمود الدين و جماع المسلمين و العدة للأعداء العامة من الامه، فليكن صفيك لهم و ميلك معهم.
الوشاة :
و ليكن ابعد رعيتك منك و اشنأهم عندك اطلبهم لمعايب الناس فان في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك و الله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك و أطلق عن الناس عقدة كل حقد و اقطع عنك سبب كل وتر و تغاب عن كل ما لا يصلح لك، و لا تعجلن على تصديق ساع فان الساعي غاش و ان تشبه بالناصحين.
الاستشارة :
و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره بالجور فان البخل و الجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.
الوزير:
إن شر وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيرا، و من شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فانهم أعوان أثمة و إخوان ظلمة و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم و ليس عليه مثل آصارهم و أوزارهم و آثامهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه، و لا آثما على إثمه أولئك أخف عليك مؤونة و احسن لك معونة و أحنى عليك عطفا و اقل لغيرك إلفا، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك و حفلاتك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك و اقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع. من ينبغي ان يجالسهم و الصق بأهل الورع و الصدق، ثم رضهم على ان لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله فان كثرة الإطراء تحدث الزهو و تدني من العزة.
المحسن و المسيء :
و لا يكونن المحسن و المسيء عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و الزم كلا منهم ما الزم نفسه.
الإحسان :
اعلم انه ليس شيء بادعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيف المؤنات عليهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك فان حسن الظن يقطع عنك نسبا طويلا فان أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، و ان أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده.
السنة :
و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة و اجتمعت بها الألفة و صلحت عليها الرعية، و لا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها و الوزر عليك بما نقضتها.
العلماء :
و اكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك و إقامة ما استقام به الناس قبلك.
طبقات المجتمع :
و اعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض و لا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله و منها كتاب العامة و الخاصة و منها قضاة العدل و منها عمال الإنصاف و الرفق ومنها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس، و منها التجار و أهل الصناعات و منها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات و المسكنة.
و كل قد سمى الله له سهمه و وضع على حده و فريضته في كتابه أو سنة نبيه(صلى الله عليه وآله) عهدا منه محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية و زين الولاة و عز الدين و سبل الأمن و ليس تقوم الرعية إلا بهم.
ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم و يعتمدون عليه فيما يصلحهم و يكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاء و العمال و الكتاب لما يحكمون من المعاقد و يجمعون من المنافع و يأتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم و يقيمونه من أسواقهم و يكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم و في الله لكل سعة و لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه.
الاستعانة بالله (تعالى):
و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام و الاستعانة بالله و توطين نفسه على لزوم الحق و الصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.
قادة الجيوش :
فول من جنودك انصحهم في نفسك لله و لرسوله و إمامك و أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب و يستريح إلى العذر و يرأف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء و ممن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات و الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة فانهم جماع من الكرم و شعب من العرف.
رعايتهم :
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما و لا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به و لا تحقرن لطفا تعاهدتهم به و ان قل فانه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك و حسن الظن بك و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه.
سياسته معهم :
و ليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته. و افضل عليهم من جدته بما يسعهم من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك و ان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد و ظهور مودة الرعية و انه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم و قلة استثقال دولهم و ترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم و واصل في حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع و تحرض الناكل ان شاء الله تعالى ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى و لا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره و لا تقصرن به دون غاية بلائه و لا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا و لا ضعة امرئ إلى أن تصغر من بلائه ما كان عظيما.
الرجوع للمصادر الشرعية :
و اردد إلى الله و رسوله ما يضلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه و تعالى احب إرشادهم (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول) فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه و الرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
عهده للأشتر حين ولاه مصر قال الشريف الرضي :
وهو أطول عهد كتبه و اجمعه للمحاسن.
و قد احتوى على جميع ما يحتاج إليه الوالي بل كل أحد من الأمور الاجتماعية وسياسة الرعية أوردناه بطوله نقلا عن نهج البلاغة وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها و جهاد عدوها و استصلاح أهلها و عمارة بلادها....
التقوى:
أمره بتقوى الله و إيثار طاعته و اتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه و سننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها و لا يشقى إلا من جحودها وإضاعتها و أن ينصر الله سبحانه بيده و قلبه و لسانه فانه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره و إعزاز من اعزه و أمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات و ينزعها عند الجمحات فان النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله.
السيرة الحسنه :
ثم اعلم يا مالك إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور و ان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك و يقولون فيك ما كنت تقوله فيهم و إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على السن عباده فليكن احب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك و شح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.
الرعية :
و اشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فانهم صنفان إما أخ لك في الدين و إما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ.
فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك و الله فوق من ولاك، و قد استكفاك أمرهم و ابتلاك بهم فلا تنصبن نفسك لحرب له، فانه لا يدمى لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه و رحمته و لا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فان ذلك إدغال في القلب و منهكة للدين، و تقرب من الغير.
