لمياء
12-04-2010, 12:02 AM
حقيقة مهملة في حياته
بقلم ناتالي انجيرترجمة بهاء سلمان
http://cache2.allpostersimages.com/p/LRG/14/1411/E3PP000Z/posters/galloway-ewing-sir-isaac-newton.jpg
كان السير اسحاق نيوتن واحداً من العباقرة الافذاذ المعدودين في تاريخ العلم، وكان يعلم بعبقريته، ولم يكن يرغب في اضاعة وقته. ولد نيوتن في الخامس والعشرين من شهر كانون الاول لعام 1642، ونادرا ما قام هذا الفيزياوي والرياضي البريطاني العظيم بالمشاركة في نشاطات اجتماعية او سافر بعيدا عن مكانه الذي اقام فيه؛ كما لم يمارس اي نوع من الرياضة او العزف على الالات الموسيقية، او المقامرة بلعب الورق، او ركوب الخيل.
ونبذ نيوتن الشعر كونه “نوع من الهراء الحاذق”، وقام بمغادرة المسرح في المرة الوحيدة التي حضر فيها مسرحية موسيقية عند الفصل الثالث من المسرحية. لم يكن نيوتن متزوجا، ولم يعرف عن امتلاكه لارتباطات مشاعر رومانسية متبادلة، ولربما كان قد توفى عن عمر ناهز الـ85 عاما بدون ان يقيم اي علاقة جنسية ابدا في حياته. قال مساعده همفري نيوتن:” لم اعلم عنه نهائيا اية ممارسات للاستجمام او التسلية، وكان يعتقد بان جميع الاوقات تعتبر ضائعة اذا لم يقضيها في ابحاثه العلمية.”كلا، لم يكن نيوتن بتلك السهولة؛ فهو لم يتمكن فقط من التوصل عبر جهود دؤوبة الى القوانين العالمية الخاصة بالحركة والجاذبية، وصياغة المعادلات التي ما زالت تستخدم الى يومنا الحالي لرسم مسارات مركبات الفضاء المتجة الى كوكب المريخ؛ ولم يكن هو فقط من اكتشف الخصائص الطيفية للضوء ومن ابتدع علم التفاضل والتكامل.
لقد كان للسير اسحق نيوتن وظيفة اخرى متكاملة، وهي انعكاس لعاطفة ذهنية متوازية كان قد ابقاها محجوبة عن الانظار بشكل كبير، غير انها تنافست وفي بعض الاحيان تجاوزت في كثافتها حبه الشديد لعلم الميكانيك المقدس لديه. لقد كان نيوتن من الضالعين بعلم الخيمياء (علم قديم يدرس تحول العناصر)، والذي قضى الليل ساهرا حتى وقت الفجر لمدة ثلاثة عقود من حياته ساعيا بجد من خلال فرن شديد الحرارة باحثا عن القوة التي تحوّل عنصر كيميائي الى عنصر كيميائي آخر.
ولطالما عرف عن اهتمام نيوتن بالخطوط العريضة لعلم الخيمياء، غير ان مدى وتفاصيل ذلك العمل الاضافي المغامر تتكشف لتصبح واضحة الان فقط، كنتيجة للتحليلات التي اجراها بشكل تدريجي المؤرخون العلميون وما نشروه عن الكتابات الواسعة الكثافة التي دونها نيوتن عن علم الخيمياء؛ حيث وصلت عدد الكلمات الى ما يفوق المليون كلمة موجودة في سجلات الحفظ الخاصة بنيوتن والتي تم اهمالها بشكل واسع في السابق.
وخلال حديثه مؤخرا في المعهد المحيطي للفيزياء النظرية في مدينة واترلو بولاية اونتاريو في كندا، وصف البروفيسور ويليام نيومان المتخصص بتاريخ وفلسفة العلم في جامعة انديانا في بلومنغتون، وصف ابحاثه التي اجراها حول مجموعة اعمال نيوتن في علم الخيمياء، وقدم نظرة ثاقبة حول اللغز المركزي الذي غالبا ما يحيّر المهتمين المعاصرين بنيوتن.
