الفتى الذهبي
12-31-2010, 02:41 PM
مقال نشر في القدس العربي بتاريخ 20-12-2010
بقلم الدكتورة مضاوي الرشيد
http://www.aladhwaa.net/imgs/4/356_1011_95223.jpg
رغم انه سؤال لا يتجرأ على طرحه الا القليل من الباحثين والمهتمين بالشأن السعودي الا ان ظروف المرحلة الحالية قد فرضته وطرحته على طاولة النقاش والتكهنات ولكن مجرد التفكير به في الداخل السعودي يعرض المرء لاقصى انواع العقوبات والتي تنتهي دوما بالسجن الى امد غير معروف ويظل السؤال مطروحا في حلقات ضيقة والمجالس المقفلة ينطوي السؤال على ماهية العلاقة بين اسرة حاكمة ومساحة تسمى الوطن وبما ان المساحة كانت تعتبر فضاء فسيحا خاليا من اي انواع القانون والسلطة حسب معايير التاريخ السعودي الرسمي نجد ان تحويل الجغرافيا الفسيحة شعبها المتناحر يعتبر انجازا اسريا مرتبطا بأسرة واحدة ونظرتها الشاملة وانجازها العظيم.
بحسب المقولات التاريخية السعودية تعتبر المساحة الجغرافية سابقا بؤرة صراع وهمجية وكفر والحاد وعصبيات قبلية ونعرات مناطقية وطقوس بدائية اقرب ما تكون الى جاهلية ما قبل الاسلام وليس المجتمع المسلم كما عرفته المناطق العربية الاخرى التي تحولت الى اوطان في القرن العشرين. ان سيطرة هذا الخطاب التاريخي المزور على عقول وقلوب الكثير من سكان الجزيرة العربية او اطرافها التي دخلت في المنظومة السعودية الحديثة تجعلهم بالفعل يقتنعون بالعلاقة الحميمة بين الاسرة والوطن فيعتبرون وجود الاولى ضرورة ملحة لوجود الوطن وان زالت الاسرة يزول الوطن بعملية عفوية تلقائية فيتلاشى في لحمته ووحدته ويندثر بل قد يعود الى حالة التفكك والانفصال السابقة.
وينقسم من يطرح هذا السؤال المعقد والشائك والحساس الى اقسام منهم اولا: شريحة تتمنى زوال الاسرة وبقاء الوطن وينطلق هؤلاء من رغبة حقيقية في التخلص من ترسبات القرن العشرين والتي ارتبطت بالحكم المطلق التعسفي وانعدام الحريات والحقوق والمؤسسات حتى اصبح الوطن يختزل في اسرة واحدة وخزينته تتقلص في جيب واحد وموارده توزع حسب قانون لا يعرف خباياه الا المنجمون والعرافون بخبايا الامور وباطن الاشياء ويعترف هؤلاء بأن حالة فوضى وتخبط قد تتلو انتهاء الحقبة السعودية بسبب ضعف المجتمع مؤسساتيا وغياب العمل السياسي والتمرس به في السابق مما قد يؤدي الى خلل مرحلي وتآكل لاجهزة الدولة التي قد لا تصمد امام الكارثة. وهذا يعتبر امرا طبيعيا اذ ان سقوط الحكم الاسري المتفرد بالسلطة هو اشبه ما يكون بسقوط الامبراطوريات التي عادة تكون محفوفة بالمخاطر ومراحل فوضوية في ظل غياب التحضير المسبق لتداعيات سقوطها وهذا بالفعل ما سيحصل في بلد كالسعودية صاحب الحكم المركزي المتسلط وربما تمر البلاد بمرحلة طويلة تكون مرتبطة بالاضطرابات والخلل البنيوي تستمر لسنوات قبل ان تعاد صياغة الدولة على عقد اجتماعي جديد ومؤسسات حقيقية تضمن المشاركة السياسية والتمثيل لكافة اطياف المجتمع. ثانيا هناك فئة تتمنى زوال الاسرة والذي قد يفتح المجال لتبلور نزعات انفصالية نائمة تجد تعبيرا عن نفسها عند بروز الفرصة المناسبة فتتغير ملامح الجغرافيا الحالية برسم خطوط جديدة حول كانتونات كان لها بعد تاريخي وهويات تعاد صياغتها حاليا. وبينما تنتظر هذه الكانتونات فرصا تاريخية جديدة قد تحول الحلم القديم الى حقيقة على ارض الواقع ان توفرت لها الفرص المحلية والدعم الاقليمي والعالمي. نعتقد ان سيناريوهات الانفصال يجب ان ترفض وتقاوم لانها ستكون مبنية على اوهام وليس مصالح مشتركة. فالاقاليم السعودية كانت منذ القدم وقبل عصر الدولة الحديثة اقاليم تعتمد على اللحمة العضوية وليس الانفصال الذي تبلور لاحقا في الخطاب التاريخي السعودي الرسمي. هذا الخطاب هو المسؤول عن رسم ملامح الذاكرة التاريخية لابناء الوطن وكأنه وطن كان مشتتا في مناطق محدودة مسيجة الى ان جاءها المؤسس بسيف ماض ليوحدها تحت رايته.
هذا الخطاب المغلوط يتجاوز حالة التكامل الاقتصادي والتواصل الاجتماعي والموروث الديني الذي كان يجعل من المناطق المختلفة ثقافيا وسكانيا مكملة بعضها لبعض وان برزت نزعات انفصالية في الوقت الحاضر فما هي الا حصيلة سياسة الدولة والاسرة التي ضخمت تاريخ الشقاق المزعوم في العصور الغابرة حيث لا يخلو كتاب تاريخ سعودي من وسم الماضي بابشع الصفات والنعوت في عملية دعائية تبرز دور الدولة الحديثة هي وحدها بممارساتها ومناطقيتها المحدودة المسؤولة الرئيسية عن ظهور الخطاب الانفصالي عند بعض فئات المجتمع في الجزيرة العربية. وثالثا: هناك شرائح في المجتمع تتمنى بقاء الاسرة وزوال الوطن لا يهمها طالما ظلت مصالحها محفوظة وقدرتها الشرائية عالية وهيمنتها على المرافق والفرص الاقتصادية مضمونة فنظرتها للوطن لا تتجاوز النظرة الى السوق وما يوفره من بضائع وفرص لاقتناص الربح المشروع. وغير المشروع ومثل هؤلاء يعرفون جيدا ان دخولهم السوق الكبير مرتهن بارادة حفنة صغيرة من الشخصيات التي تمنح حق المشاركة في السوق والانتفاع منها والاستفادة من بريقها.
ولا نأسف على هؤلاء اذ انهم ينتمون الى طبقة لها جذور اقتصادية تتعدى الجغرافيا المحلية وفي اية لحظة تستطيع هذه الطبقة ان تشد رحالها وتحزم حقائبها لتنتقل الى مناطق اخرى حيث وجدت لنفسها اسواقا اخرى مزدهرة ونامية. وهذه الطبقة هي حصيلة الانفتاح الاقتصادي والاستثمار العالمي وتعتبر نفسها طبقة كوزموبوليتانية تتفرد بلغتها الخاصة التي تطعمها بلغات العالم مجتمعة وهي من اكلة السوشي والكابوتشينو الذي تتعلمه في ترحالها ورحلاتها الصاخبة الى عواصم العالم ومنتجعاته. ويرتبط الانتماء للوطن عند هذه الشريحة بالسوق الذي يشكل حبل الوريد وما ان ينقطع السوق وتزول اسرته العتيدة حتى تنتهي العلاقة وتبدأ مرحلة الهجرة الجماعية الى اوطان ـ اسواق جديدة.
وستكون هجرتها مقترنة بهجرة الاسرة ان وصل الحال الى هذه المرحلة. ولنا عبر من تاريخ الامم السابقة وخاصة تلك التي حكمتها اسر اقتلعتها الشعوب بسبب طغيانها وتعجرفها وتصرفها بموارد البلاد حسب اهوائها بعيدا عن اهم مبادئ العدالة والشفافية وتعتبر هذه الفئة الثالثة هامشا على صفحات تاريخ الشعوب تزول بزوال نفعيتها ولا تشكل الا عبئا يستنزف موارد الاوطان وينهك ثرواتها وتكون هجرتها عادة بلا عودة فتنساها الشعوب عندما تستنشق هواء الحرية والكرامة والعدالة. لذلك عندما يطرح سؤالنا عن مصير الاوطان في ظل غياب الاسرة نجد هذه الشريحة تترفع عن الفوضى في معادلات صعبة بينما هي منهوكة بتعقب ذبذبات الاسواق العالمية ومراقبة حقائبها الاقتصادية وصعود او هبوط اسهمها المحلية والعالمية.
ان استعراض هذه الفئات المتعددة وغير المتجانسة ومدى ردود فعلها على اشكالية العلاقة بين الاسرة والوطن قد يثير البعض لا لسبب الا لانه طرح واستعرض من قبلنا ونحن نحمل ذاك الارث المرتبط بالاسم. ولكن يجب التنبيه ان اي مشروع انفصالي يتقوقع فيه البعض اما لاحياء حلم قديم او لبناء وهم جديد هو مرفوض تماما حيث ان شعورنا وعاطفتنا واهواءنا تملي علينا التمسك بوحدة الاوطان بل ابعد من هذا بكثير. لقد صقلتنا الايام والتجارب لنعرف مدى اهمية الوحدة الحقيقية ليس فقط على المستوى الاقليمي المحلي بل ابعد من ذلك بكثير حيث تكمل المناطق بعضها البعض ثقافيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا من بغداد مرورا ببيروت وانتهاء بالرباط. لقد تجنبنا الاطار الضيق والمناطقية المحدودة وشربنا من منابع ثقافية ابعد بكثير من حدود الجزيرة العربية لذلك كبر الطموح وغذاه العقل حتى تحولت الهجرة والغربة الى قوة لها جذور في اوطان كثيرة ومتعددة. ولسنا حالة شاذة او شعور اقلية بل انها حقيقة ملموسة تحسسناها في ترحالنا وتجولنا في المنطقة. سنقول لا لمفتتي الاوطان والذين اعمتهم سياسة دولة فئوية على مر العقود السابقة ولا نلومهم ان نزعوا الى نزعات انفصالية بل نطلب منهم ان يتجاوزوا تاريخ الشقاق والنفاق والتعتيم على تاريخ مشترك وغمامة الفرقة التي نمتها الدولة المركزية بآلتها الاعلامية وسياستها الاقصائية وتعجرفها خلال الفترات السابقة رغم تشدقها بالوحدة الوطنية. وطالما ظلت وحدة الوطن رهينة الخطاب الاعلامي والتاريخي المزيف سنظل نعاني من تطرف الانفصاليين والذين هم في نهاية المطاف نتيجة حتمية لهذه السياسة التي مورست ضد الآخر اينما كان في محاولة لشق الصف واحكام السيطرة التامة على مجتمع متفكك متشرذم يتخفى خلف عصبيات وهمية وعنجهيات غذتها خطابات التاريخ التي صورت شعب الجزيرة وكأنه شعب متوحش لا يعرف سوى الاقتتال والاحتراب حتى جاءه الفرج من انهكته باستئثارها وتشتيتها لموارده ومخيلته. سيبقى الوطن باسرة او بدونها.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
بقلم الدكتورة مضاوي الرشيد
http://www.aladhwaa.net/imgs/4/356_1011_95223.jpg
رغم انه سؤال لا يتجرأ على طرحه الا القليل من الباحثين والمهتمين بالشأن السعودي الا ان ظروف المرحلة الحالية قد فرضته وطرحته على طاولة النقاش والتكهنات ولكن مجرد التفكير به في الداخل السعودي يعرض المرء لاقصى انواع العقوبات والتي تنتهي دوما بالسجن الى امد غير معروف ويظل السؤال مطروحا في حلقات ضيقة والمجالس المقفلة ينطوي السؤال على ماهية العلاقة بين اسرة حاكمة ومساحة تسمى الوطن وبما ان المساحة كانت تعتبر فضاء فسيحا خاليا من اي انواع القانون والسلطة حسب معايير التاريخ السعودي الرسمي نجد ان تحويل الجغرافيا الفسيحة شعبها المتناحر يعتبر انجازا اسريا مرتبطا بأسرة واحدة ونظرتها الشاملة وانجازها العظيم.
بحسب المقولات التاريخية السعودية تعتبر المساحة الجغرافية سابقا بؤرة صراع وهمجية وكفر والحاد وعصبيات قبلية ونعرات مناطقية وطقوس بدائية اقرب ما تكون الى جاهلية ما قبل الاسلام وليس المجتمع المسلم كما عرفته المناطق العربية الاخرى التي تحولت الى اوطان في القرن العشرين. ان سيطرة هذا الخطاب التاريخي المزور على عقول وقلوب الكثير من سكان الجزيرة العربية او اطرافها التي دخلت في المنظومة السعودية الحديثة تجعلهم بالفعل يقتنعون بالعلاقة الحميمة بين الاسرة والوطن فيعتبرون وجود الاولى ضرورة ملحة لوجود الوطن وان زالت الاسرة يزول الوطن بعملية عفوية تلقائية فيتلاشى في لحمته ووحدته ويندثر بل قد يعود الى حالة التفكك والانفصال السابقة.
وينقسم من يطرح هذا السؤال المعقد والشائك والحساس الى اقسام منهم اولا: شريحة تتمنى زوال الاسرة وبقاء الوطن وينطلق هؤلاء من رغبة حقيقية في التخلص من ترسبات القرن العشرين والتي ارتبطت بالحكم المطلق التعسفي وانعدام الحريات والحقوق والمؤسسات حتى اصبح الوطن يختزل في اسرة واحدة وخزينته تتقلص في جيب واحد وموارده توزع حسب قانون لا يعرف خباياه الا المنجمون والعرافون بخبايا الامور وباطن الاشياء ويعترف هؤلاء بأن حالة فوضى وتخبط قد تتلو انتهاء الحقبة السعودية بسبب ضعف المجتمع مؤسساتيا وغياب العمل السياسي والتمرس به في السابق مما قد يؤدي الى خلل مرحلي وتآكل لاجهزة الدولة التي قد لا تصمد امام الكارثة. وهذا يعتبر امرا طبيعيا اذ ان سقوط الحكم الاسري المتفرد بالسلطة هو اشبه ما يكون بسقوط الامبراطوريات التي عادة تكون محفوفة بالمخاطر ومراحل فوضوية في ظل غياب التحضير المسبق لتداعيات سقوطها وهذا بالفعل ما سيحصل في بلد كالسعودية صاحب الحكم المركزي المتسلط وربما تمر البلاد بمرحلة طويلة تكون مرتبطة بالاضطرابات والخلل البنيوي تستمر لسنوات قبل ان تعاد صياغة الدولة على عقد اجتماعي جديد ومؤسسات حقيقية تضمن المشاركة السياسية والتمثيل لكافة اطياف المجتمع. ثانيا هناك فئة تتمنى زوال الاسرة والذي قد يفتح المجال لتبلور نزعات انفصالية نائمة تجد تعبيرا عن نفسها عند بروز الفرصة المناسبة فتتغير ملامح الجغرافيا الحالية برسم خطوط جديدة حول كانتونات كان لها بعد تاريخي وهويات تعاد صياغتها حاليا. وبينما تنتظر هذه الكانتونات فرصا تاريخية جديدة قد تحول الحلم القديم الى حقيقة على ارض الواقع ان توفرت لها الفرص المحلية والدعم الاقليمي والعالمي. نعتقد ان سيناريوهات الانفصال يجب ان ترفض وتقاوم لانها ستكون مبنية على اوهام وليس مصالح مشتركة. فالاقاليم السعودية كانت منذ القدم وقبل عصر الدولة الحديثة اقاليم تعتمد على اللحمة العضوية وليس الانفصال الذي تبلور لاحقا في الخطاب التاريخي السعودي الرسمي. هذا الخطاب هو المسؤول عن رسم ملامح الذاكرة التاريخية لابناء الوطن وكأنه وطن كان مشتتا في مناطق محدودة مسيجة الى ان جاءها المؤسس بسيف ماض ليوحدها تحت رايته.
هذا الخطاب المغلوط يتجاوز حالة التكامل الاقتصادي والتواصل الاجتماعي والموروث الديني الذي كان يجعل من المناطق المختلفة ثقافيا وسكانيا مكملة بعضها لبعض وان برزت نزعات انفصالية في الوقت الحاضر فما هي الا حصيلة سياسة الدولة والاسرة التي ضخمت تاريخ الشقاق المزعوم في العصور الغابرة حيث لا يخلو كتاب تاريخ سعودي من وسم الماضي بابشع الصفات والنعوت في عملية دعائية تبرز دور الدولة الحديثة هي وحدها بممارساتها ومناطقيتها المحدودة المسؤولة الرئيسية عن ظهور الخطاب الانفصالي عند بعض فئات المجتمع في الجزيرة العربية. وثالثا: هناك شرائح في المجتمع تتمنى بقاء الاسرة وزوال الوطن لا يهمها طالما ظلت مصالحها محفوظة وقدرتها الشرائية عالية وهيمنتها على المرافق والفرص الاقتصادية مضمونة فنظرتها للوطن لا تتجاوز النظرة الى السوق وما يوفره من بضائع وفرص لاقتناص الربح المشروع. وغير المشروع ومثل هؤلاء يعرفون جيدا ان دخولهم السوق الكبير مرتهن بارادة حفنة صغيرة من الشخصيات التي تمنح حق المشاركة في السوق والانتفاع منها والاستفادة من بريقها.
ولا نأسف على هؤلاء اذ انهم ينتمون الى طبقة لها جذور اقتصادية تتعدى الجغرافيا المحلية وفي اية لحظة تستطيع هذه الطبقة ان تشد رحالها وتحزم حقائبها لتنتقل الى مناطق اخرى حيث وجدت لنفسها اسواقا اخرى مزدهرة ونامية. وهذه الطبقة هي حصيلة الانفتاح الاقتصادي والاستثمار العالمي وتعتبر نفسها طبقة كوزموبوليتانية تتفرد بلغتها الخاصة التي تطعمها بلغات العالم مجتمعة وهي من اكلة السوشي والكابوتشينو الذي تتعلمه في ترحالها ورحلاتها الصاخبة الى عواصم العالم ومنتجعاته. ويرتبط الانتماء للوطن عند هذه الشريحة بالسوق الذي يشكل حبل الوريد وما ان ينقطع السوق وتزول اسرته العتيدة حتى تنتهي العلاقة وتبدأ مرحلة الهجرة الجماعية الى اوطان ـ اسواق جديدة.
وستكون هجرتها مقترنة بهجرة الاسرة ان وصل الحال الى هذه المرحلة. ولنا عبر من تاريخ الامم السابقة وخاصة تلك التي حكمتها اسر اقتلعتها الشعوب بسبب طغيانها وتعجرفها وتصرفها بموارد البلاد حسب اهوائها بعيدا عن اهم مبادئ العدالة والشفافية وتعتبر هذه الفئة الثالثة هامشا على صفحات تاريخ الشعوب تزول بزوال نفعيتها ولا تشكل الا عبئا يستنزف موارد الاوطان وينهك ثرواتها وتكون هجرتها عادة بلا عودة فتنساها الشعوب عندما تستنشق هواء الحرية والكرامة والعدالة. لذلك عندما يطرح سؤالنا عن مصير الاوطان في ظل غياب الاسرة نجد هذه الشريحة تترفع عن الفوضى في معادلات صعبة بينما هي منهوكة بتعقب ذبذبات الاسواق العالمية ومراقبة حقائبها الاقتصادية وصعود او هبوط اسهمها المحلية والعالمية.
ان استعراض هذه الفئات المتعددة وغير المتجانسة ومدى ردود فعلها على اشكالية العلاقة بين الاسرة والوطن قد يثير البعض لا لسبب الا لانه طرح واستعرض من قبلنا ونحن نحمل ذاك الارث المرتبط بالاسم. ولكن يجب التنبيه ان اي مشروع انفصالي يتقوقع فيه البعض اما لاحياء حلم قديم او لبناء وهم جديد هو مرفوض تماما حيث ان شعورنا وعاطفتنا واهواءنا تملي علينا التمسك بوحدة الاوطان بل ابعد من هذا بكثير. لقد صقلتنا الايام والتجارب لنعرف مدى اهمية الوحدة الحقيقية ليس فقط على المستوى الاقليمي المحلي بل ابعد من ذلك بكثير حيث تكمل المناطق بعضها البعض ثقافيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا من بغداد مرورا ببيروت وانتهاء بالرباط. لقد تجنبنا الاطار الضيق والمناطقية المحدودة وشربنا من منابع ثقافية ابعد بكثير من حدود الجزيرة العربية لذلك كبر الطموح وغذاه العقل حتى تحولت الهجرة والغربة الى قوة لها جذور في اوطان كثيرة ومتعددة. ولسنا حالة شاذة او شعور اقلية بل انها حقيقة ملموسة تحسسناها في ترحالنا وتجولنا في المنطقة. سنقول لا لمفتتي الاوطان والذين اعمتهم سياسة دولة فئوية على مر العقود السابقة ولا نلومهم ان نزعوا الى نزعات انفصالية بل نطلب منهم ان يتجاوزوا تاريخ الشقاق والنفاق والتعتيم على تاريخ مشترك وغمامة الفرقة التي نمتها الدولة المركزية بآلتها الاعلامية وسياستها الاقصائية وتعجرفها خلال الفترات السابقة رغم تشدقها بالوحدة الوطنية. وطالما ظلت وحدة الوطن رهينة الخطاب الاعلامي والتاريخي المزيف سنظل نعاني من تطرف الانفصاليين والذين هم في نهاية المطاف نتيجة حتمية لهذه السياسة التي مورست ضد الآخر اينما كان في محاولة لشق الصف واحكام السيطرة التامة على مجتمع متفكك متشرذم يتخفى خلف عصبيات وهمية وعنجهيات غذتها خطابات التاريخ التي صورت شعب الجزيرة وكأنه شعب متوحش لا يعرف سوى الاقتتال والاحتراب حتى جاءه الفرج من انهكته باستئثارها وتشتيتها لموارده ومخيلته. سيبقى الوطن باسرة او بدونها.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية