سيد مرحوم
10-12-2004, 12:52 PM
أميركا والارهاب.. أين الحل؟
نـزار حيدر GMT 7:30:00 2004 الثلائاء 12 أكتوبر
يوما بعد آخر، تستفحل ظاهرة العنف والارهاب التي تجتاح العالم، ما يعني أنه لم يعد أكثر أمنا منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية، التي تقود التحالف الدولي في الحرب على الارهاب، والتي تحرض عليه، في واقع الأمر، بشكل أو بآخر، بسبب السياسات الخاطئة التي تنتهجها في العديد من مناطق التوتر والبؤر الساخنة، كالعراق مثلا.
لقد إرتكبت واشنطن ما يكفي من الأخطاء التي لا تغتفر، ما فضحها وأسقط مصداقيتها، لدرجة أنها لم تعد تتحدث عن نموذج عراقي، طالما بشرت به شعوب المنطقة ودول العالم الثالث، والذي قالت أنها ذاهبة الى هناك لبنائه بعد إسقاط النظام الشمولي.
لقد ساقت أميركا عدة مبررات عندما أرادت أن تذهب الى العراق، أحدها يتعلق بالارهاب، فحاولت إقناع العالم، والأميركيين على وجه التحديد، بنظرية ما أسمته بالضربة الاستباقية لبؤر الارهاب، فقالت مثلا، إن ذهاب قواتها الى العراق للقضاء على خطر الارهاب القادم من هناك، أفضل لها من الانتظار ليغزوها في عقر دارها، على غرار أحداث أيلول، وأضافت، أن هذه السياسة تساهم في صناعة عالم، أو أميركا على وجه الخصوص، أكثر أمنا، إلا أن مسار الاحداث الذي شهدها العراق والعالم خلال الفترة التي أعقبت أيلول عام ألفين وواحد ولحد الآن، أثبتت أن أميركا لم تنه المشكلة وإنما نقلتها، وإذا تذكرنا بأن العالم اليوم هو قرية صغيرة، يؤثر الجزء الصغير منه بالكل، لتيقنا بأنها سوف لن تفلت من المشكلة أبدا، مهما أبعدت ساحتها عن الشواطئ المحاذية والحدود المتاخمة، ففي نظام القرية، إما أن يعيش الجميع في أمن وأمان واستقرار، أو لا يعيش أي أحد في أمان، إذ لا يعقل أن تعيش الولايات المتحدة بأمن وهدوء واستقرار، ومن حولها محيط يموج بالعنف والارهاب.
إذا لم تفهم واشنطن هذه المعادلة، فإن من الصعب جدا، إن لم نقل من المستحيل، أن نتحدث عن نهاية قريبة للحرب على الارهاب.
برأيي، فإن الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن في الحرب على الارهاب، تعاني من عدة أخطاء قاتلة، ولذلك، فانها ستظل عنصر محرض بدلا من أن تنجح في تحقيق مهمة القضاء على الارهاب لبناء عالم جديد يتمتع بالعدل والامن والسلام، يعتقد الرئيس بوش أن الخالق إختاره لهذه المهمة النبوية.
سيظل شبح الارهاب وخطره، ماثلا وشاخصا أمامها، مهما أبعدت ساحاته عن حدودها، لأن ساحة حربه مفتوحة وواسعة ومعقدة، لا يستطيع أحد الهروب منها وحماية نفسه بمعزل عن الآخرين.
إذا أرادت أميركا أن تتذوق طعم الأمن، عليها أن تساهم بشكل حقيقي وصادق، في إرساء دعائم الأمن والسلام في العالم، لأن سياسة نقل الساحات وإستبدالها، لا يمنح الأمن والاستقرار لأحد أبدا.
الولايات المتحدة تعتقد، كذلك، بأنها هي الحل في الحرب على الارهاب، بينما هي، في حقيقة الأمر، جزء من المشكلة، بل أنها الجزء الأهم من المشكلة، وفرق كبير جدا بين الأمرين اللذين تبنى على أساسهما إستراتيجية التعامل، ولذلك تستمر واشنطن في إرتكاب الأخطاء، بسبب الخطأ في الفهم والمنطلق والرؤية والأرضية التي تستند عليها.
إنها جزء من المشكلة، إما بسبب سياساتها الخاطئة، وفي كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة، السياسية الدولية منها، والاقتصادية والأمنية وغيرها الكثير، أو بسبب محاولاتها الاستفراد بقيادة العالم، أو بسبب فشلها في إختيار أصدقائها، فمن سوء حظ الولايات المتحدة، أنها تفشل في كل مرة تختار فيها أصدقاء في هذا العالم، وعلى وجه الخصوص في منطقتنا، إنها فاشلة في تجارب إختيار الاصدقاء، فشل الرجل المخدوع في تجارب الزواج المتكررة، وهي في كل مرة تختار فيها صديق، تصنع لها أعداء كثيرون، وعندما تكتشف أنها أخطأت في إختيار صديقها، تكون قد صنعت منه عدوا يضاف الى أعدائها التقليديين، وهكذا.
لقد إختارت الولايات المتحدة ــ إسرائيل ــ صديقا لها في المنطقة، وفشلت، كما اختارت نظام صدام حسين الشمولي في العراق، إلى جانب عدد من الأنظمة الشمولية الاستبدادية الديكتاتورية القمعية البوليسية، وفشلت، وهكذا فشلت في صداقتها مع بن لادن وتنظيمه الارهابي، الذي اختارته صديقا لها، إلى جانب الملا عمر وتنظيمه الارهابي المتخلف في أفغانستان، لتكتشف خطأها وفشلها في هذا الاختيار غير الموفق أبدا، ولكن، بعد خراب البصرة.
لقد ورطت أميركا نفسها مع نماذج سيئة من الأصدقاء، كانت سببا مباشرا في إثارة موجة العداء العالمية ضدها، والتي تحولت، بمرور الزمن الى موجة من العنف، وقديما قال الحكماء،
ــ من يزرع الريح، يحصد العاصفة ــ.
أما الأغرب في كل القصة، هو أن أميركا تورط الشعوب مع أصدقائها السيئين، في كل مرة تختار أحدهم، فتظل الشعوب تدفع الثمن بلا هوادة، وعندما تكتشف واشنطن خطأ خيارها وتقرر تصحيحه، كذلك يكون على الشعوب أن تدفع الثمن، فهي إذن تدفع الثمن مرتين، مرة عندما تختار أميركا الصديق الخطأ، وأخرى عندما تكتشف الخطا وتريد إصلاحه، وبعد كل هذا يتساءل الأميركيون، لماذا يكرهنا العالم؟ ولماذا يستهدفنا العنف في عقر دورنا؟ ولماذا يصفنا العالم بأننا جزء من المشكلة، إذا لم يتطرف آخرون ويتهموننا بأننا كل المشكلة؟.
كذلك، فإن إعجاب الولايات المتحدة بنموذجها وثقافتها، التي تحاول فرضها على شعوب العالم، وبالذات العربي والاسلامي، يعد هو الآخر سببا مباشرا للتحريض على العنف والارهاب، لأن الشعوب ترفض أن تستورد نماذج تتعارض مع ثقافتها وتاريخها وقيمها، فكما أن الأميركيين يعتزون بثقافتهم، ولا يسمحون لأحد المساس أو الطعن بها، كذلك، فإن بقية الشعوب، لا تقبل أن يمس ثقافتها أحد أو يطعن بها، وإذا كان هناك من ضرورة للاصلاح، فلابد أن يمارس من الداخل، لا أن يتحول الى حجة لتهديد الشعوب، هذا فضلا عن أن النموذج الأميركي لم يكن ليحسد عليه أهله حتى يقرر الأميركيون تصديره بالقوة والاكراه الى الآخرين.
يكفي أن ترفع الولايات المتحدة الاميركية يدها عن الأنظمة الشمولية، وتوقف فورا دعمها
اللامتناهي الذي تقدمه لها إذا أرادت أن تقدم خدمة تاريخية لن تنسى لهذه الشعوب، وإذا أرادت أن تخفف من موجة العداء ضدها، وتحسن صورتها وتعيد المصداقية لنفسها، أما بقية المهمة فستتكفلها الشعوب القادرة على التغيير والاصلاح على أحسن وجه.
إن من طبيعة الشعوب، التمسك بالموروث، وهي تزيد من تمسكها به، إذا أحست بأن يدا خارجية تحاول العبث به، كما تفعل حاليا الولايات المتحدة مع عدد من دول العالم الثالث، وكأنها وصية على الشعوب، ناسية، أو متناسية، أن نموذجها الذي تصر على تصديره بالعنف، يحمل في طياته، من المشاكل والفضائح، ما يزكم الأنوف ويهددها بالانهيار، فهل ستقبل أميركا، حينها، من الآخرين، نماذج جديدة تنقذها من الضياع، كما ضاع الشرق من قبل، والذي سعى الى ما تسعى اليه اليوم الولايات المتحدة؟.
من مشاكل الولايات المتحدة الأخرى، هي أنها تتعامل مع كل أحداث العالم من منظور أمني، مع إلغاء كامل لكل الجوانب الأخرى، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، فهي تنظر بعين واحدة، مثلها في ذلك مثل الكثير من الأنظمة الشمولية البوليسية التي تتعامل مع حركات المعارضة في بلدانها، كملفات أمنية فحسب، فتطارد وتعتقل وتقتل وتغتال، من دون أن تحدث نفسها ولو لمرة واحدة في أن تلجأ الى التعامل معها كتيارات سياسية لها رأيا وموقفا ومشروعا وخططا للمشاركة في الحياة السياسية والشأن العام في البلد، فتبادر مثلا الى فتح باب الحوار معها، لتصغ الى ما تقول وتستمع الى حديثها.
لقد حان الوقت ــ كما أعتقد ــ لتعيد واشنطن النظر في طريقة تعاملها مع أحداث العالم، فليس كل من يعارض سياساتها، إرهابيا، كما أنه ليس شيطانا أو شريرا أو لا يريد للبشرية خيرا، كل من يخالفها الرأي، فبدلا من أن ترفع العصا بوجه الآخرين بحثا عن رؤوس تتصور بأن الوقت قد حان لقطافها، عليها أن تقرر التعامل بطريقة جديدة تعتمد أسلوب الحوار والشراكة والمصالح المشتركة والمتبادلة.
عليها أن تعرف، أن من حق الآخرين كذلك أن يعيشوا بأمان وإزدهار ونمو إقتصادي، فالتفكير أحادي الجانب إلى درجة الأنانية، والافراط في السعي لضمان المصالح القومية، على حساب مصالح الآخرين، لا يساهم في الانتصار المؤمل في الحرب على الارهاب.
إن إستمرار الولايات المتحدة في إنتهاج سياسة العصا الغليظة بوجه العالم، ستجرها والعالم على حد سواء، الى حافة الهاوية، والى نهاية مجهولة من الصعب على المرء أن يقرأ نتائجها الآن، ولذلك، عليها أن تحتكم الى العقل والمنطق، وتخفف من إستخدام القوة والعنف لدرجة الارهاب.
إن العالم اليوم بحاجة الى الكثير جدا من الحكمة، الى جانب القليل من القوة، لأن القوة التي لا تستند الى الحكمة، تهور، وهي، في هذه الحالة تكون مدمرة، ليس فقط لمن تستخدم ضده، وإنما لمن يستخدمها كذلك، لأنها تعطي نتائج معكوسة.
وإذا كانت الأنظمة الديكتاتورية مستعدة للانحناء أمام العاصفة الأميركية، مقابل الاحتفاظ
بالسلطة، وفي ذهنها تجربة نظام صدام حسين في العراق، فلا يعني ذلك أبدا بأن كل الناس على استعداد لذلك، إذ ليس الشعوب كأنظمتها، تخشى القوة، وترتعد فرائصها من العصا الغليظة المشهورة في وجهها، خاصة، أولئك الذين يرون أنفسهم على حق، وأن الآخر على باطل.
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن
نـزار حيدر GMT 7:30:00 2004 الثلائاء 12 أكتوبر
يوما بعد آخر، تستفحل ظاهرة العنف والارهاب التي تجتاح العالم، ما يعني أنه لم يعد أكثر أمنا منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية، التي تقود التحالف الدولي في الحرب على الارهاب، والتي تحرض عليه، في واقع الأمر، بشكل أو بآخر، بسبب السياسات الخاطئة التي تنتهجها في العديد من مناطق التوتر والبؤر الساخنة، كالعراق مثلا.
لقد إرتكبت واشنطن ما يكفي من الأخطاء التي لا تغتفر، ما فضحها وأسقط مصداقيتها، لدرجة أنها لم تعد تتحدث عن نموذج عراقي، طالما بشرت به شعوب المنطقة ودول العالم الثالث، والذي قالت أنها ذاهبة الى هناك لبنائه بعد إسقاط النظام الشمولي.
لقد ساقت أميركا عدة مبررات عندما أرادت أن تذهب الى العراق، أحدها يتعلق بالارهاب، فحاولت إقناع العالم، والأميركيين على وجه التحديد، بنظرية ما أسمته بالضربة الاستباقية لبؤر الارهاب، فقالت مثلا، إن ذهاب قواتها الى العراق للقضاء على خطر الارهاب القادم من هناك، أفضل لها من الانتظار ليغزوها في عقر دارها، على غرار أحداث أيلول، وأضافت، أن هذه السياسة تساهم في صناعة عالم، أو أميركا على وجه الخصوص، أكثر أمنا، إلا أن مسار الاحداث الذي شهدها العراق والعالم خلال الفترة التي أعقبت أيلول عام ألفين وواحد ولحد الآن، أثبتت أن أميركا لم تنه المشكلة وإنما نقلتها، وإذا تذكرنا بأن العالم اليوم هو قرية صغيرة، يؤثر الجزء الصغير منه بالكل، لتيقنا بأنها سوف لن تفلت من المشكلة أبدا، مهما أبعدت ساحتها عن الشواطئ المحاذية والحدود المتاخمة، ففي نظام القرية، إما أن يعيش الجميع في أمن وأمان واستقرار، أو لا يعيش أي أحد في أمان، إذ لا يعقل أن تعيش الولايات المتحدة بأمن وهدوء واستقرار، ومن حولها محيط يموج بالعنف والارهاب.
إذا لم تفهم واشنطن هذه المعادلة، فإن من الصعب جدا، إن لم نقل من المستحيل، أن نتحدث عن نهاية قريبة للحرب على الارهاب.
برأيي، فإن الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن في الحرب على الارهاب، تعاني من عدة أخطاء قاتلة، ولذلك، فانها ستظل عنصر محرض بدلا من أن تنجح في تحقيق مهمة القضاء على الارهاب لبناء عالم جديد يتمتع بالعدل والامن والسلام، يعتقد الرئيس بوش أن الخالق إختاره لهذه المهمة النبوية.
سيظل شبح الارهاب وخطره، ماثلا وشاخصا أمامها، مهما أبعدت ساحاته عن حدودها، لأن ساحة حربه مفتوحة وواسعة ومعقدة، لا يستطيع أحد الهروب منها وحماية نفسه بمعزل عن الآخرين.
إذا أرادت أميركا أن تتذوق طعم الأمن، عليها أن تساهم بشكل حقيقي وصادق، في إرساء دعائم الأمن والسلام في العالم، لأن سياسة نقل الساحات وإستبدالها، لا يمنح الأمن والاستقرار لأحد أبدا.
الولايات المتحدة تعتقد، كذلك، بأنها هي الحل في الحرب على الارهاب، بينما هي، في حقيقة الأمر، جزء من المشكلة، بل أنها الجزء الأهم من المشكلة، وفرق كبير جدا بين الأمرين اللذين تبنى على أساسهما إستراتيجية التعامل، ولذلك تستمر واشنطن في إرتكاب الأخطاء، بسبب الخطأ في الفهم والمنطلق والرؤية والأرضية التي تستند عليها.
