المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تلوح في الأفق القريب جمهورية المستضعفين الإسلامية العراقية؟



د. حامد العطية
02-19-2011, 01:04 AM
هل تلوح في الأفق القريب جمهورية المستضعفين الإسلامية العراقية؟
د. حامد العطية

تتحكم في العراق اليوم قوى وعوامل متعددة، خارجية وداخلية، سياسية وغير سياسية، اقتصادية واجتماعية، دينية وطائفية، إثنية وقبلية، مما اضفى على النظام السياسي العراقي تعقيدأ وتشابكاً، منقطع النظير، وجعلته يعيش حالة تأزم مستمرة، شلت حركته، فانخفضت فاعليته إلى ما دون الحد المقبول بفراسخ، فأصبح العراق آخر الدول على قوائم الإيجابيات، ومن الأوائل في عداد السلبيات والنواقص، وقد دفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً لفشل النظام السياسي من الدماء والتشرد والقلق والاحباط، مما يعزز احتمالات حدوث التغيير السياسي في المستقبل غير البعيد، فهل من المرجح استبدال النظام الحالي بجمهورية مستضعفين ذات صبغة إسلامية ؟
ينبغي بدءاً عدم الخلط بين مشاركة أحزاب ذات شعارات دينية في الحكم، كما هو الحال في النظام العراقي الراهن وبين النظام الإسلامي، ولعل الحكومة التركية خير مثال موضح لذلك، فهي لا توصف بإسلامية ولا تدعي ذلك، بل تصر على كونها علمانية أتاتوركية، على الرغم من أن الحزب الحاكم فيها منذ سنين هو حزب إسلامي، ورئيس وزراءها أردوكان ذو ميول إسلامية واضحة، كما يجب استبعاد النظام الملكي السعودي، الذي يكتفي بتطبيق بعض احكام الشريعة الإسلامية، ولم نسمع بعاقل يدعو لاستنساخ التجربة السعودية باعتبارها نموذجاً للنظام الإسلامي.
لو استفتينا مواقف القوى والحركات الناشطة في المشهد العراقي من نشوء نظام إسلامي في العراق لوجدناها منقسمة، بين اقلية معارضة ورافضة، وغالبية عظمى مؤيدة ومتحمسة، ومن ابرز الرافضين الأطراف التالية:

أولاً: الاحتلال الأمريكي الذي ضحى بالألاف من جنوده والمليارات من أموال خزينته لتأسيس موطء قدم دائم له في العراق، وهو أول وأشد أعداء الاسلام السياسي، ويشكل نشوء نظام إسلامي في العراق هزيمة كبرى لأمريكا وسياساتها وحلفائها في المنطقة، وسيكون له نتائج وخيمة على النظام السياسي الأمريكي نفسه.
ثانياً: بعض الحركات والجماعات ذات الشعارات الاسلامية المشاركة في الحكومة العراقية، والتي قبلت بالاحتلال الأمريكي والمحاصصة الطائفية والاثنية، ويحرص قادتها على الاستئثار بالسلطة، وتوزير وتوظيف الأعوان والمحاسيب.
ثالثاً: الأكراد القوميون الذين يرون في النظام الإسلامي تهديداً خطيراً لإقليمهم شبه المستقبل، ونهاية مبكرة لأحلامهم بالانفصال.
رابعاً: العلمانيون المعارضون للنظام الإسلامي على أساس فكري وسلوكي، وهم يشكلون أقلية صغيرة كما ثبت من نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، ولم تنجح حملتهم الداعية لفصل السياسة عن الدين باجتذاب سوى بضعة ألاف هزيلة من التواقيع.
خامساً: الطائفيون المتعصبون الذين يرفضون نظاماً إسلامياً خشية من استنساخه للنموذج الإيراني والتحالف معه وهيمنة الشيعة عليه.

من ناحية أخرى هنالك قوى مؤيدة ومساندة لتكوين نظام إسلامي، يكونه ويديره المستضعفون في العراق، ومن أهمها:

أولاً: بعض الأحزاب والتيارات الدينية التي لا تخفي تطلعها لنشوء نظام إسلامي تحقيقاً لمطالب المستضعفين في العراق، واستكمالاً لما بدأته من خطوات بإتجاه ذلك.
ثانياً: بعض المراجع الدينية التي ستدعم وتساند نشوء نظام إسلامي يطبق الشريعة الإسلامية، حتى لو لم تتفق بينها حول تفاصيل هوية هذا النظام.
ثالثاً: ملايين المتدينين الذين يعبرون في كل مناسبة دينية عن شدة تدينهم وتمسكهم بهويتهم الدينية واصرارهم على ممارسة شعائرها رغماً من الهجمات الإرهابية.
رابعاً: العراقيون من مختلف الأديان والطوائف والانتماءات السياسية الذين يشعرون باستياء شديد من النظام السياسي الحالي، وفشله في تحقيق مطالبهم الأساسية في استتباب الأمن وانهاء الاحتلال واعادة البناء وتوفير الخدمات ومعالجة البطالة والفقر وايجاد الحلول لمشاكل العراق الاخرى.

إن التنافس بين هذه القوى قائم بالفعل، بصورة علنية أحياناً، ومستترة غالباً، ويراهن كل من الطرفين على حيازة الغلبة، في المدى القريب أو البعيد، ويقدم الادلة والتحليلات المساندة لموقفه واستنتاجاته، وفي ظل غياب البديل الثالث فلا بد من تصاعد وتيرة وحدة التنافس بينهما، والوصول إلى مرحلة الحسم، فأي الطرفين أكثر حظاً بالنجاح؟
إن أهم العوامل المساعدة على قيام نظام إسلامي في العراق هو فشل النظام الطائفي التحاصصي، الذي صنعته أمريكا وفرضته على العراقيين، وهو نظام مهزوم من الداخل، وغافل عن قصوره، وعاجز عن اصلاح عيوبه، ولقد نفذ صبر العراقيين على هذا النظام، الذي انتهت صلاحيته، وبات ينتظر حكم الجماهير بانهاءه، ومن المؤكد بأن الجماهير العراقية المؤمنة التي لدغت من النظام الديمقراطي الليبرالي المزيف والمستورد، والمفروض عليها بالاحتلال، ولن تقبل ببديل من جنسه، فلقد ولت ايام النظم الليبرالي المصطنعة من قبل أمريكا، والتي لا تنتج سوى الفرقة والفساد والخراب، ليس في العراق فقط بل في كل بلدان العرب والمسلمين، وسيختار العراقيون النموذج الإسلامي، الذي يضمن استقلال بلدهم وتحرره من الهيمنة الأمريكية ويعيد هيبته في المنطقة، ويوقف الإرهاب المصدر له من الخارج، ويضع حداً لاستهتار واستخفاف الأعداء بمقدراته واهانتهم لكرامته.
ولكن ليس بالأمنيات وحدها تتحق الأهداف والطموحات، ولا أنتظر قيام قوة عراقية منظمة مثل الجيش أو القوى الأمنية بتنفيذ ذلك، كما أرفض تماماً فرض ذلك من قبل قوة خارجية، كما رفضت الاحتلال الأمريكي، فلا بد أن يأتي التغيير من الداخل، والتغيير الجماهيري هو المرجح في العراق اليوم، لذا أراهن على الشارع العراقي، الذي سيتحرك قريباً، ويفصح للجميع عن مطلبه بتغيير النظام الحالي، واستبداله بنظام إسلامي عراقي اصيل، وسيعلم رسول الله واهل بيت الرسول من هم أنصارهم إلى الله، وسيثبت العراقيون بأنهم انصار الله، والموفون بالعهد الذي عاهدوا الله ورسوله واهل بيته، وإن غداً لناظره قريب.
17 شباط 2011م