المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدين و المتدينون ! إنطباعات مشتقة من تجارب شخصية ..(مقالة في حلقات)....غالب الشابندر



سيد مرحوم
10-09-2004, 02:17 PM
الدين و المتدينون ! إنطباعات مشتقة من تجارب شخصية

غالب حسن الشابندر GMT 15:15:00 2004 الجمعة 8 أكتوبر


الحلقة الأولى



قبل كل شي أحب أن أذكر بان كاتب هذه السطور من الذين ينتمون إلى دائرة الغيب، أي من الذين يؤمنون بأصالة الغيب، وقدمه الترتيبي والقيمي على عالم المادّة، فالدين قيمة سامية كبيرة، كانت وستبقى صوت الله في الضمير الحي، ولا أعتقد أن التاريخ سوف يزيح الدين أو ينفيه، بل أثبتت التجربة البشرية أن الدين حقيقة روحية صامدة، لا تغيب حتى تظهر بشكل آخر، ولا تقمع حتى تتبلور في صيغة جديدة، فالدين يعبر عن نفسه بصور متعددة، متجدِّدة، ولذا لم تفلح كل أساليب إنهاء هذه الظاهرة بشكل جذري، بل هناك دراسات غربية حديثة تحاول إرجاع أكثر الانجازات البشرية إلى الجذوة الدينية العميقة الغور في الكائن الإنساني. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، إن توظيف الدين لأهداف بعيدة عن روحه وجوهرة ظاهرة قديمة، ولكنّها ليست ظاهرة محصورة في مجاله وحسب، فقد كانت الماركسية وغيرها من المذاهب الإنسانية الطيبة مجال إستغلال بشع من قبل حامليها، بل حتى الديمقراطية تحوَّلت إلى أداة قمع فكري وروحي، بل باسم الحرية سفكت دماء، وأُبيدت شعوب، وهتكت أعراض...
أقدم هذه المقدمة لأنها تتصل بما سوف أطرحه حول العلاقة بين الدين والمتدينين في السطور التالية إن شاء الله تعالى.

الدين في تصوري كما قلت تجاوز نحو الأعلى، نحو الأسمى، بل لا معنى للإيمان بلا تخطي جرئ للواقع الراهن بشرط ا لتقدم والسمو والارتفاع، وأنا أتحدث عن الدين هنا بشكل عام، وذلك بصرف النظر عن التفاصيل، وهناك حديث للرسول الكريم يكشف عن ذلك، فقد روي عنه سلام الله عليه القول ( من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أحسن من يومه فهو ملعون )، فإن القراءة الجوانيِّة لهذا الحديث تفيد معنى التجاوز، أو بالأحرى التخطي، وفي الحقيقة ما دام الأيمان هو عمل الروح فمن الضروري أن يستبطن التخطي نحو الأسمى، تجاوز الذات الضيقة والاندكاك في الروح السامية، وأقصد بالروح السامية ذلك الموج الشفاف من العمل الصالح، العمل الكبير، الذي يشف عن تقدير رائع للحياة وقيمها، ويشي عن تثمين معنوي كبير للإنسان والإنسانية.

نقرأ في القرآن الكريم ( يا أيها الإنسان أنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه )، وبالتالي، وحسب قراءة عميقة لهذا النص الجليل، نعي بأن الإيمان محاولة للوصول إلى الله، تماهي معه، تتحايث الروح المؤمنة مع الله، وذلك من خلال تخطي الحواجز، حواجز الذات الضيقة، و ذلك يكون بالعمل الصالح، العمل الطيب من أجل الغير، بلا جزاء وبلا شكور، يكون بالتسامح، يكون بإضفاء الحب على مخلوقات الله تعالى.

هذه هي عبقرية الدين، وهنا تكمن عظمته، وبالتالي، لا يستحق لقب أو عنوان المؤمن ذلك ( المسلم أو المسيحي أو اليهودي ) الذي يفني ذاته بالصلاة و الصيام، وغيرهما من الممارسات العبادية الشكلية، فإنَّ الانغماس بهذه العبادات دون التضحية بشيئ من الذات لا ينطوي تحت مقولة الإيمان، أين هو الإيمان هنا ؟ هذه الممارسات يجب أن تقود إلى التضحية بشي من الذات، يجب أن تترتب عليها بعض المستحقات الشفافة، ومن أبرزها التخطي، التخطي نحو السمو، نحو القيمة النهائية لكل القيم ( الله ). ولعل هناك منْ يدعو إلى ما يُسمِّى بـ ( النظام الإسلامي، والحكومة الإسلامية، و الدولة الإسلامية )، وربما ينال صنوف العذاب، ولكن دونما يتخطي غرائزه تجاه الحقيقة الكلية، الله عزّ وجل. فهل هذا ( مؤمن ) ؟

أشك في ذلك !