كيف يمكن للرجل الذي يتنافس مع البيرت اينشتاين في الاستطلاعات على لقب “الفيزياوي الاعظم على الاطلاق”، والرجل الذي صنفه جيمس غيليك كونه “ كبير مهندسي العالم الحديث” وبجدارة، كيف يمكن له ان يكون بهذه العقلية المتخلفة لما يبدو للافكار العصرية يمثل وهما اطلق في القرون الوسطى؟ كيف يمكن لعالم بهذه المنزلة الرفيعة ان يستغفل كما يبدو من قبل علم يتخذ رموزا زائفة مثل علم الخيمياء، الذي في الاداء الاعم يوصف كونه الرغبة في تحويل الرصاص الى ذهب؟ هل كان نيوتن مصاباً بالجنون؟ لربما اصبح مجنونا من كثرة تعرضه الى مادة الزئبق، كما يقول البعض بذلك؟ هل كان جشعا، ام ساذجا، ام حاجبا انظاره وبعناد عن رؤية الحقيقة؟
لم تكن الاسباب التي ذكرت اعلاه هي وراء سلوك العالم نيوتن، بحسب وجهة نظر الدكتور نيومان؛ فهو يشير الى ان السير نيوتن الخيميائي لا يقل اصرارا وصلابة كعالم الف المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية.
كان هنالك الكثير من الاسباب النظرية والتجريبية في ذلك الزمان من التي عملت على اخذ مبادئ علم الخيمياء على محمل الجد، حيث ساد اعتقاد بامكانية فصل المواد المركبة الى عناصرها الاساسية ومن ثم اعادة تشكيل تلك العناصر الى مادة اخرى ذات جاذبية اكثر.وكان عمال المناجم في ذلك الوقت يقومون باستخراج حزم ملتوية بشكل غير نظامي من النحاس والفضة بحيث كانت تتخذ شكل يشابه سيقان النباتات، موحين بذلك الى ان عروق المعادن والفلزات كانت تتكاثر برعميا تحت الارض بحماسة شديدة على الاغلب.
وتبدو البرك المحيطة بالمناجم الاخرى انها تمتلك خصائص استثنائية، فبتغطيس قضيب من الحديد في مياه لونها ازرق سماوي للينابيع الكبريتية الموجودة في سلوفاكيا، على سبيل المثال، فسوف ينبثق من الناتج وميضا مع النحاس، وكانت الاجزاء الباهتة والمعتمة للمادة الاصلية قد تمت اعادة تشكيلها بشكل جوهري.
يقول الدكتور نيومان:” لقد كان الامر منطقيا تماما بالنسبة لاسحاق نيوتن لكي يؤمن بعلم الخيمياء؛ وان اغلب العلماء التطبيقيين في القرن السابع عشر فعلوا ذلك.”علاوة على ذلك، فبينما لم يتمكن علماء الخيمياء في ذلك الزمان من اتقان فن تحويل عنصر ما الى آخر – تلك المحنة التي علمتنا منذ ذلك الحين بانها تتطلب معدات حقيقية مثل معجل الجزيئات، او ما يحويه باطن نجم ما – فقد نتج عن اعمالهم مكافاة احتوت على فوائد عرضية ذات قيمة كبيرة، ومن ضمنها ادوية جديدة، ودهانات اكثر لمعانا، وصوابين اقوى فعالية وخمر بنوعية افضل. يقول الدكتور نيومان:” كانت الخيمياء مترادفة مع الكيمياء؛ وكان نطاق علم الكيمياء اقل بكثير من تحويل المعادن الى ذهب.”
بالنسبة الى نيوتن، ربما اثبتت الخيمياء كونها اوسع من الكيمياء؛ فالدكتور نيومان يجادل بان الابحاث الخيميائية لنيوتن قد ساعدت في الوصول الى واحدة من اهم انجازاته العلمية الخارقة والاساسية في الفيزياء الا وهي اكتشافه بان الضوء الابيض هو عبارة عن خليط من الاشعة الملونة، وان شعاع الشمس المتكسر من خلال الموشور الى مجموعة الالوان المطابقة لظاهرة القوس قزح المعروفة ممكن ان يتم تبديدها من خلال عدسة لتتوحد كشعاع شمس ابيض اللون مرة اخرى. يقول نيومان:” انا سوف اذهب بعيدا في تصوراتي لاقول بان علم الخيمياء كان امرا غاية في الاهمية بالنسبة الى الانجازات الخارقة لنيوتن في مجال البصريات؛ فهو لم يقم بمجرد تمرير الضوء من خلال موشور – بل كان يعيد تركيب الضوء، وتعتبر هذه الحالة كانتقال للتقنية من الكيمياء الى الفيزياء.”
ان تعزيز التصورات في تلك المرحلة لترسيخ علم الخيمياء كانت وراءه فكرة كون الجسيمات الدقيقة جدا الهرمية التسلسل، وغير القابلة للانقسام وشبه الدائمة تتحد لصياغة مواد اكثر تعقيدا من ذي قبل وذات مسامية متزايدة، وهي نظرية لا تختلف كثيرا عن الحقيقة التي تم الكشف عنها في القرن العشرين من خلال علم الاحياء الجزيئية وعلم الفيزياء الكمية. ومع وجود المذيبات الملائمة وردود الافعال الصحيحة، كما يعتقد العلماء، فينبغي وجود امكانية لتقليص مادة ما الى مكوناتها الاساسية – الى جسيماتها كما يدعوها نيوتن – ويتم بعد ذلك تحفيز الجسيمات لاجل اتخاذها اشكالا وبرامج جديدة. اعتقد نيوتن ونظراؤه بامكانية تحفيز المعادن لكي تنمو بالحجم، او “انباتها” في دورق.
بالنتيجة، عرفت العديد من التفاعلات الكيميائية بكونها تترك خلفها بقايا جميلة ذات معنى. وبغمر مقدار ضئيل من الفضة والزئبق في محلول من حامض النتريك، وصبه على قطعة من زئبق ممزوج مع معدن آخر، فسرعان ما يتكون شكل برّاق متفرع الخطوط على الزجاج؛
او باضافة الحديد الى حامض الهيدركلوريك مع تسخينه الى درجة الغليان حتى يجف، ومن ثم يتم تحضير مسحوق لملح مشتق من السيليكا لخليط من الرمل مع كاربونات البوتاسيوم، وعند مزج المركبين معا فسوف نمتلك حديقة مكونة من عنصر السيليكا، والتي ينبت فيها ويتفرع الى شعب كلوريد الحديد الاحمر، ويستمر بالانبات والتفرع حتى تنتشر باتجاه اشعة الشمس وتنبثق منها البراعم.
واضافة الى ما اكتشفه عمال المناجم عن الاشجار والعروق الشبيهة بجذور النباتات للمعادن والنتيجة المفهومة التي توصل اليها الضالعون بعلم الخيمياء، فان المعادن لا ينبغي فقط ان تنمو تحت الارض، بل تصل الى حد النضج؛ مالم يتم ايجاد بديلا من خامات الفضة والرصاص معا؟ لربما يكن الرصاص في طريقه الى حالة النضوج ليصبح فضة؟
بالتاكيد هنالك وسيلة لحفظ الكرات غير المدفونة لجذور المعادن التي يتم استنباتها في المختبر، مستميلة ثمارها لتصل الى النضوج الكامل الريان كونها من المعادن النفيسة – لتحويل الرصاص الى فضة والنحاس الى ذهب؟
كلا، على وجه اليقين؛ فاذا تشابهت في بعض الاحيان عروق المعادن مع الامثلة النباتية الواضحة، فالمسؤولية تقع على طبيعة التذويب الحراري للارض وميكانيكية السوائل، حيث عندما يتم النظر من اعلى، فسنجد هنالك ايضا نهر متفرع يشبه الشجرة.
ومع ذلك، فالضالعون بعلم الخيمياء لديهم انجازاتهم الكبيرة؛ حيث اخترعوا خضابا جديدا بمواصفات رائعة، واتقنوا صنع اوكسيد الرصاص الاحمر القديم، وكبريتيد الزرنيخ الاصفر، وبمزج قليل من النحاس مع الخل سيتولد صدأ النحاس الاخضر البراق؛ كما تم اعطاء النصائح للفنانين، حيث تغاضى الفنان عن مزج الالوان الخاصة باعماله، وبامكانه الحصول على افضل شيء من قبل احد الضالعين بعلم الخيمياء. وحل مختبر الكيمياء محل حدائق الاديرة كمصدر للادوية الجديدة. “ان انت ذهبت في يومنا هذا الى بريطانيا واستخدمت كلمة “كيميائي”، فالاعتقاد السائد المفترض يشير الى انك تتحدث عن الصيدلاني، وهذا التقليد يعود الى مرحلة القرن السابع عشر.”
كما يقول الدكتور نيومان.واصبح الخيميائيون خبراء ايضا في التعرّف على حالات الغش، فقد تمكن خيميائي مشهور من اثبات ان الخصائص “الاعجازية” لينابيع الكبريتيك لا شان لها بما يحصل من تحوّلات حقيقية. بدلا من ذلك، فان مياه حامض الكبريتيك، او كبريتيات النحاس، سوف تؤدي بذرات الحديد الموجودة على سطح قضيب حديدي مغطس بالترشح الى الماء، مخلفة مسامات سرعان ما تملا من قبل ذرات النحاس الاتية من الينبوع.
يقول الدكتور نيومان:” كان هنالك الكثير من المشعوذين، وخصوصا في البلاطات الاوروبية النبيلة”، وحينما يتم اقرار جرم محاولة خداع الملك من قبل احد الخيميائين، فالعقوبة كانت الاعدام، وباسلوب رفيع المنظر؛ فكان يتم تلبيس الخيميائي بدلة مبهرجة ويتم تعليقه في مشنقة مغطاة بطبقة ذهبية اللون.”
واثبت نيوتن بانه غير متسامح بنفس القدر لحالات الخداع، فعندما كان في سنين عمره الاخيرة متبوئاً لمنصب رئيس مصلحة سك العملة، كتب عنه جيمس غليك في كتابه الموسوم “السيرة الذاتية لنيوتن” التالي:” اثناء ملاحقته للمتلاعبين بالنقد والمزيفين للعملة كان قد استنهض بذلك الغضب المخزون والطويل الموجود لدى المنادين بمبادئ الاصلاح والفضيلة.”يقول الدكتور مارك راتنر، وهو متخصص بكيمياء المواد الاساسية في جامعة نورثويسترن:” لقد كان نيوتن شخصا بشعا، حيث اصدر احكاما باعدام من حاول كشط الذهب من قطع العملة المعدنية. لربما كان نيوتن شبيها بالساحر ميرلين او الاله زيوس، او العالم الافضل في كل الازمان؛ الا انه لا خطأ يوجد حينما نصفه بكونه شخصا قبيحا.”
من صحيفة نيويورك تايمز
بقلم ناتالي انجيرترجمة بهاء سلمان
http://cache2.allpostersimages.com/p/LRG/14/1411/E3PP000Z/posters/galloway-ewing-sir-isaac-newton.jpg
كان السير اسحاق نيوتن واحداً من العباقرة الافذاذ المعدودين في تاريخ العلم، وكان يعلم بعبقريته، ولم يكن يرغب في اضاعة وقته. ولد نيوتن في الخامس والعشرين من شهر كانون الاول لعام 1642، ونادرا ما قام هذا الفيزياوي والرياضي البريطاني العظيم بالمشاركة في نشاطات اجتماعية او سافر بعيدا عن مكانه الذي اقام فيه؛ كما لم يمارس اي نوع من الرياضة او العزف على الالات الموسيقية، او المقامرة بلعب الورق، او ركوب الخيل.
ونبذ نيوتن الشعر كونه “نوع من الهراء الحاذق”، وقام بمغادرة المسرح في المرة الوحيدة التي حضر فيها مسرحية موسيقية عند الفصل الثالث من المسرحية. لم يكن نيوتن متزوجا، ولم يعرف عن امتلاكه لارتباطات مشاعر رومانسية متبادلة، ولربما كان قد توفى عن عمر ناهز الـ85 عاما بدون ان يقيم اي علاقة جنسية ابدا في حياته. قال مساعده همفري نيوتن:” لم اعلم عنه نهائيا اية ممارسات للاستجمام او التسلية، وكان يعتقد بان جميع الاوقات تعتبر ضائعة اذا لم يقضيها في ابحاثه العلمية.”كلا، لم يكن نيوتن بتلك السهولة؛ فهو لم يتمكن فقط من التوصل عبر جهود دؤوبة الى القوانين العالمية الخاصة بالحركة والجاذبية، وصياغة المعادلات التي ما زالت تستخدم الى يومنا الحالي لرسم مسارات مركبات الفضاء المتجة الى كوكب المريخ؛ ولم يكن هو فقط من اكتشف الخصائص الطيفية للضوء ومن ابتدع علم التفاضل والتكامل.