إنها جزء من المشكلة، إما بسبب سياساتها الخاطئة، وفي كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة، السياسية الدولية منها، والاقتصادية والأمنية وغيرها الكثير، أو بسبب محاولاتها الاستفراد بقيادة العالم، أو بسبب فشلها في إختيار أصدقائها، فمن سوء حظ الولايات المتحدة، أنها تفشل في كل مرة تختار فيها أصدقاء في هذا العالم، وعلى وجه الخصوص في منطقتنا، إنها فاشلة في تجارب إختيار الاصدقاء، فشل الرجل المخدوع في تجارب الزواج المتكررة، وهي في كل مرة تختار فيها صديق، تصنع لها أعداء كثيرون، وعندما تكتشف أنها أخطأت في إختيار صديقها، تكون قد صنعت منه عدوا يضاف الى أعدائها التقليديين، وهكذا.
لقد إختارت الولايات المتحدة ــ إسرائيل ــ صديقا لها في المنطقة، وفشلت، كما اختارت نظام صدام حسين الشمولي في العراق، إلى جانب عدد من الأنظمة الشمولية الاستبدادية الديكتاتورية القمعية البوليسية، وفشلت، وهكذا فشلت في صداقتها مع بن لادن وتنظيمه الارهابي، الذي اختارته صديقا لها، إلى جانب الملا عمر وتنظيمه الارهابي المتخلف في أفغانستان، لتكتشف خطأها وفشلها في هذا الاختيار غير الموفق أبدا، ولكن، بعد خراب البصرة.
لقد ورطت أميركا نفسها مع نماذج سيئة من الأصدقاء، كانت سببا مباشرا في إثارة موجة العداء العالمية ضدها، والتي تحولت، بمرور الزمن الى موجة من العنف، وقديما قال الحكماء،
ــ من يزرع الريح، يحصد العاصفة ــ.
أما الأغرب في كل القصة، هو أن أميركا تورط الشعوب مع أصدقائها السيئين، في كل مرة تختار أحدهم، فتظل الشعوب تدفع الثمن بلا هوادة، وعندما تكتشف واشنطن خطأ خيارها وتقرر تصحيحه، كذلك يكون على الشعوب أن تدفع الثمن، فهي إذن تدفع الثمن مرتين، مرة عندما تختار أميركا الصديق الخطأ، وأخرى عندما تكتشف الخطا وتريد إصلاحه، وبعد كل هذا يتساءل الأميركيون، لماذا يكرهنا العالم؟ ولماذا يستهدفنا العنف في عقر دورنا؟ ولماذا يصفنا العالم بأننا جزء من المشكلة، إذا لم يتطرف آخرون ويتهموننا بأننا كل المشكلة؟.
كذلك، فإن إعجاب الولايات المتحدة بنموذجها وثقافتها، التي تحاول فرضها على شعوب العالم، وبالذات العربي والاسلامي، يعد هو الآخر سببا مباشرا للتحريض على العنف والارهاب، لأن الشعوب ترفض أن تستورد نماذج تتعارض مع ثقافتها وتاريخها وقيمها، فكما أن الأميركيين يعتزون بثقافتهم، ولا يسمحون لأحد المساس أو الطعن بها، كذلك، فإن بقية الشعوب، لا تقبل أن يمس ثقافتها أحد أو يطعن بها، وإذا كان هناك من ضرورة للاصلاح، فلابد أن يمارس من الداخل، لا أن يتحول الى حجة لتهديد الشعوب، هذا فضلا عن أن النموذج الأميركي لم يكن ليحسد عليه أهله حتى يقرر الأميركيون تصديره بالقوة والاكراه الى الآخرين.
يكفي أن ترفع الولايات المتحدة الاميركية يدها عن الأنظمة الشمولية، وتوقف فورا دعمها
اللامتناهي الذي تقدمه لها إذا أرادت أن تقدم خدمة تاريخية لن تنسى لهذه الشعوب، وإذا أرادت أن تخفف من موجة العداء ضدها، وتحسن صورتها وتعيد المصداقية لنفسها، أما بقية المهمة فستتكفلها الشعوب القادرة على التغيير والاصلاح على أحسن وجه.