الكبر:
و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فان ذلك يطامن إليك من طماحك و يكف عنك من غربك و يفيء إليك بما عزب عنك من عقلك و إياك و مساماة الله في عظمته و التشبه به في جبروته فان الله يذل كل جبار و يهين كل مختال.
الإنصاف :
انصف الله و انصف الناس من نفسك و من خاصة اهلك و من لك هوى فيه من رعيتك فانك ان لا تفعل تظلم. و من ظلم عبدا لله كان الله خصمه دون عباده و من خاصمه الله ادحض حجته و كان لله حربا حتى ينزع و يتوب. و ليس شيء ادعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم. فان الله يسمع دعوة المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد.
العدل :
و ليكن احب الأمور إليك أوسطها في الحق و أعمها في العدل و اجمعها لرضى الرعية فان سخط العامة يجحف برضا الخاصة و ان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة و ليس أحد من الرعية اثقل على الوالي مؤونة في الرخاء و اقل معونة له في البلاء و اكره للإنصاف و أسأل بالإلحاف و اقل شكرا عند الإعطاء و أبطأ عذرا عند المنع و اضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، و إنما عمود الدين و جماع المسلمين و العدة للأعداء العامة من الامه، فليكن صفيك لهم و ميلك معهم.
الوشاة :
و ليكن ابعد رعيتك منك و اشنأهم عندك اطلبهم لمعايب الناس فان في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك و الله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك و أطلق عن الناس عقدة كل حقد و اقطع عنك سبب كل وتر و تغاب عن كل ما لا يصلح لك، و لا تعجلن على تصديق ساع فان الساعي غاش و ان تشبه بالناصحين.
الاستشارة :
و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره بالجور فان البخل و الجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.
الوزير:
إن شر وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيرا، و من شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فانهم أعوان أثمة و إخوان ظلمة و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم و ليس عليه مثل آصارهم و أوزارهم و آثامهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه، و لا آثما على إثمه أولئك أخف عليك مؤونة و احسن لك معونة و أحنى عليك عطفا و اقل لغيرك إلفا، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك و حفلاتك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك و اقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع. من ينبغي ان يجالسهم و الصق بأهل الورع و الصدق، ثم رضهم على ان لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله فان كثرة الإطراء تحدث الزهو و تدني من العزة.
المحسن و المسيء :
و لا يكونن المحسن و المسيء عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و الزم كلا منهم ما الزم نفسه.
الإحسان :
اعلم انه ليس شيء بادعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيف المؤنات عليهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك فان حسن الظن يقطع عنك نسبا طويلا فان أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، و ان أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده.
السنة :
و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة و اجتمعت بها الألفة و صلحت عليها الرعية، و لا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها و الوزر عليك بما نقضتها.
العلماء :
و اكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك و إقامة ما استقام به الناس قبلك.
طبقات المجتمع :
و اعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض و لا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله و منها كتاب العامة و الخاصة و منها قضاة العدل و منها عمال الإنصاف و الرفق ومنها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس، و منها التجار و أهل الصناعات و منها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات و المسكنة.
و كل قد سمى الله له سهمه و وضع على حده و فريضته في كتابه أو سنة نبيه(صلى الله عليه وآله) عهدا منه محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية و زين الولاة و عز الدين و سبل الأمن و ليس تقوم الرعية إلا بهم.
ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم و يعتمدون عليه فيما يصلحهم و يكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاء و العمال و الكتاب لما يحكمون من المعاقد و يجمعون من المنافع و يأتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم و يقيمونه من أسواقهم و يكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم و في الله لكل سعة و لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه.
الاستعانة بالله (تعالى):
و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام و الاستعانة بالله و توطين نفسه على لزوم الحق و الصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.
قادة الجيوش :
فول من جنودك انصحهم في نفسك لله و لرسوله و إمامك و أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب و يستريح إلى العذر و يرأف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء و ممن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات و الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة فانهم جماع من الكرم و شعب من العرف.
رعايتهم :
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما و لا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به و لا تحقرن لطفا تعاهدتهم به و ان قل فانه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك و حسن الظن بك و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه.
سياسته معهم :
و ليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته. و افضل عليهم من جدته بما يسعهم من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك و ان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد و ظهور مودة الرعية و انه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم و قلة استثقال دولهم و ترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم و واصل في حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع و تحرض الناكل ان شاء الله تعالى ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى و لا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره و لا تقصرن به دون غاية بلائه و لا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا و لا ضعة امرئ إلى أن تصغر من بلائه ما كان عظيما.
الرجوع للمصادر الشرعية :
و اردد إلى الله و رسوله ما يضلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه و تعالى احب إرشادهم (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول) فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه و الرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.