أمان أمان
01-09-2011, 05:07 AM
http://alwatan.kuwait.tt/resources/media/images/81633_o.png
2011/01/08
* وثيقة سرية بريطانية تكشف سبب إخفاق الغرب في التنبؤ بأحداث ثورة الخميني
* السفارة البريطانية بالغت في تقييمها شعبية الشاه ولم تكن تعرف سوى القليل جداً عن نشاطات أنصار الخميني
* أي تحليل للسياسة البريطانية في ايران لابد أن ينطلق من حقيقة أن الكثير من الإيرانيين يعتقدون أن بريطانيا تتدخل في شؤون بلادهم على نحو سري
* إذا كانت بريطانيا والولايات المتحدة قد أخفقتا في التنبؤ بسقوط الشاه الوشيك، إلا أن هذا لا ينطبق على أطراف أخرى كانت تقاريرهم أكثر دقة ومنهم الحكومة الإسرائيلية
* أحداث عام 1979 لا تزال تلقي بظلالها على النظام ولا سيما على خامنئي الذي أدرك كيف زرع الشاه بذور نهايته
فايننشال تايمز
بقلم: جيمس بليتز
تعريب: نبيل زلف
في ربيع عام 1979 جلس وزير خارجية بريطانيا - ديفيد أوين آنذاك - في مكتبه الواقع قبالة مقر الحكومة، واخذ يتمعن في حدث كان قد هز العالم للتو.
اذ لم يكن احد يتصور ان يهرب اقوى زعيم في الشرق الاوسط في ذلك الوقت من بلاده للنجاة من ثورة شعبية عاصفة. لكن هذا بالضبط ما فعله شاه ايران، حليف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الوثيق في المنطقة عندما كان شيخ شيعي كبير في السن - 77 سنة – يتولى مقاليد السلطة في طهران على رأس أكبر ثورة جماهيرية لم يعرف العالم مثيلاً لها منذ الثورة الروسية التي حدثت قبل 60 سنة من ذلك.
الحقيقة ان الدكتور أوين لم يكن يستطيع، مثل غيره من كبار صناع السياسة في الغرب، ان يتصور في تلك اللحظة سلسلة الاحداث الرهيبة التي ستأتي فيما بعد، والتي تمثلت بأزمة رهائن السفارة الأمريكية التي حرمت الرئيس جيمي كارتر من الفوز بولاية ثانية، ثم الحرب العراقية - الايرانية التي امتدت عقداً من الزمن تقريباً ليلحق بها ذلك البروز الدراماتيكي للاصولية الاسلامية التي تهيمن على قضية الامن في العالم اليوم.
لكن على الرغم من ذلك وجد الدكتور اوين نفسه في حيرة شديدة امام اسئلة كبيرة مربكة، اذ كيف لم تتمكن بريطانيا، وغيرها من الدول الغربية الأخرى، من التنبؤ بسقوط رجل كانت مجلة الـ «تايم» قد وصفته قبل بضع سنوات فقط بـ «امبراطور النفط»؟.
ولماذا ارتبطت السياستان البريطانية والأمريكية بشكل وثيق ولوقت طويل بالشاه وتجاهلت مدى المعارضة السياسية التي كان يواجهها في الداخل؟
وهل كان يمكن انقاذ النظام وتغيير مجرى الاحداث لو تم انتهاج سياسة مختلفة مبنية على الصراحة اكثر مع الشاه حول التهديدات التي كانت تواجهها قيادته؟
تحقيق
الواقع ان مشاعر القلق التي راودت الدكتور اوين ازاء هذه المسألة دفعته للقيام بتحقيق داخلي نادر في وزارة الخارجية والكومنولث البريطاني حول السبب الذي جعل بريطانيا والدول الاخرى تقرأ الاوضاع في ايران على نحو خاطئ.
قاد فريق التحقيق، الذي استغرق سنة حتى توصل للنتائج المرجوة دبلوماسي رفيع المستوى هو «نيكولاس براون» غير ان اوراق هذا التحقيق التي بلغت 90 صفحة، وحملت كل منها عبارة «سري جدا»، بقيت محفوظة ومحروسة جيدا في ارشيف وزارة الخارجية البريطانية، الا ان هذه الصحيفة الـ «فايننشال تايمز» تمكنت من الاطلاع على اوراق التحقيق الذي سيتم نشره قريبا بموجب قانون نشر الوثائق السرية بعد مرور 30 سنة على وضعها.
على أي حال، ربما لا يشكل ظهور هذه الوثيقة – التحقيق – اثارة كبرى الآن في هذا الوقت الذي تجد فيه الولايات المتحدة نفسها في موقف حرج نتيجة لنشر وثائق ويكيليكس التي تم اعداد بعضها قبل 10 اشهر فقط، لكن وثيقة التحقيق البريطاني هذه لا تشكل فقط مادة لواحد من التحقيقات الداخلية القليلة جدا التي اجرتها وزارة الخارجية البريطانية لمعرفة ملابسات فشل سياسي محدد بل هي مذهلة ايضا في انتقادها الدبلوماسية البريطانية، على نحو غير مألوف.
ففي كل صفحة من صفحات الوثيقة ينتقد السير نيكولاس فشل السفارة البريطانية وعلى الاخص السفير السير انتوني بارسونز في طهران في ذلك الوقت بالتنبؤ بسقوط عرش الطاووس.
ويقول ان تحليلات السفارة للاوضاع داخل ايران كانت متفائلة جدا، ويلاحظ ان الفشل كان على كافة المستويات فقد بالغت السفارة في تقييمها شعبية الشاه، ولم تكن تعرف سوى القليل جدا من نشاطات انصار الخميني بل ولم تجد ان هناك حاجة لتناول مسألة النشاطات المالية الخاصة بالقادة الايرانيين البارزين، كما فشلت في التنبؤ بسرعة وتيرة الاحداث.
لكل هذا، اصبحت هذه الوثيقة اكثر من مجرد حالة لدراسة الفشل في الممارسة الدبلوماسية والتخاطب الدبلوماسي، وباتت منذ ذلك الوقت هدفا لمجموعات عدة من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية البريطانية للاطلاع على مضمونها واستخلاص الدروس والعبر منها.
والحقيقة ان الاسئلة الكبيرة التي طرحها براون آنذاك هي نفسها التي يطرحها العديد من الدبلوماسيين اليوم على انفسهم في الشرق الاوسط مثل: كيف يمكنك معرفة متى تدخل الدولة، التي تتناولها في تقاريرك الدبلوماسية، مرحلة الثورة، وما المؤشرات التي ينبغي البحث عنها في هذا المجال، وكيف نتأكد، بصفتنا دبلوماسيين، اننا في افضل وضع لاتخاذ احكام موضوعية وهادئة حتى وان كانت على عكس ما يريد ان يسمعه ساستنا في الوطن؟!
ثمة نقطة مهمة اخرى ايضا في هذا المجال وهي ان أي تحليل للسياسة البريطانية في ايران يتعين ان ينطلق من حقيقة تؤكد ان الكثيرين من الايرانيين يعتقدون على نحو جازم منذ اكثر من عقد من الزمن ان بريطانيا تتدخل في شؤون بلدهم على نحو سري. ويعود هذا الاعتقاد أو على الاصح «الشك» الى عام 1953 عندما اطاح انقلاب عسكري – يقول كثيرون ان الاستخبارات البريطانية والامريكية دبرته – برئيس الحكومة الايرانية المنتخب محمد مصدق.
حول هذا، كتب السير نيكولاس في تقريره يقول: لقد اشتهر البريطانيون على نحو دائم بسعة التدخل بشؤون ايران.
بل والى اليوم، يميل الايرانيون للاعتقاد، وفقا لما يقوله مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية، بأنك اذا رفعت لحية احد الملالي للأعلى لرأيت العلم البريطاني تحتها.
لكن على الرغم من هذا، تبدو الصورة التي رسمها السير نيكولاس وهو يقرأ آلاف البرقيات الدبلوماسية عن تلك الفترة، معاكسة تماما لهذه الاسطورة، فالسياسة البريطانية في ايران برأيه كانت خرقاء وتفتقر الى الدقة والموضوعية بل ويراودك شعور وانت تستعرضها بأن الشاه كان افضل دبلوماسي وليس العكس.
رجلنا في طهران
اذا كانت بريطانيا والولايات المتحدة قد اخفقتا في التنبؤ بسقوط الشاه الوشيك، الا ان السير نيكولاس براون يقول في تقاريره ان هذا لا ينطبق على اطراف اخرى كانت تقاريرهم اكثر دقة ومنهم الحكومة الاسرائيلية، ويلاحظ ايضا ان بعض الصحافيين يستحقون كذلك الثناء في هذا المجال وعلى الاخص منهم روبرت غراهام مراسل هذه الصحيفة «فايننشال تايمز» في طهران من 1975 الى 1977. اذ تقول وثيقة وزارة الخارجية البريطانية ان تقاريره الصحافية رسمت صورة مميزة واكثر واقعية من معظم تقارير السفارة البريطانية عن حكم الشاه.
ويبدو ان اخفاقات السفارة يمكن رصدها من خلال مستويات عدة صحيح ان بارسونز الذي مات عام 1996 كان واحد من ابرز الدبلوماسيين البريطانيين الا ان السفير نيوكلاس يقول ان باسونز كسفير فشل في استخلاص المعلومات الحيوية اللازمة للقيام بعمله، فهو لم يعرف مثلا ان الشاه كان مريضا بالسرطان ميؤوساً منه مما اثر جدا على ادائه في وقت كانت تتزايد فيه قوة المعارضة السياسية المناهضة لنظامه.
كما لم يكن لبارسونز اتصالات تُذكر مع مجموعات المعارضة، واهمها انصار الخميني، وذلك لخشيته من ان تُزعج مثل هذه الاتصالات الشاه.
وكان من نتيجة ذلك ان اساء تقدير جاذبية رسالة الخميني التي كانت تدعو للاطاحة بالشاه.
بيد ان الفشل لم يقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط بل وشمل نظيره السياسي ايضا. اذ تشير احدى ملاحظات السير نيكولاس ان محرك السياسة البريطانية في عقد السبعينات، الذي تميز باضطراب اقتصادي وسياسي شديد في بريطانيا، كان الحاجة لبيع اسلحة الى ايران، وكان من نتيجة هذا ان تأخر الدبلوماسيون البريطانيون والامريكيون في اجراء مناقشات صريحة مع الشاه حول كيفية مواجهة التحديات السياسية الداخلية في بلده، وحينما بدؤوا مثل هذه المناقشات اخيرا كان الوقت قد فات.
من ناحية اخرى يكشف السير نيوكلاس تفاصيل جديدة مهمة حول محاولات لندن استرضاء الشاه في السبعينات. ففي احدى المناسبات اطلعه الدبلوماسيون البريطانيون على مسودة رد وزاري تنوي الحكومة البريطانية تقديمه لمجلس العموم حول التعذيب في ايران، وذلك لمعرفة رأيه فيه في حالة الاعتراض عليه.
وفي مناسبة اخرى نشرت وزارة الخارجية البريطانية في صحيفة الـ«تايمز» رسالة وصفت فيها الشاه بالزعيم الذي يحظى باحترام شديد، غير ان الامر الآخر الاكثر اهمية من كل هذا كان انغماس وزارة الدفاع البريطانية فيما يصفه السيرنيكولاس بحملة محمومة لبيع اكبر قدر ممكن من السلاح لإيران في وقت كان من الافضل بالطبع اقناع الشاه بفوائد خطط ومشاريع التنمية المدنية والتصدي للاضطرابات السياسية التي لم يتحدث عنها السفير بارسونز صراحة مع الشاه الا في سبتمبر 1978 اي قبل اربعة اشهر فقط من سقوطه.
وهنا كتب السير نيكولاس يقول: عندما تحدث السفير البريطاني مع الزعيم الايراني حول مشكلاته السياسية كان الضرر قد تحقق وانتهى الامر.
لذا كان الدرس الاول الذي استخلصه العشرات من دبلوماسيي وزارة الخارجية البريطانية الذين درسوا وثيقة براون كجزء من تدريبهم قبل تولي مهامهم في الشرق الاوسط، هو ان على الدبلوماسي الوصول الى ما وراء النخبة والالتقاء بأبناء المجتمع وحركات المعارضة.
احد السفراء السابقين في ايران عبر عن هذا القول: عندما كان اعضاء السلك الدبلوماسي في السفارة يدلفون الى مكتبي فيها كنت انظر الى احذيتهم لأرى ما اذا كانت موحلة او مغبرة ولا اعرف بهذا ما اذا كانوا قد خرجوا من السفارة وقابلوا الناس في المدينة ام لا.
من الدروس الاخرى المستخلصة ايضاً هي ان من الخطأ بل من الخطر السماح لصادرات السلاح بالتأثير على عملية اتخاذ القرارات السياسية، وهذه مسألة في غاية الاهمية برأي اللورد أوين الذي يقول: يميل الكثيرون للقول اننا بحاجة للتكيف اكثر مع الصادرات البريطانية واقرب مثال لهذا مافعلته السفارة البريطانية في طهران في السبعينيات، لكني اقول: توخوا الحذر لاننا بحاجة لاستلام صورة متوازنة من سفاراتنا في الخارج.
على اي حال، يحاول البعض قائلا انه في الوقت الذي حظي فيه تقرير براون بقراءة واسعة، لم يعر كثيرون اهتماماً حقيقياً بدروسه. ويعرب هؤلاء عن الشك في ماذا كانت بريطانيا والدول الغربية الاخرى تفعل اليوم مايكفي لمعرفة مجموعات المعارضة في الشرق الاوسط، فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، لاتتصل مع قيادة حركة الاخوان المسلمين، منظمة المعارضة الاسلامية الرئيسية المحظورة في مصر بإستثناء اجراء بعض الاتصالات مع نواب في البرلمان لهم علاقة بها.
لهذا، تطرح الوثيقة السؤال الكبير التالي: كيف يتعين على صناع السياسة في الغرب اليوم الحكم على مستقبل إيران؟ فأحداث عام 1979 لاتزال تلقى بظلالها على النظام ولاسيما على آية الله علي خامنئي – خليفة الخميني – الذي ادرك منذ وقت طويل كيف زرع الشاه بذور نهايته من خلال تردده واضطرابه في سنواته الاخيرة امام المعارضة التي كان يستسلم امامها احياناً ويتراجع عن قراراته احياناً اخرى.
لذا، عندما واجه خامنئي مظاهرات الشوارع الجماهيرية العام الماضي لم يتراجع قيد أنمله عن موقفه امامها، ورفض الاشارة او التلميح لاية تسوية وسط فيما يتعلق بالانتخابات، وامر بقمع المعارضة.
حول هذا، يقول علي انصاري خبير الشؤون الايرانية في جامعة سانت أندروز: لقد تعلم خامنئي دروس عام 1979، رافضاً القبول بأية تسوية وسط على الاطلاق وذلك لخشيته مما حدث للشاه.
غير ان البروفيسور انصاري، الذي قرأ وثيقة براون والذي درس مثل الكثيرين احداث تلك السنوات، يؤكد ان من الصعب عادة التنبؤ بالثورات، وان على الناس الا يلوموا او ينتقدوا اولئك الذين اخفقوا في رؤية مؤشرات الثورات في الافق، لكنه يقول ايضا ان الدرس الكبير الذي يمكن تعلمه من تقرير براون هو ان على دبلوماسيي اليوم الا يستسلموا للحكمة التقليدية، ولاسيما الاعتقاد ان بمقدور الزعيم الذي لديه جهاز امني قو الصمود امام اية عاصفة شعبية.
يقول البروفيسور انصاري: قبل ثلاثين سنة كان كل الدبلوماسيين البريطانيين يسترشدون بالحكمة التقليدية الدارجة في الشرق الاوسط التي تقوم ان الدولة التي لديها قوات عسكرية قوية وجهاز امني قوي تستطيع البقاء الى ما لا نهاية.
لكن الدرس الذي تعلمناه في إيران عام 1979، وماتعلمناه من تقرير نيكولاس براون يؤكدان لنا ان علينا الا نفترض دائماً ان الاحداث سوف تسير طبقاً لما تعلمناه.
القيود المفروضة على الاتصال تعيق التنبؤ بالأحداث
في الايام التي سبقت الثورة كانت تحليلات الحكومات الغربية للاحداث في ايران غير صحيحة بل ومضللة لسبب بسيط هو تأييدها الشديد للشاه ثم ما لبثت ان اصبحت قراءة الاحداث بعد عام 1979 اكثر صعوبة بالنسبة لهذه الحكومات، وذلك لاسباب خارجة عن اراداتها.
اذ لم يعد لواشنطن تمثيل دبلوماسي في طهران منذ اقتحام الطلاب الايرانيين السفارة الامريكية هناك وما اسفر عن هذا من ازمة رهائن. كما لم تتمكن الحكومات الاوروبية حتى عندما كان لها علاقات ودية مع ايران من الوصول الى الشخصيات القيادية في هرم السلطة بإيران.
كما واجهت جهود خطب ود قوى المعارضة قيودا كثيرة بسبب شكوك النظام الذي غالبا ما يصف مثل هذه الاتصالات مع الاجانب بأنها جزء من مؤامرة غربية، بل ولا تزال بريطانيا على نحو خاص تبدو بنظر السلطة الايرانية ذلك الوغد الكبير المتآمر باستمرار مع الولايات المتحدة على الجمهورية الاسلامية.
صحيح ان وسائل الاتصال الحديثة، ولا سيما منها المدونات، وفرت مصادر قيمة للمعلومات حول الحياة في ايران، الا ان غياب الاتصال المباشر مع الشخصيات الايرانية البارزة قوّض قدرة الدبلوماسيين على التنبؤ بالتغييرات الداخلية وتحليل استراتيجية النظام في المحادثات الاخيرة التي تناولت برنامجه النووي.
في عام 2005 كانت المملكة المتحدة وشركاؤها في الغرب يأملون بل ويتوقعون منذ زمن بعيد فوز الرئيس السابق اكبر هاشمي رافسنجاني الذي يعتبره الغرب من المحافظين البراغماتيين بانتخابات الرئاسة على الرغم من انه كان يفتقر الى الشعبية الكافية. الا ان وقوف اطراف مهمة من النظام وراء الاصولي محمود احمدي نجاد مكنّه من خوض الجولة الثانية من الانتخابات باعتباره الشخصية المفضلة لدى المرشد الاعلى علي خامنئي ومن الواضح ان نجاد استغل نظرة الكثيرين لرافسنجاني باعتباره جزءا من طبقة النخبة الفاسدة، واستفاد ايضا من الاستياء الشعبي على المستويين الاجتماعي والاقتصادي ومن خيبة امل الجماهير من الاصلاحيين الذين سيطروا على منصب الرئاسة لمدة ثمان سنوات، صحيح انهم عملوا على توسيع مجال الحريات المدنية الا انهم لم يهتموا بما يكفي بالتطوير الاقتصادي.
ولعل تجربة عام 2005 هي التي دفعت العديد من الدبلوماسيين الغربيين للاعتقاد العام الماضي – وكانوا على صواب في ذلك – بأن خامنئي سيعمل على ضمان عودة نجاد لفترة رئاسية ثانية.
غير ان الدهشة ما لبثت ان غمرت هؤلاء الدبلوماسيين بسبب ذلك التغيير في المزاج العام، وانتعاش حركة الاصلاح من جديد التي كانت هذه المرة بقيادة مير حسين موسوي المرشح الذي كان على الارجح هو الفائز الحقيقي في الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة.
2011/01/08
* وثيقة سرية بريطانية تكشف سبب إخفاق الغرب في التنبؤ بأحداث ثورة الخميني
* السفارة البريطانية بالغت في تقييمها شعبية الشاه ولم تكن تعرف سوى القليل جداً عن نشاطات أنصار الخميني
* أي تحليل للسياسة البريطانية في ايران لابد أن ينطلق من حقيقة أن الكثير من الإيرانيين يعتقدون أن بريطانيا تتدخل في شؤون بلادهم على نحو سري
* إذا كانت بريطانيا والولايات المتحدة قد أخفقتا في التنبؤ بسقوط الشاه الوشيك، إلا أن هذا لا ينطبق على أطراف أخرى كانت تقاريرهم أكثر دقة ومنهم الحكومة الإسرائيلية
* أحداث عام 1979 لا تزال تلقي بظلالها على النظام ولا سيما على خامنئي الذي أدرك كيف زرع الشاه بذور نهايته
فايننشال تايمز
بقلم: جيمس بليتز
تعريب: نبيل زلف
في ربيع عام 1979 جلس وزير خارجية بريطانيا - ديفيد أوين آنذاك - في مكتبه الواقع قبالة مقر الحكومة، واخذ يتمعن في حدث كان قد هز العالم للتو.
اذ لم يكن احد يتصور ان يهرب اقوى زعيم في الشرق الاوسط في ذلك الوقت من بلاده للنجاة من ثورة شعبية عاصفة. لكن هذا بالضبط ما فعله شاه ايران، حليف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الوثيق في المنطقة عندما كان شيخ شيعي كبير في السن - 77 سنة – يتولى مقاليد السلطة في طهران على رأس أكبر ثورة جماهيرية لم يعرف العالم مثيلاً لها منذ الثورة الروسية التي حدثت قبل 60 سنة من ذلك.
الحقيقة ان الدكتور أوين لم يكن يستطيع، مثل غيره من كبار صناع السياسة في الغرب، ان يتصور في تلك اللحظة سلسلة الاحداث الرهيبة التي ستأتي فيما بعد، والتي تمثلت بأزمة رهائن السفارة الأمريكية التي حرمت الرئيس جيمي كارتر من الفوز بولاية ثانية، ثم الحرب العراقية - الايرانية التي امتدت عقداً من الزمن تقريباً ليلحق بها ذلك البروز الدراماتيكي للاصولية الاسلامية التي تهيمن على قضية الامن في العالم اليوم.
لكن على الرغم من ذلك وجد الدكتور اوين نفسه في حيرة شديدة امام اسئلة كبيرة مربكة، اذ كيف لم تتمكن بريطانيا، وغيرها من الدول الغربية الأخرى، من التنبؤ بسقوط رجل كانت مجلة الـ «تايم» قد وصفته قبل بضع سنوات فقط بـ «امبراطور النفط»؟.
ولماذا ارتبطت السياستان البريطانية والأمريكية بشكل وثيق ولوقت طويل بالشاه وتجاهلت مدى المعارضة السياسية التي كان يواجهها في الداخل؟
وهل كان يمكن انقاذ النظام وتغيير مجرى الاحداث لو تم انتهاج سياسة مختلفة مبنية على الصراحة اكثر مع الشاه حول التهديدات التي كانت تواجهها قيادته؟
تحقيق
الواقع ان مشاعر القلق التي راودت الدكتور اوين ازاء هذه المسألة دفعته للقيام بتحقيق داخلي نادر في وزارة الخارجية والكومنولث البريطاني حول السبب الذي جعل بريطانيا والدول الاخرى تقرأ الاوضاع في ايران على نحو خاطئ.
قاد فريق التحقيق، الذي استغرق سنة حتى توصل للنتائج المرجوة دبلوماسي رفيع المستوى هو «نيكولاس براون» غير ان اوراق هذا التحقيق التي بلغت 90 صفحة، وحملت كل منها عبارة «سري جدا»، بقيت محفوظة ومحروسة جيدا في ارشيف وزارة الخارجية البريطانية، الا ان هذه الصحيفة الـ «فايننشال تايمز» تمكنت من الاطلاع على اوراق التحقيق الذي سيتم نشره قريبا بموجب قانون نشر الوثائق السرية بعد مرور 30 سنة على وضعها.
على أي حال، ربما لا يشكل ظهور هذه الوثيقة – التحقيق – اثارة كبرى الآن في هذا الوقت الذي تجد فيه الولايات المتحدة نفسها في موقف حرج نتيجة لنشر وثائق ويكيليكس التي تم اعداد بعضها قبل 10 اشهر فقط، لكن وثيقة التحقيق البريطاني هذه لا تشكل فقط مادة لواحد من التحقيقات الداخلية القليلة جدا التي اجرتها وزارة الخارجية البريطانية لمعرفة ملابسات فشل سياسي محدد بل هي مذهلة ايضا في انتقادها الدبلوماسية البريطانية، على نحو غير مألوف.
ففي كل صفحة من صفحات الوثيقة ينتقد السير نيكولاس فشل السفارة البريطانية وعلى الاخص السفير السير انتوني بارسونز في طهران في ذلك الوقت بالتنبؤ بسقوط عرش الطاووس.
ويقول ان تحليلات السفارة للاوضاع داخل ايران كانت متفائلة جدا، ويلاحظ ان الفشل كان على كافة المستويات فقد بالغت السفارة في تقييمها شعبية الشاه، ولم تكن تعرف سوى القليل جدا من نشاطات انصار الخميني بل ولم تجد ان هناك حاجة لتناول مسألة النشاطات المالية الخاصة بالقادة الايرانيين البارزين، كما فشلت في التنبؤ بسرعة وتيرة الاحداث.
لكل هذا، اصبحت هذه الوثيقة اكثر من مجرد حالة لدراسة الفشل في الممارسة الدبلوماسية والتخاطب الدبلوماسي، وباتت منذ ذلك الوقت هدفا لمجموعات عدة من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية البريطانية للاطلاع على مضمونها واستخلاص الدروس والعبر منها.
والحقيقة ان الاسئلة الكبيرة التي طرحها براون آنذاك هي نفسها التي يطرحها العديد من الدبلوماسيين اليوم على انفسهم في الشرق الاوسط مثل: كيف يمكنك معرفة متى تدخل الدولة، التي تتناولها في تقاريرك الدبلوماسية، مرحلة الثورة، وما المؤشرات التي ينبغي البحث عنها في هذا المجال، وكيف نتأكد، بصفتنا دبلوماسيين، اننا في افضل وضع لاتخاذ احكام موضوعية وهادئة حتى وان كانت على عكس ما يريد ان يسمعه ساستنا في الوطن؟!
ثمة نقطة مهمة اخرى ايضا في هذا المجال وهي ان أي تحليل للسياسة البريطانية في ايران يتعين ان ينطلق من حقيقة تؤكد ان الكثيرين من الايرانيين يعتقدون على نحو جازم منذ اكثر من عقد من الزمن ان بريطانيا تتدخل في شؤون بلدهم على نحو سري. ويعود هذا الاعتقاد أو على الاصح «الشك» الى عام 1953 عندما اطاح انقلاب عسكري – يقول كثيرون ان الاستخبارات البريطانية والامريكية دبرته – برئيس الحكومة الايرانية المنتخب محمد مصدق.
حول هذا، كتب السير نيكولاس في تقريره يقول: لقد اشتهر البريطانيون على نحو دائم بسعة التدخل بشؤون ايران.
بل والى اليوم، يميل الايرانيون للاعتقاد، وفقا لما يقوله مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية، بأنك اذا رفعت لحية احد الملالي للأعلى لرأيت العلم البريطاني تحتها.
لكن على الرغم من هذا، تبدو الصورة التي رسمها السير نيكولاس وهو يقرأ آلاف البرقيات الدبلوماسية عن تلك الفترة، معاكسة تماما لهذه الاسطورة، فالسياسة البريطانية في ايران برأيه كانت خرقاء وتفتقر الى الدقة والموضوعية بل ويراودك شعور وانت تستعرضها بأن الشاه كان افضل دبلوماسي وليس العكس.
رجلنا في طهران
اذا كانت بريطانيا والولايات المتحدة قد اخفقتا في التنبؤ بسقوط الشاه الوشيك، الا ان السير نيكولاس براون يقول في تقاريره ان هذا لا ينطبق على اطراف اخرى كانت تقاريرهم اكثر دقة ومنهم الحكومة الاسرائيلية، ويلاحظ ايضا ان بعض الصحافيين يستحقون كذلك الثناء في هذا المجال وعلى الاخص منهم روبرت غراهام مراسل هذه الصحيفة «فايننشال تايمز» في طهران من 1975 الى 1977. اذ تقول وثيقة وزارة الخارجية البريطانية ان تقاريره الصحافية رسمت صورة مميزة واكثر واقعية من معظم تقارير السفارة البريطانية عن حكم الشاه.
ويبدو ان اخفاقات السفارة يمكن رصدها من خلال مستويات عدة صحيح ان بارسونز الذي مات عام 1996 كان واحد من ابرز الدبلوماسيين البريطانيين الا ان السفير نيوكلاس يقول ان باسونز كسفير فشل في استخلاص المعلومات الحيوية اللازمة للقيام بعمله، فهو لم يعرف مثلا ان الشاه كان مريضا بالسرطان ميؤوساً منه مما اثر جدا على ادائه في وقت كانت تتزايد فيه قوة المعارضة السياسية المناهضة لنظامه.
كما لم يكن لبارسونز اتصالات تُذكر مع مجموعات المعارضة، واهمها انصار الخميني، وذلك لخشيته من ان تُزعج مثل هذه الاتصالات الشاه.
وكان من نتيجة ذلك ان اساء تقدير جاذبية رسالة الخميني التي كانت تدعو للاطاحة بالشاه.
بيد ان الفشل لم يقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط بل وشمل نظيره السياسي ايضا. اذ تشير احدى ملاحظات السير نيكولاس ان محرك السياسة البريطانية في عقد السبعينات، الذي تميز باضطراب اقتصادي وسياسي شديد في بريطانيا، كان الحاجة لبيع اسلحة الى ايران، وكان من نتيجة هذا ان تأخر الدبلوماسيون البريطانيون والامريكيون في اجراء مناقشات صريحة مع الشاه حول كيفية مواجهة التحديات السياسية الداخلية في بلده، وحينما بدؤوا مثل هذه المناقشات اخيرا كان الوقت قد فات.
من ناحية اخرى يكشف السير نيوكلاس تفاصيل جديدة مهمة حول محاولات لندن استرضاء الشاه في السبعينات. ففي احدى المناسبات اطلعه الدبلوماسيون البريطانيون على مسودة رد وزاري تنوي الحكومة البريطانية تقديمه لمجلس العموم حول التعذيب في ايران، وذلك لمعرفة رأيه فيه في حالة الاعتراض عليه.
وفي مناسبة اخرى نشرت وزارة الخارجية البريطانية في صحيفة الـ«تايمز» رسالة وصفت فيها الشاه بالزعيم الذي يحظى باحترام شديد، غير ان الامر الآخر الاكثر اهمية من كل هذا كان انغماس وزارة الدفاع البريطانية فيما يصفه السيرنيكولاس بحملة محمومة لبيع اكبر قدر ممكن من السلاح لإيران في وقت كان من الافضل بالطبع اقناع الشاه بفوائد خطط ومشاريع التنمية المدنية والتصدي للاضطرابات السياسية التي لم يتحدث عنها السفير بارسونز صراحة مع الشاه الا في سبتمبر 1978 اي قبل اربعة اشهر فقط من سقوطه.
وهنا كتب السير نيكولاس يقول: عندما تحدث السفير البريطاني مع الزعيم الايراني حول مشكلاته السياسية كان الضرر قد تحقق وانتهى الامر.
لذا كان الدرس الاول الذي استخلصه العشرات من دبلوماسيي وزارة الخارجية البريطانية الذين درسوا وثيقة براون كجزء من تدريبهم قبل تولي مهامهم في الشرق الاوسط، هو ان على الدبلوماسي الوصول الى ما وراء النخبة والالتقاء بأبناء المجتمع وحركات المعارضة.
احد السفراء السابقين في ايران عبر عن هذا القول: عندما كان اعضاء السلك الدبلوماسي في السفارة يدلفون الى مكتبي فيها كنت انظر الى احذيتهم لأرى ما اذا كانت موحلة او مغبرة ولا اعرف بهذا ما اذا كانوا قد خرجوا من السفارة وقابلوا الناس في المدينة ام لا.
من الدروس الاخرى المستخلصة ايضاً هي ان من الخطأ بل من الخطر السماح لصادرات السلاح بالتأثير على عملية اتخاذ القرارات السياسية، وهذه مسألة في غاية الاهمية برأي اللورد أوين الذي يقول: يميل الكثيرون للقول اننا بحاجة للتكيف اكثر مع الصادرات البريطانية واقرب مثال لهذا مافعلته السفارة البريطانية في طهران في السبعينيات، لكني اقول: توخوا الحذر لاننا بحاجة لاستلام صورة متوازنة من سفاراتنا في الخارج.
على اي حال، يحاول البعض قائلا انه في الوقت الذي حظي فيه تقرير براون بقراءة واسعة، لم يعر كثيرون اهتماماً حقيقياً بدروسه. ويعرب هؤلاء عن الشك في ماذا كانت بريطانيا والدول الغربية الاخرى تفعل اليوم مايكفي لمعرفة مجموعات المعارضة في الشرق الاوسط، فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، لاتتصل مع قيادة حركة الاخوان المسلمين، منظمة المعارضة الاسلامية الرئيسية المحظورة في مصر بإستثناء اجراء بعض الاتصالات مع نواب في البرلمان لهم علاقة بها.
لهذا، تطرح الوثيقة السؤال الكبير التالي: كيف يتعين على صناع السياسة في الغرب اليوم الحكم على مستقبل إيران؟ فأحداث عام 1979 لاتزال تلقى بظلالها على النظام ولاسيما على آية الله علي خامنئي – خليفة الخميني – الذي ادرك منذ وقت طويل كيف زرع الشاه بذور نهايته من خلال تردده واضطرابه في سنواته الاخيرة امام المعارضة التي كان يستسلم امامها احياناً ويتراجع عن قراراته احياناً اخرى.
لذا، عندما واجه خامنئي مظاهرات الشوارع الجماهيرية العام الماضي لم يتراجع قيد أنمله عن موقفه امامها، ورفض الاشارة او التلميح لاية تسوية وسط فيما يتعلق بالانتخابات، وامر بقمع المعارضة.
حول هذا، يقول علي انصاري خبير الشؤون الايرانية في جامعة سانت أندروز: لقد تعلم خامنئي دروس عام 1979، رافضاً القبول بأية تسوية وسط على الاطلاق وذلك لخشيته مما حدث للشاه.
غير ان البروفيسور انصاري، الذي قرأ وثيقة براون والذي درس مثل الكثيرين احداث تلك السنوات، يؤكد ان من الصعب عادة التنبؤ بالثورات، وان على الناس الا يلوموا او ينتقدوا اولئك الذين اخفقوا في رؤية مؤشرات الثورات في الافق، لكنه يقول ايضا ان الدرس الكبير الذي يمكن تعلمه من تقرير براون هو ان على دبلوماسيي اليوم الا يستسلموا للحكمة التقليدية، ولاسيما الاعتقاد ان بمقدور الزعيم الذي لديه جهاز امني قو الصمود امام اية عاصفة شعبية.
يقول البروفيسور انصاري: قبل ثلاثين سنة كان كل الدبلوماسيين البريطانيين يسترشدون بالحكمة التقليدية الدارجة في الشرق الاوسط التي تقوم ان الدولة التي لديها قوات عسكرية قوية وجهاز امني قوي تستطيع البقاء الى ما لا نهاية.
لكن الدرس الذي تعلمناه في إيران عام 1979، وماتعلمناه من تقرير نيكولاس براون يؤكدان لنا ان علينا الا نفترض دائماً ان الاحداث سوف تسير طبقاً لما تعلمناه.
القيود المفروضة على الاتصال تعيق التنبؤ بالأحداث
في الايام التي سبقت الثورة كانت تحليلات الحكومات الغربية للاحداث في ايران غير صحيحة بل ومضللة لسبب بسيط هو تأييدها الشديد للشاه ثم ما لبثت ان اصبحت قراءة الاحداث بعد عام 1979 اكثر صعوبة بالنسبة لهذه الحكومات، وذلك لاسباب خارجة عن اراداتها.
اذ لم يعد لواشنطن تمثيل دبلوماسي في طهران منذ اقتحام الطلاب الايرانيين السفارة الامريكية هناك وما اسفر عن هذا من ازمة رهائن. كما لم تتمكن الحكومات الاوروبية حتى عندما كان لها علاقات ودية مع ايران من الوصول الى الشخصيات القيادية في هرم السلطة بإيران.
كما واجهت جهود خطب ود قوى المعارضة قيودا كثيرة بسبب شكوك النظام الذي غالبا ما يصف مثل هذه الاتصالات مع الاجانب بأنها جزء من مؤامرة غربية، بل ولا تزال بريطانيا على نحو خاص تبدو بنظر السلطة الايرانية ذلك الوغد الكبير المتآمر باستمرار مع الولايات المتحدة على الجمهورية الاسلامية.
صحيح ان وسائل الاتصال الحديثة، ولا سيما منها المدونات، وفرت مصادر قيمة للمعلومات حول الحياة في ايران، الا ان غياب الاتصال المباشر مع الشخصيات الايرانية البارزة قوّض قدرة الدبلوماسيين على التنبؤ بالتغييرات الداخلية وتحليل استراتيجية النظام في المحادثات الاخيرة التي تناولت برنامجه النووي.
في عام 2005 كانت المملكة المتحدة وشركاؤها في الغرب يأملون بل ويتوقعون منذ زمن بعيد فوز الرئيس السابق اكبر هاشمي رافسنجاني الذي يعتبره الغرب من المحافظين البراغماتيين بانتخابات الرئاسة على الرغم من انه كان يفتقر الى الشعبية الكافية. الا ان وقوف اطراف مهمة من النظام وراء الاصولي محمود احمدي نجاد مكنّه من خوض الجولة الثانية من الانتخابات باعتباره الشخصية المفضلة لدى المرشد الاعلى علي خامنئي ومن الواضح ان نجاد استغل نظرة الكثيرين لرافسنجاني باعتباره جزءا من طبقة النخبة الفاسدة، واستفاد ايضا من الاستياء الشعبي على المستويين الاجتماعي والاقتصادي ومن خيبة امل الجماهير من الاصلاحيين الذين سيطروا على منصب الرئاسة لمدة ثمان سنوات، صحيح انهم عملوا على توسيع مجال الحريات المدنية الا انهم لم يهتموا بما يكفي بالتطوير الاقتصادي.
ولعل تجربة عام 2005 هي التي دفعت العديد من الدبلوماسيين الغربيين للاعتقاد العام الماضي – وكانوا على صواب في ذلك – بأن خامنئي سيعمل على ضمان عودة نجاد لفترة رئاسية ثانية.
غير ان الدهشة ما لبثت ان غمرت هؤلاء الدبلوماسيين بسبب ذلك التغيير في المزاج العام، وانتعاش حركة الاصلاح من جديد التي كانت هذه المرة بقيادة مير حسين موسوي المرشح الذي كان على الارجح هو الفائز الحقيقي في الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة.