المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الازدهار العلمي في إيران معجزة إسلامية



د. حامد العطية
02-27-2011, 10:51 PM
الازدهار العلمي في إيران معجزة إسلامية
د. حامد العطية

فرضت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أطول حرب تقليدية في القرن الماضي، وتحاصرها اليوم عقوبات اقتصادية شاملة، وتستهدف استقرارها جماعات إرهابية، وتهددها قوى عالمية وإقليمية بالحرب، وقائمة اعدائها مرعبة، تتصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، عندما تواجه دولة كل هذه التحديات، فلن نستغرب لو تدنى ناتجها القومي وتخلف نموها الاقتصادي، وهذا هو بالضبط ما تستهدفه العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل مجلس الأمن وأمريكا ودول الغرب، فهل تحققت أهداف الحرب والإرهاب والعقوبات الاقتصادية؟
يبدو بأن واقع إيران مخيب لرغبات أعدائها، فهي تتقدم وتنمو وتتطور، وعلى كل الصعد، ولا يتسع المجال هنا لسرد كل انجازاتها، لذا سأكتفي ببعض المؤشرات الدالة عليها، وفي المجالين الاقتصادي والعلمي فقط، منها أن إيران تأتي في المرتبة العاشرة بين دول العالم في انتاج السيارات، حسب احصائيات المنظمة العالمية لمصنعي السيارات (OICA)، وهي بذلك تتفوق على دول صناعية كبرى مثل بريطانيا والسويد وإيطاليا وروسيا وأستراليا.
وإيران أيضاً واحدة من ضمن تسع دول تمتلك إمكانات تقنية لتصنيع أقمار صناعية واطلاقها إلى مدارات حول الأرض.
وهي الأولى بين دول الشرق الأوسط من حيث إنتاج الأدوية والمستحضرات الطبية.
بإختصار شهدت كل قطاعات الصناعة، الخفيفة والثقيلة، بما في ذلك صناعات الأسلحة واستخراج النفط والبيتروكيماويات نمواً سريعاً ومذهلاً، ونجحت إيران في تنمية علاقات شراكة اقتصادية وتجارية مع دول عدة.
عندما تكون في مكان إيران، تشن عليك الحرب والعمليات الإرهابية، وتفرض عليك المقاطعة الاقتصادية والحملات الإعلامية، وأمريكا ألد أعدائك، فلا بد ان يكون جل اهتمامك البقاء في الوجود، فلا مجال لتمنية العلوم والتفوق العلمي، بل قد يعتبره البعض وفي ظل هذه الظروف ترفاً، ثم لا ننسى أن خصوم إيران والحاقدين على الإسلام يدعون بأن الإسلام والتطور العلمي نقيضان لا يجتمعان، لو اخذنا بالاعتبار هذا الافتراض وكل هذه المعطيات حول الحالة الإيرانية فلابد أن نتوقع تخلف إيران الإسلامية في المجال العلمي، فهل هذا هو الواقع؟
حرصت الحكومة الإيرانية على زيادة تخصيصاتها السنوية للبحث العلمي التي لم تتجاوز بعد نهاية الحرب المفروضة عليها في الثمانينات 0.2% من الناتج القومي الإجمالي، حيث بلغت 0.65% من الناتج القومي في 2005م ، وفي عام 2003م وبناء على طلب مجموعة من العلماء والمفكرين ورجال دين الحوزة الدينية اصدر مرشد الجمهورية الإسلامية توجيهاً إلى المجلس الأعلى للثورة الثقافية، يقضي بتوفير الدعم للإنتاج العلمي، ونتيجة ذلك تكونت مؤسسة إيران الوطنية للعلوم.
في مجال الطاقة الذرية انجازات الجمهورية الإسلامية معروفة للجميع، فلا حاجة لتكرارها هنا، ومؤخراً تكلل هذا النجاح الباهر في اكتمال كافة مراحل إنتاج الطاقة الذرية، مما أثار سخط الدول العظمى التي تحتكر هذه التقنيات، ولكن لا يقتصر التطور العلمي النووي على توليد الطاقة، ففي آواخر عام 2009م أعلنت إيران عن إنتاج دوائين إشعاعيين Radio medicine، هما ساماريون 153 ورينيوم 186، أثبت التجارب نجاحهما في تقليل أوجاع مرضى السرطان، كما يستعملان في تقليص أمراض العظام.
على الرغم من الصعوبات في الحصول على الأجهزة والمواد فقد حقق العلماء الإيرانيون انجازات مهمة، والشهادة على ذلك من كونراد هوشيدلنجر من مؤسسة الخلايا الجذعية في هارفارد ومستشفى ماستشوسيت العام، في تصريحه لدورية ذا ساينتس (العالم) The Scientist ، الذي أعرب فيه عن اعجابه الشديد بقدرات العلماء الإيرانيين على فصل عدد من الخلايا الجذعية الجنينية البشرية والحيوانية،embryonic stem cells ، ومن ثم تحويلها إلى خلايا بنكرياس وقلب وطحال وكبد فعالة، وعندما اصطحبه العلماء الإيرانيون في جولة على مختبرات رويان اكتشف بأن معظم الأجهزة المستعملة فيها مصنعة محلياً، لأن حكومة بلده الولايات المتحدة الأمريكية تحظر بيع الأجهزة العلمية البحثية في مجال الطب والعلوم البايولوجية لإيران، وخلص إلى الاستنتاج بأن علماء إيران يلحقون بالركب العلمي.
وبصدد الحظر على تصدير الاجهزة العلمية إلى إيران كتب الدكتور احمد جليلي من جامعة فينا الطبية إلى مجلة Nature تعليقاً على مقالة نشرت في المجلة قال فيه: " لقد أصبت بخيبة أمل لرؤيتي نتائج العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة على إيران في مجال البحوث البايولوجية والطبية، وفي الحالة التي ورد ذكرها في مقالتكم استغرق حصول مختبر إيراني على أجهزة قياس طبية أربع سنوات" ( 28 تموز 2005م المجلد 436).
يشمل الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على إيران تقنيات المعلومات والحاسب الآلي، لكن ذلك لم يزدها إلا اصراراً وتصميماً على توفير احتياجاتها من هذه التقنيات، مما أثار استغراب وانزعاج خصومها، ففي عام 2001م أعلنت عن انتاج أول حاسب آلي ضخم supercomputers ، وتلاه حاسب أضخم في عام 2003م، وفي هذا العام، أي2011م، وقبل أيام معدودات فقط من اعداد هذه المقالة اكتمل تشغيل حاسب آلي أضخم من سابقيه، وبقدرة تبلغ teraflops 89 ، بالمقارنة فإن طاقة أسرع حاسب آلي في العالم هي حوالي ألف teraflops، وتستعمل هذه الحواسيب في التنبؤات الجوية ومعالجة صور الاقمار الصناعية والبحوث العلمية.
لم يتحقق ما يتمناه أعداء إيران والإسلام لها، إذ تعد إيران من بين الاوائل في العالم في سرعة النمو العلمي، وفي عام 2009م كان ترتيبها الإثنى وعشرين بين دول العالم، متقدمة بذلك على دول رئيسية مثل الدنمارك والنمسا وفنلندا والنرويج واليونان والمكسيك، وكانت الأولى بين الدول الإسلامية من حيث عدد البحوث العلمية المنشورة في الدوريات العلمية المحكمة العالمية، وهي اليوم تتنافس مع الدول المتطورة الاقتصادية، والتي بدأت برامجها العلمية المتقدمة قبل إيران بعشرات السنين، وتبين الأرقام التالية الواردة في تقرير ساينس مايتركس في كندا معدلات نمو الانتاج العلمي لإيران وبعض دول المنطقة مقارنة بالمعدل العالمي:
إيران : 11.07
تركيا: 5.47
مصر: 1
الكيان الصهيوني: 0.94
العراق: 0.47

المصدر: Science –Metrix, 30 Years in Science; Secular Movements in
Knowledge Creation

يتبين من هذه المؤشرات تقدم إيران على بقية دول الشرق الأوسط في معدل نمو الانتاج العلمي، حيث بلغ في إيران أكثر من 11 ضعفاً لمعدل النمو العلمي العالمي، تليها في الترتيب وبفارق كبير تركيا، بينما تراوح مصر في مكانها، وتخلف الكيان الصهيوني والعراق والسعودية وبقية الدول عن مستوى النمو العالمي بالمعدل، كما تشير المصادر نفسها إلى أن النمو في البحوث المنشورة في حقل الهندسة النووية بلغ 250 ضعفاً مقارنة بمعدل النمو العالمي، بالإضافة إلى ذلك حل 27 عالماً إيرانياً ضمن نسبة الواحد بالمائة الأوائل من علماء العالم، وثلاثة منهم في العلوم الطبية، يعملون في جامعة طهران، وفقاً لتقرير ثومسون رويترز.
يدرك أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية استحالة ايقاف مسيرتها التنموية والعلمية، وقد تبين للجميع بأن العقوبات الاقتصادية والعمليات الإرهابية والتلويح بالعدوان العسكري غير مجدية، بل كان لها تأثيراً عكسياً، تمثل في تسريع تحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس، وازدياد النشاط البحثي العلمي، حتى غدت تجربتها قدوة لكل الدول العربية والإسلامية والدليل الناصع على ازدهار العلوم في ظل النظام الاسلامي، الذي هو خير ضمان لتوجيه النشاط العلمي بعيداً عن الاستغلال التجاري المادي ونحو منفعة البشرية جمعاء.
26 شباط 2011م