المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهلا رمضان و هل حملت معك عزائم أدب الاختلاف؟ مقالة للبرفيسور حسن مكي



الدكتور عادل رضا
10-19-2004, 12:24 AM
أهلاً رمضان - وهلاّ حملت معك عزائم أدب الاختلاف..؟

لمحت ابنى الصغير، يعد فى جريدته الخاصة التي يريد نشرها وسط دفعته (الفرقة السابعة)، فقلت له لماذا لا تجعل الكلمة الافتتاحية عن رمضان؟ فقال: ولكن ماذا أقول- قلت، عرف الصوم كامتناع عن مطالب الجسم المحددة ما بين الفجر والغروب واربط ذلك بمطلوبات صوم الروح والعقل واللسان- وقد فرح بالفكرة ولكن لم الاحقه متابعاً تعبيره عنها، ولكن ضغطت على الفكرة، خصوصاً أن نصف العالم الإسلامى، أى أكثر من حوالى ثمانمائة مليون من البشر، يتحدون لمقابلة أشواق الروح والعقل،يصومون تأكيداً لوحدة الخالق التى تتجلى فى اتحادهم وتصميمهم على اجتياز امتحان الصيام، بينما تهجر بضعة ملايين منهم المكان، فى السياحة الدينية للحرمين الشريفين وغيرهما من لطائف الأمكنة التى تستوفى فيها استحقاقات الصيام.

يطل رمضان شهر الرحمة والغفران، كشأنه فى كل عام، رامزاً لتجلى الربّ عز وجل على عباده بتكاليفه، ويتخذ الكثيرون من إطلالة رمضان فرصة لجرد المحصول والأداء، فيهرع التجار لمعرفة ما لهم وعليهم ثم يستخرجون زكاة أموالهم، كما أن رمضان فرصة لمرجعيات روحية وعقلية ونفسية كبيرة، ومحاولة لرسم خارطة طريق جديدة أو تعديل المسار أو حتى التوقف المؤقت عن متابعة الشهوات، التى لا تتناسب مع عظمة الشهر، وقداسة الشهر المستمدة من التوجيه الربانى، والتى أصبحت كذلك ثقافة عامة سائدة بأن الزمن هو الزمن ولكنه فى رمضان يتغير طابعه وروتينه، كما أن رمضان يمثل اتحاداً روحياً عميقاً عابراً للحواجز السياسية والجغرافية وأن لهذا الاتحاد الروحى مطلوباته وأهدافه ووسائله.

وكل يحتفل في رمضان بطريقته وفى الأمر سعة، ونسأل الله ان تتنزل الرحمة فينا، معشر الاسلاميين، نزوحاً إلى المثل الأعلى، الذى ظللنا ندعو له - ولعل المثل الأعلى المطلوب هو تنزيل عزائم (أدب الإختلاف) عسانا أن نجد فيه ما نتطلع إليه من اتحاد وتوحيد للصف ونبذ للعنف وخروج على مطلوبات بناء السياسة على التراضى، فليس أهل المؤتمر الوطنى ملائكة ولا خصومهم من الشعبيين أو غيرهم من طوائف الملة شياطين. وإن كان هناك ثمة عزاء، فى التاريخ الاسلامى، فلعه قول ابن حزم (ما من سيف سل فى الإسلام على قاعدة دينية، كما سل فى مسألة الإمامة)، لقد قتلت فى كل الفتوحات الإسلامية التي انتهت بالإسلام إلى الصين بضعة آلاف، ولكن مات فى الحروب الداخلية باسم الإسلام الملايين، وكانت عاقبتها اضعاف شوكة المسلمين وتوهين عزائمهم، وفى ظروف الصراع، يستخدم الخصوم كل الأسلحة المتاحة: الإعلام، نشر الغسيل، السب، تلفيق التهم، العمالة، الكذب، الوشاية.. الخ كأنهم لم يأكلوا مع بعض ولم تجمعهم المجالس ولله فى خلقه شئون، ومما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم «أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما».

لماذا تخوّن أو تقلل من شأن من اختلف معك سياسياً وحتى الرئيس نميرى الذى حملنا عليه السلاح، وليس كالسلاح، الذى لم يستعمل بعد، وإنما استخدمناه فى يوليو 76 لجأ لمصالحتنا ونسى الخصومة وأصبح كثير من خصومه وزراء وقادة كبار فى نظامه، إن الصدع الحادث في منظومة الإسلاميين يلقى بظلاله على المنظومة الوطنية وعلى العلاقات الدولية وعلى الانسجام الاجتماعى وعلى أداء الدولة وعلى الخطة السياسية للسلام والمصالحة الشاملة وعلى دارفور وعلى متعلقات الأمن الاجتماعي والسياسى.

ومن المعلوم، أن تنزيل عزائم أدب الاختلاف لن يحيل السودان إلى جنة بين ليلة وضحاها، فما لم تحدثه الحركة الإسلامية لحظة قوتها، فلن تعيده وهي فى ساعات ضعفها مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية. ولكن العافية درجات، وعسى أن يصبح تنزيل أدب الاختلاف نموذجاً لمقابلة مطلوبات لم الصف الوطنى والصف الافريقي ولم لا؟ وإن كنا عاطلين فى المقدرة على الإبداع التقني والعلمى، فعلى الأقل أن نقدم نموذجاً فى الإبداع القائم على التضحية بالوظيفة والجاه وببعض العرض الزائل من متاع الحياة الدنيا- وعلى الأخص فى رمضان شهر التوبة والغفران والمراجعات والله يهدى إلى سواء السبيل..

البشائر الرمضانية بابعادها المحمدية... (صلى الله عليه وسلم)

له علينا حق الاسوة والمحبة

يطيب فى رمضان، العيش مع المصطفى عليه افضل الصلوات وأتم التسليم، ومن حسن الطالع، أن سيرة المصطفى موثقة، بعضها فى القرآن الكريم، وبعضها فى السنة المحمدية وبعضها فى كتب السيرة والمطلوب القراءة الواعية المحيطة، وإلى حين من الدهر، كان العقل السودانى، يستلهم تعرفه على شخصية المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من الموالد التى تتلى فى المناسبات، كالمولد البرزنجى ومولد الختم ومولد الهندى، الخ- وكذلك من المدائح وغيرها والتى ركزت على أبعاد نورانية وذاتية ورقائق عرفانية تحرك الوجدان ولكنها تغيب مع انتهاء الحفل أو المناسبة،وبذلك لا تتحول الابعاد المحمدية إلى خطة عمل في رأس المحمول اليه وتصبح في الغالب عاطفة وجدانية تستمطر الدموع ثم تأفل مع ضغوط الحياة الدنيا، ولكن مع ذلك فلهذه اللحظات وقعها. وهى لحظات مطلوبة فى التفاعل الفنى والوجدانى وياليتها تستكمل بالدراسات العلمية والموضوعية والحركية، حتى تصبح شخصية المصطفى خارطة طريق على مستوى الافراد والجماعات والدول.

الخطاب القرآنى يركز على الوظيفة:

ومن اللافت للنظر، أن الخطاب القرآنى ، يستعيض عن الذكر المباشر لاسم النبى بوظيفته كرسول وكنبى، حيث خاطبه بهاتين الصفتين أكثر من مائة مرة، بينما لم يخاطبه باسمه المجرد سوى خمس مرات، في مقابل خمسة وعشرين خطاباً مباشراً لابى الأنبياء ابراهيم، بينما تكرر ذكر سيدنا موسى 136 مرة، كما تكرر ذكر عيسى ووالدته مريم كثيراً.

وهى اشارات لوحدة الناموس والطريق ووحدة النبوة فى اطار الرسالة الخاتمة، وهذه الاشارات وايحاءاتها تنفع كدستور للعيش المشترك وقبول الآخر ومعرفة أنبياء الله السابقين، وكثيراً خاطب القرآن الكريم المسيحيين واليهود كأهل كتاب وهذا من جنس الخطاب الطيب الذى يؤهل الآخر للحوار والتعايش.

* بين نبـــوة عيــــسى ونبــوة النــبى الخــاتم:

وفى معرض الخطاب المباشر للرسول الكريم، يرد ذكر عيسى كذلك (ومبشراً برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد)- سورة الصف آية رقم 6، وفى ذات السياق ترد آية فى سورة آل عمران 144 (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفاين مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا). وقد تلى ابوبكر الصديق هذه الآية، فى وجه سيدنا عمر، حينما رفض الأخير، التصديق بأن الرسول الكريم قد مات، وما فتئ عمر يرددها، كأنما انزلت أو سمعها لأول مرة، ليعاجله الصديق بجملة مفيدة اخرى (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حى لا يموت) وادى خطاب الصديق بقوته وموضوعيته لقتل فتنة كانت ستطير فيها رؤوس، وما اكثر الفتن التى تطير فيها الرؤوس للعجز عن قول الجمل المفيدة فى اللحظات المفصلية، حيث يتحول البعض لمجرد ببغاوات تردد عبارات القوى ولو كانت باطلة ومتهافتة.

* هدية السماء لاهل الأرض:

والنبى الكريم هدية السماء لكل الناس وفى كل زمان ومكان لا تحتكره فئة ولا تنطق باسمه جماعة، فهو المشترك بين عنصر بنى الانسان كما ورد فى سورة الاحزاب آية 40 (ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما) لقد ولد يتيما ومات من جاء من صلبه فى حلمه- وهو ابراهيم الذى رزق به من مارية القبطية واسماه ابراهيم تيمنا بزواج ابراهيم من هاجر النيلية «الأمة المصرية»، وانظر الى نسبة مارية الى هاجر والرسول الكريم إلى ابيه ابراهيم، ولكن مع ذلك ما كان محمد ابا احدٍ من رجالكم، لأن الآصرة آصرة عقيدة وتقوى، ومع ان الدوحة النبوية لم تثمر إلا من خلال فاطمة إلا ان سلالة فاطمة عمل فيها سيف القتل والقمع فيما عرف بمقاتل الطالبين الذى كتبه الاصفهانى وهو اسم حمال أوجه، فهو يعنى من ناحية المتحدرين من صلب علي بن أبى طالب، ومن ناحية الآخرين الذين خطبوا الامامة ونازعوا فيها...

فاستشهدوا وقتل منهم زهاء الثلاثمائة طالب، ومع ذلك ما كان محمد ابا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وذكر اسم محمد (صلى الله عليه وسلم) كذلك مباشرة فى سورة الاحزاب آية 40 وسميت السورة نفسها باسمه (محمد) حيث جاء (وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم) وكذلك جاء الخطاب مباشرة باسمه فى سورة الفتح (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) ويستحق الخطاب المباشر باسم محمد (صلى الله عليه وسلم) وقفة لابراز معانيه واستحقاقاته الفكرية والفقهية.

* ولكن ماذا يمثل محمد (صلى الله عليه وسلم) فى عقل المسلم؟

وهذا موضوع كبير قد لا يجد هنا ما يستحقه ولكن يكفى ان الرسول الكريم يمثل معنى الحياة ومعنى الزمن لأنه يمثل الصلة بالله، حتى تنتفى العبثية فى الصنعة الانسانية، وصناعة السموات والأرض وبذلك يصير الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الطريق الى الله ومع الله وبه تتم المعرفة الاكمل لله، وبه يستكمل العقل فكرة الخلق والخليقة وفكرة الماضي والحاضر والمستقبل.

وبذلك يمثل المهتدى بهدى محمد والسالك لنهجه نموذج الحياة الانسانية المبصرة الناجحة، ومن هنا يجيئ التقليب فى صفحات كتاب النبى الخاتم، ممثلا فى محمد (صلى الله عليه وسلم) الزوج ومحمد الاب ومحمد (صلى الله عليه وسلم) رب العائلة والعشيرة والقبيلة ومحمد قائد الامة ومحمد رمز المؤسسية والشورى والعلانية والشفافية والمحاسبة.

ومحمد (صلى الله عليه وسلم) القائل لا فضل لعربى على عجمى انما يؤسس لوحدة الانسانية وحقوق الانسان وياليت المهتمين بالمسألة المحمدية وهى مسألة كبرى ان يوظفوا طاقاتهم فى ابراز عناوين لشخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من خلال محمد والحياة، ومحمد صلى الله عليه وسلم والموت ومحمد صلى الله عليه وسلم والنساء ومحمد صلى الله عليه وسلم والشباب ومحمد صلى الله عليه وسلم والتنسك والعبادة ومحمد صلى الله عليه وسلم والجهاد.

ورحمه الله، ويكفى أنّ المدخل لعقله وقلبه الايمان والحياء وورد فى الأثر (ان لم تستح فافعل ما تشاء)، والحياء ليس صناعة أو تكليفاً وإنما هو طبيعة فيه (أدبنى ربى فأحسن تأديبى)

وصلى الله على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام