قاتل المشركين
03-03-2011, 10:02 PM
(مبارك، بن علي، وجاء الدور على سيد علي) نداء المظاهرات الإيرانية:040104_emI4_prv:
خرجت شعارات إسقاط النظام الإيراني من أروقة العالم الافتراضي، وتجمع لمرة أخرى مشتركي الصفحات الاجتماعية من تويتر والفيس بوك في ميادين العاصمة الإيرانية، ليتحول الصراع من الشاشات إلى أرض الواقع، حيث لن يتمكن النظام من غلق أو حظر أو تشويش، فالشارع أصبح الحكم الوحيد لهذه المرحلة الحرجة.
حمى التغير التي تنتاب الشرق الأوسط والتي دعمها النظام الإيراني على مستوى التصريحات الإعلامية، في دعوة علنية لخروج الشعوب ضد الأنظمة المتهالكة التي حكمت الشرق لعقود طويلة، استجاب لها الشباب الإيراني بقوة، ولكن هذه المرة لن يكون الهدف تأسيس شرق أوسط إسلامي كما صرح آية الله علي خامنئي أو تمنى على شباب مصر وتونس، ولكن ضد النظام الاستبدادي في رداءه الديني، على أمل تحقيق نظام ديمقراطي متكامل.فما تغافل عنه النظام في إيران، أن الحلم واحد والهم مشترك، سواءً كان دينياً أو عسكرياً، فالحكم الفردي هو آفة أنظمة الشرق على اختلاف التوجهات، والفرق بين (25 يناير) و(25 بهمن) ـ بداية الاحتجاجات الإيرانية. ليس بالكبير.
مظاهرات شعبية بلا رموز:
ارتكب النظام الإيراني جملة من الأخطاء خلال الأسبوع الماضي في تعامله مع المسيرات الاحتجاجية وصولاً لحالة التصعيد الأمني الذي تعاني منه المدن الإيرانية خاصة منذ يوم (ا اسفند ـ 20 فبراير)، فطبقاً لشهود العيان في تصريحاتهم لمواقع المعارضة الإيرانية، أن طهران وأصفهان قد تحولتا إلى ثكنات عسكرية نتيجة لكثافة التواجد الأمني بهما.
أهم تلك الأخطاء، هو محاولة النظام حصر المظاهرات الشعبية في عناصر أو رموز الحركة الخضراء المعارضة، وعلى رأسها بالطبع (مير حسين موسوي) على خلفية احتجاجات 2009 بعد أزمة انتخابات الرئاسة، فوضعه تحت الإقامة الجبرية، وأقام بوابات حديدية حول مسكنة، وهتف بإعدامه، وقطع عنه كل وسائل الاتصال هو وزوجته (زهرا راهنفرد)، في تغافل عن الطبيعة الشعبية للاحتجاجات والتي تختلف في مضمونها عن الأزمة الرئاسية، والتي انحصرت هويتها في هذه المرحلة على مناصري موسوي ومهدي كروبي، خاصة النخبة المثقفة أو شباب الجماعات، وفي العاصمة طهران فقط.ولكن الاحتجاجات القائمة الآن لها سمة أكثر انتشاراً في مختلف المدن الإيرانية، بداية من طهران وشيراز وأصفهان وغيرها الكثير، والعنصر الأهم هو دخول الأقليات العرقية والمذهبية على خط التصعيد خاصة إقليم الأحواز العربية التي خضعت لحملة اعتقالات واسعة خلال هذا الأسبوع، وإقليم كردستان بأغلبيته السنية الذي أعلن اعتصاماً كاملاً، مما يؤكد أن هناك حملة احتجاجية واسعة تجاوزت النخب الثقافية أو السياسية.
ورغم أن الشعارات المرفوعة تنتمي لهوية الحركة الخضراء إلا أن سقف الغضب تجاوز مجرد إعادة الانتخابات أو تقليص السلطة المطلقة للولي الفقيه، إلى النداء بإسقاط نظام الولاية ذاته، حتى وإن كانت تلك النغمة غير مرتفعة الآن نتيجة للتعتيم الإعلامي والقمع الأمني، إلا أنها ستصبح أكثر وضوحاً خلال الأيام القادمة، خاصة مع تزايد عدد القتلى الذي أوصلته بعض التقارير الإخبارية المعارضة إلى عشرة قتلى وليس فقط الثلاثة الذين تم الإعلان عنهم، وهذا ينقلنا إلى الخطأ الثاني.
تزايد القمع الأمني والعسكري، وعدم السماح بأي تجمعات خشية أن تتحول فجأة إلى مظاهرة حاشدة يصعب السيطرة عليها، مما ينتج رد فعل عكسي بين صفوف المعارضين، فرغم التجارب السابقة لحكومة أحمدي نجاد خلال عام 2009 في استخدام القمع العسكري والمحاكمات الثورية وقطع خطوط الاتصال كحل وحيد ضد أي صوت معارض إلا أن ما كان يصلح لقمع المعارضة منذ عامين لا يصلح الآن، فهذه التظاهرات ليس لها تنظيم حركي ثابت، بل تتسم بعشوائية الحركة والتجمع والتنظيم، وإن كانت محددة الأهداف، مما يستحيل معه السيطرة عليها إلا بارتكاب مذابح دموية ستزيد الأمر اشتعالاً.فالنظام الإيراني يستخدم نفس آليات النظم المنهارة السابقة عليه، ويزيد الأمر سوءً بإخراج مجاميع شعبية حوزية أو عسكرية أو من العامة الذين اعتمد عليهم نجاد طوال السنوات الماضية، يهتفون لصالح النظام وضد المعارضة، مما ينذر بمصادمات شعبية لن يتمكن من احتوائها.
وعلى مستوى الخطاب السياسي يحاول النظام في إيران بشتى أشكاله أن يجرد المعارضة من أي ملمح وطني أو ديني، فيتهم عناصر أجنبية أمريكية أو إسرائيلية دخيلة بتأجيج حدة التظاهرات، ويشير بإصبع الاتهام إلى مجاهدي خلق ـ أو المنافقين كما يطلق عليهم ـ في محاولة أخيرة لتفريغ الحركة الشبابية من مضمونها، وليمنح نفسه مسوغاً دينياً وسياسياً في التعامل القمعي الذي سوف يتّبعه خلال الفترة القادمة.تلك الإشارات بالعمالة سوف تجعل المعارضة أشد تأججاً لإثبات العكس، خاصة أن معظم المتظاهرين و المعتصمين من الشباب الذي يشكلون أغلبية المجتمع الإيراني، والأكثر تعرضاً للمعاناة الاقتصادية التي تسببت فيها سياسة نجاد الخارجية الداخلية خلال الأعوام الماضية.فحركة الاحتجاجات الإيرانية الآن قد تجاوزت كل الحدود الممكنة ولن تعود ثانية إلى التفاوض أو تقبل بالقمع خاصة بعد التجربتين التونسية والمصرية تحديداً.
النظام بصوت واحد:
خلال العامين الماضين حدث تغير جذري في بنية النظام الإيراني، بحيث اختفت تماماً الحركة الإصلاحية من الساحة السياسية الإيرانية، وحل محلها التيار المعتدل الذي تمثل في الأصولية القديمة، أمام التيار الأكثر تشدداً والأكثر راديكالية والمتمثل في الحرس الثوري ورجاله.ولكن الأحداث الأخيرة قلصت من مساحات الاعتدال أمام التشدد، بحيث أصبح الخطاب السياسي داخل النظام وخارجه يتسم بعدم قبول أي رأي أخر حتى وإن دعى إلى التهدئة أو احتواء الموقف، فتكون النتيجة أن يهدد هاشمي رفسنجاني (رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الخبراء) بتحديد هويته الأخيرة، فهل هو مع الحركة المعارضة الخضراء التي قدم إليها دعماً قوياً خلال العامين الماضيين أم ضدها، ومُنح فترة زمنية لتحديد انتماءاته.وفي إنذار أخير يتم اعتقال ابنته (فائزة رفسنجاني) ثم يُطلق سراحها أثناء التظاهرات.بل أن هناك أنباء تتردد حول اعتقال ابن آية الله (صادق خلخالي) بعد أن انضم إلى الحركات الاحتجاجية في شوارع العاصمة، و(صادق خلخالي) هو أول مدعي عام بعد نجاح الثورة الإيرانية، والذي وصف بالدموية والقمعية بعد سلسلة محاكمات وتصفيات قصدت مجاهدي خلق، وعناصر من الجيش النظامي الشاهنشاهي، والمحسوب على الحرس القديم.مما يشي بوجود انقسامات حادة لابد وأن تنتهي لصالح التيار المتشدد وأعوانه من حرس ثوري وبعض آيات الله وممثليه في البرلمان، وعلى رأس الجميع أحمدي نجاد.
حالة القمع السياسي داخل النظام ذاته، قد تمنع أي تهدئة ممكنة أو أي محاولة لاحتواء الشارع في المرحلة القادمة، طالما الفكر الأكثر تشدداً بصبغته العسكرية هو النغمة السائدة في هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمر به إيران الآن، مما يزيد من اشتعال الأحداث، وينبئ بمسار قد يودي بالنظام ذاته في نهاية الأمر، فكل شيء أصبح ممكناً في حالة عدم الاتزان التي يمر بها الجميع.
المؤسسة العسكرية بين القمع والانقلاب:
تشير العديد من الآراء في الداخل الإيراني، إلى أن المؤسسة العسكرية بشقيها (الحرس الثوري ـ الباسيج) ستكون أداة القمع الذي سوف يستخدمها النظام لإنقاذ وجوده واستمراره، خاصة أن الحرس الثوري هو نتاج الثورة الدينية والمدافع عنها طوال الثلاثين عاماً الماضية، وولاءه التام كان وسيظل دائماً لمؤسسة الولاية مهماً كان شكل الاختلاف أو الانقسام البادي على السطح، بوصفه الجيش المقدس الحامي للكيان أكثر قدسية وهو الولي الفقيه، خاصة وأن الجيش النظامي بشكله المعروف قبل الثورة قد تم تصفيته تقريباً والتخلص من كل رموزه، ليحل محله الحرس الثوري، الذي ربط كل مصالح قياداته الاقتصادية والسياسية ببقاء النظام الديني على هذه الوضعية دون تحريك أو تغير طوال عقود.كما أن المؤسسة العسكرية في إيران ليست منعزلة عن المجتمع كبقية المؤسسات ذات نفس الطبيعة في مجتمعات الشرق الأوسط، بل هي ممثلة في كل جامعة أو مدرسة أو مستشفى، بل أن أفضل وسيلة لكسب دخل جيد في إيران هو الانتماء لمؤسسة الحرس الثوري أو الباسيج أياً كان بشكلها العسكري أو الاجتماعي، وبالتالي سيكون من المستحيل أن تتخلى المؤسسة العسكرية عن كل مكاسبها أمام الشارع مهماً كانت قوته أو سطوته، وسيلجأ إلى القمع كما يحدث الآن بالفعل، مع الوضع في الاعتبار أن أحمدي نجاد يُعد أو رئيس جمهورية من خلفية عسكرية، ولن يكون الأخير كما خطط، بل أن بقاء النظام الديني على وضعيته يعطي للحرس مده الإقليمي المقدس، فكل عناوين الصحف الموالية للحرس والمرشد الأعلى خامنئي تتعامل مع أحداث اليمن والبحرين مثلاً بوصفها ثورات شيعية ضد الحكام الظالمين، أي أن النفوذ الإقليمي لإيران سوف ينهار إن زال نظام الولي الفقيه.
