الدكتور عادل رضا
10-10-2004, 11:52 PM
الحرب على العراق لوضع اليد على ثرواته وتحويله قاعدة أمريكية وجسر عبور
السيِّد محمد حسين فضل الله: دولنا تجمّعات عشائرية وقبلية
والملوك والرؤساء موظَّفون لدى أجهزة المخابرات
مع سماحة السيد محمد حسين فضل الله حاوره: حسن مقلد
الحديث مع العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله يأخذ دائماً إلى الأعماق والجذور، وببساطة حقيقية وعفوية، يتجاوز ما اصطلح على تسميتها بالخطوط الحمر.
ويطرح أمام العقل جملة تحديات تستفز وتحفز وإن لبست أحياناً لباس المستحيل، فكيف إذا كان طابع الحديث عن الشأن الاقتصادي، وهو الشأن السائد والمحدّد في العالم، بينما هو الغائب والمغيَّب في عالمنا العربي.
وللحديث مع السيد فضل الله في هذه الظروف وقع خاص، لترابط العامل الاقتصادي بما يحصل في منطقتنا، وخاصة في العراق، وانعكاس هذا المتغير العميق، أي تحول أمريكا إلى قوة إقليمية، على العالمين العربي والإسلامي، ومنهما سوريا ولبنان.
وإذ يعتبر السيد فضل الله أن المسألة السياسية والأمنية التي تحدد السياسة الأمريكية في المنطقة ترتكز على العامل الاقتصادي، وأن السيطرة على ثروات العراق والمنطقة هي العامل الأساس وليس البحث عن أسلحة الدمار الشامل، فإن احتلال العراق هدف إلى تأمين قاعدة استراتيجية للمصالح الأمريكية وجسر لتمر مصالحها عليه باتجاه المنطقة.
ويقول إنه ربما وصلت المشكلات التي تقف عقبة أمام تطوّر المنطقة إلى مستوى اللاحلّ، لأن الأجهزة الأمنية هي التي تحكم الدول وليس الأجهزة السياسية، ويكاد الفساد والهدر يشكلان ظاهرة عامة، أما الحديث عن الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية، فإننا نرى أن هناك وحدة الفساد ووحدة الهدر ووحدة الديكتاتورية.
أما حول لبنان، فيرى أن المشكلة هي أنه لم يتطوّر إلى أن يصبح دولة، وأن النادي السياسي فيه على مختلف مستوياته يخرِّج أثرياء على حساب البلد.
وأن ليس هناك من يملك معنى المسؤولية عن الدولة، وأن النظام الطائفي يحصِّن ويمنع النقد بسبب الحساسية الطائفية.
ويقول: "لا أتصوَّر أن قرار مجلس الأمن 1559 يمكن أن يترك تأثيراً كبيراً على لبنان، لأنه موجّه إلى سوريا، وإنّ اللبنانيين لا يملكون قوة تجعل العالم يهتم بهم، وإن لبنان ورقة والورقة تتطاير في الهواء في حالات الرياح، فكيف في العاصفة؟".
أثر الاقتصاد في عملية التغيير
* العالم يشهد متغيرات كبرى على مستوى العلاقة بين أمريكا وأوروبا، وبينها وبين اليابان، والعامل الاقتصادي أساسي في التبدُّل الحاصل. ما هي الانعكاسات علينا؟ وكيف تنظرون إلى المتغيرات في منطقتنا؟
ـ في الدراسة المتأنية العميقة، يمكننا أن نختصر المتغيرات التي تحيط بالعالم، بالمسألة الاقتصادية في الدرجة الأولى.
فنحن نلاحظ أن المشكلة التي تشغل أمريكا في المرحلة الحاضرة على المستوى الداخلي، تمثِّل المسألة الاقتصادية التي يلاحقها الشعب الأمريكي من حيث أعداد البطالة أو من خلال طبيعة الأوضاع الاقتصادية التي تنخفض تارةً وترتفع أخرى، بما يؤدي إلى نوع من الارتباك الشعبي في ما يواجهونه من أزمات أو تحدّيات.
وهكذا عندما ندرس العلاقات الأمريكية الأوروبية مقارنةً مع العلاقات الأوروبية الأمريكية، فإننا نجد أن المسألة الاقتصادية هي المسألة التي تحكم العلاقات، بحيث تأتي المسألة السياسية لتكون صدىً للمسألة الاقتصادية، ونلاحظ أيضاً أن أوروبا وأمريكا يملكان نوعاً من التحالف السياسي الذي يهتزُّ في موقع هنا أو هناك، كما في مسألة احتلال العراق، ولكنه في المسألة الاقتصادية هناك صراع عميق جداً، بحيث إن أمريكا تعمل بكل ما عندها من طاقة في سبيل منع التكامل الأوروبي الاقتصادي الذي يجعل من أوروبا دولة اقتصادية واتحاداً اقتصادياً هائلاً يوازي الاقتصاد الأمريكي أو يتقدم عليه في حالة التطورات التي تعيشها أوروبا، وفي الدول التي انضمّت إليها.