أنا متدين يعني أنا سائر إلى الله بالعمل الصالح، بالتضحية من اجل الآخر، بالتواصل مع فقراء الناس، مع المعدمين، بالتواصي مع قوى الخير في سبيل صلا ح العالم، هذا هو المؤمن، وهذا هو الإيمان، ا لعطاء أولاً، تلك هي سمة الإيمان، ولذلك طوال عمري لم التفت إلى كمية صلاة هذا المتدين أو ذاك، بل كان نظري الأول إلى مدى تخطيه المستمر لذاته، لأنانيته، ومن هنا أشك بذلك الذي يجمع ( الملايين ) فيما هو يدعي الإيمان، أشك بمثل هذه المفارقة الكبيرة ! وأنا أشتق موقفي هذا من مقولة إمام الموحدين علي بن أبي طالب الذي انتمي إلى مدرسته الدينية والحمد لله تعالى.

كاتب هذه السطور له تجربة طويلة مع ( المتدينين )، فقد تواجهت مع تجارب يشيب لها الوليد، بل تجارب تهز عرش الله عزّ وجل، شاهدت الغرائب، فقد لمست بيدي حب هؤلاء للمال بشكل مثير، بحيث يبعثون على التقزُّز، فهؤلاء يحرصون على الصلاة في المساجد في وقتها، ويجادلون عن الدين كثيراً، خاصّة إذا انبرى شخص للإدلاء برأي هو مناف للدين في تصورهم، ويطلقون اللحى، ويمنعون أبناءهم من الاستماع لصاحب الرأي هذا، يضربون الطبول، ويقرعون الأبواب، محذِّرين، منبهين، ولكن هؤلاء إذا توفَّرت لهم فرصة عمل يدرُّ عليهم المال الوفير، سرعان ما ينقطون شيئاً فشيئا عن الجامع !، بل لم تر لهم أثراً في مناسبة دينية مهمة مثل رمضان أو محرّم الحرام ! وسرعان ما تسمع عنهم العجائب في كيفيِة جني المال ! إنّهم بلاء رهيب، وقد تساءلت كثيرا عن سرّ هذه الظاهرة الغريبة المدهشة حقا، فلم أجد جواباً سوى كون تدينهم مجرّد معالجة لوضع خاص بهم، ذلك أنّهم ليسوا بشي، فيحاولون تغطية هذا النقص بالتدين !

لقد كان التدين بالنسبة لهؤلاء محاولة لمعالجة نقص، وجاء المال ليحل محل التدين في لعلاج هذا النقص، لم يكن عن إيمان، وبالتالي، كان جدالهم وصياحهم وتهاويلهم مجرّد كذبة، كذبة قبيحة...

هناك صنف آخر من ( المتدينين )، هؤلاء يستقتلون ( لفظيِّاً ) أن يقدمك على نفسه بشربة كأس من الماء، أو بدخول قاعة درس، ويشفع ذلك بصنوف من التملق المدهش، مثل ( مولانا ) ومثل ( بخدمتك )، ولكن يتوارى عنك من بعيد إذا شعر بأنَّك تريد أن تستدين منه كمية بسيطة من المال، وهو القادر على ذلك، وهو العالم بأنَّك سوف تفي بالدين دون تلكؤ !

هذه الظاهرة رأيتها عند ( المتدينين ) بشكل مثير حقا، وهي ظاهرة تدعو إلى الرثاء والقرف في نفس الوقت، غريب أمر هؤلاء، وكلَّما أُصادف مثل هذه الحالات تأخذني حيرة مدهشة، خاصّة فيما يتعلَّق بتوسّلاتهم في مثل الحالات التي أسلفت !

تُرى ما هو تفسير كل ذلك ؟

أين هي القيم الدينية لدى هؤلاء ؟

هم يتصدرون الصفوف الأولى في صلاة الجماعة، والويل والثبور لمَن تساءل يوماً عن مفهوم ديني لم يجد صدى من قبول لدى هذا السائل، سوف يتناقل هؤلاء الخبر بتضخيم وتكبير، ويتحادثون بِه الناس، ويحذرون، ويكّبرون، ويحوقلون، ولكن سوف لا يشفع أحدهم للآخر إذا حان وقت العطاء !

الإيمان هو جوهر الدين، وجوهر الإيمان هو التخطي، تخطي أفق الذات الضيق، العطاء، ومن دون العطاء لا إيمان أبدا.

سيد مرحوم
10-14-2004, 03:14 AM
الدين والمتدينون

(2)

غالب حسن الشابندر

Gmt 15:30:00 2004
الأربعاء 13 أكتوبر


في الحلقة الأولى من هذا الموضوع قلت أن جوهر الدين هو الإيمان، وجوهر الإيمان هو التجاوز... التخطي... وبعبارة واضحة هي التماهي مع الله، وذلك بالعمل الصالح، العمل من أجل الآخر، سواء هذا الآخر من ذات الدائرة الدينية التي ينتمي إليها المتدين أو من خارج هذه الدائرة، بل سواء كان مؤمناً أو معطِّلا، فالمتدين موهوب للناس... موهوب للعمل الصالح... موهوب لله تعالى... مضحي... هذا هو جوهر الإيمان، هناك تعادل موضوعي بين الإيمان و العطاء.

مصطلح ( متدين ) في الوسط التقليدي يطلق على ذلك الشخص الملتزم بالواجبات الدينية التقليدية، وذلك من صلاة وصوم وشي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة لذلك إحترازه من المحرَّمات مثل شرب الخمر والزنا وتعاطي الربا، ولعب القمار، وغيرها محضورات الشرائع السماوية، زيادة على ذلك إلتزامه ببعض القيم الأخلاقية مثل عدم الغيبة وإحترام الآخر وما إلى ذلك من نظائر، وفي تصوري البسيط أن هذا النموذج من الناس ليس متدينا بما فيه الكفاية، إنّه متدين محايد، فهو لا يضيف إلى الكون كثيرا، هو متدين حقا، ولكنّه متدين محايد، بل كثيرا ما تكون مستحقات تدينه هذا لصالحه بالذات، لم يخسر شيئاً تقريباً، فهو بصلاته وصومه يتخلص من النار، وهو بمجانبته الحرام مثل الخمر و القمار و الغيبة والزنا إنّما يصون نفسه بالدرجة الأولى، ربما ينعكس ذلك على المجتمع بشي من الخير و العافية، ولكن ليس بمستوى كونه مؤمنا بالله تعالى!
نعم!
نعم!
نعم!
هو مؤمن بالله تعالى، فعليه أن يتحايث مع الله، أي يتخلّق بأخلاق الله تعالى، ومن أروع صفات الله تعالى هي الرحمة، الرحمة بالبشر، و الرحمة بالطبيعة، و الرحمة بالعدو، والرحمة بالنبات، والرحمة بالحيوان، الرحمة غير المشروطة، كما هو الله سبحانه وتعالى.

إنّّ هذا المتدين هو أرقى من ذلك ( المتدين ) الذي يستأجر نفسه ــ باسم كونه رجل دين ــ للقيام بواجبات دينية، كأن يجيب على أحكام شرعية، أو يصلي جماعة في الناس، أو يبرم عقود الزواج، أو يقرأ التعزية الحسينية في فاتحة!

إنّ هذا المتدين هو أرقى من المرتزق باسم الدين، وبطبيعة الحال هو أرقى من ذلك الذي يتستر باسم الدين، فيمارس الديكتاتورية والقهر على ألآخرين باسم الدين، ولكنّه ليس متدينا بما فيه الاقتراب الكبير من جوهر الإيمان، فإن الإيمان هو العطاء!
نعم!
العطاء
العطاء
قال تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و لمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وملائكته والكتاب و النبيين وأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والماسكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون عهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا ما عاهدوا الله وهم المتقون ).
هذه الآية تكشف في بعض تضاعيفها عن علاقة بين العطاء و الإيمان، هي علاقة التماهي،ولكن إيتان المال على حب الله هذه النماذج من المعدمين ليس هو نهاية المطاف، بل نحن مع كون الآية طريقاً لمعنى أعمق وأروع، ذلك هو العطاء بالمعنى الشامل، العطاء بالمال، و العطاء بالوقت، و العطاء بالنفس، والعطاء بالسمعة، والعطاء بالمنزلة الاجتماعية، القرآن هنا يضرب لنا مثلا، وليس موضوعا نهائيا، والإيمان هو العطاء بهذه الشمولية الرائعة.
كثير من المتدينين ومن خلال تجربتي معهم يتذمرون عندما أتجاذبهم الحديث على هذا المستوى، وفي تصوري هي عملية هروب من الصعب بواسطة السهل، فإن الصلاة ليست صعبة، ولكن أن تعطي من جيبك هو الصعب، وتجنُّب الغيبة ليس صعبا بما فيه الكفاية، أو هي صعوبة ليست شاقّة، ولكن أن تبذل من وقتك لتعليم خمسين طالبا مجانّا عملية صعبة، وأن تتجنب شرب الخمر مسالة سهلة، بل موقف مرغوب صحيا، ولكن أن تشارك أخاك في مشروع تجاري فيه شي من المرونة المادية تجاهه هو الصعب.

لقد رأيت متدينين في غاية الإلتزم العبادي ا لخاص، يقتلع أصبعه من المسح والتدليك بالماء عند الوضوء، ولكن هذا ( ا لمتدين ) يستحلب كل طاقة ( صانع ) يعمل في حانوته، يحرق كل طاقته، يدمِّره تدميرا، مقابل أجر زهيد تافه...
هذا كذاب في تصوري.

وكم له من نظير في صفوف هؤلاء المتدينين

ورأيت متدينين يطيلون ركوعهم بدرجة يستوقفوني حائرا، ولكن إذا اشترك هؤلاء في مشروع تجاري، وربما تجاري إيماني، سرعان ما ينشب بينهم الخلاف على ( الحصص )، وتصل النوبة إلى التشكيك لا بالالتزام بل حتى بالشرف والأمانة، ولكن كل واحد منهم يسجد طويلا... طويلا... طويلا...

التدين هو العطاء قبل كل شيء.

التدين هو أن تبذل، تبذل من جيبك، وقوتك، ووقتك، وراحتك، ونفسك، و سمعتك، وجاهك،

وطاقتك، و ذكاءك، وراحتك...

تبذل لأخيك في الدين، ولنظيرك في الخلق، لليهودي والمسيحي والمندائي، للمؤمن والمعطل، للكبير و الصغير، لصديقك وعدوك، للعالم والجاهل، للفقير والغني، هذا هو المتدين، أمّا ذلك الذي يكاد يخلع أصبعه من كثرة الدلك والتمسيد خوف أن لا يصل الماء إلى كل مستحقات الوضوء من ذراعه المحترمة من دون عطاء فهو على أعتاب الدين وليس في الجوهر منه...
هكذا كان نبي الرحمة.

وهكذا كان الطيبون...

لقد وضعت بين وبين نفسي مخططاً لنماذج المتدينين، فهناك...

أولاً : الدجّال المتدين، وهو الذي يستغل الدين لمآربه الشخصية.

ثانيا : المتدين الحيادي، وهو الذي يقوم بالعبادات الخاصة، وينتهي عن المحرمات، ويلتزم ببعض الممارسات الأخلاقية.

ثالثا : المتدين حقا، وهو الذي يبذل ويعطي لانّه مؤمن.

وسلام على كل معطاء لانَّّه مؤمن.

النموذج الأخير هو المتدين حقا، لانَّه يضيف للكون، لأنَّه يتجاوز ذاته، لأنَّه يتخطى، لأنَّه يتجاوز... والحمد لله رب العالمين.

يعقوب
10-15-2004, 07:00 AM
دائماً تأتينا بالجواهر يا سيد مرحوم، وهذه إحدى جواهرك، لا عجب، فهكذا يكون من فى فكره فضل الله

سيد مرحوم
10-17-2004, 03:28 AM
الدين والمتدينون

(3)

غالب حسن الشابندر

Gmt 8:15:00 2004
السبت 16 أكتوبر





اتصل بِيَ أكثر من صديق ليكلمني عن هذه المقالات، وقد كان أكثرهم متجاوباً مع مضمون الطرح بشكل عام، ومحبَّذا طريقة العرض المدرسية هذه، فيما عارض آخرون ذلك، فقد كانوا مصرِّين على عرض الموضوع في سياق علمي، مدوّن الهوامش، موثَّق البراهين، وقد إعتذرت لأصحاب الرأي الثاني، لأنها في الأساس موضوعات للتثقيف العام، ومشتقة من تجارب وانطباعات شخصية، وهي تخاطب الوجدان والشعور، ولم تكن بحوثاً كلامية أو فلسفية في الأخلاق أو حتى في الدين، هي موضوعات شعبية، تلامس الحاجة القريبة، وتتواصل مع قيم نؤمن بها جميعا، وليس هي سجال حول ( ماهيِّة ) الدين، بل هي كلام عن الدين بإبعاده الإنسانية الكريمة، الدين كممارسة حيّة نسترجع فيها سيرة الأنبياء الكرام، بما اتصفت به من بساطة وشفافية وروح وعطاء، لا أكثر ولا أقل ، ولذا سوف أستمر على هذه الطريقة من العرض والطرح، لأنّها هي المناسبة للمقصود من هذه الموضوعات الشفافة، وشكرا للجميع.

(الدين يرقِّق القلب... )

هكذا أعتقد، وأرى أن قراءة عميقة لفلسفة ا لدين تقود إلى هذه النتيجة، ولذا ليس غريباً أن تكون الرحمة عنوان النبوّة المحمديّة الكريمة، وليس غريباً أن يكون الحب عنوان النبوة العيسوية الشفافة، وليس غريباً أن يكون الأنتصار للمظلومين المضطهدين عنوان النبوّة الموسوية الطيبة...

رقِة القلب من نتائج الإيمان الواعي، هي من علامات المتدين الإيجابي، وهناك عشرات الروايات الصادرة عن حبيب الله محمّد عن رقّة القلب، يباركها ، ويدعو لها، ويحذِّر من قسوة القلب وغلظته وجفوته، والمتدينون طالما سمعتهم يتحدَّثون عن ذلك...

ولكن ما هي قسوة القلب في تصور هؤلاء المتدينين؟

أكثر هؤلاء يصرفون القسوة إلى مقتربات دينية ضيقة ، إنَّه في لغتهم التساهل بحق الله، وحق الله عندهم هو الصلاة والصوم وما إليها من عبادات خاصّة، ويتناسى رقّة القلب تجاه الآخر من البشر، ولذا وجدت كثيراً من المتدينين لا يهزّه منظر إمرأة منهوكة القوى، تتوسَّل هذا أو ذاك من السابلة!


غريب أمر هؤلاء المتدينين!

بل وجدت منهم منْ يصرف نظره عن مثل هذه المشاهد المأساوية، ويتهرّب من مواجهتها، وأكثر ما يبدر منه حوقلة عابرة! ولكن لسانه طويل، وعباراته دسمة، وإسشتهاداته القرآنية والنبوية مطّردة في الدفاع عن حرية التسعير مثلا! حتى لو كانت ظالمة بدرجة فاقعة.
هؤلاء ( المتدينون ) يكيلون السباب والشتائم لبائعة هوى مستلقية على قارعة طريق، يتهمونها بالعهر، و السفالة، والسقوط، والخيانة الدينية، فيما أرى أنّ المتدين الحق هو الذي يبكي دماً على قدر بائعة الهوى هذه، يبكي لنصيبها النكد في هذه الدنيا... هذه هي رقّة القلب التي تنسجم مع جوهر الإيمان، وليست رقّة القلب التي يتحدّث بها هؤلاء ( المتدينون )، والتي لا تخرج عن دائرة قلّة الصلاة، وتأخيرها عن وقتها الفاضل، أو ما هو في هذا النطاق الشكلي الساذج، أقولها وبكل صراحة، أنّ البكاء لحال هذه المومس هو أقرب عند الله من صلاة بعض المصلين، أقول ذلك وأعرف كم هو ثقيل مثل هذا الكلام على قلب بعض هؤلاء ( المتدينين )!

هو متدين!

هكذا يقول العرف الاجتماعي.

لماذا؟

لأنه صائم، مصلي، لا يأتي بالفحشاء، لا يرتكب المنكر!

وأنا أقول هو متدين...

ولكن لماذا؟

لأنه يصلي، ويصوم، ويزكي، ويحج، ويأنف من الحرام، ولكن في الوقت ذاته لأنّه يبكي لحال هذه المومس المسكينة.

وهل هي حقا بائعة هوى؟

هؤلاء ( المتدينون ) ينظرون بعين واحدة دائما، لأن التديُّن لدى كثير منهم لعلاج نقص وليس لإيمان نابع من مسؤولية تجاه الله، ولذا وكما لاحظت بعيني، سرعان ما يتهاوى هذا التدين مع أبسط مكسب دنيوي تافه، بل لم أجد مثل هؤلاء إلتصاقا بالدنيا، حتى أن بعضهم يقول : إنّ الدنيا خلقت للمؤمن وليس للكافر، وهم يريدون بذلك تبرير تهافتهم الوقح على هذه الدنيا، بشكل لم يراع كل القيم التي يتبجحون بها.

المتدين رقيق القلب...

يبكي خوفا من الله ... يبكي طمعا في رحمته، ولكن في الوقت ذاته يبكي لهذه المشاهد البائسة التي تدمي القلب، يبكي لهذا الطفل الذي لم يمس الماء النظيف جسده المتسخ لشهور، يبكي لهذا الشيخ العجوز الذي لم يعرف الراحة طوال عمره، يكدّ ليل نهار من أجل لقمة خبز يشبع بها جوعته المستمرة.

في الحقيقة لم أصادف في أوساط المتدينين مثل هذه النماذج إلاّ قليلا، نعم هم يتحدَّثون عن ( الإنسان الرسالي والأمة الرسالية، والدولة الرسالية، و الحزب الرسالي، والتكليف الشرعي... )، ولكنّي قليلا ما أسمع من هؤلاء ( الرساليين ) عن هذه المشاهد التي تقلق ضمير كل إنسان حي، كل إنسان يعرف الله حقا.

رقّة القلب عند هؤلاء بكاء على الحسين عليه السلام ، ورقّة القلب عندي هي البكاء على ما يعاني منه الإنسان في عالم اليوم من ظلم، وجوع، وعري...

اليوم تُقطع رؤوس، وتسمل عيون، وتقطع أيدي باسم الدين...

ربّاه!

كم هي رائعة قولة السيد المسيح عليه السلام ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر )...

نبي السلام...

وهل يتذكّر هؤلاء المتدينون قول محمد الحبيب ( أنّما أنا رحمة مزجاة )...

السلام عليك يا نبي الحب!

( متدينوا ) الأحزاب والدولة ( الرسالية ) لا يلتفتون إلى هذا الفكر...

في رأيهم هذا فكر سطحي!

وفي عقيدتي نسوا الدين لمَّا أهملوا هذا الفكر...

الدين جاء لترقيق القلوب قبل كل شي.

سيد مرحوم
10-21-2004, 05:08 AM
الدين والمتدينون

(4)

غالب حسن الشابندر

GMT 22:00:00 2004 الثلائاء 19 أكتوبر


لقد قلت سابقاً أنّ ما يُقال عن العلاقة بين الدين والمتدينين يمكن أن يقال عن العلاقة بين الماركسيين والماركسية، بين الديمقراطيين والديمقراطية، فإن المفارقة بين النظرية والتطبيق بلاء شامل، وليس محصوراً بالدين، وهذه هي الأنظمة التي تدعي الديمقراطية تمارس أبشع صنوف التفرقة بين الشعوب، بل سبَّب أكثر من حرب عالمية آتت على كل الإنجازات البشرية الرائعة.

أسوق هذه المقدمة لتصحيح مسار نقدي راح في الأيام الأخيرة يعالج مشاكل المجتمع البشري بطريقة إنتقائية مخجلة ، حيث يحمِّل هذا الدين أو تلك الفلسفة ما يجري في العالم من عنف وظلم بشكل حصري قاتل!

الدين يقرّ بأنّ هناك حقوق الله، وحقوق الآخر، وحقوق الذات، ومراجعة بسيطة لنصوص الدين الصحيحة تكشف عن تقدُّم حقوق الآخر على حقوق الله، فالله يمكن يتساهل بحقوقه على البشر يوم الدين، يوم تقوم قيامة الوجود الكبرى، ولكن لا يتساهل بحقوق الآخر! وفي الحقيقة هذه مسألة في غاية الأهمية، ومن هنا ينبغي أن يفهم المتدين أنّ الدعوة إلى حقوق الآخر قبل الدعوة إلى حقوق الله!

كفر الرجل!

أليس كذلك ؟

الصلاة عمود الدين...

تلك حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، ولكن العمل الصالح عمود الوجود، والصلاة في كل بواعثها وأشكالها لا تخرج من دائرة العمل الصالح، فكل صلاة صادقة هي عمل صالح ولكن ليس كل عمل صالح هو صلاة.

أليس كذلك ؟

حقوق الآخر أهم من حقوق الله!

ترك الصلاة لا يهدم الوجود، ولكن التفريط بحقوق الآخرين يهدم الوجود... ولعله من هنا كان المقياس الكمي لمادة العمل أكثر من المقياس الكمي لمادّة الصلاة في النصوص الدينية الصحيحة.

ترك الصوم لا يخرب الحياة، ولكن قتل الناس جزافا يدمِّر الحياة، و تعطيل سير المرور يعرقل الإنتاج ، وتخزين السلع ينشر الفقر، وتغيير الأسعار خلسة يضر بالاقتصاد الوطني، وتعميم الأحكام يخلق الارتباك الاجتماعي...

ترك الحج لا يسبب حربا، ولا يسبب ظلما، ولكن التشكيك في عقائد الناس يخلق فوضى أخلاقية، والطلاق الأسود يعدم المودّة بين الزوج والزوجة، يجعل العلاقة الزوجية لزجة، تفوح منها رائحة الخيانة الخفية، والتلاعب في أقوات الناس يخلق ولادات مشوّهة...
حقوق الله تهم الله...

لا تضر الله....

لا تنفع الله...

ولكن حقوق الناس تهم الناس...

تضرُّ الناس...

تنفع الناس...

حقوق الله ليست عمود الوجود، بل حقوق الآخر هي عمود الوجود...

إذا لم تصل تضر نفسك، ولكن إذا غششت تضر نفسك والوجود معا!

بعض ( المتدينين ) يتخذ من حقوق الله المقياس الأول في اختيار الصديق ــ مثلا ــ، وفي
تصوري أن المقياس يجب أن يكون حقوق الآخر في البداية.

هل يؤدي حقوق الله ؟

هذا هو السؤال الأول عند أغلب المتدينين

هل يؤدي حقوق الآخر ؟

هذا هو السؤال الأول في تصوري...

الله قد يغفر بخس حقوقه، ولكن لا يغفر بخس حقوق الآخر، هكذا يقول الدين، إذن حقوق الآخر مقدمة على حقوق الله بمنطق الدين نفسه، ولكن هؤلاء يؤكدون على حقوق الله قبل حقوق الآخر!

هؤلاء يسلكون هذا السلوك لان يريدون الخلاص من العطاء!

هؤلاء جرثومة معنوية، دمَّروا الدين والحق والعدل.

كم هو رائع السيد أبو الحسن الأصفهاني!

مات رحمه الله فخرج الأخوة اليهود العراقيون يبكون ويصرخون، يحملون نعشه بكل احترام واجلال وحزن وألم!

نعم!

لقد كان رحمه الله يوصلهم ليلا بحاجات فقراءهم سرا!

حقوق الأخر قبل حقوق الله...

هكذا يقول الدين...

فهل نعمل بهذه القاعدة العظيمة، يا فرسان ( الدولة الرسالية، والحزب الرسالي، والتكليف الشرعي، و الصلاة الصلاة الصلاة)؟

سيد مرحوم
10-23-2004, 09:20 PM
الدين و المتدينون


(5)



غالب حسن الشابندر GMT 15:15:00 2004 السبت 23 أكتوبر



في حلقة سابقة قلت أن جوهر الدين هو الأيمان، وقلت أن جوهر الإيمان هو التخطي، وقلت أن جوهر التخطي هو العطاء، وبالتالي، لا شغل لي بأكثر هؤلاء (المتدينين ) الذين يبالغون في وضوئهم وصلاتهم، ويبالغون بالتشنيع على هذا الشاب أو ذاك بسبب تساؤل عن هذا الحكم الشرعي أو ذاك، ولا شغل لي بالكثير من هؤلاء ممَّن يقرع أسماعنا ليل نهار بالخطب الرنانة عن (الدولة الإسلامية والعمل الرسالي، وشرف الأمة، و حقنا الشرعي، والواجب الشرعي...)، فيما هم يتهالكون على منصب وجاهي تافه، أو كرسي حكومي مهزوز، والآن بودي أن أقول شيئاً آخر عن الدين والمتدينين...
الدين دعوة وليس أوامر!

نعم...

الدين دعوة إلى الإيمان بالله وكتبه وأنبيائه...

أبدا...

ليس هناك أمر بالدين، بل هي دعوة، ذلك أنَّ الإيمان بالله وكتبه ورسله قضية عَقَدية، محلها القلب، وبالتالي، لا معنى للأمر بها، أعمال القلوب ليست محل أمر، بل محل دعوة، دعوة بالعقل والكلمة والحوار والجدال بالتي هي أحسن...

أوامر القرآن الكريم ـ مثلا ــ بالإيمان ليست أوامر مولوية، صادرة من عال إلى سافل، بل هي أوامر إرشادية، هي سجال في تصوري، هي تستبطن بل تظهر دعوة صريحة إلى الإيمان، الإيمان القائم على الحجة والدليل، ولذا ما من آية تأمر بهذا الإيمان إلاّ وهي مشفوعة من خلال تضاعيفها أو من خلال سياقاتها على بيان الآيات والدلالات...

الدين دعوة...

لكن هؤلاء المتدينون حولوه إلى أوامر، حولوه إلى فرمانات!

أكثر من ذلك...

أليس هناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

نعم... وهو فريضة..

ذلك ما يتوسّل به هؤلاء المتدينون في تعليل سلوكهم الأمري المقيت، ذلك ما يتوسلون به وهم يسوقون الناس بالكرباج، أو يرهبونهم بالتكفير و التفسيق، ولكن نسي هؤلاء أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منوط بشروط تكشف عن كونه أمراً بالظاهر، فيما هو دعوة في الباطن...

أن هؤلاء المتدينين تمسكوا بحرفية الخطاب!

الشرط الأول في ممارسة هذه العبادة الطيبة هي أن تحرز أنّ المأمور يستجيب، ويتفاعل مع ( الأمر )، فإذا تحرز عدم استجابته لا يجب ذلك!

ما معنى هذا الشرط الجميل ؟

معناه أنَّ الأمر بالمعروف هو دعوة إلى المعروف وليس أمراً به، معناه إرشاد إلى المعروف وليس فرمانا به، معناه أن تقول له : يا أخي لو تزل هذا الأذى عن الطريق، فأنه من عمل الإيمان، وليس معناه أن تجبره على ذلك.

جوهر الدين هو الإيمان...

جوهر الإيمان هو التخطي...

التخطي لا يكون بالصلاة و الصوم، وإنّما بالدرجة الأولى بالعطاء...

العطاء من النفس، ومن المال، ومن الوقت، ومن الجهد، ومن السمعة... عطاء ناصع ساطع، وليس عطاء المتفضلين بكبرياء تافه...

ثم...

الدين... دعوة...

الإيمان الذي هو جوهر الدين دعوة... وليس أ مرا ...

والمدعو له الحق أن يستجيب، وله الحق أن يرفض... لأن الإيمان من أعمال القلوب، وأعمال القلوب ليست موضوعا للامر، بل موضوعا للدعوة و الحوار والنقاش والمناظرة والجدال...

يقول تعالى ( لا إكراه في الدين... )

الآية الشريفة إخبارية وليست إنشائية، ولم تنسخ أبدا على رأي أكثر العلماء، وكونها إخبارية يعني انَّها تكشف عن حقيقة كبيرة، مفادها :أنْ لا علاقة بين الدين والإكراه، يعني تنفي ضرورة العلاقة المنطقية بين الأيمان بشي وبين الجبر عليه، الآية لا تدعو إلى عدم الإكراه على الدين، بل تقرر المنافاة الطبيعية والضرورية بين الإيمان والإكراه عليه، ولذا لا يمكن أن تكون محل نسخ.

المتدينون خاصة أتباع الأحزاب لسبب وآخر ينسون هذه الحقيقة الكبيرة...

الدين دعوة وليس أمرا...

والحمد لله رب العالمين.

سيد مرحوم
10-25-2004, 11:29 AM
الدين والمتدينون

(6)

غالب حسن الشابندر

GMT 19:30:00 2004 الأحد 24 أكتوبر

تطالعنا الكثير من الأحاديث والروايات الجميلة عن نبي الرحمة والحب، تحمل معان رائعة، وتشي عن أصالة إنسانية كريمة، وكثيراً ما كنّا نسمعها من أبائنا وأمهاتنا، وكثيراً ما كنا نتلقَّاها تعليما وتشجيعا على يد معلمينا الطيبين، وكثيراً ما نقرأها على واجهات الحوانيت والمصانع والمدارس، وكثيراً ما كنّا نقرأها في كتب التربية الدينية، وكثيرا ما نهفو إلى سماعها من قارئ المنبر الحسيني، وكثيرا ما كان يحبذها لنا إمام الجمعة والجماعة، وكثيرا ما نحتجُّ بها على بعضنا، من دون تكلف، وبلا تحذلق، وبلا فلسفة، ومن دون زخرفة كلامية، وتنميط فكري معقد....

هذه الروايات و الأحاديث تتسم بالبساطة والشفافية، تحمل معان سامية، حقا إنَّها سامية، تشي عن رغبة وأمل وحب في تشييد مجتمع طيب، تتفاعل في تضاعيفه القيم، وهي تنطوي على حجة بالغة، في معناها أو في الدعوة أليها... وهي كثيرة، منتشرة في كتب الأحاديث ــ وهذه الكتب بما فيها كتاب البخاري جنت على رسول الله جنايات يندى لها الجبين، وهي كتب يجب تنقيتها وتطهيرها من هذه الخرافات بحق نبي الرحمة والحب، وفي تصوري أن جناية هؤلاء بما في ذلك البخاري على ا لنبي ا لعظيم لا تغتفر، وأصحابها سوف ينالهم عذاب عسير يوم الدينونة الكبرى ــ متوافرة في ألكثير من كتب التربية الدينية.

يروي عن الرسول الكريم (أن المسلم من سلم الناس من يده ولسانه)!

هذه قاعدة إنسانية رائعة، يحار المرء في فهمها مع هذا العنف الذي يمارسه هذا (المتدين أو ذاك) مع الناس! في رواية لأحد الأئمة وهو يجيب عن سؤال يتعلق بحق الزوجة الكتابية بان تصلي صلاتها في بيت زوجها المسلم (أجعل لها في بيتك محرابا!!!!!)، وللأسف الشديد لا أتذكر المصدر ولذا ارويه هنا في المعنى، وفي كلام لعلي بن أبي طالب وهو يتكلم عن موقف المسلم من الآخر (بانّه إمَّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، وفي كلام للنبي العزيز (من غشنا ليس منّا)، وفي القرآن الكريم (لا يجرمنكم شنآن قوم أن لا تعدلوا أعدلوا ذلك أقرب للتقوى...) ...

من هذه الروايات والآيات الكثير ...

ولكن ما الذي حدث؟

(المتدينون الرساليون، السياسيون / واشك في قدراتهم السياسية كثيرا) هجروا هذه الروايات، وبدل الدعوة إليها صارت الدعوة إلى الدولة الإسلامية، والدعوة إلى الوعي الرسالي، والدعوة إلى التنظيم الحزبي، والدعوة إلى الثورة الإسلامية، و الدعوة إلى التقاطع مع المجتمع لأنه جاهلي، و الدعوة إلى التعبيس بوجه الفاسق ... وهكذا...

في تصوري البسيط من الضروري العودة إلى تلك القواعد الحلوة الجميلة (الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة)...

نعم

تلك هي مبادئ الدين الأولى...

تلك هي ينابيعه الأولى...

كم يعجبني محمد باقر الصدر!

رحمة الله على تلك الروحية الإنسانية الراقية...

هذا الرجل الكبير لم ينس هذه المبادئ الكريمة، رغم انشغاله بالفكر الفلسفي العميق، ورغم انغماسه بالتنظير الرهيب، رغم كل ذلك لم ينس هذه المبادئ الجميلة، كانت تسيطر حتى على تقيماته الفكرية في بعض الأحيان!

كانت عنده هي الأساس...

هي الجوهر...

نعم

هاهو رحمه الله يقول عن الماركسيين (طلبوا الفردوس فاخطاوا الطريق)!

رحمه الله على تلك الروح السامية...

أقرأ كلماته هذه فيما يتناهى إلى سمعي قول بعض (المتدينين) ـ من ذوي الدخل غير المحدود ـ موجِّها خطابه لي (مولانا... هذا كلامك مثل كلام الشيوعيين أجلَّك الله...)!

نفحة من نفحات علي بن أبي طالب (من طلب الحق فا خطاه ليس كمن طلب الباطل فأصابه)...

قالها في حق الخوارج وهم الذين مزّقوا جيشه شرّ ممزّق.

الدين في تصوري البسيط هو تلك المبادئ الأولى، ا لبسيطة، الشفافة، وعندي أن متديناً يجمع أبنا ء منطقته في العراق لتنظيفها من بلاء القمامة اشرف من ذلك المتدين الذي يسجد خمس دقائق وبدون عطاء.

قلت وأقول...

إن العمل هو قوام وعمود الوجود، وليس الصلاة...رغم أنها واجبة بشريعة الله...

العودة إلى تلك النفحات النبوية الإنسانية خير من هذا الصخب باسم الإسلام...

مقارنة بسيطة بين الحالتين وقوُّموا النتائج!

والحمد لله رب العالمين