لقد كان للسير اسحق نيوتن وظيفة اخرى متكاملة، وهي انعكاس لعاطفة ذهنية متوازية كان قد ابقاها محجوبة عن الانظار بشكل كبير، غير انها تنافست وفي بعض الاحيان تجاوزت في كثافتها حبه الشديد لعلم الميكانيك المقدس لديه. لقد كان نيوتن من الضالعين بعلم الخيمياء (علم قديم يدرس تحول العناصر)، والذي قضى الليل ساهرا حتى وقت الفجر لمدة ثلاثة عقود من حياته ساعيا بجد من خلال فرن شديد الحرارة باحثا عن القوة التي تحوّل عنصر كيميائي الى عنصر كيميائي آخر.
ولطالما عرف عن اهتمام نيوتن بالخطوط العريضة لعلم الخيمياء، غير ان مدى وتفاصيل ذلك العمل الاضافي المغامر تتكشف لتصبح واضحة الان فقط، كنتيجة للتحليلات التي اجراها بشكل تدريجي المؤرخون العلميون وما نشروه عن الكتابات الواسعة الكثافة التي دونها نيوتن عن علم الخيمياء؛ حيث وصلت عدد الكلمات الى ما يفوق المليون كلمة موجودة في سجلات الحفظ الخاصة بنيوتن والتي تم اهمالها بشكل واسع في السابق.
وخلال حديثه مؤخرا في المعهد المحيطي للفيزياء النظرية في مدينة واترلو بولاية اونتاريو في كندا، وصف البروفيسور ويليام نيومان المتخصص بتاريخ وفلسفة العلم في جامعة انديانا في بلومنغتون، وصف ابحاثه التي اجراها حول مجموعة اعمال نيوتن في علم الخيمياء، وقدم نظرة ثاقبة حول اللغز المركزي الذي غالبا ما يحيّر المهتمين المعاصرين بنيوتن.
كيف يمكن للرجل الذي يتنافس مع البيرت اينشتاين في الاستطلاعات على لقب “الفيزياوي الاعظم على الاطلاق”، والرجل الذي صنفه جيمس غيليك كونه “ كبير مهندسي العالم الحديث” وبجدارة، كيف يمكن له ان يكون بهذه العقلية المتخلفة لما يبدو للافكار العصرية يمثل وهما اطلق في القرون الوسطى؟ كيف يمكن لعالم بهذه المنزلة الرفيعة ان يستغفل كما يبدو من قبل علم يتخذ رموزا زائفة مثل علم الخيمياء، الذي في الاداء الاعم يوصف كونه الرغبة في تحويل الرصاص الى ذهب؟ هل كان نيوتن مصاباً بالجنون؟ لربما اصبح مجنونا من كثرة تعرضه الى مادة الزئبق، كما يقول البعض بذلك؟ هل كان جشعا، ام ساذجا، ام حاجبا انظاره وبعناد عن رؤية الحقيقة؟
لم تكن الاسباب التي ذكرت اعلاه هي وراء سلوك العالم نيوتن، بحسب وجهة نظر الدكتور نيومان؛ فهو يشير الى ان السير نيوتن الخيميائي لا يقل اصرارا وصلابة كعالم الف المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية.
كان هنالك الكثير من الاسباب النظرية والتجريبية في ذلك الزمان من التي عملت على اخذ مبادئ علم الخيمياء على محمل الجد، حيث ساد اعتقاد بامكانية فصل المواد المركبة الى عناصرها الاساسية ومن ثم اعادة تشكيل تلك العناصر الى مادة اخرى ذات جاذبية اكثر.وكان عمال المناجم في ذلك الوقت يقومون باستخراج حزم ملتوية بشكل غير نظامي من النحاس والفضة بحيث كانت تتخذ شكل يشابه سيقان النباتات، موحين بذلك الى ان عروق المعادن والفلزات كانت تتكاثر برعميا تحت الارض بحماسة شديدة على الاغلب.
وتبدو البرك المحيطة بالمناجم الاخرى انها تمتلك خصائص استثنائية، فبتغطيس قضيب من الحديد في مياه لونها ازرق سماوي للينابيع الكبريتية الموجودة في سلوفاكيا، على سبيل المثال، فسوف ينبثق من الناتج وميضا مع النحاس، وكانت الاجزاء الباهتة والمعتمة للمادة الاصلية قد تمت اعادة تشكيلها بشكل جوهري.
يقول الدكتور نيومان:” لقد كان الامر منطقيا تماما بالنسبة لاسحاق نيوتن لكي يؤمن بعلم الخيمياء؛ وان اغلب العلماء التطبيقيين في القرن السابع عشر فعلوا ذلك.”علاوة على ذلك، فبينما لم يتمكن علماء الخيمياء في ذلك الزمان من اتقان فن تحويل عنصر ما الى آخر – تلك المحنة التي علمتنا منذ ذلك الحين بانها تتطلب معدات حقيقية مثل معجل الجزيئات، او ما يحويه باطن نجم ما – فقد نتج عن اعمالهم مكافاة احتوت على فوائد عرضية ذات قيمة كبيرة، ومن ضمنها ادوية جديدة، ودهانات اكثر لمعانا، وصوابين اقوى فعالية وخمر بنوعية افضل. يقول الدكتور نيومان:” كانت الخيمياء مترادفة مع الكيمياء؛ وكان نطاق علم الكيمياء اقل بكثير من تحويل المعادن الى ذهب.”
بالنسبة الى نيوتن، ربما اثبتت الخيمياء كونها اوسع من الكيمياء؛ فالدكتور نيومان يجادل بان الابحاث الخيميائية لنيوتن قد ساعدت في الوصول الى واحدة من اهم انجازاته العلمية الخارقة والاساسية في الفيزياء الا وهي اكتشافه بان الضوء الابيض هو عبارة عن خليط من الاشعة الملونة، وان شعاع الشمس المتكسر من خلال الموشور الى مجموعة الالوان المطابقة لظاهرة القوس قزح المعروفة ممكن ان يتم تبديدها من خلال عدسة لتتوحد كشعاع شمس ابيض اللون مرة اخرى. يقول نيومان:” انا سوف اذهب بعيدا في تصوراتي لاقول بان علم الخيمياء كان امرا غاية في الاهمية بالنسبة الى الانجازات الخارقة لنيوتن في مجال البصريات؛ فهو لم يقم بمجرد تمرير الضوء من خلال موشور – بل كان يعيد تركيب الضوء، وتعتبر هذه الحالة كانتقال للتقنية من الكيمياء الى الفيزياء.”
ان تعزيز التصورات في تلك المرحلة لترسيخ علم الخيمياء كانت وراءه فكرة كون الجسيمات الدقيقة جدا الهرمية التسلسل، وغير القابلة للانقسام وشبه الدائمة تتحد لصياغة مواد اكثر تعقيدا من ذي قبل وذات مسامية متزايدة، وهي نظرية لا تختلف كثيرا عن الحقيقة التي تم الكشف عنها في القرن العشرين من خلال علم الاحياء الجزيئية وعلم الفيزياء الكمية. ومع وجود المذيبات الملائمة وردود الافعال الصحيحة، كما يعتقد العلماء، فينبغي وجود امكانية لتقليص مادة ما الى مكوناتها الاساسية – الى جسيماتها كما يدعوها نيوتن – ويتم بعد ذلك تحفيز الجسيمات لاجل اتخاذها اشكالا وبرامج جديدة. اعتقد نيوتن ونظراؤه بامكانية تحفيز المعادن لكي تنمو بالحجم، او “انباتها” في دورق.
بالنتيجة، عرفت العديد من التفاعلات الكيميائية بكونها تترك خلفها بقايا جميلة ذات معنى. وبغمر مقدار ضئيل من الفضة والزئبق في محلول من حامض النتريك، وصبه على قطعة من زئبق ممزوج مع معدن آخر، فسرعان ما يتكون شكل برّاق متفرع الخطوط على الزجاج؛
او باضافة الحديد الى حامض الهيدركلوريك مع تسخينه الى درجة الغليان حتى يجف، ومن ثم يتم تحضير مسحوق لملح مشتق من السيليكا لخليط من الرمل مع كاربونات البوتاسيوم، وعند مزج المركبين معا فسوف نمتلك حديقة مكونة من عنصر السيليكا، والتي ينبت فيها ويتفرع الى شعب كلوريد الحديد الاحمر، ويستمر بالانبات والتفرع حتى تنتشر باتجاه اشعة الشمس وتنبثق منها البراعم.
واضافة الى ما اكتشفه عمال المناجم عن الاشجار والعروق الشبيهة بجذور النباتات للمعادن والنتيجة المفهومة التي توصل اليها الضالعون بعلم الخيمياء، فان المعادن لا ينبغي فقط ان تنمو تحت الارض، بل تصل الى حد النضج؛ مالم يتم ايجاد بديلا من خامات الفضة والرصاص معا؟ لربما يكن الرصاص في طريقه الى حالة النضوج ليصبح فضة؟
بالتاكيد هنالك وسيلة لحفظ الكرات غير المدفونة لجذور المعادن التي يتم استنباتها في المختبر، مستميلة ثمارها لتصل الى النضوج الكامل الريان كونها من المعادن النفيسة – لتحويل الرصاص الى فضة والنحاس الى ذهب؟
كلا، على وجه اليقين؛ فاذا تشابهت في بعض الاحيان عروق المعادن مع الامثلة النباتية الواضحة، فالمسؤولية تقع على طبيعة التذويب الحراري للارض وميكانيكية السوائل، حيث عندما يتم النظر من اعلى، فسنجد هنالك ايضا نهر متفرع يشبه الشجرة.
ومع ذلك، فالضالعون بعلم الخيمياء لديهم انجازاتهم الكبيرة؛ حيث اخترعوا خضابا جديدا بمواصفات رائعة، واتقنوا صنع اوكسيد الرصاص الاحمر القديم، وكبريتيد الزرنيخ الاصفر، وبمزج قليل من النحاس مع الخل سيتولد صدأ النحاس الاخضر البراق؛ كما تم اعطاء النصائح للفنانين، حيث تغاضى الفنان عن مزج الالوان الخاصة باعماله، وبامكانه الحصول على افضل شيء من قبل احد الضالعين بعلم الخيمياء. وحل مختبر الكيمياء محل حدائق الاديرة كمصدر للادوية الجديدة. “ان انت ذهبت في يومنا هذا الى بريطانيا واستخدمت كلمة “كيميائي”، فالاعتقاد السائد المفترض يشير الى انك تتحدث عن الصيدلاني، وهذا التقليد يعود الى مرحلة القرن السابع عشر.”
كما يقول الدكتور نيومان.واصبح الخيميائيون خبراء ايضا في التعرّف على حالات الغش، فقد تمكن خيميائي مشهور من اثبات ان الخصائص “الاعجازية” لينابيع الكبريتيك لا شان لها بما يحصل من تحوّلات حقيقية. بدلا من ذلك، فان مياه حامض الكبريتيك، او كبريتيات النحاس، سوف تؤدي بذرات الحديد الموجودة على سطح قضيب حديدي مغطس بالترشح الى الماء، مخلفة مسامات سرعان ما تملا من قبل ذرات النحاس الاتية من الينبوع.
يقول الدكتور نيومان:” كان هنالك الكثير من المشعوذين، وخصوصا في البلاطات الاوروبية النبيلة”، وحينما يتم اقرار جرم محاولة خداع الملك من قبل احد الخيميائين، فالعقوبة كانت الاعدام، وباسلوب رفيع المنظر؛ فكان يتم تلبيس الخيميائي بدلة مبهرجة ويتم تعليقه في مشنقة مغطاة بطبقة ذهبية اللون.”
واثبت نيوتن بانه غير متسامح بنفس القدر لحالات الخداع، فعندما كان في سنين عمره الاخيرة متبوئاً لمنصب رئيس مصلحة سك العملة، كتب عنه جيمس غليك في كتابه الموسوم “السيرة الذاتية لنيوتن” التالي:” اثناء ملاحقته للمتلاعبين بالنقد والمزيفين للعملة كان قد استنهض بذلك الغضب المخزون والطويل الموجود لدى المنادين بمبادئ الاصلاح والفضيلة.”يقول الدكتور مارك راتنر، وهو متخصص بكيمياء المواد الاساسية في جامعة نورثويسترن:” لقد كان نيوتن شخصا بشعا، حيث اصدر احكاما باعدام من حاول كشط الذهب من قطع العملة المعدنية. لربما كان نيوتن شبيها بالساحر ميرلين او الاله زيوس، او العالم الافضل في كل الازمان؛ الا انه لا خطأ يوجد حينما نصفه بكونه شخصا قبيحا.”
من صحيفة نيويورك تايمز