المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معاوية بن ابي سفيان



سلسبيل
11-28-2010, 08:18 AM
من قلم : زهير كمال - عرب تايمز



اما ابو بكر فلم يُرِد الدنيا ولم تُرده ، واما عمر فقد ارادته ولم يُردها ، واما نحن فقد تمرغنا فيها ظهراً لبطن.

معاوية بن ابي سفيان


في عصرنا عوامل كثيرة تعمل على تكوين شخصية الفرد ، العائلة ، المدرسة ، الاصدقاء ، الكتب ، التلفاز وسيلعب الانترنت دوراً في المستقبل كذلك . قبل اربعة عشر قرناً : لم يكن هناك سوى تأثير الأب والى درجة أقل الأم ، ثم القبيلة ، ولهذا نجد أمثالاً انتقلت الينا مثل : من شابه اباه فما ظلم ومثل الولد سر أبيه . وقياساً نستطيع القول: بشكل عام يمكننا معرفة الابن اذا عرفنا الأب . ويمكننا ايضاً معرفة الاب اذا عرفنا الابن (هناك استثناءات بالطبع) .

معاوية ولد في بيت يكره الإسلام ورسوله كرهاً شديداً، فأمه لاكت كبد حمزة عم الرسول(ص)، هل يمكن تخيّل امرأة بهذه القوة وهذا الحقد؟ وقد افردت مقالاً عن والده ابي سفيان وموقفه من الرسول . وتحفل كتب التاريخ برواية أفعال معاوية والمدى الذي وصل اليه من اجل الوصول الى السلطة والحفاظ عليها ومنها قوله ان لله جنوداً من عسل عندما أوعز بدس السم للحسن بن علي للتخلص من المنافسة ، ولكن دراسة ابنه يزيد تعطينا افضل معرفة لمعاوية الشاب ، رب العائلة والاب .

يزيد بن معاوية مزّق القرآن، وسمح لجنوده باستباحة مدينة رسول الله (ص) وعاصمة خلفاءه الراشدين بعد معركة الحرّة لمدة ثلاثة ايام ، وضرب الكعبة بالمنجنيق، وقتل حفيد رسول الله (ص) الحسين بن علي. هل يمكن بعد هذا كله أن يكون قد تربى في بيت إسلامي، وماذا نستنتج عن أخلاق ابيه واقتناعه بالدين الجديد.

في نفس جيل يزيد مثلاً، الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير، حيث اصطدم الإثنان معه، نرى بوضوح تأثير التربية الإسلامية، لم يحتج الأمر الى عدة أجيال لترسيخ الدين الذي كان ثورة على كل المفاهيم والتقاليد المتعارف عليها، وكل من إقتنع به ودخل الإيمان قلبه ربى أولاده تربية جديدة .

أما البعض، ومن بينهم بعض الطلقاء فقد كانوا يمارسون طقوساً جديدة غير مقتنعين بها وعندما تولى يزيد الخلافة لم يجد حرجاً في إظهار عدائه القاطع وعدم اقتناعه واستهانته بمشاعر رعيته في استباحة مدينة الرسول.

هل يمكن الاستنتاج ان معاوية قد استعمل ( التقية ) طيلة حياته للوصول الى السلطة والاحتفاظ بها، فلم يكن لديه سوى مشكلة واحدة : ان كامل رعيته من المسلمين.

مما يؤسف له في عصرنا وجود من يخلط بين التاريخ والدين، فيعتبر ان السلف كله صالح ولا يجب المساس به ، وقد يفهم هذا على اساس الغيرة على الدين الذي يواجه هجمة شرسة من اعداءه .

نقد السلف مدحاً او ذماً لن ينقص من حسناتهم او يزيدها ، وحسابهم عند ربهم ونحن انما نستفيد من دراسة تاريخهم وتجاربهم ونتعلم منها. وكمثل على هذا الخلط ، القول بان معاوية كاتب وحي، وفي هذا القول رفع لمرتبة القداسة والتبجيل واستعمال للمفاهيم الدينية كي تطغى على التاريخ .

كتابة الوحي تعني تدوين الآيات القرآنية ، ويعتقد البعض ان الرسول كان يختار المدوّنين من بين العديد من المتقدّمين وينتقي أتقاهم وأفضلهم وأكثرهم ايماناً مثل زيد بن ثابت.
وانما هذا قياس على زمننا ، ولو علمنا ان عدد الذين يكتبون في تلك الفترة انما يعد على الاصابع ، لم يشترط الرسول مواصفات معينة للكاتب، ويجدر ذكر: ان الرسول عند فتح مكة لم يحلّ سوى دم ثلاثة فقط كان احدهم (كاتب وحي) هو عبدالله بن ابي سرح .

استيلاء معاوية على السلطة بتر للتجربة الاسلامية الرائدة في اختيار المنصب الأول وارجاع عقارب الساعة للوراء بالعودة الى التوريث. فالخلفاء الراشدين الاربعة لا يمت أحدهم بصلة للآخر وربما في حالة استمرار التجربة فستصبح سنّة مؤكدة من سنن الاسلام تميّزه عن غيره وستنتقل الخلافة من قريش الى غيرها من القبائل، فالتنافس يوصل الى المنصب الأول من هو جدير به، وسينهي دور الذين يولدون وفي فمهم ملعقة من ذهب. ولا يخفى انهيار الدولة كل فترة من الزمن واصابة الأمة بالجمود والتخلف جرّاء تولي السلطة اشخاص لا يصلحون للحكم.

استيلاء معاوية على السلطة أنهى دولة الفقراء والمساكين التي وضع أسسها عمر بن الخطاب، الخليفة الذي وصف نفسه بأنه أجير الامة ، ألم يقل ( أن للراعي في صنعاء حق في هذا الفيء، يجب أن يصل لعنده ) ، اي بدون أن يجشم الفقير نفسه مشقة السفر للحصول على حقه . الم يقل (ان الله فرض على الاغنياء ما يكفي فقراءهم) . الم يقل ( يا معشر الفقراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح الطريق ) .

اغتصاب السلطة هذا حوّل دولة الفقراء الى دولة ينتظر الناس فيها خليفة او حاكماً، قد يأتي وقد لا يأتي، ينحاز الى الفقراء مثل عمر بن عبد العزيز، وبعض النسمات البسيطة التي هبت عليها ولم تعش طويلاً خلال هذا الزمن الطويل . والدليل: الوضع الذي نحن عليه الآن. والفرق كبير بين دولة للفقراء ودولة ينحاز حاكمها اليهم.

ولعل المثل التالي دليل واضح على شكل الدولة والحاكم الذي ابتليت به الامة منذ اغتصاب معاوية للسلطة وحتى يومنا هذا .

جاء شاب من بني عذرة الى الخليفة معاوية يشكو له واليه ابن ام الحكم وخلاصة الشكوى أن الشاب كان متزوجاً بابنة عمه واسمها سعاد وقد أنفق ما يملكه عليها فشكاه أبوها الى الوالي الذي عندما شاهدها أعجب بجمالها فحبس الشاب وأجبره على تطليقها، ثم قام بإعطاء أبوها عشرة ألاف درهم

فزوّجه إياها. ثم أتى الشاب الى دمشق عند إطلاق سراحه وقال:

أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غياث المحزون الملهوف المكروب، وسند المسلوب، فهل من فرج؟

بكى الشاب وأنشأ يقول : في القلب مني نار والنار فيها شرار

والجسم مني نحيل واللون فيه اصفرار

والعين تبكي بشجو فدمعها مدرار

والحب ذا عبر فيه الطبيب يحار

حملت فيه عظيماً فما عليه إصطبار

فليس ليلي بليل ولا نهاري نهار

رق قلب معاوية للشاب وكتب الى ابن ام الحكم يؤنّبه على ذلك ويعيبه عليه، ويأمره بطلاقها قولاً واحداً.

تقول الرواية أن ابن ام الحكم قد سرّ من كتاب الخليفة وتنفس الصعداء فهو يريد طلاقها ولا يعرف كيف، بعد ان طلقها من زوجها. طلقها وسيّرها الى معاوية ، فلما وقفت بين يديه رأى منظراً جميلاً، فلما كلّمها فأذا هي من أفصح الناس وأحلاهم كلاماً وأكملهم جمالاً ودلالاً.

قال معاوية لأبن عمها: يا إعرابي هل من سلوّ عنها بأفضل الرغبة. يطلب منه نسيان امرأته ويعطيه ما يرغب . قال الشاب: نعم اذا فرقت بين رأسي وجسدي ثم أنشأ يقول :

لا تجعلني والأمثال تضرب بي كالمستغيث من الرمضاء بالنار

اردد سعاد على حيران مكتئب يمسي ويصبح في هم وتذكار

قد شفه قلق ما مثله قلق وأسعر القلب منه اي إسعار

والله والله لا أنسى محبتها حتى أغيب في رمسي وأحجاري

كيف السلو وقد هام الفؤاد بها وأصبح القلب عنها غير صبار

قال معاوية: فإنا نخيرها بيني وبينك وبين ابن ام الحكم، فأنشأت سعاد تقول:

هذا وإن أصبح في إطار وكان في نقص من اليسار

أحب عندي من أبي وجاري وصاحب الدرهم والدينار

اخشى اذا غدرت حر النار

ضحك معاوية وأمر لهما بعشرة الاف درهم وملابس وبعير للركوب وتزوجا بعد انقضاء عدتها.

لا شك ان هذه الكمية من الأبيات الشعرية دليل على حدوث الواقعة التي اوردها ابن الجوزي في المنتظم وابن كثير في البداية والنهاية.

أكثر ما يبعث على الأسى في هذه القصة ان مواطننا المسكين لم يتغير حاله مع اصحاب الحكم والسلطة منذ انتقال الخلافة الى دمشق، على المواطن انتزاع حقه من صاحب الامر وهو مسلّم امره له فهو الخصم وهو الحكم ويا له من حاكم وقاض مزاجي تأتي على رأس اولوياته اشباع رغباته ويستطيع بسلطانه فرض رغباته على المواطن الغلبان الذي لا سند له . وقد لا يكون الامر بحدة المثل الوارد في معاوية وزوج سعاد بل قد تتدرج من تعطيل معاملة وتصبح اكثر حدة عند حرمانه من حقه في رغيف الخبز وامكانية الحصول عليه بشرف.

دولة كهذه فيها حاكم هدفه الوصول الى السلطة من اجلها انما يخلق مجتمعاً يكثر فيه المنافقين والمطبّلين والمزمّرين والنافخين والانتهازيين والذين يعرفون من اين تؤكل الكتف والجهلة الذين يقدّسون الحاكم فهم لا يعرفون معنى الحكم الرشيد وفي نظرهم ان الحكم هو ما يرونه امامهم ، ولا يعرفون مدى الاستلاب الواقع عليهم. وحتى الدفاع عن الاوطان اصبح مسالة فيها وجهة نظر ، وها هو مواطننا اليائس يهرب من بلاده بعد ان استحال العيش بشرف.

حالة الانكسار والسلبية التي يعيشها المواطن العربي لها جذور ضاربة في التاريخ ، ما اسهل توحّد المواطنين ووقوفهم في وجه الاحتلال والاجنبي ، اما في وجه الحاكم الذي يستعمل الدين ليفرض سطوته وسلطته فهو يقف جامداً حائراً امام الظلم الواقع عليه .

ما جرى في التاريخ لا يستطيع أحد تغييره ولكن من حقنا ان نعرف حقيقة ما حدث فعلاً ، وهذا يحتاج الى جهد وتعب من الباحثين الشباب ، خاصة وان الكتب التاريخية ومحركات البحث اصبحت متوفرة بشكل ممتاز في ايامنا هذه ، ولعل الدكتور احمد ابو الشباب قد انتبه لذلك فقال في مقدمة كتاب الفاروق عمر للشيخ محمد رضا : وقد وصلت الينا هذه التركة ( الكتب التاريخية ) لا على انها تمثل تاريخنا ، بل انها مادة غزيرة جديرة بالبحث والدرس يستخرج منها تاريخنا بعد نفي زيادات الهوى ورواسب الغرض.




http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID=18636