المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدام حسين وراء فوز ألفريدة يلينيك بجائزة نوبل للآداب



مجاهدون
10-29-2004, 08:07 AM
في رواية لها تصوّر الرئيس العراقي المخلوع بأنه ضحية للامبريالية وليس طاغية

أمير طاهري

http://www.asharqalawsat.com/2004/10/29/images/art.262802.jpg

في مايو (ايار)1986، تحول التجمع، الذي جرى داخل «معهد الإعلام الدولي» بفيينا كي يصبح واحداً من آخر المناوشات الفكرية المنتمية إلى فترة الحرب الباردة. كانت الشرارة التي فجرت النزاع هي طلب عدد من الصحافيين الغربيين من الحكومة السوفياتية السماح للإعلام الغربي بالوصول إلى محطة تشيرنوبل في أوكرانيا للتوثق من صحة التقارير المتعلقة بتلك الكارثة.

رأى الصحافيون المناصرون للشيوعية أن هذا الطلب هو «مؤامرة إمبريالية للإساءة إلى قاعدة الاشتراكية». كانت أكثر المهاجمين حدة على الإعلام الغربي و«هوسه» امرأة هيفاء ترتدي ثوبا أسود مع دبوس أحمر، ولعل ذلك من أجل تأكيد هويتها الآيديولوجية. إنها ألفريدة يلينيك التي فازت بعد ثمانية عشر عاماً بجائزة نوبل للآداب.

آنذاك لم يساور أي شخص أن الصحافية (بدوام جزئي) والمترجمة يلينيك لها طموحات أدبية جادة. فلم تحقق حتى ذلك الوقت أي إنجاز أدبي سوى مجموعة من القصائد حملت عنوان «قطط ليزا» والتي نشرتها عام 1967 حين كانت في التاسعة عشرة.
ومنذ ذلك الوقت نشرت ما يقرب من عشرة أعمال بضمنها أربع روايات. وتحولت روايتها «معلمة البيانو» إلى فيلم مثلته النجمة الفرنسية ايزابيل هوبرت. والرواية هي سيرة ذاتية إلى حد ما، تتناول قصة اريكا كوهت معلمة البيانو في معهد موسيقي، التي يبلغ انشدادها الجنسي لأحد تلاميذها الحد الذي يكشف عندها مشاعر هي مزيج من السادية والمازوشية.

ذهبت لأشاهد الفيلم لأنني من المعجبين بالممثلة هوبرت منذ سنوات طويلة، لكن الفيلم أثار في نفسي سؤالا لم أجد أي إجابة عنه: هل أن يلينيك تكره البشرية بشدة أو أنها مجرد امرأة عانس مهووسة بخيالات جنسية همجية.
عندما رجعت إلى الكتاب وجدت جوابا ثالثا محتملا، هو إن يلينيك تكره العلاقات الإنسانية لأنها تعتقد أن الإنسان شرير بطبعه. وهي تفسر كراهيتها للبرجوازية من زاوية المفهوم المسيحي المتعلق بالخطيئة الأصلية.

ويسيطر الطابع نفسه على رواياتها الأخرى، والتي يتساوى فيها الإفراط، وخاصة في صورته الجنسية، مع التحرر. وترمي يلينيك لإثارة الشعور بالصدمة لدى قرائها، ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك. فقد تحصنت البرجوازية، وهي الفئة الغالبة التي تقرأ الروايات وتشاهد الأفلام السينمائية، منذ وقت طويل ضد الصدمات مهما كان شكلها. وعلى كل حال فإن يلينيك لا تبلغ شأو المركيز دي صاد والكونت ساشر ـ ماسوش، في تصويرها للتجارب الجنسية الشاذة.

إذن لماذا يرغب شخص ما في رفع قدر يلينيك بإعطائها جائزة نوبل؟ الجواب على هذا السؤال لا نجده في أعمالها. وفي الحقيقة فإن نثرها، الذي وصفه أحد القضاة السويديين بأنه «نهر من موسيقى الأصوات المتداخلة» أقرب إلى لغة المجلات النسائية منه إلى الكتابة الجادة. وإليك مقتطف من روايتها «معلمة البيانو»: «تندفع إريكا كاهوت، مدرسة البيانو، كإعصار صغير إلى داخل الشقة التي تسكنها مع والدتها.

كانت الأم تحب أن تدعو إريكا «إعصاري الصغير» لأن هذه الطفلة يمكن أن تتحول فجأة إلى عفريت ذي سرعة مطلقة. إنها تحاول الهرب من امها. إريكا الآن في السنوات الأخيرة من عقدها الرابع. أما أمها فإنها قد بلغت من الكبر بحيث تبدو كجدتها. لقد ولدت الطفلة بعد زواج طويل تحيطه الصعوبات من كل جانب. وقد غادر والدها وسلم الشعلة لابنته. دخلت إريكا وخرج الأب. وأخيرا تعلمت كيف تتحرك بسرعة. كان لزاما عليها أن تفعل ذلك. والآن ها هي تقتحم الشقة كحفنة من الألياف الخريفية، آملة أن تدخل غرفتها دون أن يراها أحد».

ليس هذا أدبا عظيما، أليس كذلك؟
فلماذا إذن جائزة نوبل؟
الإجابة تتمثل في كلمة واحدة: العراق.
اذ يبدو أن القضاة السويديين كانوا يبحثون عن شخص يستطيعون من خلاله أن يعلنوا موقفهم من الغزو الأميركي للعراق الذي قاد إلى إسقاط صدام حسين.

وكانت يلينيك من أوائل الكتاب الذين عارضوا حرب العراق حتى قبل أن تبدأ تلك الحرب. وقد كتبت العام الماضي، وبسرعة خاطفة، رواية بعنوان «بامبيلاند» تصور فيها الولايات المتحدة كبلاد يسكنها شعب يتناوشه الغرور والسذاجة، وتسبب مشاعره الوطنية الكوارث للآخرين. ومن الناحية الاخرى فإن صدام حسين يحاط بزخرف كثير ويصور بأنه ضحية للإمبريالية الأميركية، وليس طاغية يقهر شعبه.

ويقول المتحدث باسم الأكاديمية السويدية هوراس انغدال ان يلينيك «محقة تماما» في معارضتها للحرب في العراق ولكنها ترفض الاشارات الى ان الجائزة منحت لها كوسيلة للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية. وكانت يلينيك عضوا في الحزب الشيوعي النمساوي من عام 1974 حتى عام 1991. وكان الحزب الشيوعي النمساوي الحزب الوحيد في القارة الأوروبية الذي لم يجتذب اتباعا كثيرين ولم يلعب دورا كبيرا في أي حدث تاريخي. وبعد انسحاب القوات السوفياتية من المنطقة المحتلة في النمسا عام 1955 لم يكن الحزب الشيوعي النمساوي اكثر من مجرد شبكة تدور في فلك المخابرات السوفياتية.

وتركت يلينيك الحزب بعد أشهر من ايقاف موسكو تدفق الأموال الى زبائنها النمساويين. ومع ذلك فان الحزب الشيوعي النمساوي يعتزم اقامة احتفال الأسبوع المقبل لتكريم «الرفيقة» يلينيك باعتبارها «مكافحة لا تكل من أجل السلام».

وبمنحها جائزة نوبل لهذه الكاتبة النمساوية اكدت الأكاديمية السويدية الاعتقاد بأن الجائزة أداة سياسية تستخدم للدعاية للكتاب اليساريين.
ان قائمة الكتاب والشعراء الكبار الذين لم يتسلموا جائزة نوبل أكثر تأثيرا من أولئك الذين تسلموها. ومن بين من تجاهلهم حكام جائزة نوبل: هنري جيمس، مارسيل بروست، عزرا باوند، نيما يوشيج، جيمس جويس، جوزيف روث، غراهام غرين، با جين، أنا اخماتوفا، جورج لويس بورخيس، ولويس فرديناند سيلين.

وفي المقابل هناك بعض من فازوا بجائزة نوبل ممن لم يعد احد يقرأهم ولا يتذكرهم الا قليلون: فيسينت الكساندر، جاسينتو فينابينتي، كاميلو خوزيه سيلا، يوهانز جينسن، ايفيند جونسون، دبليو. إس. ريمونت، نيلي ساكس، ميخائيل شولوخوف، وسيغريد اوندسيت.
ومن اللافت للانتباه ان من بين 97 حائزا لجائزة نوبل للآداب هناك ما لا يقل عن 38 منهم اما أعضاء في الأحزاب الشيوعية في بلدانهم أو «متعاطفون معها». ومن بين أحدثهم غونتر غراس، جوزيه ساراماغو، داريو فو، كلود سيمون، غابرييل غارسيا ماركيز، وبابلو نيرودا.

تقول يلينيك انها لن تذهب الى ستوكهولم لتسلم الجائزة، وتقول أيضاً «لا احب الناس، وأرغب في الحفاظ على خصوصيتي». ولكنها ستقبل مبلغ الجائزة الذي يبلغ 1.3 مليون دولار الذي تعتزم ان تشتري به «شقة كبيرة جدا» تكتب فيها مزيدا من الروايات ضد البرجوازية.