جمال
01-28-2011, 02:24 PM
قبل أن نساعد الناس، ينبغي أن نفكر إن كانوا يستحقون المساعدة
السلوك الغيري للناس يأخذ أحيانا شكل الاقتداء بالآخر، وقد يتوقف على طبيعة الشخص الذي يحتاج للمساعدة.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: د.تيسير حسّون
في عصر الهم الذاتي كثيراً ما نتساءل ما الذي يدفع البشر لمساعدة بشر آخرين دون مقابل؟ ما السر وراء السلوك الغيري؟
لفتت انتباهي قصة تلتقط العناصر الجوهرية للوجود البشري –"مساعدة الآخرين والشوكولاته الأنيقة".
يعيش شعب الكويشوا في الغابات المطيرة في الإكوادور، وهم يزرعون الكاكاو (الحبوب التي تصنع منها الشوكولاته) لعدة سنوات، كافح هؤلاء وهم يبيعون هذه الحبوب بسعر 20 سنتا للباوند لسمسار يبيعها هو الآخر إلى مصنع شوكولاته كبير.
وأراد شعب الكويشوا الحصول على المزيد من النقود من الكاكاو، لكنهم لم يعرفوا كيف.
في هذه الأثناء قدمت جودي لوجباك، وهي امرأة أميركية من كنساس وكانت متطوعة في منظمة تشجع على التنوع الحيوي. أول شيء قامت به هو مساعدة هؤلاء السكان على إيصال الحبوب إلى السوق بأنفسهم، حيث حصلوا على 48 سنتاً للباوند. كان ذلك جيدا، ولكن بعد بضعة سنوات أراد شعب الكويشوا أفضل من ذلك "أرادوا أن يصنعوا شوكولاته خاصة بهم و يبيعوها".
استأجرت السيدة لوجباك خبيراً ليعلم مزارعي الكاكاو كيفية تخمير حبوبهم، ووجدت في أميركا صانع شوكولاته لخلق وصفة من أجلهم. ثم وجدت من يقرضهم النقود ويأتي بصانع شوكولاته سويسري ليعلمهم صنع شوكولاته أنيقة.
و نتيجة لهذه المساعدة، أقام الكويشوا تعاونية شوكولاته تضم 850 أسرة. هذه التعاونية تشتري حبوب الكاكاو من الأسر بنحو دولارين للباوند (لاحظوا الفرق).
وهم الآن يصنعون الشوكولاته بمصنعهم و تباع تحت اسم "كالاري" وهي على ما يقال طيبة المذاق، ناعمة، وطبعاً غير مغشوشة.
في هذه القصة، غيّر الجهد الكبير لمتطوعة واحدة وبشكل دراماتيكي حيوات آلاف الناس الذين يكنون لها الحب والاحترام الكبيرين لما فعلته من أجلهم.
ربما يمثل ما قامت به السيدة لوجباك مثالاً عن الغيرية (مساعدة الآخرين دون أن تتوقع تلقي مكافآت لها).
لكن، لماذا تتصرف السيدة لوجباك، أو أي شخص آخر على نحو غيري؟ يمكننا أن نعزو السلوك الغيري لشخصية الناس. فنقول مثلاً إنها من الأشخاص المحبين والمهتمين والذين يعطون للآخرين. قد يكون ذلك صحيحاً تماماً، لكن السوسيولوجيين الذين يدرسون الغيرية وجدوا مجموعة مختلفة من العوامل الاجتماعية التي تؤثر على ما إذا كنا سنقدم المساعدة للآخرين أم لا.
فقد وجدوا مثلاً بأنه كلما زاد عدد الناس الذين يمكن أن يقدموا المساعدة في موقف معين، كلما قل احتمال أن يقدم أي شخص هذه المساعدة. أي، إذا كنت تراقب شخصا يحتاج للمساعدة، فالاحتمال أقل في أن تفعل شيئاً إذا كان هناك أشخاصا آخرين يراقبونه أيضاً. وهذا ما يدعى في علم الاجتماع ﺑ"تأثير المتفرج"، و يفسر على أنه نتيجة "لانتشار المسؤولية".
إذا ما رأينا آخرين متاحين معنا، فقد نظن أنهم سيساعدون، أو أنهم قادرون على المساعدة أفضل منا، وبالتالي لا نقوم نحن بأي شيء. والنتيجة النهائية قد تكون وجود مجموعة من الناس الطيبين واقفين لا يفعلون شيئا من أجل المساعدة. ومن هنا ربما لم تكن السيدة لوجباك لتساعد الكويشوا لو كان هناك عمال مساعدة يعملون معهم.
ثمة عامل آخر، وهو كيف نفسر حاجة الناس للمساعدة؟ إذ ليس كافياً لنا أن نرى أناساً محتاجين للمساعدة، ينبغي أن نفكر في أنهم يستحقون المساعدة.
لقد وجدت دراسات سوسيولوجية مختلفة بأنه من غير المرجح أن نساعد شخصاً، إذا اعتقدنا أنه لا يستحق المساعدة، أو إذا كانت المشكلة من صنع يديه. وعليه، ربما كانت السيدة لوجباك أقل ميلا للمساعدة، لو كان رأيها بأن الكويشوا مسؤولون على نحو ما عن فقرهم.
أخيراً، يرجح أن يتصرف الناس بشكل غيري إذا شاهدوا الآخرين يتصرفون بشكل غيري. وهذا ما يدعى تأثير الاقتداء، الذي يقترح بأننا نتعلم من الآخرين، أو على الأقل نتلقى الإلهام منهم.
ووجدت الدراسات أننا إذا شاهدنا شخصاً يعطي محتاجاً، فإنه من المرجح أن نقوم بالشيء ذاته. ربما شاهدت السيدة لوجباك أشخاصا آخرين يقومون بأعمال خيرة لصالح السكان الأصليين، فقادها ذلك إلى القيام بذلك بنفسها.
مساعدة الآخرين مسألة تخص الروح والقلب، لكنها تتأثر أيضاً بمجموعة من العوامل الاجتماعية. والشروط الاجتماعية لأي ظرف معطى قد تقرر ما إذا كنا نفعل ما هو صواب ونعيش الحياة مع شوكولاته لذيذة.
الدكتور تيسير حسون ـ طبيب وكاتب في الشؤون النفسية (سوريا)
السلوك الغيري للناس يأخذ أحيانا شكل الاقتداء بالآخر، وقد يتوقف على طبيعة الشخص الذي يحتاج للمساعدة.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: د.تيسير حسّون
في عصر الهم الذاتي كثيراً ما نتساءل ما الذي يدفع البشر لمساعدة بشر آخرين دون مقابل؟ ما السر وراء السلوك الغيري؟
لفتت انتباهي قصة تلتقط العناصر الجوهرية للوجود البشري –"مساعدة الآخرين والشوكولاته الأنيقة".
يعيش شعب الكويشوا في الغابات المطيرة في الإكوادور، وهم يزرعون الكاكاو (الحبوب التي تصنع منها الشوكولاته) لعدة سنوات، كافح هؤلاء وهم يبيعون هذه الحبوب بسعر 20 سنتا للباوند لسمسار يبيعها هو الآخر إلى مصنع شوكولاته كبير.
وأراد شعب الكويشوا الحصول على المزيد من النقود من الكاكاو، لكنهم لم يعرفوا كيف.
في هذه الأثناء قدمت جودي لوجباك، وهي امرأة أميركية من كنساس وكانت متطوعة في منظمة تشجع على التنوع الحيوي. أول شيء قامت به هو مساعدة هؤلاء السكان على إيصال الحبوب إلى السوق بأنفسهم، حيث حصلوا على 48 سنتاً للباوند. كان ذلك جيدا، ولكن بعد بضعة سنوات أراد شعب الكويشوا أفضل من ذلك "أرادوا أن يصنعوا شوكولاته خاصة بهم و يبيعوها".
استأجرت السيدة لوجباك خبيراً ليعلم مزارعي الكاكاو كيفية تخمير حبوبهم، ووجدت في أميركا صانع شوكولاته لخلق وصفة من أجلهم. ثم وجدت من يقرضهم النقود ويأتي بصانع شوكولاته سويسري ليعلمهم صنع شوكولاته أنيقة.
