مفاهيم جار عليها الزمن: حكومي·· أم غير حكومي؟

[قاهر الدكتور]

مفاهيم جار عليها الزمن: حكومي·· أم غير حكومي؟
د. سامي عبدالعزيز المانع

هو مفهوم غير مفهوم جار عليه الزمن ومن يعتقد به الآن لا يوصف إلا بأنه موهوم·

هل أنت حكومي أم غير حكومي؟ إن كنت حكوميا فأنت يميني، خائن، رجعي وإن كنت غير حكومي فأنت يساري، مخرب، ضوضائي وربما وطني تمت هذه التقسيمة في غفلة من الزمن·· وتراكم هذا المفهوم·· جيلا بعد جيل الى أن أصبحنا نحن في دوامة مفاهيم عرجاء·

عندما تكون آرائي متناصفة في التأييد للحكومة·· أي أن نصف مواقفي ضد الحكومة والنصف الآخر معها·· من هو العبقري الذي يستطيع أن يصنفني بالحكومي أو المعارض؟ وإن جاء اليوم الذي أدافع فيه عن الحكومة، هل أخرج من ملة الوطنية؟! وإن أنا هاجمتها يوما آخر هل ألقب بالوطني الفذ؟!

هذا الهيكل التصنيفي الذي نعيشه في بلدنا ناتج عن رؤية ضيقة ثابتة لا تغيير فيها نتيجة لهيمنة مجموعة أفكار أو ثقافة بالية تطل علينا من ثقب ضئيل في زاوية بعيدة عن الواقع وغيره ملمة بالماضي ولا تستحضر المستقبل، ولزاما علينا واليوم قبل أي وقت مضى أن نجدد الرؤى ونعدد الزوايا وننفض الغبار من عقولنا فالحكومة·· أي حكومة·· علينا أن نتعامل معها كنتاج بشري يخطئ ويصيب، وقبل كل هذا علينا أن نعي أن كل من في هذا الوطن يعتقد في نفسه أنه هو الوطني الحق بما في ذلك أفراد الحكومة، كما أننا قد نسبق الحكومة في الى الخطأ قبل أن تسبقنا إليه، انتبهوا يا معشر الساسة أن الحكومة غير معصومة من الخطأ، وانتبهوا الى مفاهيمكم الثنائية التي لا وسط فيها، فهناك اللون الأبيض واللون الأسود ولا ننسى أن هناك الرمادي شئنا أم أبينا لا خيار في ذلك·

حسبي هنا أن أستقرىء واقعا عمليا نعيشه هذه الأيام كمثال على ما سبق ذكره، هناك وزير في الحكومة الكويتية الحالية يدعى بدر الحميدي وهذا الوزير حكومي بصفته، ولكن هو شعلة من النشاط والحيوية، ويضع المصلحة العامة نصب عينيه دائما، وهو متمكن فنيا من أعمال وزارتيه وله مشاريع كثيرة أبصرت النور وستبصر النور تصب في مصلحة المواطن، فهل عندما أمتدح هذا الوزير الذي يستحق الثناء فعلا كما أفعل الآن أصبح حكوميا متخاذلا؟! إن الصحيح في هذا المجال أن أشد من أزره وأسانده مع العلم أنه غير معصوم وقد يخطىء وعلي أن أضع ذلك بعين الاعتبار وفي هذه الحالة بقدرة قادر أصبح غير حكومي أو غوغائي؟

على الكتل السياسية المعارضة ألا تكون كالأعور وتحرم نفسها والتجربة السياسية من رؤية المشهد السياسي كاملا بكل معطياته وظروفه وإفرازاته، وعليها "أي المعارضة" أن تبتدع أسلوبا مغايرا لأسلوبها، ولعل المبادرة في التغيير أفضل بكثير من التغيير الإجباري أو التغيير الرد فعلى لسياسات الحكومة وسلوكياتها فنجد الأخيرة "أي الحكومة" هي اللاعب المحترف الذي يخطط ويطبق خططه والكتل السياسية هي من تتحرك منساقة وراء إيحاءات وإيماءات الحكومة فقليل من الواقع وإحساس بالمسؤولية ونبذ مبدأ التسابق على امتلاك أكبر قدر من كعكة الكويت، ومحاولة الاستفادة من المثل القائل: "من كبر لقمته غص" واتباع سياسة "أكل العنب حبة حبة"·

لعل بعد قراءة أجزاء هذا المقال أتهم بصفة الحكومي إن جاز التعبير، وهذا شيء مضحك!! وأقول في هذا المقام، أن موضوعا كهذا أخذ قسطا من الحساسية المفرطة على غير معنى، وأصبح هذا اللقب اتهاما لا يسمن ولا يغني من جوع، وربما المعارك السياسية تحتاج الى مصطلحات جديدة وأسلحة مؤثرة غير تلك التقليدية، وعندما نتطرق الى مثل هذا الموضوع فإننا نطلب التمييز بين الغث والسمين، وننشد الابتعاد عن أساليب أثبتت فشلها وعدم جدواها·· أم أننا نستمتع بالحروب الاصطلاحية والكلامية واستعراض العضلات الممتلئة بالهواء فقط؟!

ومن جانب آخر فإنني أزعم أن الإصلاح السهل الوصول إليه يبدأ من الكتل السياسية الشعبية وليس كيان الحكومة أيا كانت، لذلك أنا أدعي أن صراخ جهابذة الصحوة وأدبيات عصور الستينيات وما حولها لا تنفع الآن ومن الأفضل أرشفتها للتاريخ فقط، وليس للاستخدام، وأكرر إصلاح ما أفسده الدهر ينطلق من رحم الشعب وليس للاستخدام، وأكرر إصلاح ما أفسده الدهر ينطلق من رحم الشعب وليس الحكومة، فمتى نعي ذلك، ونوقف حربا بدأت منذ زمن ولم توصلنا الى مبتغانا، كل ما هنالك أنها أشاعت مفاهيم جار عليها الزمن·


الطليعه
2004/10/13