لطيفة
03-30-2011, 07:26 AM
http://www.marefa.org/images/thumb/8/8e/Madawi_Al_Rasheed.jpg/260px-Madawi_Al_Rasheed.jpg
د. مضاوي الرشيد - القدس العربي
بينما تتطور الدول وتنمو في فكرها وممارساتها نجد ان النظام السعودي لا يزال يتشبث بمبدأ الامارة ومحدوديته. تقوم الامارة عادة على غلبة فريق على فريق آخر ومن ثم تصفية المنافسين والتعامل مع البقية المتبقية كمجتمع مهزوم محتل.
فتفرض الامارة سيطرتها على هذه المجموعة اما من خلال القمع المباشر مستعملة العصا او من خلال الجزرة فتوزع قلة قليلة من الريع والزكاة على الضعفاء وتقرب اقلية اخرى كتوليتها في مناصب مختلفة وبذلك تضمن الامارة هيمنتها بعد ان تجرد سكان الامارة من اي مؤسسة او تجمع او تكتل قد يكون نواة مساءلة او مقاومة في وجه غطرسة الامير وتعسفه. من اجل استتباب هذه الهيمنة تعتمد الامارة على المرتزقة والمجندين في الماضي. كانوا عبيد الامارة يستوردون من اسواق العبيد في مكة ومسقط وبعد تحررهم في الستينات اتجهت الامارة اكثر فأكثر الى تجنيد سكان الامارة من الحضر الاوفياء الذين يحفظون الولاء عكس الآخرين من ابناء البادية المعروفين بروح الحرية والانفرادية وعدم الانصياع للسلطة المركزية للامارة.
وبينما يجند هؤلاء في حروب توسعية تظل قيادة العسكر في يد تلك الحزمة الحضرية المعروفة بولائها وتفانيها في الدفاع عن المركز الاميري لان المصير اصبح مشتركا وبينما كان ذلك البدوي الشرس يطمح للحرية والترحال خوفا من اهانته او فقدانه حرية القرار كان الحضري مرتبطا بالامارة اكثر لانه يملك المزرعة والتي يصعب ان تنتقل وترتحل.
اما التاجر منهم فهو معروف برأسماليته الصغيرة حينها ورغم انه يهدد ويتوعد بنقل دكانه الى امارة اخرى الا انه يعتمد على الامن الذي يوفره عسكر الامارة. لقد اصبح هذا النمط والذي كان موجودا في الجزيرة العربية ومناطقها المتعددة هو النمط الذي ولد ما يسمى اليوم بالدولة السعودية الحديثة.
ولكن هناك اختلافا واحدا وجوهريا تميزت به الدولة السعودية عن غيرها وهو فقه القرية الذي اصبح اليوم فقه الدولة. لتخرج امارة القرية من محدوديتها كانت تحتاج الى فقه جديد يعتمد على القديم ولكن بلعبة بهلوانية اصبح هو المعتمد.
اعتمدت الامارة سابقا والدولة لاحقا على ركيزة اساسية من بين ركائز تجاوزت المئة وهي الانفصال عما سمي بمسائل الجاهلية.
تقول الركيزة الثالثة في سلسلة المسائل ان في عصورنا الغابرة كنا كعرب جاهلية نخالف ولي الامر نعتقد ان عدم الانقياد له فضيلة وبعضنا كان يجعله دينا. تصوروا اننا في جاهليتنا كان مجتمعنا لا ينصاع كقطيع من الرعية لامير القرية بل كنا نجادله ونتمرد عليه ان فتك بنا او عاملنا كمجتمع مغلوب على امره ونهب مزارعنا وحرق نخيلنا. ولكن فقه القرية يأبى علينا ان نقول لا او ان نخالف حكمة الامارة وفقيهها.
فاعتمد فقه القرية على استحضار سلسلة طويلة من القيل والقال منعزلة عن تاريخها وبيئتها وعصرها لتصبح ركيزة من ركائز فقه القرية الذي جعلها ركنا ربما سادسا من اركان الاسلام لا تقبل النقاش او الحوار او المراجعة او الجدل. ومن خصوصية فقه القرية الذي نما وترعرع في محدودية البيئة بسورها وانكماشها على ذاتها انه يتوجس من التعددية في الرأي عكس ذلك التراث الذي انبثق من مدن بعيدة عرفت التمازج الحضاري وتعددية البشر واختلاف الثقافات والتي لوحت في افق عواصم تجاوزت محدودية الامارة لتبني دولا وامبراطوريات. يبقى فقه القرية مهزوزا ومتشنجا يعتقد ان الكل يتربص به ويتمنى الفتك به يخاف اول ما يخاف من جاره قبل العدو البعيد خارج سور القرية يتوجس من جاره ان يتلصص على حريمه ويخاف السفر والترحال والذي لا يقوم به الا المجبر على امره وعند الضرورة.
ان جاء الغريب الى القرية فيوضع تحت المراقبة وربما يستقبله طيف كبير من المخبرين وان امكن عزله في بيت له سور شاهق طويل حتى تنتهي الزيارة فلا بأس. كل قادم غريب هو موضع توجس وريبة اما الآخرون والذي قد يشتركون معه في بعض المسائل ويختلفون في مسائل اخرى فهو اشد خطرا وفتكا على الامارة واهلها. فبسبب التقارب يجب ترسيخ التباعد حتى تكبر الهوة وتزداد الفجوة بين الامارة وفقيهها من جهة وذلك المسلم الآخر.
وبالاضافة الى توجس فقه القرية من هؤلاء القريبين البعيدين نجده يرتعد ويرتجف من ذلك البدوي الشرس والذي يحتاج الى ترويض وتهذيب وتلقين يجعله يدين بدين القرية والمسألة الثالثة السابقة الذكر. فيأتي به اما ليعسكره في معسكره او يحجر عليه على اطراف الامارة وفي حي من احيائها لتسهل مراقبته وقتل روح التمرد فيه والقضاء على حريته الى الابد.
هذا بعد ان يمطره بالشتائم والتجريح ويصفه بأبشع الاوصاف وينعته بأقبح النعوت. وبعد عملية ترويضه يتودد اليه بتكريم اشبه ما يكون بالاهانة والمذلة.
فيستأجر لسانه ليفرز القصيدة ـ هذا قبل عصر الاعلام ـ ويمتطي بعيره ـ هذا قبل السيارة والطيارة والحافلة والقاطرة ـ ويراقصه في مهرجان الولاء والخنوع ويبقى فقه القرية يراقب ويرتجف ويرتعد خوفا من ان تنزلق الامور من بين يديه وتتقرب الرعية من راعيها بالتصدية اي بالتصفير والتصفيق يشبكون اصابعهم ويصفرون بحناجرهم فيخاف فقه القرية ان تزاح اعلامه فهو لا يقبل بمبدأ المنافسة الحرة فيزمجر وينتفض بين الحين والحين ليذكر الرعية بوجوده ومركزيته وينبه الامارة انه صمام الامان وبيده مفاتيح النجاة من شر اقترب وفتنة قادمة ومصير مجهول.
هذه الثلاثية المتمثلة بمنظومة الامارة والعسكر وفقه القرية تبقى قائمة خاصة وان الدولة قد فشلت فشلا ذريعا في تطويرها او تنقيحها لتتلاءم مع معطيات العصر الحديث. وتظهر بوضوح عندما تمر السعودية بمرحلة الازمات وهي اليوم تستحضر من جديد خاصة تحت ضغط التحولات والثورات العربية القائمة على قدم وساق. ظهرت المنظومة بوضوح سافر مع المكرمات الملكية العشرين التي اعلن عنها بعد ان شعرت السعودية بخطر التململ الاجتماعي والمطالب السياسية المتراكمة. جاءت المكرمات لتكرس سلطة العسكر في الامارة بتوسيع دورهم وزيادة عددهم وتأهيلهم ليكونوا اكثر قدرة على قمع اولئك الذين لا يزالون يدينون بمسألة الجاهلية الثالثة وهي فضيلة مخالفة ولي الامر.
توعد المكارم الملكية الحديثة بعسكرة الامارة اكثر فأكثر وهذا دليل واضح على حاجتها الماسة للقمع بدل الحوار وكم الافواه بعد ان تسربت افكار العصور البائدة والحديثة الى داخل سور الامارة منذرة بعواقب وخيمة وثورات شعبية فلم يصمد سور الامارة امام الفيس بوك والتويتر الذي رفع سقف التوتر متجاوزا الحدود ومخترقا حتى اكثر الاسوار صمودا في عقر دار فقه القرية ذاتها.
هذه العسكرة ليست موجهة لذلك الآخر المسلم الذي تعودنا على انحرافه وشككنا باسلامه واستبعدناه من مجتمعنا بل هي موجهة لاولئك الذين تربوا على فقه القرية ولكنهم اليوم يرطنون لغة الاحزاب والحركات والتي هي اقرب الى اللاتينية منها الى لغة القرية. فيحرضون نساءهم على الخروج وتطويق الامارة داعين للافراج عن رجالهم بدل ان يقعدن في بيوتهن يعصدن العصيد ويخبزن القرصان و'الكليجا'.
