زوربا
02-23-2011, 08:28 PM
الأحد, 20/02/2011
كتب / إبراهيم الامين
ثمّة الكثير يمكن قوله عمّا يحدث الآن في البحرين. هو في الشكل يشبه كل التحركات الاحتجاجيّة التي شهدها ويشهدها العالم العربي، لكنّ ميزة هذا البلد تنطلق من أمور وحسابات تعود إلى ما يسبق الانتفاضات الأخيرة.
البحرين قاعدة أمنيّة، عسكريّة وسياسية للإدارات الأميركية المتعاقبة، الحكم فيها يقوم على قواعد لا صلة لها بأي شكل من أشكال الديموقراطية، والموارد التي تصله من باقي إمارات الخليج (الفارسي) وبلدانه، تُصرف على الحاشية. وإضافةً إلى تحويل البلد محطةً للجيش الأميركي، فقد حوّل الحكم هذا البلد إلى مكان يستريح فيه الجنود والضباط، وقرّر الحكم أن ينافس إمارة دبي، لكن من باب الخدمات غير الإطلاقية. وصار الجسر الواصل بين البحرين والسعودية، معبراً للذين يريدون تمضية نهاية الأسبوع للترفيه، لكنّه ترفيه يجعل البلد مجرّد حانة ورصيف ومعبر للأموال المغسولة، وبالتالي، لا يجد الحكم حاجة إلى أدوار لشعبه.
تقود العائلة الحاكمة البلاد بأسلوب بدائيّ، قبَليّ متخلّف، وبعصبيّة عائليّة، حيث يوظَّف أجانب في صفوف الشرطة والجيش ويُمنح بعض هؤلاء الجنسية، لكن ثقافتهم حوّلتهم إلى مرتزقة، من النوع الذي يسهل استجلاب خدماته القذرة ضد أبناء البلد، وهذا ما حصل عند الهجوم الدموي على المعتصمين قبل يومين، الذي تكرّر أمس، ولا سيما أن ضباط شرطة من أبناء البلد وجنوداً وعناصر، رفضوا أوامر إطلاق النار، وبعضهم يخضع الآن للمحاكمة.
في البحرين ظلم اجتماعي وسياسيّ قديم، قامت هناك حركات يسارية وقومية عربية ناضلت لتحسين الأمور، لكن القمع الدموي ظل بالمرصاد، والمشاورات التي أجراها الحكم خلال العقدين الأخيرين، لم تتجاوز حدود عمليّات التجميل، التي تمكّن الحكم من كسب استقرار ولو بالقوة، وتفتح الباب أمام حدّ أدنى من المشاركة، من دون أي تغيير جوهري في أدوات الحكم وقواعده الدستورية.
وإذا كانت السمة الغالبة للتنافس السياسي ـــــ الاجتماعي في العقدين الأخيرين، خضعت لاعتبارات دينية وطائفية وقبليّة، فهي قواعد كرّسها النظام في البحرين، كما كرستها أنظمة دول أخرى، معتقداً أنها وسيلة مناسبة أو كفيلة بعدم قيام حالة اعتراض وطنيّة عليه. وها هو ملك البحرين ونجله، ورئيس حكومته، يلجأون إلى هذه اللعبة، ويصوّرون لأهل البلد، وللآخرين في دول الجوار، أن الانتفاضة القائمة لها هدف هو إطاحة الحكم، لمصلحة قيام نظام يديره الشيعة.
يبدو البعض كأنه فوجئ بما يحصل الآن. وثمّة دهشة غير مفهومة على وجوه البعض من سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين إزاء كيفية التعامل مع الحدث البحريني. والمؤسف أنه في هذه اللحظة، تظهر ازدواجية المعايير، ما يدفع الى القول إن منطقتنا تبدو بحاجة إلى انقلاب أو ثورة على المعايير، لا على الأنظمة والقوانين فقط. معايير لا تتعلق بالتعليم أو الصحة أو الخدمات، بل هي المعايير ذات البعد الأخلاقي، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو إعلامية.
لنأخذ مثلاً، المحرك الحيوي الأكثر تأثيراً في الرأي العام العربي، أي قناة "الجزيرة"، التي استحقّت لقب قناة الثورة العربية في طريقة متابعتها لما جرى في تونس ومصر وما يجري في اليمن وليبيا، لكنّها بدت مع حدث البحرين، كمن يقحم نفسه في الاختبار الأقسى، إذ لمّا انطلقت الحركة الاحتجاجية في البحرين، حصل ما مثَّلَ صدمة لدى غالبية الجمهور الداعم لهذه القناة، بوصفها أداة الثورات الأقوى لأنها حقّقت بذاتها ثورة على النّظُم التي تحكّمت بالإعلام العربي والإقليمي لعقود عدة.
