الناصع الحسب
01-14-2011, 05:55 AM
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2011/01/14/191728_3-16.jpg
هل عرفت العربيَّة أدب الملاحم؟
القاهرة - حسن حافظ
أعادت دار الكتب والوثائق المصرية طباعة ملحمة «الشاهنامة» للفردوسي درة الأدب الفارسي، والتي تعد إحدى كبريات الملاحم على مستوى العالم وتتخطى برأي نقاد كثر «الإلياذة» و{الأوديسه» لهوميروس.
الملحمة الفارسية المترجمة إلى العربية تفتح باب البحث مجدداً عن عمل عربي يستحق أن يُطلق عليه مسمى ملحمة، فلماذا تخلو العربية من أدب الملاحم على رغم توافر شعراء كبار امتازوا بالنفس الشعري الطويل على مدار صفحات الأدب العربي؟
كانت للأمم التي عرفها العرب على مدار تاريخهم الطويل، أعمال ملحمية طويلة كملحمتي «المهابهراتا» و{الرامايانا» الهنديتين، و{الإلياذة» و{الأوديسه» الإغريقيتين. والملحمة فن شعري بامتياز يقوم على مجموعة من الأساطير والخوارق بشكل مركب، يحقق أبطالها بطولات تتداخل فيها عوالم البشر بعوالم الجن وآلهة الوثنية، وتحركهم الأزمة التي تدفع الإنسان إلى الكفاح ضد كل ما يعتقده ويراه قضية إنسانية لا يبحث من خلالها عن مجد شخصي بقدر ما يدافع عن آلام آلاف البشر هنا وهناك. بهذا المفهوم نجد الملاحم منتشرة لدى الأشوريين والبابليين واليونان والرومان في أمم الغرب ولدى الفرس والهند في أمم الشرق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا غاب عن الأدب العربي نموذج الملحمة؟ هل السير الشعبية كالسيرة الهلالية وسيرة عنترة بن شداد وسيرة علي الزيبق وسيرة الزير سالم وغيرها الكثير تعتبر شكلاً عربياً موازياً للملاحم العالمية؟ وهل الأدب العربي ما زال تائهاً بين فني الملاحم والسير، يبحث عن شرعية عالمية؟ حملنا أسئلتنا وطرحناها على الاختصاصيين في الأدب والفولكلور العربي، علنا نجد إجابة.
يرى أستاذ الأدب الشعبي في جامعة القاهرة د. إبراهيم شعلان أن العرب لم يعرفوا فن الملاحم، لأنهم في العصر الجاهلي كانوا يعتدّون بأدبهم ويرونه أرقى من آداب الآخرين، و{أشك في اطلاعهم على آداب الأمم الأخرى إلا في حالات فردية لم يكتب لها التأثير المنشود ومن دون تأثر ظاهر».
يضيف شعلان: «لمّا انفتح العرب في العصر العباسي على آداب الأمم المختلفة نتيجة للترجمة، اختاروا ألا يترجموا الملاحم اليونانية لأنهم وجدوها تعبر عن قيم وثنية ولا يمكن ترجمتها من دون نقل صراع أبطال الملاحم مع آلهة اليونان، وهذا السبب نفسه الذي منع العرب من ترجمة المسرح اليوناني، فحال دون أن يحاول العرب النسج على منوال الملاحم اليونانية وغيرها من ملاحم».
من جانبه، يؤكد أستاذ اللغة اليونانية واللاتينية د. أحمد عتمان أن «الأدب العربي يحفل بنماذج كثيرة أنتجت على مدار تاريخه يمكن مقارنتها بالملاحم العالمية، لكن مع الأخذ في الاعتبار بأن لكل حضارة طابعها الذي يكسب ملاحمها مناخاً خاصاً، فسيرة عنترة بن شداد وسيرة سيف بن ذي يزن والسيرة الهلالية كلّها نماذج تقارن بالملاحم العالمية بل وقد تتفوق عليها، ولغة السير الشعبية الشعرية تقابل شعر الملاحم».
يتابع د. عتمان: «المشكلة تكمن في أن البعض منا تعالى على تلك السير على اعتبار أنها أدب شعبي، لذلك لم يهتم بدراستها وإعطائها حقها من البحث مع تغليب النموذج الأوروبي وتعريفاته للملاحم، وهذا ما أدى إلى استبعاد نماذج شعر كثيرة لا تقل في رأيي عن الملاحم العالمية».
أما الشاعر والمتخصص في الفولكلور الشعبي مسعود شومان فينفي فكرة أن العرب لم يعرفوا فن الملاحم، قائلاً: «تلك فكرة شديدة الخطأ، وللأسف أخذت تتردد في بعض كتابات الباحثين والمثقفين، ذلك نتيجة لاستيراد قوالب نقدية أوروبية تخضع تراثنا وإنتاجنا الأدبي لها، فما وافقها أخذ شهادة الاعتراف وما لم يوافقها استُبعد، وأخذت المصطلحات الأوروبية معنى الفنون الراقية ونُظر إلى الأعمال السردية الشعبية الكبرى من خلال هذا المنظور على أنها أعمال أقل قيمة، وهذا أمر أدى إلى خلط في المصطلحات، فتداخلت الأسطورة مع الملحمة والسيرة والحكاية الشعبية، فالسير الشعبية هي تعريفنا وتسميتنا لهذا الفن الذي يتشابك مع عالم الملاحم».
يضيف شومان: «تدور أحداث كثير من السير الشعبية العربية في أجواء ملحمية، ولا تخلو من عناصر الملحمة مثل الحروب والدفاع عن المثل العليا، لكن العرب لم يعرفوا الأسطورة القائلة بوجود علاقة بين الآلهة الوثنية وأبطال شبه آلهة».
من جانبه، يرفض أستاذ الأدب الشعبي في أكاديمية الفنون د. إبراهيم عبد الحافظ مقارنة ملاحم الغرب بسير العرب، مرجعاً ذلك إلى أن «الفن الشعبي ينتج من التجربة الشعبية ولا يخضع لمسميات جامدة فلكل مجتمع تجربته التي ينتج من خلالها فنه الخاص، فالمجتمع اليوناني ومن بعده الأوروبي أنتج الملاحم وهو فن قائم بذاته، يوازيه في الأدب العربي فن السير الذي قد لا يشبهه لكنه يعبر عن المجتمع العربي وآماله ومتطلبات عصره، ويحكي غالباً قصة بطل، أو أبطال، ودفاعه عن قضية ما. عموماً، معظم السير الشعبية أخذ في التبلور خلال الفترة التي تعرضت فيها الأمة الإسلامية لهجمة شرسة من الصليبيين والمغول».
يضيف عبد الحافظ: {على رغم ذلك لا يمكن أن ندخل السير الشعبية تحت لواء أدب الملاحم. فالسيرة توازي الملحمة إن لم تتفوق عليها، وكلا هذين النوعين من الفنون يعبر عن حاجات خاصة لكل مجتمع، لكنهما مختلفان في الأدوات ويتم التعامل مع كل منهما في إطار منفصل}.
هل عرفت العربيَّة أدب الملاحم؟
القاهرة - حسن حافظ
أعادت دار الكتب والوثائق المصرية طباعة ملحمة «الشاهنامة» للفردوسي درة الأدب الفارسي، والتي تعد إحدى كبريات الملاحم على مستوى العالم وتتخطى برأي نقاد كثر «الإلياذة» و{الأوديسه» لهوميروس.
الملحمة الفارسية المترجمة إلى العربية تفتح باب البحث مجدداً عن عمل عربي يستحق أن يُطلق عليه مسمى ملحمة، فلماذا تخلو العربية من أدب الملاحم على رغم توافر شعراء كبار امتازوا بالنفس الشعري الطويل على مدار صفحات الأدب العربي؟
كانت للأمم التي عرفها العرب على مدار تاريخهم الطويل، أعمال ملحمية طويلة كملحمتي «المهابهراتا» و{الرامايانا» الهنديتين، و{الإلياذة» و{الأوديسه» الإغريقيتين. والملحمة فن شعري بامتياز يقوم على مجموعة من الأساطير والخوارق بشكل مركب، يحقق أبطالها بطولات تتداخل فيها عوالم البشر بعوالم الجن وآلهة الوثنية، وتحركهم الأزمة التي تدفع الإنسان إلى الكفاح ضد كل ما يعتقده ويراه قضية إنسانية لا يبحث من خلالها عن مجد شخصي بقدر ما يدافع عن آلام آلاف البشر هنا وهناك. بهذا المفهوم نجد الملاحم منتشرة لدى الأشوريين والبابليين واليونان والرومان في أمم الغرب ولدى الفرس والهند في أمم الشرق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا غاب عن الأدب العربي نموذج الملحمة؟ هل السير الشعبية كالسيرة الهلالية وسيرة عنترة بن شداد وسيرة علي الزيبق وسيرة الزير سالم وغيرها الكثير تعتبر شكلاً عربياً موازياً للملاحم العالمية؟ وهل الأدب العربي ما زال تائهاً بين فني الملاحم والسير، يبحث عن شرعية عالمية؟ حملنا أسئلتنا وطرحناها على الاختصاصيين في الأدب والفولكلور العربي، علنا نجد إجابة.
يرى أستاذ الأدب الشعبي في جامعة القاهرة د. إبراهيم شعلان أن العرب لم يعرفوا فن الملاحم، لأنهم في العصر الجاهلي كانوا يعتدّون بأدبهم ويرونه أرقى من آداب الآخرين، و{أشك في اطلاعهم على آداب الأمم الأخرى إلا في حالات فردية لم يكتب لها التأثير المنشود ومن دون تأثر ظاهر».
يضيف شعلان: «لمّا انفتح العرب في العصر العباسي على آداب الأمم المختلفة نتيجة للترجمة، اختاروا ألا يترجموا الملاحم اليونانية لأنهم وجدوها تعبر عن قيم وثنية ولا يمكن ترجمتها من دون نقل صراع أبطال الملاحم مع آلهة اليونان، وهذا السبب نفسه الذي منع العرب من ترجمة المسرح اليوناني، فحال دون أن يحاول العرب النسج على منوال الملاحم اليونانية وغيرها من ملاحم».
من جانبه، يؤكد أستاذ اللغة اليونانية واللاتينية د. أحمد عتمان أن «الأدب العربي يحفل بنماذج كثيرة أنتجت على مدار تاريخه يمكن مقارنتها بالملاحم العالمية، لكن مع الأخذ في الاعتبار بأن لكل حضارة طابعها الذي يكسب ملاحمها مناخاً خاصاً، فسيرة عنترة بن شداد وسيرة سيف بن ذي يزن والسيرة الهلالية كلّها نماذج تقارن بالملاحم العالمية بل وقد تتفوق عليها، ولغة السير الشعبية الشعرية تقابل شعر الملاحم».
يتابع د. عتمان: «المشكلة تكمن في أن البعض منا تعالى على تلك السير على اعتبار أنها أدب شعبي، لذلك لم يهتم بدراستها وإعطائها حقها من البحث مع تغليب النموذج الأوروبي وتعريفاته للملاحم، وهذا ما أدى إلى استبعاد نماذج شعر كثيرة لا تقل في رأيي عن الملاحم العالمية».
أما الشاعر والمتخصص في الفولكلور الشعبي مسعود شومان فينفي فكرة أن العرب لم يعرفوا فن الملاحم، قائلاً: «تلك فكرة شديدة الخطأ، وللأسف أخذت تتردد في بعض كتابات الباحثين والمثقفين، ذلك نتيجة لاستيراد قوالب نقدية أوروبية تخضع تراثنا وإنتاجنا الأدبي لها، فما وافقها أخذ شهادة الاعتراف وما لم يوافقها استُبعد، وأخذت المصطلحات الأوروبية معنى الفنون الراقية ونُظر إلى الأعمال السردية الشعبية الكبرى من خلال هذا المنظور على أنها أعمال أقل قيمة، وهذا أمر أدى إلى خلط في المصطلحات، فتداخلت الأسطورة مع الملحمة والسيرة والحكاية الشعبية، فالسير الشعبية هي تعريفنا وتسميتنا لهذا الفن الذي يتشابك مع عالم الملاحم».
يضيف شومان: «تدور أحداث كثير من السير الشعبية العربية في أجواء ملحمية، ولا تخلو من عناصر الملحمة مثل الحروب والدفاع عن المثل العليا، لكن العرب لم يعرفوا الأسطورة القائلة بوجود علاقة بين الآلهة الوثنية وأبطال شبه آلهة».
من جانبه، يرفض أستاذ الأدب الشعبي في أكاديمية الفنون د. إبراهيم عبد الحافظ مقارنة ملاحم الغرب بسير العرب، مرجعاً ذلك إلى أن «الفن الشعبي ينتج من التجربة الشعبية ولا يخضع لمسميات جامدة فلكل مجتمع تجربته التي ينتج من خلالها فنه الخاص، فالمجتمع اليوناني ومن بعده الأوروبي أنتج الملاحم وهو فن قائم بذاته، يوازيه في الأدب العربي فن السير الذي قد لا يشبهه لكنه يعبر عن المجتمع العربي وآماله ومتطلبات عصره، ويحكي غالباً قصة بطل، أو أبطال، ودفاعه عن قضية ما. عموماً، معظم السير الشعبية أخذ في التبلور خلال الفترة التي تعرضت فيها الأمة الإسلامية لهجمة شرسة من الصليبيين والمغول».
يضيف عبد الحافظ: {على رغم ذلك لا يمكن أن ندخل السير الشعبية تحت لواء أدب الملاحم. فالسيرة توازي الملحمة إن لم تتفوق عليها، وكلا هذين النوعين من الفنون يعبر عن حاجات خاصة لكل مجتمع، لكنهما مختلفان في الأدوات ويتم التعامل مع كل منهما في إطار منفصل}.