بحرين السلام
04-06-2011, 01:31 AM
http://www.fajrbh.com/media/pics/1249888744.jpg
الكاتب د. سيدعباس سيدهاشم
لا حاجة لمساعي حميدة بين الطائفتين لرأب الصدع ولا داعي لها مطلقا، إذ أن القضية هي مطالبٌ لمعارضةٍ في قبال جهازِ سياسي يرفض التجاوب مع ما جاء في الميثاق نصّاً "لتأخذ دولة البحرين مكانتها بجدارة بين الممالك الدستورية المتقدمة"، وأما ما جاء على لسان وزير الخارجية في مقابلته مع صحيفة الحياة[1] إذ ادّعى أن المشكلة في البحرين ليست بين نظامٍ ومعارضةٍ، بل بين سنة وشيعة، فهذا كلام للاستهلاك الخارجي فقط لتعذير الإجراءات القاسية التي تم بها معالجة الانتفاضة الشعبية منذ 16 مارس الماضي، لدرجة أن ذهب ضحية ذلك أكثر من عشرين شهيدا فضلا عن المصابين إصابات بليغة.
ولأن كلام الوزير للاستهلاك الخارجي، فهو يتناقض تماما مع فكرة وجود مؤامرة متورطة بها الطائفة الشيعية، فهذا ما يتم الترويّج له في الإعلام المحلي الموالي، وإن ما يجري في الواقع العملي يتم بناء على تلك الفكرة وما واكبها في الإعلام المحلي من دعوات الإقصاء والتحريض والقتل وقمع وإرهاب الأهالي والاعتقالات واقتحام البيوت في جوف الليل وفصل من أعمال، وممارسات في نقاط التفتيش، فكلها تتم بناء على الهوية الطائفية.
ولو افترضنا صحة ما ذهب له الوزير، وإن المسألة عبارة عن فتنة بين طائفتين، الطائفة الشيعية والطائفة السنية، وإن الدولة تدخلت من أجل منع الانزلاق الخطير كما توحي تصريحات الوزير، فهل يخبرنا سعادته: هل المعتقلون الذين وصل عددهم إلى أكثر من ثلاثمائة من الطائفيتن أم من طائفة واحدة؟ لماذا أكثر من عشرين من الشهداء المدنيين من طائفة واحدة فقط؟ لماذا كل المطاردين والرموز المعتقلين باستثناء – الأستاذ إبراهيم شريف - كلهم من طائفة واحدة؟ فهل الجرائم والمخالفات صدرت من أفراد من طائفة واحدة فقط مع أن الخلاف طائفي وفقا لافتراض الوزير؟
ولو أردت أن أكون صريحا في هذا الوقت العصيب، فإن جزء مما كان يجري في الدوّار سواء في الشعارات أو في سقف المطالب، قد أدخل القلق في قلوب جزء من هذا الشعب والنظام، وهو خطأ عجز الرموز الواعية عن إيقافه بصورة صارمة نتيجة الغضب الشعبي لما سُفك من الدم الحرام. في المقابل فإن ما يجري الآن عبارة عن انتقام ذي نزعة طائفية، سواء فيما يتعلق بالفصل من الأعمال أو استهداف كبار الشخصيات والرموز والعلماء، وأسوأ ما في هذا الانتقام ما يجري على يد أفراد الجهاز الأمني، فهو عبارة عن أخذ ثأرٍ عمّا كان يجري في الدوار، وبهذه الروحية الانتقامية، سنشهد مزيدا من الشهداء على أيدي رجال الأمن، ولن يكون السيد أحمد شمس الساري ذو الخمسة عشر ربيعاً آخرهم.