ورغم ذلك فإن هناك رأياً أخر مفاده، أن سقف المطالب لفئة كبيرة من الشارع الإيراني الآن يرتفع فوق الحرس الثوري ويطالب برأس النظام ذاته، وبالتالي إن شعرت المؤسسة العسكرية أنها سوف تفقد السيطرة على الشارع سوف تتحول لصالحه بل أنها سوف تقدم الدعم الكامل لحركات المعارضة إن استلزم الأمر، لتعلو فوق الأحدث وتحاول هي إسقاط النظام أو على الأقل تنحيته، والسيطرة الكاملة على الوضع الراهن، بما قد يؤدي بإيران إلى دولة عسكرية بشكل من الأشكال.وذلك حفاظاً من الحرس الثوري على المكاسب التي حققها في عهد نجاد.خاصة مع وجود مخاوف حقيقية من سطوة الحرس الثوري على الدولة في الآونة الأخيرة، تلك المخاوف المجسدة في تحركات علي خامنئي لاستقطاب الحوزة الدينية ومنحها ما سُلب مهنا في فترة حكم نجاد، وكذلك تضامن رئيس البرلمان (علي لاريجاني) وأخيه (صادق لاريجاني) رئيس السلطة القضائية مع تحركات خامنئي ضد سلطة العسكر المتزايدة و المتمثلة في نجاد وذلك خلال الأشهر السابقة.إلا أن الوضع الأن أصبح برمته في يد الحرس الثوري وقياداته، فالمؤسسة العسكرية هي صمام الأمان للنظام أو الشارع حسب سيطرة أيهما على الأحداث، أو أن يظهر حل احتوائي من قبل النظام لكل الحركات الاحتجاجية الآن، وهذا أمر أصبح بعيد المنال أو سيأتي متأخراً، فالشارع الإيراني الآن قرر أن يلحق بنفس الركب الثوري الذي يحقق نجاحاته المتوالية في الشرق الأوسط منذ بداية هذا الشتاء الساخن
خرجت شعارات إسقاط النظام الإيراني من أروقة العالم الافتراضي، وتجمع لمرة أخرى مشتركي الصفحات الاجتماعية من تويتر والفيس بوك في ميادين العاصمة الإيرانية، ليتحول الصراع من الشاشات إلى أرض الواقع، حيث لن يتمكن النظام من غلق أو حظر أو تشويش، فالشارع أصبح الحكم الوحيد لهذه المرحلة الحرجة.
حمى التغير التي تنتاب الشرق الأوسط والتي دعمها النظام الإيراني على مستوى التصريحات الإعلامية، في دعوة علنية لخروج الشعوب ضد الأنظمة المتهالكة التي حكمت الشرق لعقود طويلة، استجاب لها الشباب الإيراني بقوة، ولكن هذه المرة لن يكون الهدف تأسيس شرق أوسط إسلامي كما صرح آية الله علي خامنئي أو تمنى على شباب مصر وتونس، ولكن ضد النظام الاستبدادي في رداءه الديني، على أمل تحقيق نظام ديمقراطي متكامل.فما تغافل عنه النظام في إيران، أن الحلم واحد والهم مشترك، سواءً كان دينياً أو عسكرياً، فالحكم الفردي هو آفة أنظمة الشرق على اختلاف التوجهات، والفرق بين (25 يناير) و(25 بهمن) ـ بداية الاحتجاجات الإيرانية. ليس بالكبير.
مظاهرات شعبية بلا رموز:
ارتكب النظام الإيراني جملة من الأخطاء خلال الأسبوع الماضي في تعامله مع المسيرات الاحتجاجية وصولاً لحالة التصعيد الأمني الذي تعاني منه المدن الإيرانية خاصة منذ يوم (ا اسفند ـ 20 فبراير)، فطبقاً لشهود العيان في تصريحاتهم لمواقع المعارضة الإيرانية، أن طهران وأصفهان قد تحولتا إلى ثكنات عسكرية نتيجة لكثافة التواجد الأمني بهما.
أهم تلك الأخطاء، هو محاولة النظام حصر المظاهرات الشعبية في عناصر أو رموز الحركة الخضراء المعارضة، وعلى رأسها بالطبع (مير حسين موسوي) على خلفية احتجاجات 2009 بعد أزمة انتخابات الرئاسة، فوضعه تحت الإقامة الجبرية، وأقام بوابات حديدية حول مسكنة، وهتف بإعدامه، وقطع عنه كل وسائل الاتصال هو وزوجته (زهرا راهنفرد)، في تغافل عن الطبيعة الشعبية للاحتجاجات والتي تختلف في مضمونها عن الأزمة الرئاسية، والتي انحصرت هويتها في هذه المرحلة على مناصري موسوي ومهدي كروبي، خاصة النخبة المثقفة أو شباب الجماعات، وفي العاصمة طهران فقط.ولكن الاحتجاجات القائمة الآن لها سمة أكثر انتشاراً في مختلف المدن الإيرانية، بداية من طهران وشيراز وأصفهان وغيرها الكثير، والعنصر الأهم هو دخول الأقليات العرقية والمذهبية على خط التصعيد خاصة إقليم الأحواز العربية التي خضعت لحملة اعتقالات واسعة خلال هذا الأسبوع، وإقليم كردستان بأغلبيته السنية الذي أعلن اعتصاماً كاملاً، مما يؤكد أن هناك حملة احتجاجية واسعة تجاوزت النخب الثقافية أو السياسية.
ورغم أن الشعارات المرفوعة تنتمي لهوية الحركة الخضراء إلا أن سقف الغضب تجاوز مجرد إعادة الانتخابات أو تقليص السلطة المطلقة للولي الفقيه، إلى النداء بإسقاط نظام الولاية ذاته، حتى وإن كانت تلك النغمة غير مرتفعة الآن نتيجة للتعتيم الإعلامي والقمع الأمني، إلا أنها ستصبح أكثر وضوحاً خلال الأيام القادمة، خاصة مع تزايد عدد القتلى الذي أوصلته بعض التقارير الإخبارية المعارضة إلى عشرة قتلى وليس فقط الثلاثة الذين تم الإعلان عنهم، وهذا ينقلنا إلى الخطأ الثاني.
تزايد القمع الأمني والعسكري، وعدم السماح بأي تجمعات خشية أن تتحول فجأة إلى مظاهرة حاشدة يصعب السيطرة عليها، مما ينتج رد فعل عكسي بين صفوف المعارضين، فرغم التجارب السابقة لحكومة أحمدي نجاد خلال عام 2009 في استخدام القمع العسكري والمحاكمات الثورية وقطع خطوط الاتصال كحل وحيد ضد أي صوت معارض إلا أن ما كان يصلح لقمع المعارضة منذ عامين لا يصلح الآن، فهذه التظاهرات ليس لها تنظيم حركي ثابت، بل تتسم بعشوائية الحركة والتجمع والتنظيم، وإن كانت محددة الأهداف، مما يستحيل معه السيطرة عليها إلا بارتكاب مذابح دموية ستزيد الأمر اشتعالاً.فالنظام الإيراني يستخدم نفس آليات النظم المنهارة السابقة عليه، ويزيد الأمر سوءً بإخراج مجاميع شعبية حوزية أو عسكرية أو من العامة الذين اعتمد عليهم نجاد طوال السنوات الماضية، يهتفون لصالح النظام وضد المعارضة، مما ينذر بمصادمات شعبية لن يتمكن من احتوائها.
وعلى مستوى الخطاب السياسي يحاول النظام في إيران بشتى أشكاله أن يجرد المعارضة من أي ملمح وطني أو ديني، فيتهم عناصر أجنبية أمريكية أو إسرائيلية دخيلة بتأجيج حدة التظاهرات، ويشير بإصبع الاتهام إلى مجاهدي خلق ـ أو المنافقين كما يطلق عليهم ـ في محاولة أخيرة لتفريغ الحركة الشبابية من مضمونها، وليمنح نفسه مسوغاً دينياً وسياسياً في التعامل القمعي الذي سوف يتّبعه خلال الفترة القادمة.تلك الإشارات بالعمالة سوف تجعل المعارضة أشد تأججاً لإثبات العكس، خاصة أن معظم المتظاهرين و المعتصمين من الشباب الذي يشكلون أغلبية المجتمع الإيراني، والأكثر تعرضاً للمعاناة الاقتصادية التي تسببت فيها سياسة نجاد الخارجية الداخلية خلال الأعوام الماضية.فحركة الاحتجاجات الإيرانية الآن قد تجاوزت كل الحدود الممكنة ولن تعود ثانية إلى التفاوض أو تقبل بالقمع خاصة بعد التجربتين التونسية والمصرية تحديداً.
النظام بصوت واحد:
خلال العامين الماضين حدث تغير جذري في بنية النظام الإيراني، بحيث اختفت تماماً الحركة الإصلاحية من الساحة السياسية الإيرانية، وحل محلها التيار المعتدل الذي تمثل في الأصولية القديمة، أمام التيار الأكثر تشدداً والأكثر راديكالية والمتمثل في الحرس الثوري ورجاله.ولكن الأحداث الأخيرة قلصت من مساحات الاعتدال أمام التشدد، بحيث أصبح الخطاب السياسي داخل النظام وخارجه يتسم بعدم قبول أي رأي أخر حتى وإن دعى إلى التهدئة أو احتواء الموقف، فتكون النتيجة أن يهدد هاشمي رفسنجاني (رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الخبراء) بتحديد هويته الأخيرة، فهل هو مع الحركة المعارضة الخضراء التي قدم إليها دعماً قوياً خلال العامين الماضيين أم ضدها، ومُنح فترة زمنية لتحديد انتماءاته.وفي إنذار أخير يتم اعتقال ابنته (فائزة رفسنجاني) ثم يُطلق سراحها أثناء التظاهرات.بل أن هناك أنباء تتردد حول اعتقال ابن آية الله (صادق خلخالي) بعد أن انضم إلى الحركات الاحتجاجية في شوارع العاصمة، و(صادق خلخالي) هو أول مدعي عام بعد نجاح الثورة الإيرانية، والذي وصف بالدموية والقمعية بعد سلسلة محاكمات وتصفيات قصدت مجاهدي خلق، وعناصر من الجيش النظامي الشاهنشاهي، والمحسوب على الحرس القديم.مما يشي بوجود انقسامات حادة لابد وأن تنتهي لصالح التيار المتشدد وأعوانه من حرس ثوري وبعض آيات الله وممثليه في البرلمان، وعلى رأس الجميع أحمدي نجاد.
حالة القمع السياسي داخل النظام ذاته، قد تمنع أي تهدئة ممكنة أو أي محاولة لاحتواء الشارع في المرحلة القادمة، طالما الفكر الأكثر تشدداً بصبغته العسكرية هو النغمة السائدة في هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمر به إيران الآن، مما يزيد من اشتعال الأحداث، وينبئ بمسار قد يودي بالنظام ذاته في نهاية الأمر، فكل شيء أصبح ممكناً في حالة عدم الاتزان التي يمر بها الجميع.
المؤسسة العسكرية بين القمع والانقلاب:
تشير العديد من الآراء في الداخل الإيراني، إلى أن المؤسسة العسكرية بشقيها (الحرس الثوري ـ الباسيج) ستكون أداة القمع الذي سوف يستخدمها النظام لإنقاذ وجوده واستمراره، خاصة أن الحرس الثوري هو نتاج الثورة الدينية والمدافع عنها طوال الثلاثين عاماً الماضية، وولاءه التام كان وسيظل دائماً لمؤسسة الولاية مهماً كان شكل الاختلاف أو الانقسام البادي على السطح، بوصفه الجيش المقدس الحامي للكيان أكثر قدسية وهو الولي الفقيه، خاصة وأن الجيش النظامي بشكله المعروف قبل الثورة قد تم تصفيته تقريباً والتخلص من كل رموزه، ليحل محله الحرس الثوري، الذي ربط كل مصالح قياداته الاقتصادية والسياسية ببقاء النظام الديني على هذه الوضعية دون تحريك أو تغير طوال عقود.كما أن المؤسسة العسكرية في إيران ليست منعزلة عن المجتمع كبقية المؤسسات ذات نفس الطبيعة في مجتمعات الشرق الأوسط، بل هي ممثلة في كل جامعة أو مدرسة أو مستشفى، بل أن أفضل وسيلة لكسب دخل جيد في إيران هو الانتماء لمؤسسة الحرس الثوري أو الباسيج أياً كان بشكلها العسكري أو الاجتماعي، وبالتالي سيكون من المستحيل أن تتخلى المؤسسة العسكرية عن كل مكاسبها أمام الشارع مهماً كانت قوته أو سطوته، وسيلجأ إلى القمع كما يحدث الآن بالفعل، مع الوضع في الاعتبار أن أحمدي نجاد يُعد أو رئيس جمهورية من خلفية عسكرية، ولن يكون الأخير كما خطط، بل أن بقاء النظام الديني على وضعيته يعطي للحرس مده الإقليمي المقدس، فكل عناوين الصحف الموالية للحرس والمرشد الأعلى خامنئي تتعامل مع أحداث اليمن والبحرين مثلاً بوصفها ثورات شيعية ضد الحكام الظالمين، أي أن النفوذ الإقليمي لإيران سوف ينهار إن زال نظام الولي الفقيه.
ورغم ذلك فإن هناك رأياً أخر مفاده، أن سقف المطالب لفئة كبيرة من الشارع الإيراني الآن يرتفع فوق الحرس الثوري ويطالب برأس النظام ذاته، وبالتالي إن شعرت المؤسسة العسكرية أنها سوف تفقد السيطرة على الشارع سوف تتحول لصالحه بل أنها سوف تقدم الدعم الكامل لحركات المعارضة إن استلزم الأمر، لتعلو فوق الأحدث وتحاول هي إسقاط النظام أو على الأقل تنحيته، والسيطرة الكاملة على الوضع الراهن، بما قد يؤدي بإيران إلى دولة عسكرية بشكل من الأشكال.وذلك حفاظاً من الحرس الثوري على المكاسب التي حققها في عهد نجاد.خاصة مع وجود مخاوف حقيقية من سطوة الحرس الثوري على الدولة في الآونة الأخيرة، تلك المخاوف المجسدة في تحركات علي خامنئي لاستقطاب الحوزة الدينية ومنحها ما سُلب مهنا في فترة حكم نجاد، وكذلك تضامن رئيس البرلمان (علي لاريجاني) وأخيه (صادق لاريجاني) رئيس السلطة القضائية مع تحركات خامنئي ضد سلطة العسكر المتزايدة و المتمثلة في نجاد وذلك خلال الأشهر السابقة.إلا أن الوضع الأن أصبح برمته في يد الحرس الثوري وقياداته، فالمؤسسة العسكرية هي صمام الأمان للنظام أو الشارع حسب سيطرة أيهما على الأحداث، أو أن يظهر حل احتوائي من قبل النظام لكل الحركات الاحتجاجية الآن، وهذا أمر أصبح بعيد المنال أو سيأتي متأخراً، فالشارع الإيراني الآن قرر أن يلحق بنفس الركب الثوري الذي يحقق نجاحاته المتوالية في الشرق الأوسط منذ بداية هذا الشتاء الساخن