و نتيجة لهذه المساعدة، أقام الكويشوا تعاونية شوكولاته تضم 850 أسرة. هذه التعاونية تشتري حبوب الكاكاو من الأسر بنحو دولارين للباوند (لاحظوا الفرق).
وهم الآن يصنعون الشوكولاته بمصنعهم و تباع تحت اسم "كالاري" وهي على ما يقال طيبة المذاق، ناعمة، وطبعاً غير مغشوشة.
في هذه القصة، غيّر الجهد الكبير لمتطوعة واحدة وبشكل دراماتيكي حيوات آلاف الناس الذين يكنون لها الحب والاحترام الكبيرين لما فعلته من أجلهم.
ربما يمثل ما قامت به السيدة لوجباك مثالاً عن الغيرية (مساعدة الآخرين دون أن تتوقع تلقي مكافآت لها).
لكن، لماذا تتصرف السيدة لوجباك، أو أي شخص آخر على نحو غيري؟ يمكننا أن نعزو السلوك الغيري لشخصية الناس. فنقول مثلاً إنها من الأشخاص المحبين والمهتمين والذين يعطون للآخرين. قد يكون ذلك صحيحاً تماماً، لكن السوسيولوجيين الذين يدرسون الغيرية وجدوا مجموعة مختلفة من العوامل الاجتماعية التي تؤثر على ما إذا كنا سنقدم المساعدة للآخرين أم لا.
فقد وجدوا مثلاً بأنه كلما زاد عدد الناس الذين يمكن أن يقدموا المساعدة في موقف معين، كلما قل احتمال أن يقدم أي شخص هذه المساعدة. أي، إذا كنت تراقب شخصا يحتاج للمساعدة، فالاحتمال أقل في أن تفعل شيئاً إذا كان هناك أشخاصا آخرين يراقبونه أيضاً. وهذا ما يدعى في علم الاجتماع ﺑ"تأثير المتفرج"، و يفسر على أنه نتيجة "لانتشار المسؤولية".
إذا ما رأينا آخرين متاحين معنا، فقد نظن أنهم سيساعدون، أو أنهم قادرون على المساعدة أفضل منا، وبالتالي لا نقوم نحن بأي شيء. والنتيجة النهائية قد تكون وجود مجموعة من الناس الطيبين واقفين لا يفعلون شيئا من أجل المساعدة. ومن هنا ربما لم تكن السيدة لوجباك لتساعد الكويشوا لو كان هناك عمال مساعدة يعملون معهم.
ثمة عامل آخر، وهو كيف نفسر حاجة الناس للمساعدة؟ إذ ليس كافياً لنا أن نرى أناساً محتاجين للمساعدة، ينبغي أن نفكر في أنهم يستحقون المساعدة.
لقد وجدت دراسات سوسيولوجية مختلفة بأنه من غير المرجح أن نساعد شخصاً، إذا اعتقدنا أنه لا يستحق المساعدة، أو إذا كانت المشكلة من صنع يديه. وعليه، ربما كانت السيدة لوجباك أقل ميلا للمساعدة، لو كان رأيها بأن الكويشوا مسؤولون على نحو ما عن فقرهم.
أخيراً، يرجح أن يتصرف الناس بشكل غيري إذا شاهدوا الآخرين يتصرفون بشكل غيري. وهذا ما يدعى تأثير الاقتداء، الذي يقترح بأننا نتعلم من الآخرين، أو على الأقل نتلقى الإلهام منهم.
ووجدت الدراسات أننا إذا شاهدنا شخصاً يعطي محتاجاً، فإنه من المرجح أن نقوم بالشيء ذاته. ربما شاهدت السيدة لوجباك أشخاصا آخرين يقومون بأعمال خيرة لصالح السكان الأصليين، فقادها ذلك إلى القيام بذلك بنفسها.
مساعدة الآخرين مسألة تخص الروح والقلب، لكنها تتأثر أيضاً بمجموعة من العوامل الاجتماعية. والشروط الاجتماعية لأي ظرف معطى قد تقرر ما إذا كنا نفعل ما هو صواب ونعيش الحياة مع شوكولاته لذيذة.
الدكتور تيسير حسون ـ طبيب وكاتب في الشؤون النفسية (سوريا)