سيد مرحوم
10-09-2004, 10:51 PM
فلسفة الانتظار
جعفر فضل الله
في عقيدتنا الإسلاميّة أنّ المهديّ يخرج في اخر الزمان، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظُلماً وجوراً. وهذا ممّا اتّفق عليه المسلمون جميعاً، وإن اختلفوا في شخصيّة ذلك المُصلح العالميّ.
وفي غمرة الحديث عن أحداث "اخر الزمان" الاستثنائيّة، تطفو على سطح الشعور، أو اللاشعور، صورة ضبابيّة للدور الذي ينبغي على "المنتظرين" لذلك اليوم أن يضطلعوا به. وقد برزت على أثر ذلك نظريّات، تمحورت بين الانتظار السلبي، الذي يساوي الشلل العملي تجاه الواقع؛ لأنّ البشر لا يستطيعون بقدراتهم أن يُصلحوا العالم؛ وإلا لما كانت هناك حاجة فعليّة لمثل هذا المصلح. وفي مقابل ذلك تطرّف اخرون ليقولوا إنّ «التمهيد» يعني ترك حبل الفساد على غاربه؛ لأنّ الحديث يعلّق "الفرج" على عموم الفساد في العالم، وهنا تأتي المعادلة: كلّما انتشر الفساد أكثر كلّما قرب الفرج أكثر.
وفي جانب اخر، كان كثيرون يعيشون نوعاً من العلاقة "الغزليّة"، التي تناجي المُخلّص كما تناجي المعشوق، تنشُدُه وجهاً ترمقه العين، أو تسمع صوته الأذُن.
وفي اتجاه ثالث، يتحرّك اخرون نحو الإعداد العملي، ليعيشوا الانتظار عملاً إيجابيّاً؛ ولكنّه العمل الذي يقتصر على جانبٍ معيّن، مهمِلين كثيراً من الجوانب التي لا بدّ منها في إعداداً واستعداداً.
ممّا لا شكّ فيه أنّ المهديّ يستهدف إقامة مجتمع إسلاميّ، يقوم على أساس العدل، وسائر القيم الرسالية. ولن يكون معنىً لإقامة مجتمع ما على صورة معيّنة إذا لم يعش أفراده ملامح تلك الصورة في أنفسهم. وحتى يعيش الأفراد ذلك، لا بدّ من عمليّة تربويّة، وإعداد متكامل، يرصُد كلّ الأبعاد التي أرادها الإسلام أن تتركّز في شخصيّة الإنسان المسلم، لتمتزج من خلالها الفكرة العاقلة، بالشعور المفعم، بالعاطفة الجيّاشة، بالعزيمة الصلبة، ليُغذّي كلّ ذلك بعضه بعضاً، في سبيل إنتاج الوجدان الحيويّ الذي يحرّك الإنسان نحو تجسيد كلّ القيم التي يؤمن بها، وتحقيق كلّ الأهداف التي يسعى إليها.
إنّ مرحلة الخلاص لا تتحمّل الوقوف للإعداد. فإذا لم يعش الإنسان تجربة الإعداد ومعاناته قبل تلك المرحلة، فلن يكون بمقدوره الانخراط في ذلك المجتمع، أو التكيّف مع حركته. ولعلّه عند هذه الفكرة تظهر فلسفة «الانتظار»، حيث لا يفرق دور المسلم بين حال الانتظار وغيره؛ لأنّ المسؤوليّات هي ذاتها، والأهداف هي نفسها، والله من وراء القصد.
جعفر فضل الله
في عقيدتنا الإسلاميّة أنّ المهديّ يخرج في اخر الزمان، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظُلماً وجوراً. وهذا ممّا اتّفق عليه المسلمون جميعاً، وإن اختلفوا في شخصيّة ذلك المُصلح العالميّ.
وفي غمرة الحديث عن أحداث "اخر الزمان" الاستثنائيّة، تطفو على سطح الشعور، أو اللاشعور، صورة ضبابيّة للدور الذي ينبغي على "المنتظرين" لذلك اليوم أن يضطلعوا به. وقد برزت على أثر ذلك نظريّات، تمحورت بين الانتظار السلبي، الذي يساوي الشلل العملي تجاه الواقع؛ لأنّ البشر لا يستطيعون بقدراتهم أن يُصلحوا العالم؛ وإلا لما كانت هناك حاجة فعليّة لمثل هذا المصلح. وفي مقابل ذلك تطرّف اخرون ليقولوا إنّ «التمهيد» يعني ترك حبل الفساد على غاربه؛ لأنّ الحديث يعلّق "الفرج" على عموم الفساد في العالم، وهنا تأتي المعادلة: كلّما انتشر الفساد أكثر كلّما قرب الفرج أكثر.
وفي جانب اخر، كان كثيرون يعيشون نوعاً من العلاقة "الغزليّة"، التي تناجي المُخلّص كما تناجي المعشوق، تنشُدُه وجهاً ترمقه العين، أو تسمع صوته الأذُن.
وفي اتجاه ثالث، يتحرّك اخرون نحو الإعداد العملي، ليعيشوا الانتظار عملاً إيجابيّاً؛ ولكنّه العمل الذي يقتصر على جانبٍ معيّن، مهمِلين كثيراً من الجوانب التي لا بدّ منها في إعداداً واستعداداً.
ممّا لا شكّ فيه أنّ المهديّ يستهدف إقامة مجتمع إسلاميّ، يقوم على أساس العدل، وسائر القيم الرسالية. ولن يكون معنىً لإقامة مجتمع ما على صورة معيّنة إذا لم يعش أفراده ملامح تلك الصورة في أنفسهم. وحتى يعيش الأفراد ذلك، لا بدّ من عمليّة تربويّة، وإعداد متكامل، يرصُد كلّ الأبعاد التي أرادها الإسلام أن تتركّز في شخصيّة الإنسان المسلم، لتمتزج من خلالها الفكرة العاقلة، بالشعور المفعم، بالعاطفة الجيّاشة، بالعزيمة الصلبة، ليُغذّي كلّ ذلك بعضه بعضاً، في سبيل إنتاج الوجدان الحيويّ الذي يحرّك الإنسان نحو تجسيد كلّ القيم التي يؤمن بها، وتحقيق كلّ الأهداف التي يسعى إليها.
إنّ مرحلة الخلاص لا تتحمّل الوقوف للإعداد. فإذا لم يعش الإنسان تجربة الإعداد ومعاناته قبل تلك المرحلة، فلن يكون بمقدوره الانخراط في ذلك المجتمع، أو التكيّف مع حركته. ولعلّه عند هذه الفكرة تظهر فلسفة «الانتظار»، حيث لا يفرق دور المسلم بين حال الانتظار وغيره؛ لأنّ المسؤوليّات هي ذاتها، والأهداف هي نفسها، والله من وراء القصد.