المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسيح اليهودي المخلّص ...



هبة الله
10-17-2004, 06:08 PM
في ظل الخلط المتعمد بين ما هو ديني وما هو سياسي .. عاد الحاخام " عوفديا يوسف " .. الزعيم الروحي لحزب شاس .. ليحتل بؤرة الأحداث في الكيان الصهيوني .. ويثير اهتمام الجاليات اليهودية في شتى أنحاء العالم ...

وهذه المرة لم يلعن الحاخام العرب .. ولم يسب اليهود العلمانيين .. ولم يطلب من السفاح أريل شارون أن يقصف العرب بصواريخ .. " على كيف كيفك " ...

هذه المرة .. شرع الحاخام ينسج خيوط لعبة سياسية دينية غاية في الخطورة .. أخطر من مفردات السب والقذف التي يعشقها الحاخام سليط اللسان ...

لقد أطل الحاخام على جماهير أتباعه ومريديه في درسه الأسبوعي الذي يذاع عبر الأقمار الصناعية .. معلنا أنه رأى المسيح اليهودي المخلص في المنام .. وأن المسيح المخلص وقف يخطب في جموع اليهود الغفيرة أمام " حائط المبكى " .. حائط البراق .. حيث لم يكن فوق ارض فلسطين من شعوب الأرض غير اليهود .. مطالبا الحاخامات وتلامذتهم بالعمل الدؤوب على نشر تعاليم التوراة بين اليهود لأنه أوشك على المجيء ...

وقد أثارت رؤيا الحاخام " عوفديا يوسيف " مشاعر الاستبشار والفرحة الغامرة داخل الكيان الصهيوني وخارجه .. خاصة بين جماهير المتدينين اليهود أصحاب الأعداد الوفيرة في الكيان .. حيث تشكل القوة البرلمانية لحزب شاس وحده .. 17 مقعدا في الكنيست الصهيوني ...

والمسيح المخلص وفقًا للعقيدة اليهودية هو ملك يهودي بشري يهبط من السماء مزودًا بقدرات حربية وقتالية خارقة للعادات .. تمكن اليهود من تخطي حالة الفشل العامة التي يعيشونها بين الشعوب المجاورة .. ويصعد بهم إلى قمة الهرم البشري ...

فيسودوا الشعوب ويتسلطون على الأمم .. ويتوحد العالم تحت السيادة اليهودية .. حتى إن الشعوب غير اليهودية التي تقطن فلسطين تتحول إلى الديانة اليهودية .. فلا يعود ذكر للأغيار في فلسطين .. وتعترف كل الشعوب برب إسرائيل حاكما على الجميع .. وتحج إليه الأمم طائعة صاغرة .. تقدم له فروض الولاء والطاعة في " أورشليم " ...

وقد صدرت أول التعليقات عن الحاخام اليهودي الشهير " تسيون بن موتسافي " .. الذي قال ...

" لم نسمع من قبل عن شخص رأى المسيح المخلص في المنام .. وإن دل هذا الحدث على شيء فإنما يدل على أن الخلاص صار قريبا قريبا جدا .. قريبا أكثر مما يظنون " ...

وعلى الرغم من الملامح الأسطورية الكامنة في فكرة المسيح اليهودي المخلّص .. وعلى الرغم من المآسي والكوارث التي تسبب فيها ظهور المسحاء اليهود الكاذبين .. إلا أن الاهتمام بحلم " عوفديا يوسيف " .. فاق الوصف .. وأضحى الحلم حديث الكيان الصهيوني بين عشية وضحاها ...

ويرجع ذلك لعدة أسباب .. أهمها المكانة الكبيرة وغير المسبوقة التي يتمتع بها الحاخام " يوسيف " بين الجماهير المتدينة في الكيان الصهيوني .. الذين رفعوه إلى مصاف القديسين الأخيار ...

فيشيعون دائما .. " أن الوحي يتدفق من حنجرة الحاخام عوفديا " .. ينضاف إلى ذلك مركزية الأحلام في العقيدة الدينية اليهودية نفسها .. حيث تعد الأحلام أحد وسائل تلقى الوحي الإلهي في عصر الأنبياء ...

وفي العصر الحديث غدت أحلام الحاخامات والقديسين اليهود تحظى باهتمام بالغ لاسيما .. إذا صادف المنام ليلة السبت .. لكن اللافت للنظر هو أن تأثير حلم الحاخام " يوسيف " فاق تأثير كل الأحلام السابقة عليه .. رغم أنه تقريبًا منقولا بالحرف من قصة يهودية قديمة تحكي عن لقاء تم بين الحاخام " بعل شيم طوف " .. مؤسس الطائفة الحسيدية اليهودية في القرن 18 وبين المسيح المخلص ...

لكن الحاخام " عوفديا " .. إشتهر بأنه حاخام الجيل .. وأنه حاخام واقعي عملي لا يؤمن بالسحر والأحجبة وجدوى الأحلام .. ولايهتم كثيرا بالعلوم الباطنية كغيره من الحاخامات اليهود ...

وبصرف النظر عن العاصفة التي أثارها حلم الحاخام " يوسيف " .. في الكيان الصهيوني وما سيثيره لاحقا من ردود فعل متابينة .. فإن ما ينبغي أن يستوقفنا ويلفت انتباهنا بحق في الوطن العربي .. هو عودة خطاب الأساطير لتبوأ .. وإحتلال مكانة رئيسية في الكيان الصهيوني ...

وخطاب الأساطير الذي تتبناه الجماهير المتدينة داخل الكيان الصهيوني .. هو سلاح ذو حدين ...

فكما أن للأساطير القدرة على حشد الناس وجمعهم حول هدف معين مرتقب .. فإن تفتت الأسطورة وتبخر مركباتها الإعجازية .. لديه القدرة على هدم وتحطيم الأبنية التي قامت من دون أساس ...

بعبارة أخرى ...

إن الحلم الذي يستهدف إعادة شحن أسطورة المسيح المخلص بالذات .. ومحاولة توظيفها على الصعيد السياسي في هذه اللحظات التاريخية الفاصلة التي تمر بها المنطقة .. لم يكن حلما عفويا داعب مخيلة الحاخام في ليلة صيف .. صفا فيها الجو .. وسكنت الرياح ...

ويصعب أن يكون الأمر على هذا النحو في ظل الوقائع والملابسات التي تمر بها المنطقة .. منذ انهيار محادثات كامب ديفيد الثانية .. والتي انهارت معها أقنعة الحملان الصهاينة .. وسقطت فيها ستائر الانحياز الأمريكي المطلق ...

فانطلقت انتفاضة الأقصى شامخة لتبقى نقطة تحول خطيرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني .. نقطة تحول أفصح معها الصهاينة عن وجههم الحقيقي .. فأطلقوا السفاح شارون بوصفه أخر طلقة في مسدس التطرف الصهيوني العتيق .. لكنها طلقة فاشلة وغير مدوية حتى الآن ...

فالانتفاضة مازالت تلقي بالرعب في نفوس الصهاينة حتى صارت أغلب مدنهم مدن أشباح على حد تعبيرهم ...

أما الحاخام " عوفديا يوسيف " وأتباعه من الجماهير المتدينة .. فهاهم يعلنوها صريحة .. يعلنون تشككهم في قدرات السفاح ومجرم الحروب أريل شارون .. ويجنحون إلى إطلاق المسيح اليهودي المخلص من قمقم الأساطير اليهودية ...

ومن ثم فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن .. هل ينجح المسيح اليهودي المخلص نفسه في تخليص اليهود هذه المرة ؟!؟!

الحقيقة أن تاريخ العقيدة اليهودية يغص بحالات كثيرة إدعى فيها أشخاص مخادعون أنهم المسيح المخلص الذي أتى لإنتشال اليهود من عثراتهم السياسية والعسكرية ...

ومن أبرز هؤلاء المسحاء الكاذبين .. الثائر اليهودي شمعون " بركوخفا " .. أي شمعون ابن الكوكب .. الذي إدعى أنه المسيح اليهودي المخلص .. وأعلن الجهاد المقدس ضد الرومان لطردهم من فلسطين والاستيلاء عليها وتكوين وطنا قوميًا لليهود ...

فجاء جيش الإمبراطور " هدريان " الجرار .. وأباد اليهود وطردهم من فلسطين شر طردة .. ولما تبين لليهود كذب إدعاءات هذا المسيح المنتظر .. غيروا إسمه من " بركوخفا " .. وهو أحد ألقاب المسيح المخلص إلى " بركوزيفا " .. أي أبن الكذابة ...

ومن أشهر المسحاء الكاذبين .. شخص يدعي " شبتاي تسيفي " .. وهو شخصية بلغت درجة غاية في الخطورة .. وغاية في الهزل في آن واحد ...

وقد ولد في أزمير التركية عام 1626 .. وبعد أن غرر بالجماهير اليهودية المتدينة في أجزاء عدة من أسيا وأوربا وأفريقيا .. فباعوا أملاكهم .. وباتوا في الأزقة والحارات ينتظرون الخلاص على يديه الكريمتين .. أنكر إدعائه .. وأعلن إسلامه هو وزوجته .. وغير إسمه من " شبتاي تسيفي " .. إلى " محمد أفندي " .. وصار لقبه التركي .. " فاتوجي باشي إيطراق " .. أي خادم الأعتاب ...

وفي تاريخ العقيدة الدينية اليهودية حالات كثيرة لأشخاص حددوا مواعيدا لظهور المسيح المخلّص .. ولكن تبددت الأوهام المسيحانية مع اكتشاف زيف التواريخ وكذب الأشخاص .. الأمر الذي كان يسفر عادة عن موجات ردة عن اليهودية الأرثوذكسية الربانية ...


ويبقى السؤال ...

هل ينجح المسيح المخلص هذه المرة في تخليص اليهود ؟

والإجابة على لسان المفكرة اليهودية المشهورة " شولاميت هرإيفين " ...

" سيمر الجمل من سم الإبرة .. ولن يظهر هذا المسيح المخلّص " ... :D

بقلم .. محمد عبود ...