المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المختار .... الثائر المفترى عليه



الناصع الحسب
02-20-2011, 12:01 PM
السبت, 19/02/2011

http://www.alalam-news.com/sites/default/files/imagecache/news_node_view_image/news_image/11/02/19/SNAG-0062.jpg

"هل یعني رأيي في عمرو بن العاص بأني قد خرجت عن الاسلام وانكرت ما هو معلوم من الدين ؟".

بهذه العبارة رد كاتب السيناريو المصري الشهير اسامة انور عكاشة على محاوره الشيخ خالد الجندي في برنامج "القاهرة اليوم" الذي بثته قناة "اليوم" التابعة لشبكة اوربت الفضائية , لانه تجرأ وقال يوما : "إن ابن العاص لا يستحق ان يمجد في عمل درامي من تأليفه" , وعلى اثرها انهالت عليه الفتاوى من كل حدب وصوب بالتكفير والارتداد والخروج عن الملة والدين لانه أساء الى أحد صحابة النبي (ص).

إن هذا السيف المشرع " الإساءة الى صحابة النبي (ص)" في وجه المبدعين والأعمال الفنية والادبية , من قبل جهات اصبحت عنواناً بارزا لنحر كل حالة ابداع في الأمة تحت ذرائع لم تعد تقنع حتى السذج من الناس , هو ذاته يرفع اليوم في وجه مسلسل "المختار الثقفي" رائعة المخرج الايراني داود مير باقري . فلا غرابة ان تشن تلك الجهات هذه الحملة الشرسة ضد المسلسل وهي ترى كل هذا التأثير الواسع والمنقطع النظير للمسلسل على المشاهد العربي وهو يرى عملاً فنياً متميزا..
بالرغم من ان مراحل البحث وكتابة السيناريو وتصوير المسلسل استغرقت تسع سنوات , لسد كل ثغرة يمكن ان تضعف هذا العمل الفني الكبير , لاسيما من ناحية الاحداث التاريخية , حيث استند المسلسل الى عدد كبير من المصادر الاسلامية , من التي تعتبر أمهات المصادر في التاريخ الاسلامي واختيار اكثر الوقائع وثوقا , الا ان هذه الحساسية الزائدة من قبل القائمين على المسلسل في نقل الاحداث التاريخية، لم تشفع للمسلسل االذي تعرض لحملة شعواء جاءت تحت يافطة كبيرة هي يافطة الاساءة الى اصحاب النبي (ص)، وصدرت الفتاوى تلو الفتاوى تحرم مشاهدة المسلسل.

رأي المرجع الديني ناصر مكارم الشيرازي في مسلسل المختار

وقبل ان نتحدث بشيء من التفصيل عن شخصية المختار الثقفي الذي تعرض بدوره كما المسلسل , لحملة من التشوية والاساءة , نود ان ننقل بشيء من التصرف ماقاله المرجع الديني ناصر مكارم الشيرازي بشأن ماقيل عن اساءة المسلسل لصحابة النبي (ص).


يقول المرجع مكارم الشيرازي : "إن هناك فرقا كبيرا بين الإساءة وبين نقل قضية او قصة تاريخية , فالإساءة شيء غير مقبول , ولكن لايمكن في المقابل إلا ان ننقل الاحداث التاريخية كما وقعت ,وهل يمكن ان ننكر وقائع حرب الجمل , وهل هناك من يشك بأن طلحة والزبير وهما من صحابة الرسول (ص) قد قاتلا إمام زمانهما ونكثا بيعته. لايجب بالتالي ان نغمض عيوننا عن حقائق التاريخ , فالبون شاسع جدا بين ان توجه الاساءة لمجرد الاساءة وبين ان ندرس ونحقق في شخصية ما. واذا وضعنا كتب الشيعة جانبا فهل تجاهلت كتب اخواننا من اهل السنة شخصيات مثل شخصية عبدالله ابن الزبير وغيره؟ إن تكفير الافراد واصدار حكم الارتداد على الاخرين ليس بالامر الهين وليس سهلا كما هو الحال عند بعض الفرق الاسلامية...".


من هو المختار؟

المختار هو ابن عبيدة بن مسعود الثقفي ولد في السنة الاولى للهجرة وقتل سنة 67 هجرية على يد مصعب بن الزبير , طالب بالثأر لاستشهاد الامام الحسين (ع) في كربلاء عام واحد وستين للهجرة وحملت ثورته شعار يالثارات الحسين , وتمكن من قتل اغلب من شارك في قتل الامام الشهيد.


حملة التشوية والافتراء التي تعرض لها المختار

تعرضت شخصية المختار لعملية تشويه ممنهجة من قبل قتلته من الزبيريين وشاركهم فيها خصومهم الأمويون , فدفع ثمن مواقفه المشرفة من آل البيت عليهم السلام , فاتُهم انه إدعى نزول الوحي عليه واعتماده السجع وانه من السبيئة والكيسانية ووأنه اتخذ كرسيا ادعى انه كرسي الامام علي(ع) وانه كالتابوت في بني اسرائيل وانه عثماني الهوى وانه وانه....


ومن اجل فهم الاسباب التي جعلت المختار يتحول الى هذه الصورة التي رسمها له الزبيريون والامويون لابد من الرجوع قليلا الى الوراء لمعرفة الظروف التي شكلت هذا الوعاء الذي اتخم بكل هذا التدليس والذي لا يصمد امام النقد التاريخي كما سيمرّ علينا.


ثورة السبط الشهيد الامام الحسين (ع)

اصطدم يزيد بعد موت والده معاوية الذي مهد طريق الخلافة له بشتى السبل ومن بينها نكثه عهود الصلح مع الامام الحسن(ع) , اصطدم بشخصية كبرى لم تكن على استعداد ان تبايعه في اي حال من الاحوال , هذه الشخصية مع ما تمثله من قيم لم تكن لترضخ في اي ظرف من الظروف امام تلك التاويلات والتبريرات التي كانت تتحول شيئا فشيئا الى مبادىء سدت كل المنافذ امام المجتمع الاسلامي للتفكير في اصلاح الامور والتصدي للسلطان الجائر." من غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي امير المؤمنين فلا يَحلّ لاحد يؤمن بالله واليوم الاخر ان يبيت ولايراه إماما برّا كان او فاجرا"(1)


هذه الشخصية هي الحسين , وبحقه قال النبي (ص): " حسين مني وانا من حسين .. أحب الله من أحب حسينا , حسين سبط من الاسباط"(2)


أعلن الحسين ثورته الحمراء وغادر المدينة الى مكة واقام فيها اربعة اشهر والتقى هناك بوفود من اهل العراق وهم يحملون اليه الرسائل من زعماء القبائل يطلبون منه ان يقدم اليهم وبايعوه على النصرة ضد يزيد, فترك الحسين مكة وهاجر الى العراق الا ان والي يزيد الجديد الى الكوفة عبيد الله بن زياد تمكن من السيطرة على الكوفة قبل ان يصل الامام الحسين اليها , وارتكب جيش بن زياد بقيادة عمرابن سعد مجزرة بشعة بحق ال النبي (ص) في العاشر من محرم عام 61 , وسطر الامام الشهيد وال بيت النبي (ص) واصحابه الميامين ملحمة الفداء والتضحية من اجل المبادىء وهم يقدمون جماجمهم للاسلام العظيم رافعين الشعار الخالد للامام الشهيد "هيهات منا الذلة".


وعندما أخذ جيش يزيد حرائر رسول الله (ص) سبايا وحمل رؤوس اكثر من سبعين من الانصار وعشرين من آل بيت النبي (ص) على الرماح بينها رأس الامام الشهيد الى الشام وادخلهم على يزيد الذي اخذ رأس الامام الشهيد ينكث ثناياه بمخصرته ويتمثل بأبيات ابن الزبعري:


"ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لاتشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف ان لم انتقم من بني هاشم ما كان فعل"(3)


حركة المدينة المنورة (63هجرية)

بعد واقعة كربلاء كانت مدينة النبي(ص) تعيش تحت وقع الصدمة واخذ التذمر من يزيد ينتشر بين الناس فخاف الاخير على سلطانه و أراد ان يغير بعض سلوكه مع الناس لدفع ما هو اسوء فعزل الوليد بن عتبة عن المدينة وولاها عثمان بن محمد بن ابي سفيان , الذي اوصى يزيد ان يدعو كبار المدينة الى الشام ويكرمهم حتى يقلل من حدة الاحتقان الذي تعيشه المدينة , وهذا ما حدث فسار وفد من اشراف المدينة وعلى رأسه عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة وعبدالله بن ابي عمرو بن خوص والمنذر بن الزبير , واكرم يزيد وفادتهم واغدق عليهم ولكن بعد عودتهم الى المدينة نقلوا ماشاهدوه الى الناس.


وقال المنذر بن الزبير"والله لقد اجازني بمائة الف درهم , وانه لا يمنعني ما صنع الي ان اصدقكم عنه , والله انه ليشرب الخمر , وانه ليسكر حتى يدع الصلاة"(4). اما عبدالله بن حنظلة فقال "والهر ماخرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء , انه رجل ينكح امهات الاولاد والبنات والاخوات ويشرب الخمر يدع الصلاة"(5).


وقصدوا المنبر وخلعوا يزيد , فوجه الاخير اليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة و قال له "ادع القوم ثلاثا فان اجابوك والا فقاتلهم , فاذا ظهرت عليهم فابحثها ثلاثا فما فيها من مال او سلاح او طعام فهي للجند" , فلما توجه ابن عقبة بجيشه الى المدينة أراد من عبدالملك بن مرون ان يشير عليه في شيء ينفعه في قتل اهل المدينة , فنصحه ان يأتي المدينة من قبل الحرة فاتاهم وطلب منهم النزول عند طاعة يزيد فابوا فامهلهم ثلاثة ايام فدارت حرب طاحنة بين الجانبين وكانت الغلبة لجيش يزيد , واباح مسلم المدينة ثلاثا لجيشه ووقعوا على النساء حتى ولدت الف امرة بعد الحرة من غير زوج.


ثم دعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد بوصفهم عبيد وخوّل له فقتل كل من رفض ذلك . وسئل الزهري: كم كانت القتلى يوم الحرة ؟ قال : سبعمائة من وجوه الناس من قريش والانصار والمهاجرين ووجوه الموالي , وممن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة الاف.


هذا التفصيل كله نقله صاحب كتاب تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي (6) عن رواية المدائني , اخذه عنه ابو الفرج و ابن الجوزي , وتراه مفرّقا في روايات الطبري المفصلة باسانيده عن ابي مخنف , وعوانة بن الحكم , واحمد بن زهير في رواية الذهبي وابن كثير ايضا عن المدائني وعن غيره..


ثورة التوابين (65 هجرية)

هذه الانتفاضة قادها الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي الذي ارسل للحسين ليأتي الى الكوفة الا انه لم يقدر على الالتحاق به بعد ان سجنه عبيدالله بن زياد فندم اشد الندم على ذلك واقسم ان يفعل شيئا يكفر عن ذنبه بعدم نصرة الامام الشهيد عسى ان يتوب عليه الهد سبحانه وتعالى ’ انضم اليه كبار الصحابة في الكوفة واجتع حوله نحو خمسة الاف وسار بهم سليمان صوب الشام وعسكر الجيش في (عين الرمانة) وهناك التقي بجيش الشام بقيادة عبيد الله بن زياد على راس جيش تجاوز العشرين الفا ونشبت بينهما معركة ضارية انتصر فيها جيش الشام وتمكن رفاعة بن شداد ان يعود الى الكوفة بما بقي من جيش سليمان بن صرد الخزاعي الذي قتل في المعركة.


حركة عبدالله بن الزبير61-73 هجرية

تعتبر حركة عبد الله بن الزبير من الحركات التي هددت وبقوة وجود الدولة الاموية الا انها وبعد ان سيطرت على مساحات كبيرة من الدولة الاسلامية انهزمت امام جيش الامويين ودب فيها الضعف حتى قتل عبدالله بن الزبير بيد الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 73 هجرية.


لم يعمل ابن الزبير العدل بين الرعية حاله حال الامويين كما لم يحيي المعالم التي درست في زمن الامويين , فقد وصل بغضه لآل البيت عليهم السلام فكان يتهرب من ذكر النبي(ص) والصلاة عليه وعندما عوتب على فعله هذا قال"اني لاارغب عن ذكره , ولكن له اهيل سوء اذا ذكرته لتلعو اعناقهم , فانا احب ان اكبتهم"(7). وكان شديد القسوة مع اهل البيت (ع) حتى ان جمعهم وسجنهم واحاطهم بالحطب لحرقهم اذا لم يبايعوه , وكان بينهم عبدالله بن عباس ومحمد بن الحنفية , ولم ينقذهم الا جيش المختار الذي فكهم من الحصار(8).


وعندما ظفر مصعب بن الزبير بالمختار وقتله لم يكتف بذلك بل قتل حتى الذين منحهم الامان الامر الذي عابه عليه عبدالله بن عمر عندما سأله كم قتلت فقال مصعب "خمسة الاف" , فسبح ابن عمر ثم قال :" يامصعب , لو ان امرا اتي ماشية الزبير فذبح خمسة الاف شاة في غادة , أكنت تعده مسرفا؟" قال : نعم .قال :"فتراه اسرافا في البهائم , وقتلت من وحد الله , أما كان فيهم مكره أو جاهل ترجى توبته"(9) .


كما عاب عليه الكثيرون خلال واخلاق عبدالله بن الزبير "كانت فيه خلال لاتصح معها الخلافة , كان بخيلا ضيق العطاء , سيء الخلق , حسودا , وكثير الخلاف"(10). حتى عرف عنه قوله لجنده "اكلتم تمري وعصيتم امري" (11). وتعرض المسجد الحرام في عهده للتدمير والحرق مرتين , مرة على يد جيش يزيد بقيادة الحصين بن نمير سنة 63 هجرية والكرة الثانية على يد جيش عبدالملك بن مروان بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 73 هجرية , حيث رمي المسجد الحرام بالمنجنيق والنار وهدمت الكعبة مرتين (12).


ثورة المختار (65-76 هجرية)

تعتبر ثورة المختار امتدادا لثورة التوابين وقد التفّ حوله من تبقى منهم واستولى على الكوفة وطرد امير الكوفة عامل ابن الزبير بعد قتاله واخذ يتتبع قتلة الحسين(ع) فقتلهم واحدا واحدا ومن ابرزهم عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وعبيد الله بن زياد و خولي بن يزيد الاصبحي الذي اجتز راس الحسين (ع) وحرملة بن كاهل وحكيم السنبسي و زيد بن ورقاء وابن انس. وحارب المختار الامويين والزبيريين الى ان بعث اليه ابن زبير اخاه مصعب بجيش كبير والتقى الجيشان وكان الظفر لمصعب وقتل المختار عام 67 للهجرة.


موقف اهل البيت (ع) من المختار

ذكرت كتب التاريخ ان والد المختار جاء به الى امير المؤمنين الامام علي (ع) وكان المختار يومذاك في الثالثة عشرة من عمره فأجلسه في حجره ومسح على راسه وهو يقول : ياكيّس ياكيّس.


عندما وصل خبر انتقام المختار من قتلة الحسين (ع) الى المدينة قيل "ان زين العابدين منذ قًتل ابوه لم يُرَ ضاحكا قطّ الا في ذلك اليوم .. وامتشطت نساء ال الرسول واختضبن , وما امتشطت امرأة منهن ولا اختضبت منذ قتل الحسين الشهيد(13).


عندما استفسرت رسل الكوفة من محمد بن الحنفية ان كان هو الذي بعث المختار للانتقام من قتلة الحسين(ع) قال: "ماأحب الينا من طلب بثأرنا , واخذ لنا من حقنا , وقتل عدونا(14).. او قال: " وددت ان الله انتصر لنا بمن شاء".(15)


لما جيء برأس المختار الى ابن الزبير في مكة خاطب ابن عباس قائلا:" يابن عباس قد قتل الله الكذاب" , فرد عليه بن عباس: " رحم الله المختار , كان رجلا محبا لنا , وعارفا بحقنا , وانما خرج بسيفه طالبا بدمائنا , وليس جزاؤه منا ان نسميه كذابا" (16).