الوضع الحالي عبارة عن عقابٍ في حق طائفة تمثل أحد جناحي هذا الوطن. ولن تتوقف موجة العنف والقمع والإقصاء والفصل من الوظائف في الوقت الحاضر، وبخاصة أنها تُحظى بمباركة دينية قد رمت الطائفة الشيعية بأقذع الأوصاف[2] ولا ضمان أن ينجو شجاع أو جبان، إذ أن صوت الباحثين عن التميّز ولو على جثة الوطن يصمّ الآذان، ولا مجال لصوت العقل، وقد تم تصوير مسألة الشعارات التي تدعو لإسقاط النظام على أنها مؤامرة وليس مجرد ردّة فعل على سفك الدم الحرام، تتكرر في كل انتفاضة. وبما أنها مؤامرة – وهو خلاف ما يسوّقه وزير الخارجية في خارج البحرين من وجود مشكلة بين طائفتين- ، فإن المسألة ستطول وتطول، ولن تهدأ إلاّ بعد أن ينزف الوطن دما عبيطاً، فروح القرون الوسطى التعسفية قد بُعثت من جديد على أرض أوال، ينفخ في كيرها عبدة الدينار والمتلهفين للمناصب ولو على جماجم الأبرياء، لهذا فإن المحاكمات قادمة، والتمييز سيشتّد ونار الإقصاء ستستعر، وسيتراقص الباحثون عن التميّز على "جثة وطن".
وهل يمكن أن يستمر وضعٌ غير طبيعي وشاذ جدّا كما هو الحال القائم؟ هل يمكن أن يتواصل ما يحدث في نقاط التفتيش من تعديات واعتقال عشوائي وإهانة للكرامة المواطنين على أساس انتمائهم الطائفي؟ كلا..فهذا من رابع المستحيلات، فلا ليلٌ إلا ويتبعه صباح، ولا تستقيم الحياة مع ما يجري حالياً. ولكن متى سيتوقف هذا الوضع الشاذ الخطير الذي يهدد بكارثة يصعب التكهّن بها؟ حقبة انتفاضة التسيعينيات ليست ببعيد، والجهاز السياسي الحاكم يكرر الأسلوب نفسه ويقع في نفس المراحل ويُستدرج إليها تماما وفقاً لما تسطره أقلام السوء والمنابر الإعلامية المتظاهرة بالولاء للنظام، تماما كما حدث في بداية انتفاضة التعسينيات، وإذا بها فيما بعد أربع سنوات مريرة على النظام وعلى الشعب وذلك خلاف كل التوّقعات.
وفي الوقت القائم، وفي ظل إطلاق العنان لروّح التشفي تفعل ما تشاء في أجساد جزء من أبناء الوطن وقلوبهم بمختلف التعديات، فإن تلك الحالة ستوقف عندما تشتد الآلام، وتغور الجروح في الأجساد والنفوس لدرجة يصعب ترميمها. ولقد وجدنا آثار انتفاضة التسعينيات وجروحها لم تندمل، بل أجزم بان تلك الجراحات الغائرة منذ التسعينيات، قد أسهمت في إشتعال انتفاضة 14 فبراير، إذ أن ضحايا تلك الحقبة لم تُغلق ملفاتهم، ومازال الناس يتذكرون تلك الأحداث المفجعة، وكانت كل التحركات الإصلاحية التي بزغت بعد ميثاق العمل الوطني تعمل من أجل ضمان عدم تكرار أحداث التسعينيات، وهاهي الأيام السوداء تتكرر والممارسات التسعينية تعود من جديد بصورة ربما أشدّ وأقسى لتؤكد وجوب الإصلاح الجذري وعدم الرضوخ، فكل ما تستطيع أن تفعله القوة العسكرية حاليا، هو السيطرة على الظاهر، ولكن ما هي حيلتها تجاه ما يعتمل في النفوس من نيران ملتهبة؟ وقديما قيلَ: القسرُ لا يدوم..والزيف الذي تسترزق من وراءه قمّامات هذا الوطن وأقزام القلم المتملقين واللاهثين وراء المناصب على حساب تأوهات المواطنين له أرجلٌ خشبية لن تصمد طويلاً.
الكاتب د. سيدعباس سيدهاشم
لا حاجة لمساعي حميدة بين الطائفتين لرأب الصدع ولا داعي لها مطلقا، إذ أن القضية هي مطالبٌ لمعارضةٍ في قبال جهازِ سياسي يرفض التجاوب مع ما جاء في الميثاق نصّاً "لتأخذ دولة البحرين مكانتها بجدارة بين الممالك الدستورية المتقدمة"، وأما ما جاء على لسان وزير الخارجية في مقابلته مع صحيفة الحياة[1] إذ ادّعى أن المشكلة في البحرين ليست بين نظامٍ ومعارضةٍ، بل بين سنة وشيعة، فهذا كلام للاستهلاك الخارجي فقط لتعذير الإجراءات القاسية التي تم بها معالجة الانتفاضة الشعبية منذ 16 مارس الماضي، لدرجة أن ذهب ضحية ذلك أكثر من عشرين شهيدا فضلا عن المصابين إصابات بليغة.
ولأن كلام الوزير للاستهلاك الخارجي، فهو يتناقض تماما مع فكرة وجود مؤامرة متورطة بها الطائفة الشيعية، فهذا ما يتم الترويّج له في الإعلام المحلي الموالي، وإن ما يجري في الواقع العملي يتم بناء على تلك الفكرة وما واكبها في الإعلام المحلي من دعوات الإقصاء والتحريض والقتل وقمع وإرهاب الأهالي والاعتقالات واقتحام البيوت في جوف الليل وفصل من أعمال، وممارسات في نقاط التفتيش، فكلها تتم بناء على الهوية الطائفية.
ولو افترضنا صحة ما ذهب له الوزير، وإن المسألة عبارة عن فتنة بين طائفتين، الطائفة الشيعية والطائفة السنية، وإن الدولة تدخلت من أجل منع الانزلاق الخطير كما توحي تصريحات الوزير، فهل يخبرنا سعادته: هل المعتقلون الذين وصل عددهم إلى أكثر من ثلاثمائة من الطائفيتن أم من طائفة واحدة؟ لماذا أكثر من عشرين من الشهداء المدنيين من طائفة واحدة فقط؟ لماذا كل المطاردين والرموز المعتقلين باستثناء – الأستاذ إبراهيم شريف - كلهم من طائفة واحدة؟ فهل الجرائم والمخالفات صدرت من أفراد من طائفة واحدة فقط مع أن الخلاف طائفي وفقا لافتراض الوزير؟
ولو أردت أن أكون صريحا في هذا الوقت العصيب، فإن جزء مما كان يجري في الدوّار سواء في الشعارات أو في سقف المطالب، قد أدخل القلق في قلوب جزء من هذا الشعب والنظام، وهو خطأ عجز الرموز الواعية عن إيقافه بصورة صارمة نتيجة الغضب الشعبي لما سُفك من الدم الحرام. في المقابل فإن ما يجري الآن عبارة عن انتقام ذي نزعة طائفية، سواء فيما يتعلق بالفصل من الأعمال أو استهداف كبار الشخصيات والرموز والعلماء، وأسوأ ما في هذا الانتقام ما يجري على يد أفراد الجهاز الأمني، فهو عبارة عن أخذ ثأرٍ عمّا كان يجري في الدوار، وبهذه الروحية الانتقامية، سنشهد مزيدا من الشهداء على أيدي رجال الأمن، ولن يكون السيد أحمد شمس الساري ذو الخمسة عشر ربيعاً آخرهم.
الوضع الحالي عبارة عن عقابٍ في حق طائفة تمثل أحد جناحي هذا الوطن. ولن تتوقف موجة العنف والقمع والإقصاء والفصل من الوظائف في الوقت الحاضر، وبخاصة أنها تُحظى بمباركة دينية قد رمت الطائفة الشيعية بأقذع الأوصاف[2] ولا ضمان أن ينجو شجاع أو جبان، إذ أن صوت الباحثين عن التميّز ولو على جثة الوطن يصمّ الآذان، ولا مجال لصوت العقل، وقد تم تصوير مسألة الشعارات التي تدعو لإسقاط النظام على أنها مؤامرة وليس مجرد ردّة فعل على سفك الدم الحرام، تتكرر في كل انتفاضة. وبما أنها مؤامرة – وهو خلاف ما يسوّقه وزير الخارجية في خارج البحرين من وجود مشكلة بين طائفتين- ، فإن المسألة ستطول وتطول، ولن تهدأ إلاّ بعد أن ينزف الوطن دما عبيطاً، فروح القرون الوسطى التعسفية قد بُعثت من جديد على أرض أوال، ينفخ في كيرها عبدة الدينار والمتلهفين للمناصب ولو على جماجم الأبرياء، لهذا فإن المحاكمات قادمة، والتمييز سيشتّد ونار الإقصاء ستستعر، وسيتراقص الباحثون عن التميّز على "جثة وطن".
وهل يمكن أن يستمر وضعٌ غير طبيعي وشاذ جدّا كما هو الحال القائم؟ هل يمكن أن يتواصل ما يحدث في نقاط التفتيش من تعديات واعتقال عشوائي وإهانة للكرامة المواطنين على أساس انتمائهم الطائفي؟ كلا..فهذا من رابع المستحيلات، فلا ليلٌ إلا ويتبعه صباح، ولا تستقيم الحياة مع ما يجري حالياً. ولكن متى سيتوقف هذا الوضع الشاذ الخطير الذي يهدد بكارثة يصعب التكهّن بها؟ حقبة انتفاضة التسيعينيات ليست ببعيد، والجهاز السياسي الحاكم يكرر الأسلوب نفسه ويقع في نفس المراحل ويُستدرج إليها تماما وفقاً لما تسطره أقلام السوء والمنابر الإعلامية المتظاهرة بالولاء للنظام، تماما كما حدث في بداية انتفاضة التعسينيات، وإذا بها فيما بعد أربع سنوات مريرة على النظام وعلى الشعب وذلك خلاف كل التوّقعات.
وفي الوقت القائم، وفي ظل إطلاق العنان لروّح التشفي تفعل ما تشاء في أجساد جزء من أبناء الوطن وقلوبهم بمختلف التعديات، فإن تلك الحالة ستوقف عندما تشتد الآلام، وتغور الجروح في الأجساد والنفوس لدرجة يصعب ترميمها. ولقد وجدنا آثار انتفاضة التسعينيات وجروحها لم تندمل، بل أجزم بان تلك الجراحات الغائرة منذ التسعينيات، قد أسهمت في إشتعال انتفاضة 14 فبراير، إذ أن ضحايا تلك الحقبة لم تُغلق ملفاتهم، ومازال الناس يتذكرون تلك الأحداث المفجعة، وكانت كل التحركات الإصلاحية التي بزغت بعد ميثاق العمل الوطني تعمل من أجل ضمان عدم تكرار أحداث التسعينيات، وهاهي الأيام السوداء تتكرر والممارسات التسعينية تعود من جديد بصورة ربما أشدّ وأقسى لتؤكد وجوب الإصلاح الجذري وعدم الرضوخ، فكل ما تستطيع أن تفعله القوة العسكرية حاليا، هو السيطرة على الظاهر، ولكن ما هي حيلتها تجاه ما يعتمل في النفوس من نيران ملتهبة؟ وقديما قيلَ: القسرُ لا يدوم..والزيف الذي تسترزق من وراءه قمّامات هذا الوطن وأقزام القلم المتملقين واللاهثين وراء المناصب على حساب تأوهات المواطنين له أرجلٌ خشبية لن تصمد طويلاً.