وهكذا عندما ندرس المسألة السياسية في علاقات أمريكا بروسيا أو الصين، أو في علاقة الصين بأمريكا، فإننا نجد أن المسألة الاقتصادية هي الأساس في الضغوط التي تمارسها أمريكا ضد روسيا لكي تمنع تقدمها وتطورها السياسي، أما الصين، فإنها تحاول أن تتحرك بحذر لتستفيد من التكنولوجيا الأمريكية بطريقة أو بأخرى، بحيث تحافظ على أن لا تصطدم مع أمريكا حتى لا تخسر الفرص التي يمكن أن تحصل عليها، باعتبار ما سيأتي من المستقبل الذي تفكر أن تتحوّل فيه إلى دولة كبرى على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي.
حتى إننا عندما ندرس التأثيرات، نجد أن هناك وضعاً عالمياً يخفي في داخله الحرب الاقتصادية التي تعنف هنا أو ترقّ هناك مع بعض الانفراجات هنا وهناك في المسألة السياسية، لأن المسألة الحربية ليست مسألة حيوية في علاقات الدول الكبرى بعضها ببعض، وإن كان هناك نوع من الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على أوروبا من خلال تلويحها بسحب القوّة التي وضعتها في داخل أوروبا.
أما تأثير هذه التطوّرات العالمية أو العلاقات الدولية على المنطقة، فإننا نعتقد أن هناك صراعاً مريراً حول المنطقة عندنا، باعتبار أن المنطقة تختزن في أرضها الثروة النفطية التي تمثل العنصر الأساس في اقتصاد أكثر الدول في العالم.
لذلك نجد أن ارتفاع أسعار البترول وانخفاضها هنا وهناك يثير مشاكل وضجيجاً كبيراً لدى الدول، مع اختلاف الموقف بين أمريكا، التي ربما تدفع عملية الارتفاع في بعض الحالات، وبين أوروبا واليابان وما إلى ذلك. لذلك فإننا نلاحظ أن هناك لغطاً أمريكياً في حركة أمريكا في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، امتداداً إلى العالم الثالث، بما في ذلك أمريكا اللاتينية وأفريقيا، حيث الهدف هو السيطرة على منابع النفط، ليكون في ذلك ضغطٌ على الاقتصاد الأوروبي والياباني، وحتى بالنسبة للاقتصاد الروسي، لأن وضع البترول في المناطق في دول الأوبك وغيرها يؤثر على طريقة تسويق وإنتاج البترول الروسي.
في هذا المجال، نجد أن المسألة السياسية والأمنية التي تلتفّ على تطورات الدول الكبرى، ولا سيما أمريكا بالنسبة إلى المنطقة، ترتكز على أساس العامل الاقتصادي في امتداد السياسة الأمريكية التي ابتدأت في القرن العشرين، والتي كانت تخطط ولا تزال للسيطرة على بترول العالم بشكل مباشر، وهذا ما نلاحظه في كل حركة أمريكا في علاقاتها بالمنطقة وفي امتداداتها، وفي التعقيدات التي تثيرها في المنطقة. ومن الواضح أنّ احتلال العراق لم ينطلق من حقائق واقعية في مسألة أسلحة الدمار الشامل ومسألة الحرب ضدّ الإرهاب، بل انطلق من أجل السيطرة على العراق الذي هو من أغنى الدول العربية في ثرواته الطبيعية وفي كثير من العناصر التي تجعل منه ربما أغنى دولة عربية في مجموع هذه العناصر.
وإنني أتصوّر أن أمريكا في احتلالها للعراق تعمل على أساس أن يكون العراق قاعدة استراتيجية لمصالحها، وجسراً تمرُّ عليه إلى المنطقة. لهذا فإن أمريكا تعمل على إثارة المشاكل الكثيرة في كل بلد، حتى تأخذ حريتها في الوصول إلى النتائج الحاسمة في سياستها الاقتصادية.
إنني أعتقد أن أمريكا تعمل على عزل أوروبا وروسيا والصين فضلاً عن اليابان عن المنطقة كلها، وهي تعمل الآن من أجل أن تأخذ المنطقة كلها، وهذا ما يفسر ضغوطها على إيران، لأنها تحاول أن تدخل إلى إيران الاقتصادية من الباب الواسع، لهذا نحن نعتقد أن هذه التطورات العالمية عملت وتعمل للضغط على المنطقة بكل مواقعها السياسية والاقتصادية والأمنية لخدمة الاقتصاد الأمريكي أولاً، ثم الاقتصاد العالمي الأوروبي الذي قد لا تستطيع أمريكا أن تعزله تماماً عن مصالح المنطقة وإن كانت تضغط عليه.
انكفاء دور الدولة
* في رأيكم، ما هو المطلوب من دول المنطقة، كما شعوبها، لمواجهة هذه السياسة؟
ـ إنني أتصوّر أن مشكلة دولنا أنها لا تمثل واقع الدولة، أي أن دولنا بشكل عام هي رؤساء عشائر وقبائل، بمعنى أن هناك بعض الدول التي انطلقت من خلال تاريخها لتكون دولة العشيرة، وأن الدول التي أخذت شكل ديمقراطية وانتخابات، أصبحت تمثل أيضاً عشيرة من نوع ديمقراطي بشكل خاص.
لذلك فإنَّ الأشخاص هم الذين يحكمون الدول، وليست الدولة هي التي تحكم الواقع الشعبي. وعليه، فإنّ ثروات هذه الدول تمثل ثروات للأشخاص القائمين عليها ولا تمثل ثروات الشعب، وهذا ما نلاحظه في الثراء الفاحش الذي يحكم القائمين على هذه الدول، مقارنةً بالفقر الذي تعيشه شعوبهم في هذا المجال. لذلك فإننا نجد أن الفساد والهدر يمثلان ظاهرة عامة، أي إذا أردنا أن نتحدث عن الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية، فإننا نرى أن هناك وحدة الفساد ووحدة الهدر ووحدة الديكتاتورية في هذا المجال.
لهذا فإن من الصعب جداً لهذه الدول التي يغيب فيها التخطيط ويغيب فيها معنى الدولة، من الصعب جداً أن تستطيع حلّ أي مشكلة أو تفادي أي لغط، ولا سيما أننا نجد أغلب هؤلاء الذين يمثلون المسؤولية العليا في هذه الدولة أو تلك، كانوا ولا يزالوا موظفين لدى المخابرات الأمريكية، الأمر الذي يجعلهم يخشون فيها على مواقعهم من أي حالة تمرد على المخططات الخارجية. لذلك فإنني أعتقد أن الواقع السياسي ما دام في صيغته الحاضرة، حيث يمثل فيه الرؤساء والملوك موظفين لدى أجهزة مخابرات الدول الكبرى، من الصعب جداً أن يحدث هناك أي نوع من التطور الإيجابي في اقتصاد هذه الدول.
* يشكِّل العامل الاقتصادي، العامل الأساس في معظم دول العالم باستثناء دولنا، كيف يمكن إعادة الاعتبار لهذا العامل؟
ـ ربما وصلت المشكلة إلى مستوى اللاحلّ، لأن العامل المسيطر على هذه الدول هو العامل الأمني، فنحن نعرف أن الإحصاءات التي يملكها الخبراء لكل الدول في المنطقة أو لأكثريتها، إذا أردنا الدقة، تشير إلى أنّ أجهزة المخابرات هي التي تحكم الدول وليست الأجهزة السياسية، هذا إذا كان هناك أجهزة سياسية بعيدة عن أجهزة المخابرات. ولهذا فإننا نلاحظ أن قوانين الطوارىء التي ولدت بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لا تزال سارية المفعول، في الوقت الذي صالحت بعض الدول قوانين الطوارىء الإسرائيلية، بمعنى أن العامل الذي يؤثِّر في الاقتصاد وفي السياسة، وحتى في الثقافة والعلم والحياة الاجتماعية، ولا شكّ أن العامل الأمني، بالمعنى المخابراتي، لذا فإننا لا نلاحظ تقدماً ثقافياً أو تقدماً علمياً، علماً أن التقدم العلمي الآن هو الأساس للتقدم الاقتصادي، باعتبار أن الاقتصاد أصبح بحاجة إلى ثقافة علمية واسعة لكل التطورات العلمية في العالم، وليفسح المجال للتكنولوجيا وما إلى ذلك.
إننا نلاحظ أن العلماء الذين يتخصَّصون في أمريكا وفي أوروبا تحتفظ بهم أمريكا وأوروبا، وربما يتفاعلون مع ذلك، لأنهم لا يرون أنّ لهم دوراً في بلدانهم. نحن نعرف أن هناك علماء متخصصين بالذرة وغيرها لا يستطيع أحدهم أن يكون موظفاً في مدرسة أو ما شابه، بينما نلاحظ أن إسرائيل أصبحت كبيرة في العالم، بحيث أصبحت حاجة للصين والهند وروسيا، وربما حتى لبعض دول أوروبا من خلال عدة علماء استطاعوا أن يصنعوا تكنولوجيا ويصنعوا كل ما يحتاجه العالم في اقتصاده وفي أمنه وما إلى ذلك.
لهذا، فإن من الصعب جداً في الواقع المعاصر أن تحل هذه المشكلة، وخصوصاً إذا لاحظنا أن هناك رقابة من الدول الكبرى التي تتحدث هذه الأيام عن مشروع الشرق الأوسط الكبير وعن الإصلاح وغير ذلك؛ إن هناك رقابة على كل هذه الدول لكي لا تتطور إلى المدى الذي يمكن لها أن تحصل على سياسة الاكتفاء الذاتي من خلال تصنيع ثرواتها ومن خلال التخطيط في هذا المجال، لأن ذلك يعطِّل الدور الاستهلاكي الذي وضعت هذه الدول في دائرته، ما يحد من حاجة هذه الدول إلى استيراد الكثير من مصنوعات الدول الكبرى في هذا المجال، سواء من حيث السلاح أو من حيث المواد الاستهلاكية وغيرها.
مستقبل لبنان على ضوء قرار مجلس الأمن
* لبنان إلى أين بعد قرار مجلس الأمن الأخير، ووسط الانقسام الداخلي والوضع الاقتصادي الخطر؟
ـ إني أتصوّر أن مشكلة لبنان هي أنه لم يتطور إلى أن يكون دولة بالمعنى الذي يوحي بأن هناك واقعاً سياسياً يعتبر نفسه جزءاً من الدولة، بل ربما نلاحظ أن الطريقة السياسية التي يدير بها النادي السياسي مفردات السياسة، تجعل الدخول إلى هذا الكيان في موقع هنا أو موقع هناك فرصةً للإثراء غير المشروع.
ولهذا، فإننا نلاحظ أن أغلب المسؤولين، سواء كانوا مسؤولين على المستويات الرئاسية أو الوزارية أو النيابية أو على المستويات الأخرى في كل درجات المسؤولية، يأتون فقراء ويصبحون من أصحاب الملايين إن لم يكن من أصحاب المليارات. ولهذا فإن ظاهرة الفساد السياسي تنعكس فساداً إدارياً، وتؤدّي إلى ما أدّت إليه من انهيار اقتصاديّ قارب الأربعين مليار دولار من دون أن تكون هناك أي فرصة حقيقية للخلاص منه، بالرغم من باريس1 وباريس2، أو من خلال بعض المشاريع التجميلية هنا وهناك من خلال بعض الاستثمارات الخارجية التي يستفيد منها الخارج ولا يستفيد منها الداخل.
إن المشكلة في لبنان كما نلاحظ أنه ليس هناك من يملك معنى المسؤولية عن الدولة، حتى إننا ربما نتهم الشعب بأنه استراح أو استرخى، لذلك فنحن نلاحظ أن الناخب في أي موقع من مواقع الانتخاب يحمي هؤلاء بحيث لا يجدون مَن يحاسبهم، وذلك لأن السياسيين يجملون مواقعهم ولا يخافون من الشعب كما يخاف المسؤولون الإسرائيليون من شعبهم، أو كما يخاف المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون من شعوبهم الواعية التي تغير مواقع المسؤولية من حزب إلى حزب، أو من شخصية إلى شخصية، من خلال الانتخابات.
أما في لبنان، فهناك نوع من عبادة الشخصية، سواء الشخصيات الدينية أو الشخصيات السياسية أو الاقتصادية، وخصوصاً أن النظام الطائفي لا يسمح بالنقد الواعي العميق المسؤول لرموز الطوائف، سواء كانوا رموزاً دينية أو رموزاً سياسية، ونحن نلاحظ مثلاً أن هناك حديثاً دائماً في لبنان بأنه لا يجوز نقد المواقع الدينية وأنها فوق النقد، في الوقت الذي نجد أنها تنـزل إلى مفردات السياسة حتى الصغيرة، ولكن تعطى لها هالة من الهيبة والقداسة التي لا تملكها في الواقع.
ولذا كنا نقول إن من حقِّ الناس أن ينتقدوا كلَّ صاحب موقع، سواء كان دينياً أو سياسياً، لا قداسة لأحد، لأن هناك فرقاً بين الشخص الذي يملأ المركز الديني وبين الدين، فهو ليس الدين، إنما هو شخص يخطىء ويصيب، وقد يستغلُّ موقعه، وهكذا بالنسبة للشخص السياسي، ولا سيّما بعد أن تحوّل الكثير من الأشخاص رموزاً لطوائفهم يمثّلون هيبتها وقوّتها، ما يمنع محاسبتهم، حتى لو كانوا مفروضين على الشعب بطريقة وبأخرى.
ومن هنا، فإن الكبار الذين يخططون للفساد وللهدر، يشعرون بأنهم يملكون الحصانة من أن ينقدوا، لأن نقدهم يعني نقد الطائفة، ونقد الطائفة يعني إيجاد مشكلة طائفية، ولذا على الجميع أن يسكت. ومن هنا نجد هذا الفساد في الانتخابات والفساد في الاقتصاد وما إلى ذلك مما يحرسه النظام الطائفي في الحساسيات الطائفية التي يمكن أن تؤدي إلى حرب أو ما أشبه ذلك.
إن المسألة هي أن لبنان يحتاج إلى نوع من أنواع تغيير الجذور وليس تغيير السطح، لأن المسألة هي أن لبنان أصبح مزرعة ولم يتحوّل إلى دولة، ونحن نعرف أن المزرعة قد تخدم بـ"الكيماوي" وبأشياء أخرى قد تعطيك شعوراً بأنها تنمو ولكنها لا تعطيك شعوراً بالعناصر الحية التي يمكن أن تحقق للناس الشعور بالحيوية.
* قرار مجلس الأمن 1559، ما هو أثره على لبنان في رأيكم ومفاعيله؟
ـ لا أتصوَّر أن قرار مجلس الأمن يمكن أن يترك تأثيراً كبيراً على لبنان، باعتبار أن هذا القرار موجّه إلى سوريا وليس إلى لبنان، ومن الطبيعي أن هناك حواراً خفياً بين سوريا وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى مع الدول الأوروبية، لهذا فإن هذا القرار يتحرك في تلك الكواليس ولا يتحرك في الكواليس اللبنانية. من الممكن جداً أن هذا القرار يستغل بعض الخلافات اللبنانية ـ اللبنانية من أجل أن يزيد الضغط على سوريا، ولكننا نعرف أن الخلافات اللبنانية ـ اللبنانية بالرغم من الصوت العالي الذي تصاعد الآن بعد الاستحقاق من قِبَل المعارضة، فإنه سوف يأخذ تدريجياً بالعودة إلى المواقع السياسية التقليدية سالماً، لأن اللبنانيين يعرفون أنهم لا يملكون أي قوة في العالم، بحيث تجعل العالم يهتم اهتماماً كبيراً بلبنان، إنهم ورقة، ونحن نعرف أن الورقة تتطاير في الهواء في حالات الرياح، فكيف إذا كانت عاصفة؟
جريدة "الإعمار والاقتصاد" الجمعة:17-30 أيلول 2004، العدد:107
السيِّد محمد حسين فضل الله: دولنا تجمّعات عشائرية وقبلية
والملوك والرؤساء موظَّفون لدى أجهزة المخابرات
مع سماحة السيد محمد حسين فضل الله حاوره: حسن مقلد
الحديث مع العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله يأخذ دائماً إلى الأعماق والجذور، وببساطة حقيقية وعفوية، يتجاوز ما اصطلح على تسميتها بالخطوط الحمر.
ويطرح أمام العقل جملة تحديات تستفز وتحفز وإن لبست أحياناً لباس المستحيل، فكيف إذا كان طابع الحديث عن الشأن الاقتصادي، وهو الشأن السائد والمحدّد في العالم، بينما هو الغائب والمغيَّب في عالمنا العربي.
وللحديث مع السيد فضل الله في هذه الظروف وقع خاص، لترابط العامل الاقتصادي بما يحصل في منطقتنا، وخاصة في العراق، وانعكاس هذا المتغير العميق، أي تحول أمريكا إلى قوة إقليمية، على العالمين العربي والإسلامي، ومنهما سوريا ولبنان.
وإذ يعتبر السيد فضل الله أن المسألة السياسية والأمنية التي تحدد السياسة الأمريكية في المنطقة ترتكز على العامل الاقتصادي، وأن السيطرة على ثروات العراق والمنطقة هي العامل الأساس وليس البحث عن أسلحة الدمار الشامل، فإن احتلال العراق هدف إلى تأمين قاعدة استراتيجية للمصالح الأمريكية وجسر لتمر مصالحها عليه باتجاه المنطقة.
ويقول إنه ربما وصلت المشكلات التي تقف عقبة أمام تطوّر المنطقة إلى مستوى اللاحلّ، لأن الأجهزة الأمنية هي التي تحكم الدول وليس الأجهزة السياسية، ويكاد الفساد والهدر يشكلان ظاهرة عامة، أما الحديث عن الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية، فإننا نرى أن هناك وحدة الفساد ووحدة الهدر ووحدة الديكتاتورية.
أما حول لبنان، فيرى أن المشكلة هي أنه لم يتطوّر إلى أن يصبح دولة، وأن النادي السياسي فيه على مختلف مستوياته يخرِّج أثرياء على حساب البلد.
وأن ليس هناك من يملك معنى المسؤولية عن الدولة، وأن النظام الطائفي يحصِّن ويمنع النقد بسبب الحساسية الطائفية.
ويقول: "لا أتصوَّر أن قرار مجلس الأمن 1559 يمكن أن يترك تأثيراً كبيراً على لبنان، لأنه موجّه إلى سوريا، وإنّ اللبنانيين لا يملكون قوة تجعل العالم يهتم بهم، وإن لبنان ورقة والورقة تتطاير في الهواء في حالات الرياح، فكيف في العاصفة؟".
أثر الاقتصاد في عملية التغيير
* العالم يشهد متغيرات كبرى على مستوى العلاقة بين أمريكا وأوروبا، وبينها وبين اليابان، والعامل الاقتصادي أساسي في التبدُّل الحاصل. ما هي الانعكاسات علينا؟ وكيف تنظرون إلى المتغيرات في منطقتنا؟
ـ في الدراسة المتأنية العميقة، يمكننا أن نختصر المتغيرات التي تحيط بالعالم، بالمسألة الاقتصادية في الدرجة الأولى.
فنحن نلاحظ أن المشكلة التي تشغل أمريكا في المرحلة الحاضرة على المستوى الداخلي، تمثِّل المسألة الاقتصادية التي يلاحقها الشعب الأمريكي من حيث أعداد البطالة أو من خلال طبيعة الأوضاع الاقتصادية التي تنخفض تارةً وترتفع أخرى، بما يؤدي إلى نوع من الارتباك الشعبي في ما يواجهونه من أزمات أو تحدّيات.
وهكذا عندما ندرس العلاقات الأمريكية الأوروبية مقارنةً مع العلاقات الأوروبية الأمريكية، فإننا نجد أن المسألة الاقتصادية هي المسألة التي تحكم العلاقات، بحيث تأتي المسألة السياسية لتكون صدىً للمسألة الاقتصادية، ونلاحظ أيضاً أن أوروبا وأمريكا يملكان نوعاً من التحالف السياسي الذي يهتزُّ في موقع هنا أو هناك، كما في مسألة احتلال العراق، ولكنه في المسألة الاقتصادية هناك صراع عميق جداً، بحيث إن أمريكا تعمل بكل ما عندها من طاقة في سبيل منع التكامل الأوروبي الاقتصادي الذي يجعل من أوروبا دولة اقتصادية واتحاداً اقتصادياً هائلاً يوازي الاقتصاد الأمريكي أو يتقدم عليه في حالة التطورات التي تعيشها أوروبا، وفي الدول التي انضمّت إليها.
وهكذا عندما ندرس المسألة السياسية في علاقات أمريكا بروسيا أو الصين، أو في علاقة الصين بأمريكا، فإننا نجد أن المسألة الاقتصادية هي الأساس في الضغوط التي تمارسها أمريكا ضد روسيا لكي تمنع تقدمها وتطورها السياسي، أما الصين، فإنها تحاول أن تتحرك بحذر لتستفيد من التكنولوجيا الأمريكية بطريقة أو بأخرى، بحيث تحافظ على أن لا تصطدم مع أمريكا حتى لا تخسر الفرص التي يمكن أن تحصل عليها، باعتبار ما سيأتي من المستقبل الذي تفكر أن تتحوّل فيه إلى دولة كبرى على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي.
حتى إننا عندما ندرس التأثيرات، نجد أن هناك وضعاً عالمياً يخفي في داخله الحرب الاقتصادية التي تعنف هنا أو ترقّ هناك مع بعض الانفراجات هنا وهناك في المسألة السياسية، لأن المسألة الحربية ليست مسألة حيوية في علاقات الدول الكبرى بعضها ببعض، وإن كان هناك نوع من الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على أوروبا من خلال تلويحها بسحب القوّة التي وضعتها في داخل أوروبا.
أما تأثير هذه التطوّرات العالمية أو العلاقات الدولية على المنطقة، فإننا نعتقد أن هناك صراعاً مريراً حول المنطقة عندنا، باعتبار أن المنطقة تختزن في أرضها الثروة النفطية التي تمثل العنصر الأساس في اقتصاد أكثر الدول في العالم.
لذلك نجد أن ارتفاع أسعار البترول وانخفاضها هنا وهناك يثير مشاكل وضجيجاً كبيراً لدى الدول، مع اختلاف الموقف بين أمريكا، التي ربما تدفع عملية الارتفاع في بعض الحالات، وبين أوروبا واليابان وما إلى ذلك. لذلك فإننا نلاحظ أن هناك لغطاً أمريكياً في حركة أمريكا في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، امتداداً إلى العالم الثالث، بما في ذلك أمريكا اللاتينية وأفريقيا، حيث الهدف هو السيطرة على منابع النفط، ليكون في ذلك ضغطٌ على الاقتصاد الأوروبي والياباني، وحتى بالنسبة للاقتصاد الروسي، لأن وضع البترول في المناطق في دول الأوبك وغيرها يؤثر على طريقة تسويق وإنتاج البترول الروسي.
في هذا المجال، نجد أن المسألة السياسية والأمنية التي تلتفّ على تطورات الدول الكبرى، ولا سيما أمريكا بالنسبة إلى المنطقة، ترتكز على أساس العامل الاقتصادي في امتداد السياسة الأمريكية التي ابتدأت في القرن العشرين، والتي كانت تخطط ولا تزال للسيطرة على بترول العالم بشكل مباشر، وهذا ما نلاحظه في كل حركة أمريكا في علاقاتها بالمنطقة وفي امتداداتها، وفي التعقيدات التي تثيرها في المنطقة. ومن الواضح أنّ احتلال العراق لم ينطلق من حقائق واقعية في مسألة أسلحة الدمار الشامل ومسألة الحرب ضدّ الإرهاب، بل انطلق من أجل السيطرة على العراق الذي هو من أغنى الدول العربية في ثرواته الطبيعية وفي كثير من العناصر التي تجعل منه ربما أغنى دولة عربية في مجموع هذه العناصر.
وإنني أتصوّر أن أمريكا في احتلالها للعراق تعمل على أساس أن يكون العراق قاعدة استراتيجية لمصالحها، وجسراً تمرُّ عليه إلى المنطقة. لهذا فإن أمريكا تعمل على إثارة المشاكل الكثيرة في كل بلد، حتى تأخذ حريتها في الوصول إلى النتائج الحاسمة في سياستها الاقتصادية.
إنني أعتقد أن أمريكا تعمل على عزل أوروبا وروسيا والصين فضلاً عن اليابان عن المنطقة كلها، وهي تعمل الآن من أجل أن تأخذ المنطقة كلها، وهذا ما يفسر ضغوطها على إيران، لأنها تحاول أن تدخل إلى إيران الاقتصادية من الباب الواسع، لهذا نحن نعتقد أن هذه التطورات العالمية عملت وتعمل للضغط على المنطقة بكل مواقعها السياسية والاقتصادية والأمنية لخدمة الاقتصاد الأمريكي أولاً، ثم الاقتصاد العالمي الأوروبي الذي قد لا تستطيع أمريكا أن تعزله تماماً عن مصالح المنطقة وإن كانت تضغط عليه.
انكفاء دور الدولة
* في رأيكم، ما هو المطلوب من دول المنطقة، كما شعوبها، لمواجهة هذه السياسة؟
ـ إنني أتصوّر أن مشكلة دولنا أنها لا تمثل واقع الدولة، أي أن دولنا بشكل عام هي رؤساء عشائر وقبائل، بمعنى أن هناك بعض الدول التي انطلقت من خلال تاريخها لتكون دولة العشيرة، وأن الدول التي أخذت شكل ديمقراطية وانتخابات، أصبحت تمثل أيضاً عشيرة من نوع ديمقراطي بشكل خاص.
لذلك فإنَّ الأشخاص هم الذين يحكمون الدول، وليست الدولة هي التي تحكم الواقع الشعبي. وعليه، فإنّ ثروات هذه الدول تمثل ثروات للأشخاص القائمين عليها ولا تمثل ثروات الشعب، وهذا ما نلاحظه في الثراء الفاحش الذي يحكم القائمين على هذه الدول، مقارنةً بالفقر الذي تعيشه شعوبهم في هذا المجال. لذلك فإننا نجد أن الفساد والهدر يمثلان ظاهرة عامة، أي إذا أردنا أن نتحدث عن الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية، فإننا نرى أن هناك وحدة الفساد ووحدة الهدر ووحدة الديكتاتورية في هذا المجال.
لهذا فإن من الصعب جداً لهذه الدول التي يغيب فيها التخطيط ويغيب فيها معنى الدولة، من الصعب جداً أن تستطيع حلّ أي مشكلة أو تفادي أي لغط، ولا سيما أننا نجد أغلب هؤلاء الذين يمثلون المسؤولية العليا في هذه الدولة أو تلك، كانوا ولا يزالوا موظفين لدى المخابرات الأمريكية، الأمر الذي يجعلهم يخشون فيها على مواقعهم من أي حالة تمرد على المخططات الخارجية. لذلك فإنني أعتقد أن الواقع السياسي ما دام في صيغته الحاضرة، حيث يمثل فيه الرؤساء والملوك موظفين لدى أجهزة مخابرات الدول الكبرى، من الصعب جداً أن يحدث هناك أي نوع من التطور الإيجابي في اقتصاد هذه الدول.
* يشكِّل العامل الاقتصادي، العامل الأساس في معظم دول العالم باستثناء دولنا، كيف يمكن إعادة الاعتبار لهذا العامل؟
ـ ربما وصلت المشكلة إلى مستوى اللاحلّ، لأن العامل المسيطر على هذه الدول هو العامل الأمني، فنحن نعرف أن الإحصاءات التي يملكها الخبراء لكل الدول في المنطقة أو لأكثريتها، إذا أردنا الدقة، تشير إلى أنّ أجهزة المخابرات هي التي تحكم الدول وليست الأجهزة السياسية، هذا إذا كان هناك أجهزة سياسية بعيدة عن أجهزة المخابرات. ولهذا فإننا نلاحظ أن قوانين الطوارىء التي ولدت بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لا تزال سارية المفعول، في الوقت الذي صالحت بعض الدول قوانين الطوارىء الإسرائيلية، بمعنى أن العامل الذي يؤثِّر في الاقتصاد وفي السياسة، وحتى في الثقافة والعلم والحياة الاجتماعية، ولا شكّ أن العامل الأمني، بالمعنى المخابراتي، لذا فإننا لا نلاحظ تقدماً ثقافياً أو تقدماً علمياً، علماً أن التقدم العلمي الآن هو الأساس للتقدم الاقتصادي، باعتبار أن الاقتصاد أصبح بحاجة إلى ثقافة علمية واسعة لكل التطورات العلمية في العالم، وليفسح المجال للتكنولوجيا وما إلى ذلك.
إننا نلاحظ أن العلماء الذين يتخصَّصون في أمريكا وفي أوروبا تحتفظ بهم أمريكا وأوروبا، وربما يتفاعلون مع ذلك، لأنهم لا يرون أنّ لهم دوراً في بلدانهم. نحن نعرف أن هناك علماء متخصصين بالذرة وغيرها لا يستطيع أحدهم أن يكون موظفاً في مدرسة أو ما شابه، بينما نلاحظ أن إسرائيل أصبحت كبيرة في العالم، بحيث أصبحت حاجة للصين والهند وروسيا، وربما حتى لبعض دول أوروبا من خلال عدة علماء استطاعوا أن يصنعوا تكنولوجيا ويصنعوا كل ما يحتاجه العالم في اقتصاده وفي أمنه وما إلى ذلك.
لهذا، فإن من الصعب جداً في الواقع المعاصر أن تحل هذه المشكلة، وخصوصاً إذا لاحظنا أن هناك رقابة من الدول الكبرى التي تتحدث هذه الأيام عن مشروع الشرق الأوسط الكبير وعن الإصلاح وغير ذلك؛ إن هناك رقابة على كل هذه الدول لكي لا تتطور إلى المدى الذي يمكن لها أن تحصل على سياسة الاكتفاء الذاتي من خلال تصنيع ثرواتها ومن خلال التخطيط في هذا المجال، لأن ذلك يعطِّل الدور الاستهلاكي الذي وضعت هذه الدول في دائرته، ما يحد من حاجة هذه الدول إلى استيراد الكثير من مصنوعات الدول الكبرى في هذا المجال، سواء من حيث السلاح أو من حيث المواد الاستهلاكية وغيرها.
مستقبل لبنان على ضوء قرار مجلس الأمن
* لبنان إلى أين بعد قرار مجلس الأمن الأخير، ووسط الانقسام الداخلي والوضع الاقتصادي الخطر؟
ـ إني أتصوّر أن مشكلة لبنان هي أنه لم يتطور إلى أن يكون دولة بالمعنى الذي يوحي بأن هناك واقعاً سياسياً يعتبر نفسه جزءاً من الدولة، بل ربما نلاحظ أن الطريقة السياسية التي يدير بها النادي السياسي مفردات السياسة، تجعل الدخول إلى هذا الكيان في موقع هنا أو موقع هناك فرصةً للإثراء غير المشروع.
ولهذا، فإننا نلاحظ أن أغلب المسؤولين، سواء كانوا مسؤولين على المستويات الرئاسية أو الوزارية أو النيابية أو على المستويات الأخرى في كل درجات المسؤولية، يأتون فقراء ويصبحون من أصحاب الملايين إن لم يكن من أصحاب المليارات. ولهذا فإن ظاهرة الفساد السياسي تنعكس فساداً إدارياً، وتؤدّي إلى ما أدّت إليه من انهيار اقتصاديّ قارب الأربعين مليار دولار من دون أن تكون هناك أي فرصة حقيقية للخلاص منه، بالرغم من باريس1 وباريس2، أو من خلال بعض المشاريع التجميلية هنا وهناك من خلال بعض الاستثمارات الخارجية التي يستفيد منها الخارج ولا يستفيد منها الداخل.
إن المشكلة في لبنان كما نلاحظ أنه ليس هناك من يملك معنى المسؤولية عن الدولة، حتى إننا ربما نتهم الشعب بأنه استراح أو استرخى، لذلك فنحن نلاحظ أن الناخب في أي موقع من مواقع الانتخاب يحمي هؤلاء بحيث لا يجدون مَن يحاسبهم، وذلك لأن السياسيين يجملون مواقعهم ولا يخافون من الشعب كما يخاف المسؤولون الإسرائيليون من شعبهم، أو كما يخاف المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون من شعوبهم الواعية التي تغير مواقع المسؤولية من حزب إلى حزب، أو من شخصية إلى شخصية، من خلال الانتخابات.
أما في لبنان، فهناك نوع من عبادة الشخصية، سواء الشخصيات الدينية أو الشخصيات السياسية أو الاقتصادية، وخصوصاً أن النظام الطائفي لا يسمح بالنقد الواعي العميق المسؤول لرموز الطوائف، سواء كانوا رموزاً دينية أو رموزاً سياسية، ونحن نلاحظ مثلاً أن هناك حديثاً دائماً في لبنان بأنه لا يجوز نقد المواقع الدينية وأنها فوق النقد، في الوقت الذي نجد أنها تنـزل إلى مفردات السياسة حتى الصغيرة، ولكن تعطى لها هالة من الهيبة والقداسة التي لا تملكها في الواقع.
ولذا كنا نقول إن من حقِّ الناس أن ينتقدوا كلَّ صاحب موقع، سواء كان دينياً أو سياسياً، لا قداسة لأحد، لأن هناك فرقاً بين الشخص الذي يملأ المركز الديني وبين الدين، فهو ليس الدين، إنما هو شخص يخطىء ويصيب، وقد يستغلُّ موقعه، وهكذا بالنسبة للشخص السياسي، ولا سيّما بعد أن تحوّل الكثير من الأشخاص رموزاً لطوائفهم يمثّلون هيبتها وقوّتها، ما يمنع محاسبتهم، حتى لو كانوا مفروضين على الشعب بطريقة وبأخرى.
ومن هنا، فإن الكبار الذين يخططون للفساد وللهدر، يشعرون بأنهم يملكون الحصانة من أن ينقدوا، لأن نقدهم يعني نقد الطائفة، ونقد الطائفة يعني إيجاد مشكلة طائفية، ولذا على الجميع أن يسكت. ومن هنا نجد هذا الفساد في الانتخابات والفساد في الاقتصاد وما إلى ذلك مما يحرسه النظام الطائفي في الحساسيات الطائفية التي يمكن أن تؤدي إلى حرب أو ما أشبه ذلك.
إن المسألة هي أن لبنان يحتاج إلى نوع من أنواع تغيير الجذور وليس تغيير السطح، لأن المسألة هي أن لبنان أصبح مزرعة ولم يتحوّل إلى دولة، ونحن نعرف أن المزرعة قد تخدم بـ"الكيماوي" وبأشياء أخرى قد تعطيك شعوراً بأنها تنمو ولكنها لا تعطيك شعوراً بالعناصر الحية التي يمكن أن تحقق للناس الشعور بالحيوية.
* قرار مجلس الأمن 1559، ما هو أثره على لبنان في رأيكم ومفاعيله؟
ـ لا أتصوَّر أن قرار مجلس الأمن يمكن أن يترك تأثيراً كبيراً على لبنان، باعتبار أن هذا القرار موجّه إلى سوريا وليس إلى لبنان، ومن الطبيعي أن هناك حواراً خفياً بين سوريا وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى مع الدول الأوروبية، لهذا فإن هذا القرار يتحرك في تلك الكواليس ولا يتحرك في الكواليس اللبنانية. من الممكن جداً أن هذا القرار يستغل بعض الخلافات اللبنانية ـ اللبنانية من أجل أن يزيد الضغط على سوريا، ولكننا نعرف أن الخلافات اللبنانية ـ اللبنانية بالرغم من الصوت العالي الذي تصاعد الآن بعد الاستحقاق من قِبَل المعارضة، فإنه سوف يأخذ تدريجياً بالعودة إلى المواقع السياسية التقليدية سالماً، لأن اللبنانيين يعرفون أنهم لا يملكون أي قوة في العالم، بحيث تجعل العالم يهتم اهتماماً كبيراً بلبنان، إنهم ورقة، ونحن نعرف أن الورقة تتطاير في الهواء في حالات الرياح، فكيف إذا كانت عاصفة؟
جريدة "الإعمار والاقتصاد" الجمعة:17-30 أيلول 2004، العدد:107