تمثّلت هذه الصدمة في أن المحتجّين في البحرين، أو مناصري الثورات الشعبية في كل العالم العربي، أو الأوساط السياسية والنُّخَب الثقافية المتحمّسة والمؤيّدة لهذه التغييرات وكذلك في الأوساط الإعلامية، لا يملك أيّ من هؤلاء إجابة عن السؤال البسيط: هل ترى "الجزيرة" ما يحصل في البحرين عملاً شاذاً عن قاعدة الانتفاضات الشعبية في باقي الدول العربية؟.
أمّا التبريرات المتداولة، فهي تبدأ بأن القناة تعاني مشكلات سابقة في البحرين، وأن مكتبها هناك مغلق، ولا يحق لمراسليها العمل، وأن هناك صعوبة في التحايل على القانون أو القرار، وأن في مصر من أسهم في مدّ القناة بالأخبار والصور والتقارير.
ثم يخرج من يقول إن الأمر مرتبط بكون البحرين من دول مجلس التعاون، وهو أمر يحرج قطر، أو إن ملك البحرين على علاقة طيّبة بأمير قطر، وهو أمر له تأثيره، أو إن في القناة تياراً إسلامياً سلفياً يخشى من أن يقود نجاح انتفاضة البحرين، فريقاً سياسياً ـــــ شيعياً إلى الحكم، أو إن هناك من يقرأ الأمر على أنه محاولة إيرانية لمدّ النفوذ إلى الدول الخليجية، والأسهل هو البدء بالبحرين.
غير أن كل ذلك، صحّ أو لم يصحّ، لا يمنع قناة مثل "الجزيرة" من حفظ هامش يتّصل برفض الظلم، ورفض المجازر، ورفض القمع الذي لا يشبه إلا قمع القرون الوسطى. وبمقدورها اختراع الحيلة المهنية التي تحفظ صورتها من دون أن تلزم نفسها بموقف كما كانت حالها في مصر مثلاً، لأنه، بكل بساطة، لا مجال لإقناع أحد بأن العدالة مجتزأة أو عمل استنسابي. وكذلك الموقف من الظلم. وستظل القناة تحت المجهر في المقبل من الأيام، لأن أحداث البحرين مرشّحة للتصعيد.
ابراهيم الامين
كتب / إبراهيم الامين
ثمّة الكثير يمكن قوله عمّا يحدث الآن في البحرين. هو في الشكل يشبه كل التحركات الاحتجاجيّة التي شهدها ويشهدها العالم العربي، لكنّ ميزة هذا البلد تنطلق من أمور وحسابات تعود إلى ما يسبق الانتفاضات الأخيرة.
البحرين قاعدة أمنيّة، عسكريّة وسياسية للإدارات الأميركية المتعاقبة، الحكم فيها يقوم على قواعد لا صلة لها بأي شكل من أشكال الديموقراطية، والموارد التي تصله من باقي إمارات الخليج (الفارسي) وبلدانه، تُصرف على الحاشية. وإضافةً إلى تحويل البلد محطةً للجيش الأميركي، فقد حوّل الحكم هذا البلد إلى مكان يستريح فيه الجنود والضباط، وقرّر الحكم أن ينافس إمارة دبي، لكن من باب الخدمات غير الإطلاقية. وصار الجسر الواصل بين البحرين والسعودية، معبراً للذين يريدون تمضية نهاية الأسبوع للترفيه، لكنّه ترفيه يجعل البلد مجرّد حانة ورصيف ومعبر للأموال المغسولة، وبالتالي، لا يجد الحكم حاجة إلى أدوار لشعبه.
تقود العائلة الحاكمة البلاد بأسلوب بدائيّ، قبَليّ متخلّف، وبعصبيّة عائليّة، حيث يوظَّف أجانب في صفوف الشرطة والجيش ويُمنح بعض هؤلاء الجنسية، لكن ثقافتهم حوّلتهم إلى مرتزقة، من النوع الذي يسهل استجلاب خدماته القذرة ضد أبناء البلد، وهذا ما حصل عند الهجوم الدموي على المعتصمين قبل يومين، الذي تكرّر أمس، ولا سيما أن ضباط شرطة من أبناء البلد وجنوداً وعناصر، رفضوا أوامر إطلاق النار، وبعضهم يخضع الآن للمحاكمة.
في البحرين ظلم اجتماعي وسياسيّ قديم، قامت هناك حركات يسارية وقومية عربية ناضلت لتحسين الأمور، لكن القمع الدموي ظل بالمرصاد، والمشاورات التي أجراها الحكم خلال العقدين الأخيرين، لم تتجاوز حدود عمليّات التجميل، التي تمكّن الحكم من كسب استقرار ولو بالقوة، وتفتح الباب أمام حدّ أدنى من المشاركة، من دون أي تغيير جوهري في أدوات الحكم وقواعده الدستورية.
وإذا كانت السمة الغالبة للتنافس السياسي ـــــ الاجتماعي في العقدين الأخيرين، خضعت لاعتبارات دينية وطائفية وقبليّة، فهي قواعد كرّسها النظام في البحرين، كما كرستها أنظمة دول أخرى، معتقداً أنها وسيلة مناسبة أو كفيلة بعدم قيام حالة اعتراض وطنيّة عليه. وها هو ملك البحرين ونجله، ورئيس حكومته، يلجأون إلى هذه اللعبة، ويصوّرون لأهل البلد، وللآخرين في دول الجوار، أن الانتفاضة القائمة لها هدف هو إطاحة الحكم، لمصلحة قيام نظام يديره الشيعة.
يبدو البعض كأنه فوجئ بما يحصل الآن. وثمّة دهشة غير مفهومة على وجوه البعض من سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين إزاء كيفية التعامل مع الحدث البحريني. والمؤسف أنه في هذه اللحظة، تظهر ازدواجية المعايير، ما يدفع الى القول إن منطقتنا تبدو بحاجة إلى انقلاب أو ثورة على المعايير، لا على الأنظمة والقوانين فقط. معايير لا تتعلق بالتعليم أو الصحة أو الخدمات، بل هي المعايير ذات البعد الأخلاقي، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو إعلامية.
لنأخذ مثلاً، المحرك الحيوي الأكثر تأثيراً في الرأي العام العربي، أي قناة "الجزيرة"، التي استحقّت لقب قناة الثورة العربية في طريقة متابعتها لما جرى في تونس ومصر وما يجري في اليمن وليبيا، لكنّها بدت مع حدث البحرين، كمن يقحم نفسه في الاختبار الأقسى، إذ لمّا انطلقت الحركة الاحتجاجية في البحرين، حصل ما مثَّلَ صدمة لدى غالبية الجمهور الداعم لهذه القناة، بوصفها أداة الثورات الأقوى لأنها حقّقت بذاتها ثورة على النّظُم التي تحكّمت بالإعلام العربي والإقليمي لعقود عدة.
تمثّلت هذه الصدمة في أن المحتجّين في البحرين، أو مناصري الثورات الشعبية في كل العالم العربي، أو الأوساط السياسية والنُّخَب الثقافية المتحمّسة والمؤيّدة لهذه التغييرات وكذلك في الأوساط الإعلامية، لا يملك أيّ من هؤلاء إجابة عن السؤال البسيط: هل ترى "الجزيرة" ما يحصل في البحرين عملاً شاذاً عن قاعدة الانتفاضات الشعبية في باقي الدول العربية؟.
أمّا التبريرات المتداولة، فهي تبدأ بأن القناة تعاني مشكلات سابقة في البحرين، وأن مكتبها هناك مغلق، ولا يحق لمراسليها العمل، وأن هناك صعوبة في التحايل على القانون أو القرار، وأن في مصر من أسهم في مدّ القناة بالأخبار والصور والتقارير.
ثم يخرج من يقول إن الأمر مرتبط بكون البحرين من دول مجلس التعاون، وهو أمر يحرج قطر، أو إن ملك البحرين على علاقة طيّبة بأمير قطر، وهو أمر له تأثيره، أو إن في القناة تياراً إسلامياً سلفياً يخشى من أن يقود نجاح انتفاضة البحرين، فريقاً سياسياً ـــــ شيعياً إلى الحكم، أو إن هناك من يقرأ الأمر على أنه محاولة إيرانية لمدّ النفوذ إلى الدول الخليجية، والأسهل هو البدء بالبحرين.
غير أن كل ذلك، صحّ أو لم يصحّ، لا يمنع قناة مثل "الجزيرة" من حفظ هامش يتّصل برفض الظلم، ورفض المجازر، ورفض القمع الذي لا يشبه إلا قمع القرون الوسطى. وبمقدورها اختراع الحيلة المهنية التي تحفظ صورتها من دون أن تلزم نفسها بموقف كما كانت حالها في مصر مثلاً، لأنه، بكل بساطة، لا مجال لإقناع أحد بأن العدالة مجتزأة أو عمل استنسابي. وكذلك الموقف من الظلم. وستظل القناة تحت المجهر في المقبل من الأيام، لأن أحداث البحرين مرشّحة للتصعيد.
ابراهيم الامين