ناصح
03-06-2011, 07:53 AM
من قلم : موسى الرضا - عرب تايمز
عندما صَاحَ الطاغية قبل ثلاثين عاماً آمراً جَلاوزَتهُ :
خذوهُمْ!...........
لم يكن ليخطر في باله أن جريمته تلك سوف تبقى حيّة ًعبر العقود وأنّ ما قدّمته يداه سيبقى كابوسا من الرعب ينخر قلبه وعقله كما نخر الجدري وجهه.
ذلك الوجه المومياء الذي لم تزده عمليات التجميل إلاّ قباحة وضعة وغبرة, ترهقه قترة وذلّة.
كان ملك ملوك افريقيا, الحاكم التافه الجاهل والدكتاتور الليبي الفاجر قد اتخذ قراره الغادر الدنيئ بإخفاء ضيوفه الذين أتوا الى ليبيا تلبية لدعوته وهم الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين فبئس المضيف الخؤون, الغادر المجنون الذي ذهب بعارها وشنّارها.
فلم يشهد التاريخ أخس وألئم وأحطّ وأنذل من جريمة القائد البهلول, أضحوكة الشرق والغرب, والتي جاءت في إطار خطّة كبيرة تستهدف تقسيم لبنان الى كيانات طائفية, تهيئة لتهجير المسيحيين منه وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيه, أملا بتصفية القضية الفلسطينية وتسهيل شطبها من الوجود نهائيا.
لم يكن القذافي ليرى بأسواء كوابيسه إحتمالا ما رأى: فموسى الصدر, ذلك الرجل الذي أخفاه قبل ثلاثين عاما, أضحى اليوم أمّة. وزهرة المقاومة التي غرسها وسقاها الصدر من عرقه وعينية, أضحت الآن دوحة ممتدّة ترفد قلوب العرب والمسلمين بالرجاء والأمل والنصر النهائي القريب بإذن الله.
جاء الإمام موسى الصدر في ستينيّات القرن الماضي الى لبنان نافخا في الجماهير المحرومة روح الثقة والثورة رافعا شعار العدالة الإجتماعية لكل بني الإنسان في الوطن دون تفريق بين دين ودين وطائفة ومذهب. قبيل الحرب الأهلية أدرك السيد الإمام ببصيرته الحادة ونظرته الثاقبة الصائبة أن الحكومة اللبنانية قاصرة مقصّرة وأنها ستودي بظلمها وتعنّتها بالبلاد الى الهاوية السحيقة. فرفع صوته في وجه الحكّام وأرباب النظام مجلجلا:
أعدلوا...أعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مقابر التاريخ.
لكنهم واصلوا فسادهم واستهتارهم الى أن اندلعت الحرب الأهلية وصار الوطن بقعة من الحرائق والمقابر وكتلة من الدمار والدماء. نأى بنفسه ويده ولسانه عن تلك الفتنة الكبرى التي أكلت كل شيء خلال سنتين من الحرب الأهلية. ثم حاول وسعى جاهدا لإصلاح ذات البين بين الأفرقاء المتنازعين مرة عبر نداء ومرّة عبر إعتصام لكن بارونات الحرب كانت مرجعيّاتهم وحساباتهم في محل آخر.
في عام 1978 إجتاحت اسرائيل جنوب لبنان فقام السيّد موسى يحث المقاومين على القتال والثبات حتى آخر طلقة, فإذا نفذ الرصاص فبالقبضات العارية واللحم الحي:
إن لقيتم العدو الإسرائيلي, فقاتلوه بأسنانكم وأظافركم.
وانطلق يحشد الدعم العربي والدولي لنصرة لبنان والجنوب ويعمل ليل نهار لتمتين أواصر التلاحم اللبناني الفلسطيني.
كان يؤلمه أن يرى الهجمة الإسرائيلية على الجنوب تقابل من الحكومات في بيروت بكثير من التسيّب والإستهتار فرفع صوته محذرا:
لن نرضى أن يبتسم لبنان ويبقى جنوبه متألما
ثم استكمل ما بدأه من مؤسسات إجتماعية ترفد صمود الجنوبيين في أرضهم لتعزيز مجتمع الحرب الذي أراده صخرة تتحطم عليها هجمة الصهاينة.
راح المقاومون اللبنانيون يقاتلون العدو الإسرائيلي الغاشم في الطيبة ورب ثلاثين وشلعبون ويواجهون بصدورهم وأسلحتهم البسيطة آلة العدو الحربية المهوّلة وفي وجدانهم يضجّ صوت إمامهم عاليا هدّارا:
أنتم يا أخواني الثوار مثل موج البحر, متى توقّفتم انتهيتم.
في الواحد والثلاثين من آب وقبل ثلاثين سنة بالتمام والكمال أقدم القذّافي المجدور قبيح الوجه على إخفاء وتغييب الإمام الصدر ورفيقيه في السجون . ولكنّ الإرادة الإلهية مليئة بالرموز والإشارات ففي مثل نفس اليوم اي في الواحد والثلاثين من آب عام 1960 ابصر أحد الأطفال النور في بيت متواضع من ضواحي بيروت. ذلك الطفل سوف يتّبع السيد موسى في قلبه وعقله إتّباع الفصيل أثر أمّه ومن ثم سيسعى في طلب العلوم الدينية تأثرا وإقتداء بالإمام موسى الصدر وانبهارا بشخصيّته وهامته العالية واعجابا بمن زاده الله بسطة في العلم والجسم.
لم يكن ذلك الوليد الجديد في مثل هذا اليوم إلاّ سماحة السيد حسن نصرالله الذي حمل راية أستاذه ليرفعها عالية خفّاقة تبلغ أهداب النجوم.
بعد ثلاثين سنة على جريمته, يحاول القذافي التهرّب من المسؤولية ظنّا منه أن في ذلك منجاة له من الحساب والعقاب.
ولكن المتتبّع للرموز والإشارات يدرك ان ناقة آل الصدر لها عند الله أعظم الكرامات وأنّ عقرها سيكون لعنة تجرف القذافي ومن معه في قاع اليم. تلك اللعنة التي أصابت صدام من قبل والذي كان أكثر قوة وبأسا من جزّار ليبيا.
ففي 9 نيسان 1980 قام صدام حسين باعدام الإمام محمد باقر الصدر ابن عم الامام موسى الصدر وزوج اخته. ولم يتورع سفاح الرافدين عن تصفية الشهيدة الأديبة بنت الهدى شقيقة الإمام باقر الصدر.
وبعدها ب 23 سنة تماما أي في نفس اليوم 9 نيسان 2003 سقط الصنم الصدامي في بغداد تحت أرجل العراقيين. ولقد احترق قلب المجرم على ولديه الفاجرين كما أحرق قلوب المؤمنين على الإمام الشهيد وشقيقته الطاهرة في مشارق الأرض ومغاربها قبل أن يتدلّى تحت حبل المشنقة فالى جهنّم وساءت مرتفقا.
فالويل ثم الويل للقذافي العتّل الزنيم. والويل له من مشهد يوم عظيم . بسم الله الرحمن الرحيم "فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها ولا يخاف عقباها". صدق الله العظيم.
ملاحظة: كتب هذا المقال في الجزائر بتاريخ 13.08.2008
عندما صَاحَ الطاغية قبل ثلاثين عاماً آمراً جَلاوزَتهُ :
خذوهُمْ!...........
لم يكن ليخطر في باله أن جريمته تلك سوف تبقى حيّة ًعبر العقود وأنّ ما قدّمته يداه سيبقى كابوسا من الرعب ينخر قلبه وعقله كما نخر الجدري وجهه.
ذلك الوجه المومياء الذي لم تزده عمليات التجميل إلاّ قباحة وضعة وغبرة, ترهقه قترة وذلّة.
كان ملك ملوك افريقيا, الحاكم التافه الجاهل والدكتاتور الليبي الفاجر قد اتخذ قراره الغادر الدنيئ بإخفاء ضيوفه الذين أتوا الى ليبيا تلبية لدعوته وهم الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين فبئس المضيف الخؤون, الغادر المجنون الذي ذهب بعارها وشنّارها.
فلم يشهد التاريخ أخس وألئم وأحطّ وأنذل من جريمة القائد البهلول, أضحوكة الشرق والغرب, والتي جاءت في إطار خطّة كبيرة تستهدف تقسيم لبنان الى كيانات طائفية, تهيئة لتهجير المسيحيين منه وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيه, أملا بتصفية القضية الفلسطينية وتسهيل شطبها من الوجود نهائيا.
لم يكن القذافي ليرى بأسواء كوابيسه إحتمالا ما رأى: فموسى الصدر, ذلك الرجل الذي أخفاه قبل ثلاثين عاما, أضحى اليوم أمّة. وزهرة المقاومة التي غرسها وسقاها الصدر من عرقه وعينية, أضحت الآن دوحة ممتدّة ترفد قلوب العرب والمسلمين بالرجاء والأمل والنصر النهائي القريب بإذن الله.
جاء الإمام موسى الصدر في ستينيّات القرن الماضي الى لبنان نافخا في الجماهير المحرومة روح الثقة والثورة رافعا شعار العدالة الإجتماعية لكل بني الإنسان في الوطن دون تفريق بين دين ودين وطائفة ومذهب. قبيل الحرب الأهلية أدرك السيد الإمام ببصيرته الحادة ونظرته الثاقبة الصائبة أن الحكومة اللبنانية قاصرة مقصّرة وأنها ستودي بظلمها وتعنّتها بالبلاد الى الهاوية السحيقة. فرفع صوته في وجه الحكّام وأرباب النظام مجلجلا:
أعدلوا...أعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مقابر التاريخ.
لكنهم واصلوا فسادهم واستهتارهم الى أن اندلعت الحرب الأهلية وصار الوطن بقعة من الحرائق والمقابر وكتلة من الدمار والدماء. نأى بنفسه ويده ولسانه عن تلك الفتنة الكبرى التي أكلت كل شيء خلال سنتين من الحرب الأهلية. ثم حاول وسعى جاهدا لإصلاح ذات البين بين الأفرقاء المتنازعين مرة عبر نداء ومرّة عبر إعتصام لكن بارونات الحرب كانت مرجعيّاتهم وحساباتهم في محل آخر.
في عام 1978 إجتاحت اسرائيل جنوب لبنان فقام السيّد موسى يحث المقاومين على القتال والثبات حتى آخر طلقة, فإذا نفذ الرصاص فبالقبضات العارية واللحم الحي:
إن لقيتم العدو الإسرائيلي, فقاتلوه بأسنانكم وأظافركم.
وانطلق يحشد الدعم العربي والدولي لنصرة لبنان والجنوب ويعمل ليل نهار لتمتين أواصر التلاحم اللبناني الفلسطيني.
كان يؤلمه أن يرى الهجمة الإسرائيلية على الجنوب تقابل من الحكومات في بيروت بكثير من التسيّب والإستهتار فرفع صوته محذرا:
لن نرضى أن يبتسم لبنان ويبقى جنوبه متألما
ثم استكمل ما بدأه من مؤسسات إجتماعية ترفد صمود الجنوبيين في أرضهم لتعزيز مجتمع الحرب الذي أراده صخرة تتحطم عليها هجمة الصهاينة.
راح المقاومون اللبنانيون يقاتلون العدو الإسرائيلي الغاشم في الطيبة ورب ثلاثين وشلعبون ويواجهون بصدورهم وأسلحتهم البسيطة آلة العدو الحربية المهوّلة وفي وجدانهم يضجّ صوت إمامهم عاليا هدّارا:
أنتم يا أخواني الثوار مثل موج البحر, متى توقّفتم انتهيتم.
في الواحد والثلاثين من آب وقبل ثلاثين سنة بالتمام والكمال أقدم القذّافي المجدور قبيح الوجه على إخفاء وتغييب الإمام الصدر ورفيقيه في السجون . ولكنّ الإرادة الإلهية مليئة بالرموز والإشارات ففي مثل نفس اليوم اي في الواحد والثلاثين من آب عام 1960 ابصر أحد الأطفال النور في بيت متواضع من ضواحي بيروت. ذلك الطفل سوف يتّبع السيد موسى في قلبه وعقله إتّباع الفصيل أثر أمّه ومن ثم سيسعى في طلب العلوم الدينية تأثرا وإقتداء بالإمام موسى الصدر وانبهارا بشخصيّته وهامته العالية واعجابا بمن زاده الله بسطة في العلم والجسم.
لم يكن ذلك الوليد الجديد في مثل هذا اليوم إلاّ سماحة السيد حسن نصرالله الذي حمل راية أستاذه ليرفعها عالية خفّاقة تبلغ أهداب النجوم.
بعد ثلاثين سنة على جريمته, يحاول القذافي التهرّب من المسؤولية ظنّا منه أن في ذلك منجاة له من الحساب والعقاب.
ولكن المتتبّع للرموز والإشارات يدرك ان ناقة آل الصدر لها عند الله أعظم الكرامات وأنّ عقرها سيكون لعنة تجرف القذافي ومن معه في قاع اليم. تلك اللعنة التي أصابت صدام من قبل والذي كان أكثر قوة وبأسا من جزّار ليبيا.
ففي 9 نيسان 1980 قام صدام حسين باعدام الإمام محمد باقر الصدر ابن عم الامام موسى الصدر وزوج اخته. ولم يتورع سفاح الرافدين عن تصفية الشهيدة الأديبة بنت الهدى شقيقة الإمام باقر الصدر.
وبعدها ب 23 سنة تماما أي في نفس اليوم 9 نيسان 2003 سقط الصنم الصدامي في بغداد تحت أرجل العراقيين. ولقد احترق قلب المجرم على ولديه الفاجرين كما أحرق قلوب المؤمنين على الإمام الشهيد وشقيقته الطاهرة في مشارق الأرض ومغاربها قبل أن يتدلّى تحت حبل المشنقة فالى جهنّم وساءت مرتفقا.
فالويل ثم الويل للقذافي العتّل الزنيم. والويل له من مشهد يوم عظيم . بسم الله الرحمن الرحيم "فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها ولا يخاف عقباها". صدق الله العظيم.
ملاحظة: كتب هذا المقال في الجزائر بتاريخ 13.08.2008