إن من طبيعة الشعوب، التمسك بالموروث، وهي تزيد من تمسكها به، إذا أحست بأن يدا خارجية تحاول العبث به، كما تفعل حاليا الولايات المتحدة مع عدد من دول العالم الثالث، وكأنها وصية على الشعوب، ناسية، أو متناسية، أن نموذجها الذي تصر على تصديره بالعنف، يحمل في طياته، من المشاكل والفضائح، ما يزكم الأنوف ويهددها بالانهيار، فهل ستقبل أميركا، حينها، من الآخرين، نماذج جديدة تنقذها من الضياع، كما ضاع الشرق من قبل، والذي سعى الى ما تسعى اليه اليوم الولايات المتحدة؟.
من مشاكل الولايات المتحدة الأخرى، هي أنها تتعامل مع كل أحداث العالم من منظور أمني، مع إلغاء كامل لكل الجوانب الأخرى، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، فهي تنظر بعين واحدة، مثلها في ذلك مثل الكثير من الأنظمة الشمولية البوليسية التي تتعامل مع حركات المعارضة في بلدانها، كملفات أمنية فحسب، فتطارد وتعتقل وتقتل وتغتال، من دون أن تحدث نفسها ولو لمرة واحدة في أن تلجأ الى التعامل معها كتيارات سياسية لها رأيا وموقفا ومشروعا وخططا للمشاركة في الحياة السياسية والشأن العام في البلد، فتبادر مثلا الى فتح باب الحوار معها، لتصغ الى ما تقول وتستمع الى حديثها.
لقد حان الوقت ــ كما أعتقد ــ لتعيد واشنطن النظر في طريقة تعاملها مع أحداث العالم، فليس كل من يعارض سياساتها، إرهابيا، كما أنه ليس شيطانا أو شريرا أو لا يريد للبشرية خيرا، كل من يخالفها الرأي، فبدلا من أن ترفع العصا بوجه الآخرين بحثا عن رؤوس تتصور بأن الوقت قد حان لقطافها، عليها أن تقرر التعامل بطريقة جديدة تعتمد أسلوب الحوار والشراكة والمصالح المشتركة والمتبادلة.
عليها أن تعرف، أن من حق الآخرين كذلك أن يعيشوا بأمان وإزدهار ونمو إقتصادي، فالتفكير أحادي الجانب إلى درجة الأنانية، والافراط في السعي لضمان المصالح القومية، على حساب مصالح الآخرين، لا يساهم في الانتصار المؤمل في الحرب على الارهاب.
إن إستمرار الولايات المتحدة في إنتهاج سياسة العصا الغليظة بوجه العالم، ستجرها والعالم على حد سواء، الى حافة الهاوية، والى نهاية مجهولة من الصعب على المرء أن يقرأ نتائجها الآن، ولذلك، عليها أن تحتكم الى العقل والمنطق، وتخفف من إستخدام القوة والعنف لدرجة الارهاب.
إن العالم اليوم بحاجة الى الكثير جدا من الحكمة، الى جانب القليل من القوة، لأن القوة التي لا تستند الى الحكمة، تهور، وهي، في هذه الحالة تكون مدمرة، ليس فقط لمن تستخدم ضده، وإنما لمن يستخدمها كذلك، لأنها تعطي نتائج معكوسة.
وإذا كانت الأنظمة الديكتاتورية مستعدة للانحناء أمام العاصفة الأميركية، مقابل الاحتفاظ
بالسلطة، وفي ذهنها تجربة نظام صدام حسين في العراق، فلا يعني ذلك أبدا بأن كل الناس على استعداد لذلك، إذ ليس الشعوب كأنظمتها، تخشى القوة، وترتعد فرائصها من العصا الغليظة المشهورة في وجهها، خاصة، أولئك الذين يرون أنفسهم على حق، وأن الآخر على باطل.
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن