المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المغيرة بن شعبة الثقفي



فاطمي
11-13-2010, 01:19 AM
من قلم : زهير كمال

عرب تايمز

اعادة كتابة التاريخ ج4

يساعد في اعادة كتابة التاريخ دراسة حياة رجال الصف الثاني الذين مارسوا العمل السياسي في تلك الفترة التي لم يتم فيها تسجيل التاريخ مباشرة ، فترة الخلفاء الراشدين والاسرة الاموية . وفي العادة تزخر الكتب بأخبار الخلفاء سواء كانت اقوالاً او أفعالا ، معارك خاضوها وانتصارات حققوها.

رجال الصف الثاني لا ترد اخبارهم في الغالب الا مع اخبار الخليفة ، ويمكن لباحث جاد ان يعرف بعض الخفايا بدراسة حياتهم، فكتب التاريخ ليست منحازة ضدهم وليس للمؤرخ مصلحة في تغيير الوقائع لتناسب مشتري الكتاب الوحيد، الخليفة او الوالي

من بين هؤلاء الرجال المغيرة بن شعبة الثقفي الذي كان رجلاً فاعلاً في الحياة السياسية منذ عهد الرسول وحتى وفاته بينما كان والياً للكوفة اثناء خلافة معاوية.

عرف الرجل بانه أحد الدهاة الاربعة في بداية الاسلام وقد قالوا عنه انه اذا صادف مشكلة عويصة فانه يجد سبعة طرق لحلها.

حتى نصل الى موضوع المقال سنستعرض بعض المحطات الهامة في حياته

1. اول من اقيمت ضده محكمة بتهمة الزنا ، وقد استطاع النفاذ منها لنكوص الشاهد الرابع فاقيم حد شهادة الزور على الثلاثة الذين رأوه يمارس الفعل الفاحش ، كان الجميع متاكداً من وقوع الفعل ولكن عمر بن الخطاب لديه تشريع واضح لا يستطيع مخالفته : توفّر اربعة شهود .

ميزان العدالة اعمى والجميع سواسية امامه.

2. اول من قام بسبّ علي وآل البيت على المنابر في خطب الجمعة ، امره معاوية بن ابي سفيان بعد ان استتب الامر له بهذا العمل وفعلها بصفته والي الكوفة ثم تبعه الجميع ، وكان تأثير هذا الاعلام الحكومي تكوّن جيل جديد يحقد على علي وآل البيت .

بعد خمسة عشر عاماً حدثت معركة كربلاء التي استشهد فيها الحسين وكل آل البيت عدا طفل رضيع ، لم تكن المذبحة ناتجة عن شراسة جنود ينفّذون اوامر عسكرية بل كانت نتيجة تعبئة وغسل دماغ على مدار فترة طويلة من الزمن .

3. طريقة اسلام المغيرة كانت فريدة من نوعها ، رواها بفخر ونقلتها الكتب على لسانه ، وفيما يلي تلخيص لها:

احب بعض شباب ثقيف ابناء عمومته من بني مالك السفر الى الاسكندرية للنزهة واحب المغيرة السفر معهم، ويمكن القول انه فرض نفسه عليهم ، قرّب المقوقس حاكم المدينة شباب بني مالك وبادلهم الهدايا اما المغيرة الذي لا يحمل شيئاً معه فلم ينل الحظوة كالآخرين.

قبل عودتهم اشتروا الهدايا لأهاليهم ولم يعر أحداً منهم اهتماماً له ، على حد قوله، في طريق عودتهم الى الطائف كانوا يتسامرون ويشربون الخمر كل ليلة قبل نومهم، فكّر المغيرة انه عند عودتهم الى اهاليهم سيخبرونهم بتقصير وازدراء المقوقس به، فأجمع على قتلهم جميعاً، عندما اقتربوا من المدينة ادّعى المرض ولم يشرب معهم ، بل قام بخدمتهم ومناولتهم الاقداح واحداً بعد الآخر حتى أهمدتهم وقام بقتلهم جميعاً وسلب كل اموالهم، قدم الى النبي في المدينة فوجده جالساً بين اصحابه في المسجد، عرفه ابو بكر وسأله ابن اخي عروة ؟ ( عروة بن مسعود الثقفي)

رد المغيرة: نعم، جئت اشهد ان لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله.

قال رسول الله (ص): الحمد لله هداك للإسلام.

فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟

قلت: نعم

قال: فما فعل المالكيّون الذين كانوا معك؟

قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رسول الله (ص)، ليأخذ الخُمس أو يرى فيها رأيه، فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدّق بمحمد (ص).

قال رسول الله (ص): أما إسلامك فقبلته ولا آخذ من أموالهم شيئاً ولا أخمّسه لأن هذا مال غدر!

والغدر لا خير فيه.

فاخذت (أضرب أخماساً في أسداس) وقلت: يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت حيث دخلت عليك الساعة.

قال (ص): فإن الإسلام يجُبُّ (يلغي) ما قبله.

دخل المغيرة الإسلام وفي ذمته ثلاثة عشر شاباً من بني مالك أولاد أعمامه وبني قبيلته، غدرهم واغتالهم عن بكرة أبيهم ..

كل ذنب أولاد عمومته أنهم أغنى منه، وأنهم سيعيّرونه أخذهم حظوة لدى حاكم الاسكندرية لم يأخذها. هذا ما ادعاه ولكن الطمع في ممتلكاتهم كانت السبب في ما اقترفته يداه في خسّة قل مثيلها .

قام المغيرة بمجزرة جماعية في تلك الليلة ولم ترمش له عين، يذبح الشاب تلو الآخر بدم بارد، وجميعاً لا حول ولا قوة لهم، وليس عندهم فرصة للدفاع عن أنفسهم.

وها هو يساوم الرسول (ص) على مقتنياتهم التي سرقها، إذا كان يريد الخمس، أو يرى فيها رأيه، ويعتقد انه لا فرق بين الدين الجديد والجاهلية وعقلية الغزو والسرقة والغدر.

رفض الرسول بالطبع مسّ مال المغدورين فهذه ليست أخلاق الإسلام..

يا لها من طريقة لدخول الدين الجديد، ليتخلص من مأزقه ، وما جنت يداه، ويبدو أن معرفته بمبادئ الدين الجديد قبل أن يدخل فيه لم تكن بالقليلة.. فهو يعلم أن الإسلام يجُبُّ ما قبله وما فِعلته إلاّ قتل مشركين، رغم انه حكم عليهم بالموت حتى بدون أن يعرض عليهم الدين الجديد فيرفضوه..

ولم نرى استغلالاً للدين وتسييراً لمصلحة خاصة، مثل هذا الاستغلال البشع فكل من تخلى عن الافكار القديمة وتبنى افكاراً جديدة ضحّى وتعذّب وخسر من أجل قناعاته الجديدة ، وسيظل هذا هو النمط السائد ، إلا صاحبنا هذا الذي كان يعرف دخيلة نفسه وما جبلت عليه من شر فكان دائماً يسأل رسول الله عن الأعور الدجّال، صفاته وأفعاله، وإذا قدم ام لا وإن لم يأت فمتى موعد قدومه وغيرها من التفاصيل الصغيرة. وكان الرسول صبوراً معه الى درجة كبيرة ويجيب على كل أسئلته ( ذلك انه كان يرى بعين واحدة ).

4. من المعروف ان فيروز المجوسي قاتل عمر كان عبداً للمغيرة حصل عليه في معركة نهاوند كما تم تفصيله في مقال فيروز . وكما يبدو من سياق الاحداث فان تهمة التآمر اتجهت بعيداً عنه ، وتمّ الصاقها بآخرين كما ورد في كافة الكتب القديمة . ولكن الملاحظ ان اخبار المغيرة اختفت من الكتب طيلة فترة خلافة عثمان بن عفان اي لمدة اثني عشر عاماً ، فقد ولى عثمان سعد بن ابي وقاص والياً على الكوفة بدلاً منه ( في رواية ان عمر اوصى بان يحتفظ الخليفة بولاته لمدة عام ، وهي رواية ضعيفة) . كان آخر خبر عنه قول عثمان لعلي بن ابي طالب بعد عزله : "ماذا تريدون أكثر من ذلك، ها أنا قد عزلته عن عمله."

وجملة )ماذا تريدون أكثر من ذلك( هي مفتاح الموضوع. فهناك لغط كثير بين الصحابة والناس حول دور المغيرة في الاغتيال .

يشبه اختفاء المغيرة هذه المدة الطويلة كمن يكتب مقالاً ويترك عدة أسطر فارغة اثناء مناقشة فكرة هامة ، فالرجل كان مولعاً بالحكم وقد ذكر عنه قوله : "أحب الأمارة لثلاث، وأكرهها لثلاث..

أحبها لرفع الأولياء، ووضع الأعداء، واسترخاص الأشياء..

وأكرهها لسرعة البريد، وخوف العزل، وشماتة العدو.."

لم يظهر المغيرة ثانية الا في نهاية عهد عثمان عندما كان محاصراً حيث وجه له النصيحة ، وفي بداية عهد علي حيث وجه له نصيحة اخرى ثم انضم الى معاوية وبدأت اخباره ترجع ثانية الى الكتب .

اختفاء المغيرة يحمل دلالات هامة من بينها ان الذين عاشوا في تلك الفترة يوقنون انه مشترك رئيسي في اغتيال عمر، ويعني ان المشتركين في المؤامرة كانوا من القوة والقدرة بحيث استطاعوا السيطرة على نشاطه وحركاته طيلة هذه المدة الطويلة .

لا يتسع مقال قصير لسرد ملامح هذه الشخصية العجيبة ولكن اذا كرهت الرجل مما ورد ، فتأكد انك لست وحدك فكل من عاصره واحتك به ساوره نفس الشعور فقد وصفوه بالحية الرقطاء ذات القرصة القاتلة.