موقف المختار من ال البيت (ع)

كان المختار معارضا للحكم الاموي منذ دخل معترك السياسة , هذا بالاضافة الى تشيعه وولائه لاهل البيت عليهم السلام , وفي اخر خلافة معاوية وبسبب اجهاره بأحقية الامام الحسين (ع) بالخلافة وكان يومها في البصرة , فأخذه عبيد الله بن زياد وجلده مئة جلدة وبعث به الى الطائف. وعندما دخل مسلم بن عقيل سفير الحسين(ع) الى الكوفة نزل في دار المختار (17) , ودعا المختار اهل الكوفة الى نصرته وتعرض بسبب هذه المواقف الى السجن والتعذيب من قبل الامويين , وعندما اعتقل ابن زياد هاني بن عروة بعد ان لجأ اليه عقيل , دخل المختار الكوفة وكان انذاك في قرية خارجها , ليستطلع الامر الا ان عساكر ابن زياد امسكوا به واخذوه اليه فقال له: " انما جئت لتنصر مسلم بن عقيل فضربه فشتر عينه , وحبسه"(18). ورغم انه قتل اغلب من شارك في قتل الحسين الشهيد (ع) الا انه كان يقول "والله لو قتلت به ثلاثة ارباع قريش ما وفوا انملة من انامله"(19).


حملة التشويه التي تعرض لها المختار

ولانه كان علويا مطبوعا على الولاء لبيت آل الرسول (ص) فقد حيكت حوله مجموعة من الاساطير والاكاذيب اشترك في وضعها وصياغتها ونسبتها اليه، اعداء العلويين من الامويين والزبيرين .. نسبوا اليه السحر والكفر وانه كان يخاطب الملائكة ويدعي انهم كانوا يحاربون معه الى جانب جبرائيل الذي كان ينزل بشكل طائر الى غير ذلك من المقالات التي ظهرت بعد عصره كما الصقوا به الفرقة الكيسانية لان عليا (ع) مسح على راسه وهو صبي في مطلع صباه ووصفه بالكياسة"(20) كما نسبوا اليه السبئية والخشبية واتخاذه الكرسي كتابوت بني اسرائيل وادعى النبوة واخذ يسجع وكان ساحرا وان الشيعة يكرهونه واراد تسليم الامام الحسن (ع) الى معاوية وكان عثماني الهوى وانه كان يكذب على علي بن الحسين (ع) ووو...


اذا اردنا ان نثبت بالتفصيل كذب كل هذه التهم واحدة واحدة لتطلب الامر ان نسود عشرات الصفحات وهو خارج نطاق هذا المقال , الا ان القارئ الفطن اللبيب لايفوته ان سبب كل هذا الافتراء والكذب الفاضح يكمن في ان صاحبنا كان سيفا شهره الله سبحانه وتعالى بوجه قتلة اهل البيت عليهم السلام واقتص منهم فكانت هذه جريرته التي يجب ان يدفع ثمنها . ان امر المختار هين اذا ما قيس بحجم الافتراء الذي تعرض له امامه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وما هو عليه من الشأن والمكانة في الاسلام ورغم انه كان كالشمس الذي لا تحجب بغربال الكذب والنفاق الا انه الة الكذب في مصانع تفريخ الاحاديث تجرأت وحاولت ان تحجبه , فلعن ابو تراب على منابر المسلمين بعد كل صلاة وعلى مدى ستين عاما. فالآلة التي تتجرأ وتكذب على اسد الله الغالب علي بن ابي طالب عليه السلام , تكون اجرأ على الكذب على المختار.


الرد على بعض الاكاذيب

يقول الاسفرائيني ان السبئية الرافضة خدعوا المختار وقالوا له "انت حجة هذا الزمان ،وحملوه على دعوة النبوة , فادّعاها عند خواصه , وزعم ان الوحي ينزل عليه وسجع بعد ذلك"(21). ويضيف " ان اهل الكوفة خرجوا على المختار لما تكهن , واجتمعت السبئية مع عبيد اهل الكوفة" (22). اما المسعودي صاحب مروج الذهب فلم يذكر السبيئية لدى حديثه عن المختار بل يذكر الخشبية وينعتهم بانهم اصحاب المختار وسماهم بذلك مصعب بن الزبير (23).


اما ابن اثير فيقول :"الذي سماهم بالخشبية هو عبدالله بن الزبير لانهم كانوا يحملون السيوف الخشبية عند الدخول الى مكة في شهر الحرام" وقال ابن اثير ايضا:" ان تسمية الخشبية جاءت بعد ان اخذ اصحاب المختار الخشب الذي اراد به ابن الزبير حرق بني هاشم بها بعد ان عزم على احراقهم بالنار".(24)


اذن جاء اسم الخشبية وفقا لنظام الغلبة , فهي تسمية فرضها الغالب القوي على المغلوب المنهزم .(25)


اما عند الدينوري الذي أرّخ للمختار كثيرا وبالتفصيل فلاتجد عنده اثرا للسبئية، ووافق الاسفرائيني في خروج اهل الكوفة على المختار ولكن خالفه بالعلة التي أدت الى ذلك، وقال:" ان المختار قرب العجم والموالى وفرض لاولادهم الاعطيات وقرب مجالسهم، الامر الذي اثار حفيظة بهض القبائل العربية التي خرجت عليه (26) وهو ماقاله ايضا ابن اعثم في الفتوح(27).


ولا اثر في هذه التواريخ للكرسي او السبئية , الذين لم يكونوا سوى موالي الكوفة.


لو كان المختار كما تقول هذه الاكاذيب لما وبّخ عبدالله بن عمر مصعب لاسرافه في قتل اصحاب المختار ولم يصفهم بهذه الصفات بل على العكس وصفهم بالتوحيد(28).


اما حول ما قيل ان المختار تكهن وسجع كاسجاع الكهنة فهي كذبة اخرى لا تقوى امام النقد، فكل كتب التاريخ تنقل ان السجع كان طريقة المختار في الخطابة وليس له اي صلة بدعوى النبوة , فعندما قتل قتلة الحسين الشهيد في الكوفة قال في خطبته:" الحمد لله الذي وعد وليه النصر , وعدوه الخسر , وجعلهما الى اخر الدهر قضاء مقضيا , ووعدا مأتيا , ايها الناس قد سمعنا دعوة الداعي , وقبلنا قول الواعي , فكم من باغ وباغية , وقتلى في الواعية , فهلموا عباد الله الى بيعة الهدى , ومجاهدة العدى , فاني انا المسلط على المحلين , والطالب بثأر ابن بنت خاتم النبين"(29).


اما ان الشيعة تكره المختار فهذه الكذبة تتناقض مع كل ما اوردناه لحد الان من مواقف كبار الشيعة من المختار وثورته.


يبقى موقف الامام زين العابدين(ع) وابن الحنفية من المختار فصحيح انهما رفضا تبني المختار واوكلاه الى نفسه , فأن لهما ولغيرهما من سادة بني هاشم مواقف ايجابية منه : فمنذ البداية استبشروا بالثأر الذي وعد به (30). كما ان موقف الامام السجاد وابن حنفية من المختار طبيعي جدا , فالمختار بهذ الصنع سوف يجرهما الى حرب فاصلة لم يكونا هما اللذين خططا لها واعدا لها (31).


اما ما قيل عن ان الشيعة تكره المختار لانه اراد تسليم الامام الحسن(ع) الى معاوية فتكذبه كل الوقائع الماضية جملة وتفصيلا , من اختيار مسلم بن عقيل مقر اقامته في الكوفة في منزل المختار وحتى ترحم عليه حبر الامة ابن عباس عليه واصفا اياه بافضل العبارات , عندما قال "رحم الله المختار كان رجلا محبا لنا , عارفا بحقنا ,وانما خرج بسيفه طالبا دمائنا"(32). رغم ان كل ما قيل عن موقف المختار من الامام الحسن (ع) لن يصمد امام النقد , الا أن هذا لا يعني ان مواقف بعض زعماء الشيعة من صلح الامام الحسن(ع) مع معاوية لم يخالطها بعض العتب الذي لايصدر الا من المحب في الغالب.(33)


المسلسلات التاريخية الايرانية تبقى هي الاقرب الى الحقيقة التاريخية من غيرها


اخيرا ونظر لما تقدم من البحث تبقى الرواية التي تعكسها المسلسلات التاريخية الايرانية عن الاحداث والشخصيات التاريخية هي الاكثر التصاقا بحقيقة هذه الاحداث وهذه الشخصيات , وان مسلسل المختار ليس استثناء , لان الدراما الايرانية , وبعيدا عن الابتذال وتوجيه الاتهامات والاساءات , تقف على الحقائق التاريخية كما نقلتها كتب التاريخ والسير , بعيدا عن مبدأ تقديس الاف الشخصيات و وضع خطوط حمر حولها جميعا دون استثناء , لا لكرامة فيها , بل لمجرد انها عاشت في عصر النبي (ص) , حتى لو اتى بعضها بكل الموبقات من قتل للنفس المحترمة وسفك للدماء وانتهاك للحرمات وهدم للكعبة واباحة لمدينة الرسول (ص)، فمثل هذه الرؤية التي تشرعن الظلم والباطل لا وجود لها في مدرسة اهل البيت (ع) فحسب بل في جميع المدارس الاسلامية الا من شذ منها.


ان مثل هذه الرؤية للتاريخ الاسلامي تهدف الى سحب البساط من تحت اقدام البحث العلمي والمنهج النقدي للتاريخ , والابقاء على الرؤية المشوهة لهذا التاريخ وجعلها غلّا يعيق الشعوب الاسلامية نحو تحقيق اهداف الرسالة المحمدية الاصيلة المتمثلة بمقارعة الظالمين واقامة العدل على الارض وبناء مجتمع انساني تتحقق فيه الكرامة للانسان , خليفة الله على الارض.


********

المصادر

1- الاحكام السلطانية :الماوردي ص 20 و 22 و 23 1-

2-البخاري/ التاريخ الكبير 8:415/35367,سنن الترمذي ح3775, سنن ابن ماجه 1ج/ 144, مسند احمد 4: 172, مصابيح السنة4ج/ ح4833

3-ابو الفرج ابن الجوزي / الرد على المتعصب العنيد :48- 47 , وانظر : المنتظم في تاريخ الملوك والامم ج5 :343

4-ابن الجوزي / المنتظم ج6:7

5-الذهبي / تاريخ الاسلام ج5:27, السيوطي / تاريخ الخلفاء :1955

6-صائب عبد الحميد/ تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي :ص 676( المنتظم ج6 :12-16, الرد على المتعصب العنيد:55 تاريخ الطبري ج 5 : ص 480 - 285, 485- 487, 491 , 493- 495, تاريخ الاسلام ج 5 : ص 23 -28, البداية والنهاية ج 8 : 340 - 242).

7-انساب الاشراف / 3 :200, تاريخ اليعقوبي ج2:261, ابن ابي الحديد /20:127, اخبار الدولة العباسية: 116(اخبار الدولة العباسية تحقيق د. عبد العزيز الدوري والدكتور عبد الجبار المطلبي - دار الطليعة للطباعة والنشر - مكابع صادر - بيروت 1971م.)

8-الكامل في التاريخ ج4:ص250-253, تاريخ ابن خلدون ج3:ص36, تاريخ اليعقوبي ج2:ص261.

9-سيرة اعلام النبلاء ج 3 : ص 541

10-ابن عبد البر/ الاستيعاب ج2: 302

11-تاريخ الاسلام ج 5 : ص 444. تاريخ الخلفاء : 199, تاريخ اليعقوبي ج 2 : 267- 268, ابن ابي الحديد ج20 : 123.

12-تاريخ اليعقوبي ج 3 :ص 12 , وتاريخ المسعودي

13-تاريخ اليعقوبي ج2 : ص 259

14-تاريخ اليعقوبي رج 2 : ص 258

15-تاريخ الاسلام ج 5 : ص 51

16-ابن اعثم / الفتوح ج 6 : ص 200

17-تاريخ الطبري ج 5 : ص 355و 362

18-تاريخ الاسلام ج5 : ص 61

19-تاريخ الطبري / ج 4 : ص 533

20-هاشم معروف الحسيني



موقع اي فيلم// بقلم ماجد حاتم