هذا التطور الخطير في شوارع الامارة وازقتها يتاج الى المزيد من العسكر والعسكرة لكبح جماح نساء تطالب بفك الاسر عن ازواجهن وابنائهن. لقد تشتت ذهن الامارة وتبعثر فقه القرية على هامات هؤلاء النساء فجاء الحل: اعتقالات في صفوف النساء واقتناص لرجال خالفوا فقه القرية وتبنوا فضيلة الاعتراض على احكامه التعسفية وجاء الشق الثاني من المكرمات ليكرم اعلام فقه القرية الذين يتمركزون في مؤسسات حديثة بعد ان كانوا يفترشون الارض. فارتفعت المكارم المغدقة عليهم والمكافآت المخصصة لهم ليزيدوا من جهدهم الجليل ويتداركوا ربما امر النساء الخارجات وكيف نسي هؤلاء ان يعيروا تلك الهامات الشاهقة اهتمامهم ولم يتنبأوا بان في الامارة نصفا آخر له اهتمامات غير الحيض والنفاس واصول الجنس الاسلامي.
كانت المفاجأة كبيرة لذلك جاءت الوعود بالتوسعة والتمكين على قدر الخدمات الجليلة من اجل اعادة فقه القرية الى قمقمه وتثبيت قبضته على قلوب النساء والرجال اما بالموعظة الحسنة او بالوعيد والترهيب من جهنم ارضية تسبق بل ربما تتجاوز تلك المنتظرة بالآخرة. فقاضي الارض اشد بأسا من قاضي السماء خاصة في المسألة الثالثة من مسائل الجاهلية. واخيرا ومن مبدأ منظومة الامارة جاءت المكارم التي توزع على البشر ما هو ملكهم اصلا. بيت هنا وراتب هناك وسرير مرضي لهذا وذاك علها تشفي آلام القلب والعظام. وما اكثرها في الامارة وشعبها المقهور.
بهذه المكرمات تم تكريس الدولة كمنظومة الامارة التي تتجه دوما الى الخلف بدلا من الامام. وان تأجلت المواجهة الا انها تظل تعشش في تلك المساحات الحرة والارادات القوية لن تثنيها العسكرة او المكرمات او تمكين فقه القرية. وستجد لها منفذا قبل ان يتطور فقه القرية تحت مظلة الامارة الى دين جديد ينادي بعصمة الامير والامام.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
د. مضاوي الرشيد - القدس العربي
بينما تتطور الدول وتنمو في فكرها وممارساتها نجد ان النظام السعودي لا يزال يتشبث بمبدأ الامارة ومحدوديته. تقوم الامارة عادة على غلبة فريق على فريق آخر ومن ثم تصفية المنافسين والتعامل مع البقية المتبقية كمجتمع مهزوم محتل.
فتفرض الامارة سيطرتها على هذه المجموعة اما من خلال القمع المباشر مستعملة العصا او من خلال الجزرة فتوزع قلة قليلة من الريع والزكاة على الضعفاء وتقرب اقلية اخرى كتوليتها في مناصب مختلفة وبذلك تضمن الامارة هيمنتها بعد ان تجرد سكان الامارة من اي مؤسسة او تجمع او تكتل قد يكون نواة مساءلة او مقاومة في وجه غطرسة الامير وتعسفه. من اجل استتباب هذه الهيمنة تعتمد الامارة على المرتزقة والمجندين في الماضي. كانوا عبيد الامارة يستوردون من اسواق العبيد في مكة ومسقط وبعد تحررهم في الستينات اتجهت الامارة اكثر فأكثر الى تجنيد سكان الامارة من الحضر الاوفياء الذين يحفظون الولاء عكس الآخرين من ابناء البادية المعروفين بروح الحرية والانفرادية وعدم الانصياع للسلطة المركزية للامارة.
وبينما يجند هؤلاء في حروب توسعية تظل قيادة العسكر في يد تلك الحزمة الحضرية المعروفة بولائها وتفانيها في الدفاع عن المركز الاميري لان المصير اصبح مشتركا وبينما كان ذلك البدوي الشرس يطمح للحرية والترحال خوفا من اهانته او فقدانه حرية القرار كان الحضري مرتبطا بالامارة اكثر لانه يملك المزرعة والتي يصعب ان تنتقل وترتحل.
اما التاجر منهم فهو معروف برأسماليته الصغيرة حينها ورغم انه يهدد ويتوعد بنقل دكانه الى امارة اخرى الا انه يعتمد على الامن الذي يوفره عسكر الامارة. لقد اصبح هذا النمط والذي كان موجودا في الجزيرة العربية ومناطقها المتعددة هو النمط الذي ولد ما يسمى اليوم بالدولة السعودية الحديثة.
ولكن هناك اختلافا واحدا وجوهريا تميزت به الدولة السعودية عن غيرها وهو فقه القرية الذي اصبح اليوم فقه الدولة. لتخرج امارة القرية من محدوديتها كانت تحتاج الى فقه جديد يعتمد على القديم ولكن بلعبة بهلوانية اصبح هو المعتمد.
اعتمدت الامارة سابقا والدولة لاحقا على ركيزة اساسية من بين ركائز تجاوزت المئة وهي الانفصال عما سمي بمسائل الجاهلية.
تقول الركيزة الثالثة في سلسلة المسائل ان في عصورنا الغابرة كنا كعرب جاهلية نخالف ولي الامر نعتقد ان عدم الانقياد له فضيلة وبعضنا كان يجعله دينا. تصوروا اننا في جاهليتنا كان مجتمعنا لا ينصاع كقطيع من الرعية لامير القرية بل كنا نجادله ونتمرد عليه ان فتك بنا او عاملنا كمجتمع مغلوب على امره ونهب مزارعنا وحرق نخيلنا. ولكن فقه القرية يأبى علينا ان نقول لا او ان نخالف حكمة الامارة وفقيهها.
فاعتمد فقه القرية على استحضار سلسلة طويلة من القيل والقال منعزلة عن تاريخها وبيئتها وعصرها لتصبح ركيزة من ركائز فقه القرية الذي جعلها ركنا ربما سادسا من اركان الاسلام لا تقبل النقاش او الحوار او المراجعة او الجدل. ومن خصوصية فقه القرية الذي نما وترعرع في محدودية البيئة بسورها وانكماشها على ذاتها انه يتوجس من التعددية في الرأي عكس ذلك التراث الذي انبثق من مدن بعيدة عرفت التمازج الحضاري وتعددية البشر واختلاف الثقافات والتي لوحت في افق عواصم تجاوزت محدودية الامارة لتبني دولا وامبراطوريات. يبقى فقه القرية مهزوزا ومتشنجا يعتقد ان الكل يتربص به ويتمنى الفتك به يخاف اول ما يخاف من جاره قبل العدو البعيد خارج سور القرية يتوجس من جاره ان يتلصص على حريمه ويخاف السفر والترحال والذي لا يقوم به الا المجبر على امره وعند الضرورة.
ان جاء الغريب الى القرية فيوضع تحت المراقبة وربما يستقبله طيف كبير من المخبرين وان امكن عزله في بيت له سور شاهق طويل حتى تنتهي الزيارة فلا بأس. كل قادم غريب هو موضع توجس وريبة اما الآخرون والذي قد يشتركون معه في بعض المسائل ويختلفون في مسائل اخرى فهو اشد خطرا وفتكا على الامارة واهلها. فبسبب التقارب يجب ترسيخ التباعد حتى تكبر الهوة وتزداد الفجوة بين الامارة وفقيهها من جهة وذلك المسلم الآخر.
وبالاضافة الى توجس فقه القرية من هؤلاء القريبين البعيدين نجده يرتعد ويرتجف من ذلك البدوي الشرس والذي يحتاج الى ترويض وتهذيب وتلقين يجعله يدين بدين القرية والمسألة الثالثة السابقة الذكر. فيأتي به اما ليعسكره في معسكره او يحجر عليه على اطراف الامارة وفي حي من احيائها لتسهل مراقبته وقتل روح التمرد فيه والقضاء على حريته الى الابد.
هذا بعد ان يمطره بالشتائم والتجريح ويصفه بأبشع الاوصاف وينعته بأقبح النعوت. وبعد عملية ترويضه يتودد اليه بتكريم اشبه ما يكون بالاهانة والمذلة.
فيستأجر لسانه ليفرز القصيدة ـ هذا قبل عصر الاعلام ـ ويمتطي بعيره ـ هذا قبل السيارة والطيارة والحافلة والقاطرة ـ ويراقصه في مهرجان الولاء والخنوع ويبقى فقه القرية يراقب ويرتجف ويرتعد خوفا من ان تنزلق الامور من بين يديه وتتقرب الرعية من راعيها بالتصدية اي بالتصفير والتصفيق يشبكون اصابعهم ويصفرون بحناجرهم فيخاف فقه القرية ان تزاح اعلامه فهو لا يقبل بمبدأ المنافسة الحرة فيزمجر وينتفض بين الحين والحين ليذكر الرعية بوجوده ومركزيته وينبه الامارة انه صمام الامان وبيده مفاتيح النجاة من شر اقترب وفتنة قادمة ومصير مجهول.
هذه الثلاثية المتمثلة بمنظومة الامارة والعسكر وفقه القرية تبقى قائمة خاصة وان الدولة قد فشلت فشلا ذريعا في تطويرها او تنقيحها لتتلاءم مع معطيات العصر الحديث. وتظهر بوضوح عندما تمر السعودية بمرحلة الازمات وهي اليوم تستحضر من جديد خاصة تحت ضغط التحولات والثورات العربية القائمة على قدم وساق. ظهرت المنظومة بوضوح سافر مع المكرمات الملكية العشرين التي اعلن عنها بعد ان شعرت السعودية بخطر التململ الاجتماعي والمطالب السياسية المتراكمة. جاءت المكرمات لتكرس سلطة العسكر في الامارة بتوسيع دورهم وزيادة عددهم وتأهيلهم ليكونوا اكثر قدرة على قمع اولئك الذين لا يزالون يدينون بمسألة الجاهلية الثالثة وهي فضيلة مخالفة ولي الامر.
توعد المكارم الملكية الحديثة بعسكرة الامارة اكثر فأكثر وهذا دليل واضح على حاجتها الماسة للقمع بدل الحوار وكم الافواه بعد ان تسربت افكار العصور البائدة والحديثة الى داخل سور الامارة منذرة بعواقب وخيمة وثورات شعبية فلم يصمد سور الامارة امام الفيس بوك والتويتر الذي رفع سقف التوتر متجاوزا الحدود ومخترقا حتى اكثر الاسوار صمودا في عقر دار فقه القرية ذاتها.
هذه العسكرة ليست موجهة لذلك الآخر المسلم الذي تعودنا على انحرافه وشككنا باسلامه واستبعدناه من مجتمعنا بل هي موجهة لاولئك الذين تربوا على فقه القرية ولكنهم اليوم يرطنون لغة الاحزاب والحركات والتي هي اقرب الى اللاتينية منها الى لغة القرية. فيحرضون نساءهم على الخروج وتطويق الامارة داعين للافراج عن رجالهم بدل ان يقعدن في بيوتهن يعصدن العصيد ويخبزن القرصان و'الكليجا'.
هذا التطور الخطير في شوارع الامارة وازقتها يتاج الى المزيد من العسكر والعسكرة لكبح جماح نساء تطالب بفك الاسر عن ازواجهن وابنائهن. لقد تشتت ذهن الامارة وتبعثر فقه القرية على هامات هؤلاء النساء فجاء الحل: اعتقالات في صفوف النساء واقتناص لرجال خالفوا فقه القرية وتبنوا فضيلة الاعتراض على احكامه التعسفية وجاء الشق الثاني من المكرمات ليكرم اعلام فقه القرية الذين يتمركزون في مؤسسات حديثة بعد ان كانوا يفترشون الارض. فارتفعت المكارم المغدقة عليهم والمكافآت المخصصة لهم ليزيدوا من جهدهم الجليل ويتداركوا ربما امر النساء الخارجات وكيف نسي هؤلاء ان يعيروا تلك الهامات الشاهقة اهتمامهم ولم يتنبأوا بان في الامارة نصفا آخر له اهتمامات غير الحيض والنفاس واصول الجنس الاسلامي.
كانت المفاجأة كبيرة لذلك جاءت الوعود بالتوسعة والتمكين على قدر الخدمات الجليلة من اجل اعادة فقه القرية الى قمقمه وتثبيت قبضته على قلوب النساء والرجال اما بالموعظة الحسنة او بالوعيد والترهيب من جهنم ارضية تسبق بل ربما تتجاوز تلك المنتظرة بالآخرة. فقاضي الارض اشد بأسا من قاضي السماء خاصة في المسألة الثالثة من مسائل الجاهلية. واخيرا ومن مبدأ منظومة الامارة جاءت المكارم التي توزع على البشر ما هو ملكهم اصلا. بيت هنا وراتب هناك وسرير مرضي لهذا وذاك علها تشفي آلام القلب والعظام. وما اكثرها في الامارة وشعبها المقهور.
بهذه المكرمات تم تكريس الدولة كمنظومة الامارة التي تتجه دوما الى الخلف بدلا من الامام. وان تأجلت المواجهة الا انها تظل تعشش في تلك المساحات الحرة والارادات القوية لن تثنيها العسكرة او المكرمات او تمكين فقه القرية. وستجد لها منفذا قبل ان يتطور فقه القرية تحت مظلة الامارة الى دين جديد ينادي بعصمة الامير والامام.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية